”لما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله أرسلوا اليهم بطرس ويوحنا. اللذين لما نزلا صليا لاجلهم لكي يقبلوا الروح القدس. لأنه لم يكن قد حل بعد على احد منهم. غير انهم كانوا معتمدين باسم الرّبّ يسوع. حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس“ (أع 8: 14- 17)
فمن قوله ”غير انهم كانوا معتمدين
باسم الرّبّ يسوع“ يتضح ان سرّ المعموديّة ليس هو قبول الروح القدس للتثبيت الذي
لا يحل الا بواسطة سرّ الميرون.
وكذلك لما جاء بولس الرسول إلى افسّس:
”فإذ وجد تلاميذه قال لهم هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم: قالوا له ولا سمعنا أنّه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم؟ فقالوا بمعموديّة يوحنا. فقال بولس إنَّ يوحنا عمَّد بمعموديّة التوبة قائلًا للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بالمسيح يسوع. فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرّبّ يسوع. ولما وضع بولس يده عليهم حل الروح القدس عليهم“ (أع 19: 2 و6).
ويكتب في موضع آخر:
”ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح في قلوبنا“ (2كو 1: 21 و22)
وعند كلامه عن المعموديّة يقول:
”لكن اغتسلتم ــ ثمّ يردفها بقوله ــ بل تقدستم“ (1كو 6: 11)
ويقول أيضًا:
”خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس“ (تي 3: 5، أف 5: 26)
وفي (عب 6: 2) يشير إلى تعليم
المعموديات ووضع الايادى، وفي ذلك دلالة ظاهرة على أن وضع الأيادي خلاف
المعموديّة.
وُجِد سرّ الميرون، أو وضع الأيدي في
العصر المسيحيّ الأوّل كعادة مقبولة من عامّة الكنائس، يتضح من الكتاب المدعو
القوانين الرسوليّة،[1] ومن
جيروم.[2]
وأخذوا يستعملون عبارات تشعر أنّ الروح القدس كان يُعطى مع الزيت.[3] قال
القديس ديوناسيوس الأريوباغيّ في كلامه عن سرّ الشركة:
”لكن توجد تكملة أخرى معادلة لهذه (أي الشركة) يسميها معلمونا الرسل“ (تكملة الميرون)“
ثم أخذ في شرح تجهيز الميرون وكيف
تتمّ المسحة على المعتمدين. والمواهب التي تمنحها إلى أن قال
”إنّ مسحة التكميل بالميرون المُقدّس لمن استحق سرّ الولادة الثانية يمنحها حلول الروح ذي العزة الإلهيّة“.[4]
وقال العلامة ترتليانوس:
”بعد خروجنا من حميم المعموديّة مسحنا بزيت مُقدّس تبعا للتكملة القديمة، كما كانوا قديما يدهنون بزيت القرن لنوال الكهنوت... ان المسحة تتم علينا جسديا لكننا نستثمر منها اثمارا روحية، كما في المعموديّة حيث نعتمد جسديا بالماء ونستثمر اثمارا روحية إذ نتنقى من الخطايا. وبعد ذلك توضع اليد التي مع البركة تستدعى الروح القدس وتحدره“.[5]
وقال القديس كبريانوس:
”من اعتمد ينبغي أن يمسح أيضًا لكي يصير بواسطة المسحة ممسوحًا لله ويأخذ نعمة المسيح“.[6]
وقال في (رسالة 72 عن الهرطقة): ”لإنّهم لا يستطيعون أن يتقدّسوا تمامًا ويصيروا أبناء الله بدون إعادة ولادتهم بواسطة السرّين“.
وقال أيضًا في (رسالة 73): ”كما أنّ الرسولين بطرس ويوحنا بعد صّلاة واحدة استحدار الروح القدس على سكان السامرة بوضع الأيادي، هكذا في الكنيسة أيضًا من ذلك الحين جميع المعمدين ينالون الروح القدس ويختمون بختمه عند دعاء الكهنة ووضع أياديهم“.
وقد ورد في أوامر الرسل:
”بعد هذا فليعمده الكاهن باسم الآب والابن والروح القدس وليمسحه بالميرون“.[7]
وقال القديس كيرلس الأورشليميّ:
”قد صرتم مسحاء إذ قَبِلتم الروح القدس، وكلّ شيء قد صار عليكم بحسب الرسم إذ أنّكم رسوم المسيح، فإنّه لما استحم في نهر الأردن وصعد منه، انحدر الروح القدس عليه جوهريًّا واستراح المثيل على مثيله، ونحن أيضًا بعد أن صعدنا من جرن الينابيع المُقدّسة مُنِحَت لنا المسحة رسميًّا كما مُسِح بها المسيح... لكن انظر واحترس من أن تظن ذاك الميرون بسيطًا، لأنّه كما أنّ خبز الشكر بعد استدعاء الروح ليس خبزًا بسيطًا، بل هو جسد المسيح. هكذا هذا الميرون المُقدّس لا يُعدّ ميرونًا بسيطًا ولا عموميًّا بعد الدعاء، بل موهبة المسيح وحضور الروح القدس فاعلًا فعل إلوهيّته فتمسح به على جبهتك وسائر حواسك، والمسيح هو الذي رُسِم. فإنّ الجسم يدهن بالميرون الظاهر ولكن النفس تُقدَّس معًا بالروح القدس المحيى“.[8]
وقال القديس إفرام السريانيّ:
”إنّ سفينة نوح كانت تُبشِّر بمجيء المزمع أن يسوس كنيسته في المياه، وأن يرتد أعضاؤها إلى الحرّيّة باسم الثالوث القدّوس. وأمّا الحمامة فكانت ترمز إلى الروح القدس المزمع أن يصنع مسحة هيَ سرّ الخلاص“.[9]
وقال القديس كيرلس السكندريّ:
”إنّ الميرون يشير حسنًا إلى مسحة الروح القدس“.[10]
كما قال القديس كيرلس الأورشليميّ في
مقالته الثالثة عن الأسرار:
”بعد خروجنا من جرن مجاري المياه المُقدّسة أعطيت المسحة وهيَ رسم المسحة التي مسح بها المسيح فهذه هيَ الروح القدس“.
وورد في مجمع اللاذقية:
”يجب على المستنيرين أن يمسحوا بعد المعموديّة بمسحة سمائيّة ويشتركوا في ملكوت المسيح“.
إنَّ الكنيسة الأرثوذكسيّة تُعلِّم
أنّ تكريس سرّ الميرون هو من حق الأساقفة فقط، أمَّا إتمامه فلا يختصّ بالأساقفة
وحدهم بل بالقسوس أيضًا. فقد ورد في أوامر الرسل:
”أيها الأسقف أو القس قد رتبنا سابقًا والآن نقول.. ينبغي أن تُدهن أولًا بزيت ثمّ تعمِّد بماء وأخيرًا تختم بالميرون“.
والقديس أمبروسيوس يؤكِّد أنّ مسحة
الميرون تتمم من القس، وأنّه عندما يصلى يحلّ الروح القدس، فيكتب:
”فعندما تتقدّم بهذا (أي بعد المعموديّة) إلى الكاهن، تأمل ماذا يتمّ. أليس ما قاله داود: مثل الدهن على الرأس النازل على اللحية لحية هارون، هذا هو الميرون..“.[11]
وقال القديس يوحنا ذهبيّ الفم:
”لإنّهم (أي الأساقفة) يعلون على القسوس بالشرطونيّة وحدها فقط، وبها وحدها يظهر أنّهم يسمون عليهم“.[12]
وقال المطوَّب جيروم:
”ما الذي يصنعه الأسقف ولا يصنعه القس غير الشرطونية“.[13]
أمَّا استناد الذين يقولون إنّ حقّ
المسحة للأساقفة وحدهم بناء على ما جاء في (أع 8: 14- 16)، من جهة إرسال بطرس
ويوحنا إلى أهل السامرة لوضع أيديهما عليهم لحلول الروح القدس، فهذا لأنّ فيلبس
الذي عمّدهم كان شماسًا ولم يكن قسًا، ولذلك قال يوحنا ذهبيّ الفم:
”لماذا لم يكن هؤلاء السامريّون قد نالوا الروح القدس بعد التعميد؟ لإنّ فيلبس لم يمنحهم إياه اعتبارًا للرسل على رأي بعضهم. وإمّا لأنّه لم تكن له هذه السلطة بما أنّه كان واحدًا من الشمامسة السبعة وهذا هو الأرجح“.[14]
في القرن الثاني عشر وُجِدَت رسالة من
أسقف مصريّ مرسلة إلى كلّ من: ديونسيوس الصليبيّ والبطريرك ميخائيل الكبير، جاء
فيها:
”لم يزل العماد بالدهن الموروث المُقدّس الذي كان من الحنوط إلى أن أُهمِل أمره، ونفذ“.
لكن، لنذكر دائمًا، أنّ للكنيسة الحقّ في إعادة تقديس الخليقة كلّها، وليس الميرون فقط، فالمسيح إلهنا ذاته يعمل من خلالها وفيها، إذ هيَ جسده ذاته، هيَ امتداد تجسيد الله في العالم.
[1] 3:
17؛ 7: 22.
[2] في نبوة
حزقيال، 9. كما نجده أيضًا عند ديوناسيوس
الأريوباغيّ في (كتاب رئاسة الكهنوت 7: 4- 7) وكيرلس الأورشليميّ في (مقالة عن الأسرار)
ويوحنا ذهبيّ الفم في (تفسير 2كو فصل 2) وأمبروسيوس في (الأسرار فصل 5).
[3] حتّى إنّنا نجد عبارات مثل هذه في كبريانوس (رسالة
70 إلى يانواريوس) وأمبروسيوس(الأسرار، 7) وأغسطينوس (فصل 6 في تفسير رسالة يوحنا).
[4] كتاب رئاسة الكهنوت 4: 1و 11، 2: 8.
[5] في المعموديّة، 7، وضد مركيانوس 3: 22.
[6] رسالة 70.
[7] 7:
43.
[8] تعليم الأسرّار 3: 3.
[9] عظة 19 ضد الفاحصين.
[10] على يوئيل 2: 23.
[11] في الأسرّار فصل 7.
[12] مقالة 10: 1 على 1تى.
[13] رسالة 145: 1.
[14] مقالة 18: 3 على سفر الأعمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق