يشير خصوم الكتاب المقدَّس من النقَّاد إلى أن وثائق العهد الجديد لا يمكن الثقة بها إذ أنها كتبت على يد تلاميذ يسوع أو المسيحيين فيما بعد. وهم يقولون إنه ليس هناك ما يؤيد شخصية يسوع أو أحداث العهد الجديد في المصادر غير المسيحية. وليس هذا الإدعاء باطلاً فقط، بل أن جايسلر يقول أيضاً في هذا الصدد:
إن الاعتراض بأن هذه الكتابات غير حيادية يتضمن إشارة خطيرة وغير صحيحة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الشهود إذا كانوا على صلة وثيقة بالشخص الذي يدلون بشهاداتهم عنه. ومن الواضح أن هذا إدِّعاء باطل. فإن من نجوا من مذابح النازية كانوا بالقرب من الأحداث. كانوا هناك وواجهوا تلك الأحداث بأنفسهم. وينطبق الأمر نفسه على شاهد المحكمة الذي نجا من هجوم ضاري. وينطبق هذا أيضاً على من نجوا من الغزو النورماندي أثناء الحرب العالمية الثانية أو الهجوم الأمريكي في حرب فيتنام. لا يجب اعتبار شهود العهد الجديد فاقدي الأهلية لأنهم كانوا على صلة وثيقة بالأحداث التي يروونها.
ويضيف
قائلاً:
لنفترض أن هناك أربعة شهود عيان على حادثة قتل. وكان هناك شاهد آخر وصل إلى مكان الحادث بعد وقوعه ولم ير إلا جثة القتيل. وسمع آخر رواية غير مباشرة عن الحادث. وفي أثناء المحاكمة ترافع محامي الدفاع قائلاً: فيما عدا شهود العيان الأربعة، تعد شهادة الإثبات ضعيفة، ويجب رفض الدعوي لعدم كفاية الأدلة. وهنا سوف يعتقد الحضور أن المحامي يحاول المراوغة، إذ أنه يصرف انتباه القاضي والمحلفين عن الشهادة القوية إلى الشهادة الضعيفة. ومن الواضح أن هذا المنطق غير سليم. وبما أن شهود العهد الجديد كانوا هم الشهود وحدهم ليسوع وكانوا معاصرين له، فمن الخطأ تحويل الانتباه عنهم إلى المصادر العلمانية غير المسيحية. ورغم ذلك، فمن المفيد أن نبين ما هي البراهين المؤيدة ليسوع والتي يمكن جمعها خارج نطاق العهد الجديد.[1]
الشهادات
التالية تمت مناقشتها بتفصيل أكثر في الكتاب الذي ألَّفته مع بيل ويلسون: «سار
بيننا».[2]
1(ج) تاسيتوس:
يعتبر
تاسيتوس الذي عاش في القرن الأول أحد أكثر المؤرخين دقة في العالم القديم. وهو
يروي لنا أحداث حريق روما العظيم الذي يُعتقد أن الإمبراطور نيرون هو السبب فيه:
وعلى ذلك، وحتى يتخلص من الإشاعات والأقاويل، ألصق نيرون التهمة بطبقة بغيضة من الناس يطلق عليهم اسم المسيحيين، وأنزل بهم أقسى ألوان العذاب. وكان المسيح، الذي منه يشتق اسمهم، قد كابد عقوبة الموت في أثناء حكم طيباريوس على يد أحد الحكَّام وهو بيلاطس البنطي، وبذلك خمدت أحد أشرَّ البدع، ولكنها عادت لتنتشر من جديد ليس في اليهودية فقط، المصدر الأول لهذا الشر، ولكن في روما أيضاً حيث يجد كل ما هو بغيض ومخزي من كل بقاع العالم مرتعاً له ومن ثم يشتهر.[3]
إن
أشر البدع التي يشير إليها تاسيتوس هي على الأرجح قيامة يسوع. وهو ما يشير إليه
أيضاً سيوتونيوس كما يلي.
2(ج)
سيوتونيوس:
كان
سيوتونيوس واحداً من أهم رجال بلاط الإمبراطور هادريان (الذي حكم فيما بين
117-138م). وأقواله تؤيد ما جاء في أعمال الرسل 18: 2، وهو أن كلوديوس أمر جميع
اليهود (ومن بينهم بريسكلا وأكيلا) بترك روما في عام 49م. وهو يشير إلى اثنين من
الأحداث الهامة:
لما كان اليهود يقومون بأعمال شغب مستمرة بتحريض من المسيح، طردهم من روما (Suetonius, Life of Claudius, 25.4)
وفي حديثه عن الأحداث التي أعقبت حريق روما العظيم يقول سيوتونيوس: لقد فرضت العقوبات على المسيحيين، وهم جماعة من الناس يتبعون بدعة شريرة جديدة. (Suetonius, Life of Nero, 16)
ولما
كان سيوتونيوس قد سجل هذه الأحداث بعد حوالي خمسة وسبعين عاماً من وقوعها، لم يكن
في وضع يؤهله لمعرفة ما إذا كانت أعمال الشغب هذه بتحريض من شخص يدعي المسيح أم
بسبب هذا الشخص، وهو يشير على الأرجح إلى النزاع الذي نشأ بين الشعب اليهودي بشأن
شخصية يسوع.
3(ج)
يوسيفوس:
كان
يوسيفوس (حوالي 37-100م) مؤرخاً يهودياً وفريسياً من نسل الكهنة، ورغم ذلك كان
يعمل في ظل السلطة الرومانية، وكان حريصاً على ألا يثير استياء الرومان. وبالإضافة
إلى سيرته الذاتية كتب أيضاً اثنين من الأعمال الهامة وهما: الحروب اليهودية (77-
78م)، آثار اليهود (حوالي 94م). وكتب أيضاً عملاً آخر أقل شأناً وهو ضد أبيون
وتقدم الكثير من أقواله، إجمالاً وتفصيلاً، البراهين التاريخية التي تؤكد صحة كل
من العهد القديم والعهد الجديد للكتاب المقدَّس.
1(د)
شهادته للأسفار القانونية:
يؤيد
يوسيفوس وجهة النظر البروتستانتية بشأن الأسفار القانونية للعهد القديم في مقابل
وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي تبجل أسفار أبوكريفا العهد القديم.
بل إنه يسرد أسماء الأسفار وهي مطابقة للأسفار التسعة والثلاثين للعهد القديم عند
البروتستانت. وهو يصف الأسفار التسعة والثلاثين في اثنين وعشرين مجلداً حتى تتفق
مع عدد حروف الهجاء العبرية فيقول: لأنه ليس لدينا هذا العدد الكبير من الكتب التي
تخالف وتناقض بعضها البعض (كما هو الحال عند اليونانيين)، ولكن لدينا اثنين وعشرين
سفراً فقط تحتوي على سجلات لكل العصور الماضية، ونؤمن حقاً أنها إلهية، ومنها خمسة
أسفار لموسى وهي تحتوي على الشريعة ... الأنبياء الذين أتوا بعد موسى دونوا ما حدث
في أيامهم في ثلاثة عشر سفراً. أما الأسفار الأربعة الباقية فتحتوي على تسابيح لله
وتعاليم لتقويم حياة البشر.[4]
ويشير
يوسيفوس إلى النبي دانيال كأحد كتَّاب القرن السادس قبل الميلاد.[5]
وهذه
الإشارة تؤكد،كما يقول جايسلر: الطبيعة غير العادية لنبوات دانيال العجيبة عن
الأحداث التاريخية اللاحقة لعصره. وعلى خلاف ما ورد في التلمود لاحقاً، فمن الواضح
أن يوسيفوسيذكر دانيال ضمن الأنبياء، إذ أنه ليس ضمن أسفار موسى أو القسم الخاص
بـ«تسابيح الله» الذي يحتوي على المزامير والأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد. وهذا
يؤيد الزمن المبكر لدانيال.[6]
2(د)
شهادته للعهد الجديد
1(هـ)
يعقوب أخو يسوع
يشير يوسيفوس إلى يسوع كأخ ليعقوب الذي استشهد. وإشارة إلى رئيس الكهنة حنان كتب: ... جمع كل مجمع السنهدريم من القضاة وأحضر أمامهم يعقوب أخا يسوع المسمى المسيح، وآخرون معه (أو بعض رفقاءه) وبعد أن وجَّه إليهم الاتهام بمخالفة الناموس، سلَّمهم للرجم.[7]
وهذه
الفقرة التي كتبت عام 93م تؤكد ما ورد بالعهد الجديد من أن يسوع كان شخصاً حقيقياً
عاش في القرن الأول، وأنه كان يعرف باسم المسيح، وأنه كان له أخ يسمى يعقوب مات
شهيداً على يد رئيس الكهنة ألبينوس ومجمع السنهدريم.
2(هـ)
يوحنا المعمدان:
كما أكد يوسيفوس أيضاً وجود واستشهاد يوحنا المعمدان الذي بشر بيسوع.[8]
وينفي
أسلوب الفقرة التالية أي شك في تدخل المسيحيين في إعادة صياغتها:
اعتقد بعض اليهود أن الدمار الذي لحق بجيش هيرودس كان من الله، وكان جزاءً عادلاً لما فعله بيوحنا الذي يطلق عليه اسم المعمدان، لأن هيرودس قتله. وكان يوحنا رجلاً صالحاً وأمر اليهود باتِّباع الفضيلة والبر مع بعضهم البعض والتقوى أمام الله، ومن ثم يعتمدون.[9]
والاختلاف
بين رواية يوسيفوس ورواية الإنجيل عن يوحنا المعمدان هو أن يوسيفوس قال إن معمودية
يوحنا لم تكن لمغفرة الخطايا بينما أقر الإنجيل ذلك (مرقس 1: 4)، وقال إن يوحنا
قتل لأسباب سياسية وليس لشجبه لزواج هيرودس من هيروديا. وربما أراد هيرودس، كما
يشير بروس إلى ذلك، أن يصيب عصفورين بحجر واحد باعتقال يوحنا. وفيما يتعلق بالخلاف
حول معمودية يوحنا، يقول بروس إن الأناجيل تقدم رواية أكثر احتمالاً من الناحية
التاريخية الدينية وأنها أقدم من كتابات يوسيفوس ومن ثم فهي أكثر منها دقة. إلا أن
ما يهمنا هو أن الأحداث العامة التي ذكرها يوسيفوس تؤكد ما تذكره الأناجيل.[10]
3(هـ)
يسوع
وفي
أحد النصوص التي يدور حولها الخلاف يورد يوسيفوس وصفاً مختصراً ليسوع ورسالته:
وكان في ذلك الوقت رجل حكيم اسمه يسوع، لو كان لنا أن ندعوه رجلاً، لأنه كان يصنع العجائب وكان معلماً لمن كانوا يتقبلون الحق بابتهاج. وجذب إليه الكثيرين من اليهود والأمم على حد سواء. وكان هو المسيح. وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب، بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه منذ البداية. إذ أنه ظهر لهم حياً مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الأشياء وعن آلاف الأشياء العجيبة المختصة به. ولا زالت جماعة المسيحيين، المدعوين على اسمه، باقية حتى هذا اليوم.[11]
وقد
اقتبس يوسابيوس (حوالي 325م) هذه الفقرة بصيغتها الحالية (Ecclesiastical
History, 1.11)،
كما تؤكد ذلك المخطوطات. وهي موجودة بجميع نسخ هذا النص. إلا أنه يعتقد الكثيرون
أن هذه الفقرة موضوعة، إذ أنه من غير المرجح أن يؤكد يوسيفوس اليهودي أن يسوع هو
المسيا وأن ذلك قد تبرهن من خلال النبوات التي تمت عنه وآياته العظيمة وقيامته من
بين الأموات. كما أن أوريجانوس قال إن يوسيفوس لم يؤمن أن يسوع هو المسيا ولم يناد
بذلك.[12]
ويقترح
ف.ف. بروس أن عبارة: لو كان لنا أن ندعوه رجلاً ربما تشير إلى أصالة النص، إلا أن
يوسيفوس يشير بلهجة ساخرة إلى العقيدة المسيحية في أن يسوع هو ابن الله.[13]
ويقترح بعض العلماء أن النص قد تم تعديله بطريقة تحافظ على موثوقيته دون الإشارة
إلى أن يوسيفوس شخصياً آمن بالمسيح باعتباره المسيا.[14]
وربما
كان النص العربي التالي (الذي وجد بإحدي المخطوطات العربية التي ترجع إلى القرن
الرابع) ووجدت في القرن العاشر، يعكس المحتوى الأصلي لكتابة يوسيفوس:
وفي ذلك الوقت كان هناك رجلاً حكيما يدعي يسوع. وكان صالحاً واشتهر بالفضيلة. وتتلمذ له الكثيرون من اليهود والأمم الأخري. حكم عليه بيلاطس بالصلب والموت. أما تلاميذه فلم يتركوا تعاليمه. بل أشاعوا أنه ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنه حي. وربما كان هو المسيا الذي تنبأ الأنبياء بعجائبه. وجد هذا النص في مخطوطة عربية عنوانها: «كتاب العنوان المكلل بفضل الحكمة المتوَّج بأنواع الفلسفة المندوه بحقائق المعرفة».
4(ج)
ثالوس:
كتب ثالوس حوالي عام 52م. ولم يتبق من كتاباته أي شئ، رغم أن كتَّاباً آخرين قد احتفظوا لنا ببعض أجزاء قليلة من كتاباته. وأحد هؤلاء الكتَّاب هو يوليوس أفريكانوس الذي استشهد بأقوال ثالوس حوالي عام 221 في حوار حول الظلمة التي تبعت صلب المسيح: لقد خيمت ظلمة رهيبة على العالم كله، وتشققت الصخور بفعل الزلزال، وتهدمت الكثير من مناطق اليهودية وغيرها. ويطلق ثالوس في الجزء الثالث من تاريخه على هذه الظلمة: كسوف الشمس، وهو قول لا أري له مبرراً.[15]
ويعتبر
أفريكانوس هذه الظلمة، التي فسَّرها ثالوس على أنها كسوف شمسي، هي الظلمة التي
حدثت عند صلب المسيح والمذكورة في لوقا 23: 44-45 . وسبب اختلافه مع ثالوس هو أن
الكسوف الشمسي لا يمكن أن يحدث في وقت كمال وجه القمر: لأن ذلك كان وقت الفصح، وقت
كمال القمر، عندما صلب يسوع.
5(ج)
بلّـيني الصغير:
كان
رجال الحكومة قديماً في مناصب تمكِّنهم غالباً من الوصول إلى معلومات رسمية غير
متاحة للعامة. كان بلِّيني الصغير حاكماً وكاتباً رومانياً. وفي رسالة بعث بها إلى
الامبراطور تراجان حوالي عام 112م، يصف بلِّيني شعائر العبادة المسيحية الأولى
قائلاً:
كانت لهم عادة أن يجتمعوا في يوم معين قبل بزوغ النهار ويرنمون ترنيمة للمسيح،كما لو كان إلهاً، ويتعهدون عهد الشرف ألاَّ يرتكبوا شراً أو كذباً أو سرقة أو زناً، وألا يشهدوا بالزور وألاَّ ينكروا الأمانة متي طلب منهم أن يؤدوها. وبعد ذلك يتفرقون ثم يجتمعون للاشتراك في الطعام- ولكنه طعام من نوع مقدس وطاهر.[16]
إن
هذه الإشارة تقدم دليلاً واضحاً على أن المسيحيين في بداية المسيحية كانوا يقدمون
العبادة ليسوع المسيح عارفين أنه الله، واستمروا يمارسون عادة كسر الخبز معاً كما
ذكر في (أعمال الرسل 2: 42 و46) .
6(ج)
الإمبراطور تراجان
ورداً على خطاب بلِّيني، أرسل تراجان بالتعليمات الآتية لمعاقبة المسيحيين:
لا ينبغي السعي في إثر هؤلاء الناس، ولكن إذا ما أدينوا وثبتت فعلتهم يجب معاقبتهم، إلا إذا أنكر الشخص مسيحيته وقدم الدليل على ذلك (بعبادة آلهتنا)، ففي هذه الحالة يعفى عنه على أساس توبته حتى لو كان موضع شبهات من قبل.[17]
7(ج)
التلمود
من أهم الكتابات التلمودية التي تتحدث عن شخصية يسوع التاريخية هي تلك التي جمعت فيما بين عامي 70 و200م خلال الفترة التي تعرف باسم العصر التانيتي Tannaitic Period. وأهم هذه النصوص ما يلي:
علق يسوع في ليلة الفصح. ولكن قبل تنفيذ الحكم ولمدة أربعين يوماً سار المنادي معلناً: إنه سوف يرجم لأنه مارس السحر وضلل إسرائيل. وأي شخص يمكنه أن يدلي بأي شئ في مصلحته فليتقدم للدفاع عنه. ولكن إذ لم يكن هناك ما يمكن أن يبرئه فهذا يؤدي به إلى أن يعلق في ليلة الفصح![18]
وهذا
النص يؤكد ما ورد بالعهد الجديد فيما يتعلق بوقوع حادثة الصلب وتوقيتها، بالإضافة
إلى نية قادة اليهود الدينيين لقتل يسوع.
8(ج)
لوسيان
لوسيان
الساموساطي هو كاتب يوناني عاش في القرن الثاني الميلادي. وحوت أعماله السخرية
والنقد للمسيحية:
إن المسيحيين كما تعلم يعبدون إلى هذا اليوم رجلاً ذا شخصية متميزة، وقد استحدث الطقوس الجديدة التي يمارسونها، وصلب لهذا السبب... انظر كيف أن هؤلاء المضلِّين يعتقدون أنهم خالدون مدى الدهر، وهو ما يفسر احتقارهم للموت وبذل الذات طواعية وهو أمر شائع بينهم، وهم أيضاً يتأثرون بمشرِّعهم الأصلي الذي قال لهم إنهم جميعاً إخوة من اللحظة التي يتحوَّلون فيها وينكرون كل آلهة اليونان ويعبدون الحكيم المصلوب ويعيشون طبقاً لشرائعه. وهم يؤمنون بهذه كلها، وهذا يؤدي بهم إلى احتقار كل متعلقات الدنيا على حد سواء واعتبارها متاعاً مشتركاً للجميع.[19]
ويذكر
الدكتور جاري هابرماس، (وهو أحد الكتَّاب والباحثين الرواد في الأحداث التاريخية
المختصة بيسوع)، حقائق عدة يمكن استخلاصها من هذا النص: كان المسيحيون يعبدون
يسوع... جاء يسوع بتعاليم جديدة إلى فلسطين... صُلب بسبب هذه التعاليم... مثل أن
جميع المؤمنين إخوة، منذ لحظة الإيمان وبعد إنكار الآلهة الزائفة ... (وأيضاً)
شملت هذه التعاليم عبادة يسوع والحياة وفقاً لشرائعه.[20]
ويضيف
هابرماس: بالنسبة للمسيحيين، يخبرنا النص أنهم أتباع يسوع الذين يعتقدون أنهم
خالدون ... (وأنهم قبلوا تعاليم يسوع بالإيمان وطبقوا إيمانهم باحتقار الممتلكات
المادية).[21]
وعن
لوسيان يقول الدكتور جايسلر: رغم كونه واحداً من أعنف النقَّاد للكنيسة، إلا أن
لوسيان يعطينا أفضل الروايات تفصيلاً بعد العهد الجديد عن يسوع والمسيحية في
عصورها الأولي.[22]
9
(ج) مارا بار- سيرابيون
كتب
سوري يدعي مارا بار-سيرابيون رسالة إلى ابنه سيرابيون فيما بين أواخر القرن الأول
وأوائل القرن الثالث. وهذه الرسالة تحوي إشارة ظاهرة ليسوع:
أية فائدة جناها الأثينيون من قتل سقراط؟ لقد أتي عليهم الجوع والوبأ جزاءً لجرمهم. وأية فائدة جناها أهل سامون من إحراق فيثاغورس؟ لقد غطت الرمال أرضهم في لحظة. وأية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ لقد تلاشت مملكتهم عقب ذلك. لقد انتقم الله بعدل لهؤلاء الرجال الثلاثة الحكماء: فقد مات الأثينيون جوعاً وغطى البحر سكان سامون وطرد اليهود من بلادهم حيث عاشوا في الشتات. ولكن سقراط لم يمت إلى الأبد فقد عاش في تعاليم أفلاطون، ولم يمت فيثاغورث إلى الأبد فقد عاش في تمثال هيرا. ولم يمت الملك الحكيم إلى الأبد ولكنه عاش في التعاليم التي أعطاها.[23]
10(ج)
إنجيل الحق
وبعد
عصر المسيح مباشرة، ازدهرت العديد من الجماعات غير المسيحية يربطها بالمسيحية صلات
ضعيفة. وأحد أشهر هذه الجماعات هم الغنوسيون. وأحد كتبهم هو هذا الكتاب الذي يرجع
إلى القرن الثاني، ولعلَّ كاتبه هو فالنتينوس (135-160م) وهو يؤكد على حقيقة وجود
شخصية يسوع التاريخية في مواضع عديدة:
لأنهم إذ قد رأوه وسمعوه، أعطاهم أن يتذوقوه ويتنسموه ويلمسوا الابن الحبيب. وإذ قد ظهر لهم يعلمهم عن الآب .. لأنه جاء ظاهراً في الجسد.[24]
كان يسوع رابط الجأش في تقبله للآلام لأنه كان يعرف أن موته هو حياة للكثيرين ... لقد سمروه إلى خشبة فأعلن حكم الآب على الصليب ... وضع نفسه إلى الموت عبر الحياة. وبعد أن جرد نفسه من الثياب البالية القابلة للفناء، لبس الخلود الذي لا يمكن لأحد أن ينتزعه منه.[25]
الخلاصة
يلخص
جايسلر ما سبق قائلاً:
إن
المصادر الرئيسية لحياة المسيح هي الأناجيل الأربعة، ومع ذلك فهناك عدد كبير من
المصادر غير المسيحية التي تؤكد روايات الإنجيل وتضيف إليها. وتتمثل هذه بشكل
رئيسي في مصادر يونانية ورومانية ويهودية وسامرية من القرن الأول. وباختصار فهي
تدلنا على ما يلي:
1- أن يسوع كان من الناصرة.
2- أنه عاش حياة الفضيلة والحكمة.
3- أنه صلب في فلسطين في ظل ولاية بيلاطس البنطي وأثناء حكم طيباريوس قيصر، في عيد الفصح حيث كان يعتبر ملك اليهود.
4- كان تلاميذه يؤمنون بأنه قام من الأموات بعد ثلاثة أيام.
5- أقر أعداؤه أنه قام بأعمال خارقة وغير عادية أطلقوا عليها 'سحراً'.
6- تضاعفت جماعة تلاميذه الصغيرة بسرعة وانتشرت حتى روما.
7- أنكر تلاميذه تعدد الآلهة، وعاشوا حياة الفضيلة وعبدوا المسيح كإله.
وهذه الصورة تؤيد الصورة التي تقدمها أناجيل العهد الجديد للمسيح.[26]
ويخلص
الدكتور هابرماس إلى ما يلي: تقدم المصادر القديمة غير الكتابية قدراً كبيراً
ومذهلاً من التفاصيل المختصة بحياة يسوع وطبيعة المسيحية الأولى. وهو يضيف أمراً
آخر يغفله الكثيرون: يجب أن ندرك أنه من غير الطبيعي أن يمكننا تقديم صورة عريضة
لمعظم الحقائق الرئيسية الخاصة بحياة يسوع من التاريخ العلماني وحده. وهذا الأمر
في غاية الأهمية.[27]
ويوضح
ف.ف. بروس هذا قائلاً: من المدهش أن عدد الكتابات التي وصلت إلينا من هذه الفترة
قليل نسبياً، حتى تلك الكتابات التي لا يتوقع أن تذكر أي شئ عن المسيح. (هذا
باستثناء رسائل بولس والأسفار الأخرى للعهد الجديد).[28]
ويقول
مايكل ويلكينز وج.ب. مورلاند إنه حتى لو لم يكن لدينا الكتابات المسيحية: لأمكننا
أن نستخلص من الكتابات غير المسيحية مثل تلك التي ليوسيفوس أو التلمود أو تاسيتوس
أو بلِّيني الصغير ما يلي: (1) أن يسوع كان معلماً يهودياً (2)، كان الكثيرون
يؤمنون بأنه قام بمعجزات الشفاء وإخراج الشياطين (3) كان مرفوضاً من قِبَل القادة
اليهود (4) صلب في ظل ولاية بيلاطس البنطي أثناء حكم طيباريوس (5) رغم حادثة موته
المخزية هذه، فإن أتباعه، الذين كانوا يؤمنون أنه لا يزال حياً، انتشروا خارج
فلسطين حتى كان هناك الكثير منهم في روما بحلول عام 64م. (6) كانت مختلف طوائف
الناس في المدن والقرى -رجالاً ونساءً، عبيداً وأحراراً- يعبدونه كإله بحلول القرن
الثاني الميلادي.[29]
[1]
Geisler, Norman L. Baker Encyclopedia of Christian
Apologetics. Grand Rapids: Baker, 1998., 381
[2]
McDowell, Josh and Bill Wilson. He Waked Among Us:
Evidence for the Historical Jesus. San Bernardino, Calif.: Here’s Life
Publishers, 1988. Reprint, Nashville: Thomas Nelson Publishers, 1993
[3]
Tacitus. Annals. In Great Books of the Western World, ed.
by Robert Maynard Hutchins. Vol. 15, The Annals and The Histories by Cornelius
Tacitus. Chicago: William Benton, 1952., 15.44
[4]
Josephus, Flavius. “Against Apion. New York: Ward, Lock,
Bowden & Co., 1900., 1.8
[5]
Josephus, Flavius. The Antiquities
of the Jew's. New York: Ward, Lock, Bowden & Co., 1900, 10-12
[6]
Geisler, Norman L. Baker Encyclopedia of Christian
Apologetics. Grand Rapids: Baker, 1998. 254
[7]
Josephus, Flavius. The Antiquities of the Jew's. New York:
Ward, Lock, Bowden & Co., 1900,, 20.9.1
[8]
Josephus, Flavius. The Antiquities of the Jew's. New York:
Ward, Lock, Bowden & Co., 1900. XVIII. 5.0
[9]
Josephus, AJ, 18.5.20
[10]
Bruce, F. F. The New Testament Documents: Are They
Reliable? Downers Grove; Ill.: InterVarsity Press, 1964., 107
[11]
Josephus, AJ, 18.3.3
[12]
Contra Celsus 2.47, 2.13, Bruce, NTD, 108
[13]
Bruce, F. F. The New Testament Documents: Are They
Reliable? Downers Grove; Ill.: InterVarsity Press, 1964., 109
[14]
Bruce, F. F. The New Testament Documents: Are They
Reliable? Downers Grove; Ill.: InterVarsity Press, 1964., 110-111
[15]
Julius Africanus, Chroongraphy, 18.1 in Roberts, ANF
[16]
Pliny the Younger, L, 10:96
[17]
Pliny the Younger, L, 10:97
[18]
Babylonian Talmud, Sanhedrin 43a
[19]
Lucien of Samosata. “Death of Pelegrine.” In Works of Lucian of
Samosata, 4 vols. Trans. By H. W. Fowler and F. G. Fowler. Oxford: The
Clarendon Press, 1949., 11-13
[20]
Habermas, Gary R. Historical Jesus: Ancient Evidence for
the Life of Christ. Joplin, Mo.: College Press Publishing Company, 1996.,
206-207
[21]
Habermas, Gary R. Historical Jesus: Ancient Evidence for
the Life of Christ. Joplin, Mo.: College Press Publishing Company, 1996., 207
[22]
Geisler, Norman L. Baker Encyclopedia of Christian
Apologetics. Grand Rapids: Baker, 1998. 383
[23]
British Museum, Syriac ms, add. 14, 658; cited in
Habermas, HJ, 200
[24]
Robinson, James M., ed. The Nag Hamadi Library'. New York:
Harper & Row Publishers, 1981., 30: 27-33; 31: 4-6
[25]
Robinson, NHL, 20: 11-14, 25-34
[26]
Geisler, BECA, 384-385
[27]
Habermas, HJ, 224
[28]
Bruce, F. F. Jesus and Christian Origins Outside the Neo'
Testament. Grand Rapids: Zondervan Publishing House, 1970. 17
[29]
Jesus Under Fire: Modern Scholarship the Historical Jesus,
ed. Michael J. Wilkins and J. P. Moreland. Grand Rapids: Zondervan Publishing
House, 1995., 222
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق