اسمك فوق كل اسم!
يقول النبي: "لأنه يولد لنا ولد، ونُعطى ابنًا، وتكون الرئاسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا، لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد، غيرة رب الجنود تصنع هذا" (إش 9: 6-7). "يُدعى اسمه عجيبًا"، لأنه فائق الإدراك؛ أُعطي اسمًا فوق كل اسم لكي تجثو باسمه كل ركبة ممن في السماء، وممن على الأرض، ومن تحت الأرض (في 2: 9-11).
يقدم لنا الكتاب المقدس بعهديه ألقابًا وأسماء للسيد المسيح، بعضها رمزي، غايتها أن تكشف عن أعمال محبته للبشرية التي لا يُعبر عنها. مع كل لقبٍ تدخل النفس البشرية إلى أعماق جديدة، لتنعم بفيض حبه، يسندها في رحلتها على الأرض حتى تعبر إلى الفردوس، وتلتقي معه على السحاب في يوم الرب العظيم. فتراه مع جميع المؤمنين وقد عكس بهاء مجده على الإنسان بكليته: نفسه وجسده وطاقاته. عندئذ يتعرف المؤمن على كمال حب الله الفائق ليعيش فيه أبديًا!(1)
تكشف لنا كتابات العلامة أوريجينوس عن اعتزاز الكنيسة الأولى باسم يسوع كسّر قوة يتمسك به المؤمن ليعيش غالبًا ومنتصرًا على الخطية والشيطان وكل قوات الظلمة. فمن كلماته: [باسمه كثيرًا ما تُطرد الشياطين من البشر، خاصة إن رُدد بطريقة سليمة وبكل ثقةٍ. عظيم هو اسم يسوع، الذي له فاعليته حتى إن استخدمه الأشرار أحيانًا. اسم يسوع يشفي المتألمين ذهنيًا، ويطرد أرواح الظلمة، ويهب شفاءً للمرضى ](2).
و القاب المسيح كما يقول القديس باسيليوس : [ هذه الالقاب لا تعبر عن طبيعته وانما كما شرحت قبلاً تعبر عن أعماله المتنوعة التي تؤثر فينا والتي تصدر عن رحمته العظيمة وتوهب لخليقته فيوزعها هو حسب احتياج كل واحد منها . ] (3) ، و يقول العلامه اوريجانوس : [بالرغم من أن المسيح واحد في جوهره لكن له ألقاب كثيرة تُشير إلى سلطانه وأعماله، يفهم أنه النعمة والبرّ والسلام والحياة والحق والكلمة .](4)و يكمل قائلاً : [ يسوع هو كل شيء، كل الأسماء تناسبه. إنه كل شيء يعلنه . ] (5) ، و يقول القديس غريغوريوس النيصي : [ إذ يعلن أن طبيعته تسمو وتفوق كل عقلٍ، يستخدم أسماء مجيدة، فيدعوه "إلهًا فوق الكل" (رو 15:9)، "الإله العظيم" (تي 13:2)، "قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1: 24)، وما أشبه بذلك . ](6)
و يقول في موضع اخر : [ "أخبرني يا من تحبه نفسي". إنني أدعوك هكذا لأن اسمك فوق كل اسم (في 9:2). إنه لا يوصف، وغير مدرك بالعقل البشري. يكشف اسمك عن صلاحك، وعلاقتي بك روحية . ](7)
و لكننا نجد المسيح في مواضع أُخري يدعي ليس فقط بلقب الإبن او قوة الله و حكمة الله او المُخلص و الفادي و الاول و الاخر .. بل نجده يشبه بالصخره و الراعي و الاسد و الحمل ( الخروف ) فهل هذه الاسماء تدل و تعبر عن طبيعته الالهيه الساميه ; يجيب القديس باسيليوس الكبير قائلاً : [ نرى الكتاب المقدس لا يقدم لنا الرب تحت اسم واحد، ولا تحت الأسماء المنوطة بلاهوته فقط، أو الدالة على عظمته، بل تارة يستعمل ميزات الطبيعة (خواصه الأقنومية)، فيعرف أن يقول: "الاسم الذي يفوق جميع الأسماء" (في 2: 9)، اسم الابن، والابن الحقيقي، والله الابن الوحيد، وقوة الله وحكمته وكلمته. وتارة، بالنظر إلى كثرة سبل وصول النعمة إلينا، التي بصلاحه يمنحها لطالبيه حسب حكمته الكثيرة الأوصاف، يدعوه الكتاب المقدس بنعوتٍ أخرى كثيرة، فيسميه تارة الراعي، وتارة الملك، ثم الطبيب، فالعريس والطريق والباب والينبوع والخبز والفأس والصخرة. هذه التسميات لا تدل على الطبيعة، كما قلت، بل على تعدد مظاهر النشاط الذي يبذله، رحمة منه بكل فردٍ من خليقته، وتلبية لحاجة كل من يسأله . ](8)
و يعلق علي ذلك ايضاً القديس اغسطينوس : [ لسنا نعبد قطيعًا أو غنمًا، لأن المسيح دُعي حملاً (يو 1: 29)، ودُعي بالنبي "ثورًا" (حز 43: 19)... ودُعي الأسد الخارج من سبط يهوذا (رؤ 5:5)، ولا نعبد حجرًا مع أن المسيح دُعي صخرة (1 كو 10: 4؛ رو 9: 33) . ](9) ، و يكمل قائلاً : [ لا نرتبك بتلك الحقيقة أنه أحيانًا تُستخدم علامة (أو رمز) اسمًا...، كما يُقال عن الروح القدس إنه نزل في شكل جسدي كحمامة وحلّ عليه، وبنفس الطريقة الصخرة المضروبة دُعيت المسيح (1 كو 10: 4)، لأنها رمز المسيح . ] (10)
فالمسيح دعي بالحمل ( الخروف ) في الكتاب المقدس كتشبيه و اشاره الي عمله الفدائي ككفاره و مُخلص للبشر كما كان ذلك دور ذبيحة الحمل ( الخروف ) في العهد القديم ، و التي علق عليها في شرحه للذبائح القديس كيرلس عمود الدين قائلاً : [ ما يقدم ( كذبيحه ) خروف او ماعز ، الخروف بسبب هدوءه و برائته الفائقه ، و النعجه بسبب خصوبتها و ثمارها . لانه يقول : ( كشاة تساق إلي الذبح و كنعجة صامتة امام جتزيها فلم يفتح فاه . ( اش 53 : 7 ) . فهو يُشار إليه بخروف لانه ذُبح لاجلنا و سُلِمَ لاجل خطايانا كما في الكتب ( 1 بط 3 : 18 ، 1 يو 2 : 2 ) . ] (11) و يكمل قائلاً : [ و جزء اخر ايضاً يحمل جمال البراءة بحسب المسيح الأمر الذي يشير اليه بالخروف ، و كونه يقول ان الخراف هم سبعه فهذا يشير الي الجمع الكامل كمالاً مطلقاً في المسيح .] (12)
و يقتبس د / موريس تاوضروس قول القديس كيرلس ايضاً كما يلي : [ لان الكتاب الموحي به من الله في مواضع كثيره يشير بالخروف إلي الابرار ، اما مُحب الشر فيشير إليه بالتيس . و ما هو السبب في ذلك ؟ لإن الانسان البار مملوء بمجد كل فضيله , و لهذا فمن المناسب ان يعتبر مثمراً . و الخراف تحمل الصوف ، و لهذا السبب يشبَّه الرجل البار بالخروف و هذا لائق جداً . ] (13)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - الحب الالهي . للاب تادرس يعقوب مالطي . ص 509
2- Ccontra Celsus 1. .. مرجع سابق ص 510
3 - الروح القدس . للقديس باسيليوس الكبير . ترجمة د // جورج حبيب باباوي . إصدار مطرانية الغربيه . تقديم الانبا يؤانس اسقف الغربيه المتنيح . الفصل الثامن . ص 83
4 - الحب الالهي . للاب تادرس يعقوب مالطي . ص510 ..
Comm, in Rom. 5:6
5 - Commentarium in Joannem 1. PG 14:50 S9.
6 - Against Eunomius 6:2.
7 - Homilies on Song of Songs. ترجمة الدكتور جورج نوّار
8 - On the Holy Spirit, 8:17.
9 - Ep. 55:11.
10 - Ep. 169:9.
11 - القديس كيرلس السكندري . السجود و العباده بالروح و الحق ( المقالات 15 : 17 ) , الجزء الثامن . ترجمه عن اليونانيه د / جورج عوض ابراهيم , إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . ص 116
12 - القديس كيرلس السكندري . السجود و العباده بالروح و الحق ( المقالات 15 : 17 ) , الجزء الثامن . ترجمه عن اليونانيه د / جورج عوض ابراهيم , إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . ص 165
13 - الفكر اللاهوتي عند القديس بولس الرسول ج1 ص 331 . د / موريس تاوضروس استاذ العهد الجديد و اللغه اليونانيه . عن القديس كيرلس السكندري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق