في المقال الأول اتكلمنا عن أهمية ودور العقل في الإيمان المسيحي. لكن، المرة دي عاوزين نوضح نقطة مُهمة، إن الإيمان المسيحي مش إيمان عقلاني بحت، بمعنى إنه الإيمان مش شبيه بالبحث العلمي المُجرد، الإيمان جزء أصيل من الطبيعة البشرية، ومن المُستحيل نزعه من الخبرات الإنسانية واختزاله في العقل فقط.
C. S. Lewis وهو واحد من الأدباء المسيحيين واللي كان له فلسفة ورؤية في شرح الإيمان المسيحي بمنهجية عصرية مُناسبة للإنسان الحاضر. وهو كان مُلحد وآمن بالمسيحية، بيكتب عن اختباره ده وبيقول إن إنجذابه للإيمان كان سببه إن الإنجيل (البشارة أو الإيمان المسيحي) بيقدم معنى، مش علشان بيقدم مُجرد افتراضات صح: "إن العقل هو الأداة الطبيعية للحق، ولكن الخيال هو أداة المعنى" (Rehabilitations and Other Essays (London: Oxford University Press, 1939), 158.).
فالجاذبية والقيمة الحقيقية للإيمان المسيحي، بتتمثل عند بعض الناس في إنه بيقدم نوعية عبادة راقية، أو قدرته على التلامس مع المشاعر والمفاهيم الإنسانية، أو النتائج الأخلاقية اللي بتصدر عنه، وفي أمور تانيه كتير أعمق من مُجرد الافتراضات الصحيحة اللي بيقدمها، لإن الإيمان مش مُجرد معرفة، دا بيحمل بُعد علائقي وجودي للخروج من ذاتك ووضع الثقة في آخر. ودا اللي بيوضحه C. S. Lewis في غير موضع، وبيقول: "إنك لا تواجه حجة تطالبك بأن توافق عليها، بل شخصًا يطالبك بأن تثق فيه" (“On Obstinancy in Belief,” C. S. Essay Collection).
ويل ديورانت (وهو لا أدري) بيأكد على الأمر دا في كتابه المُترجم باسم (مباهج الفلسفة)، إن المعرفة البشرية مهما كانت بتخضع للخبرة والتطور، فالمعرفة اللي بتكون عندنا واحنا أطفال، بتتغير تمامًا في سن المُراهقة عنها في منتصف العمر: "إن المعرفة، التي تنتج من خبرات الحياة، واللقاء مع الحقيقة، لهو أمر مُختلف تمامًا، وبعيد كل البعد عن تلك الدائرة الضيقة من التفكير، التي سبق ووضعت نظامًا أنيقًا في كل شئ" (الجزء الأول، ص34). فالإيمان – على العكس من العلم – بيقدم النوع دا من التفاعل مع الخبرات البشرية، وبيتطور معانا مع الوقت، وبالتأمل، والشك، والدهشة، وأحيانًا حتى الصمت. بعكس العلوم الرياضية اللي بيُفترض أنها صادقة مُباشرة بغض النظر عن الحس البشري.
ففي الواقع، الإنسان بيحتاج للحس والعقل، فالحس هو معيار الحقيقة، والعقل هو مُكتشفها. فالإنسان في احتياج للجمال والقبح والفلسفة والحكمة والأخلاق والفن، بجانب العلم، علشان يكون إنسان حقيقي كامل، عنده شعور ووجدان، مش مُجرد آلة رقمية. الحس والشعور اللي بنشعر عن طريقه بجمال الموسيقى ونتذوق آلحانها، من غير ما نقدر عقليًا نوصفها بتعبيرات نظامية مفهومة وصريحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق