الأحد، 24 سبتمبر 2023

علم الآثار وبعض أحداث العهد القديم



هل كان العالم يتحدث لغة واحدة؟

 

هناك أدلة قوية الآن تؤكد أن العالم كان يتكلم بلغة واحدة في يوم من الأيام. والأدب السومري يشير إلى ذلك كثيراً. كما يعتبر اللغويون أن هذه النظرية لها فائدة كبرى في تصنيف اللغات، لكن ماذا عن البرج والبلبلة التي حدثت عند برج بابل؟ (تك 11). علماء الآثار اكتشفوا أن الملك أور-نامو ملك أور مذ سنة 2044- 2007 ق.م، اعتقد أن هناك أوامر صدرت له لبناء زيجورات عظيم (معبد على هيئة برج) كمظهر عبادة لإلهة القمر نانات. ويسجل لنا أحد الأعمدة الحجرية الذي يبلغ عرضه خمسة أقدام وطوله عشرة أقدام نوعية عمل الملك أور - نامو، حيث توجد عليه لوحة تبين هذا الملك وهو جالس وبين يديه سلة بها طين ليبدأ بها بناء البرج العظيم، وهذا يوضح أيضاً مدى خضوعه للإلهة حيث يبدو في مظهر العامل البسيط.

وقد عثر أيضاً على لوحة مكتوب عليها أن إنشاء البرج قد أغضب الإلهة، لذا قامت الإلهة ببعثرة وتدمير ما بناه هؤلاء العمال، وجعلوا كلامهم غريباً. وهذا مشابه بشكل مدهش لما ورد في الكتاب المقدس.

يؤمن العلماء المحافظون بأن موسى هو الذي كتب الأصحاحات الأولى من سفر التكوين، لكن كيف يتسنى له أن يكتب عن هذه الحادثة التي جرت قبل مولده بزمن طويل؟ هناك احتمالان، الأول، يمكن لله أن يكشف له عن تلك الأحداث بطريقة تفوق الطبيعة، كما يفعل عندما يكشف الأمور المستقبلية بالوحي والأحلام، ويمكن أيضاً أن يكشف عن الماضي بنفس الأسلوب. الاحتمال الثاني وهو الأرجح، تحديداً، هو أن موسى جمع وحرَّر معلومات قديمة عن هذه الحادثة، وهذا لا يتعارض مع الكتاب، فقد فعل لوقا هذا الأمر في إنجيليه (لو 1:1-4).

ويقول ب. وايزمان بكل الاقتناع إن الفقرات التاريخية في سفر التكوين كتبت أولاً على ألواح طينية ومررت من جيل إلى جيل، وكان على كل قائد أن يكون مسئولاً عن حفظها وعلى جعلها متماشية مع زمنه. ويضيف وايزمان، بأن الدليل على ذلك موجود في التوراة، حيث يوجد تكرار زمني لبعض الكلمات والجمل، ولاسيما الجملة التي تقول «هذه مواليد.. (انظر تك 2:4، 6:9، 10:1، 11:10)، وأن كثيراً من الألواح القديمة انتظم ترتيبها وذلك بجعل أولى الكلمات في أي لوحة جديدة تماثل آخر كلمة في اللوحة السابقة. وهناك تقييم أدبي لسفر التكوين، وذلك بمقارنته بالآداب القديمة الأخرى، وهذا يحدد أن جمعه وتحريره لم يكن في زمن أبعد من زمن موسى. ومن المحتمل أن يكون هذا السفر ليس إلا تاريخ عائلي سجله الآباء وحُرر في صورته النهائية على يد موسى.[1]

 

تاريخ الخروج من مصر!

 

واحد من أكثر الأسئلة غموضاً التي تخص علاقة إسرائيل مع مصر هي متى حدث الخروج من مصر في اتجاه فلسطين؟، وثمة تاريخ رسمي مقبول بوجه عام لدخول الإسرائيليين أرض كنعان: حوالي ما بين سنة 1230 - 1220 ق.م. ومن جانب آخر فإن الكتب المقدسة تعِّلم في ثلاث فقرات مختلفة (1مل6:1، قض 11:26، أع 13:19-20). إن الخروج حدث سنة 1400 ق.م، وأن الدخول إلى أرض كنعان حدث بعدها بأربعين سنة، ورغم استمرار الخلاف، فإنه لم يعد هناك سبب منطقي لقبول تاريخ 1200 ق.م.

وقد جرت عدة اعتراضات بأن مدينة رعمسيس المذكورة في خروج 1:11 سميت كذلك باسم الملك رمسيس الأول، وأنه لم يكن هناك مشروعات لمباني ضخمة في دلتا النيل قبل سنة 1300 ق.م. وأنه لم تنشأ أي مدينة عظيمة في كنعان من القرن التاسع عشر حتى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. مع ذلك، فإن الاسم رعمسيس منتشر في التاريخ المصري، ورمسيس العظيم هو رمسيس الثاني وليس هناك أية معلومات عن رمسيس الأول، وأيضاً ربما لا يشير الأسم المذكور في الكتاب المقدس إلى مدينة ولكن إلى منطقة. في التكوين 47:11 يذكر اسم رعمسيس ليشرح أنها دلتا النيل حيث عاش يعقوب وأبناؤه.

يقترح الآن بعض العلماء أن إعادة تفسير البيانات تطلب تغييراً لتاريخ العصر البرونزي، وإذا حدث هذا، سوف يتضح ان عدداً كبيراً من المدن الكنعانية التي اكتشفت قد دمرت بواسطة الإسرائيليين، والاكتشافات الحديثة أوضحت بالدليل القاطع أن أواخر العصر البرونزي استمر لمدة أطول مما كان يظن، لذا فإن نهايته تقترب من سنة 1400 أكثر من كونها في سنة 1500 ق.م. هذا الترتيب سوف يقرب بين حدثين كان يظن أنهما يتباعدان بقرون من الزمن: وهما سقوط مدن كنعان ودخول الشعب لأرض كنعان.

هناك تغيير آخر ربما يكون لازماً للنظرة التقليدية لتاريخ مصر. فالتسلسل التاريخي للعالم القديم كله مبني على نظام وتواريخ ملوكها، والتي كان يظن أنها استقرت. مع ذلك، يؤكد كل من العالمين فيليكوفسكي، وكورفيل أن هناك 600 سنة في هذا التسلسل التاريخي يجب أن تستبعد من أحداث الشرق الأدنى، لقد أوضح كورفيل أن قائمة ملوك مصر لا يجب النظر إليها كعمل مكتمل. فهو يعتقد أن بعض الملوك المذكورين في القائمة لم يكونوا بالفعل فراعنة، لكنهم كانوا موظفين من الطبقة العليا. لقد افترض المؤرخون أن كل عائلة ملكية تلي العائلة التي سبقتها بشكل مباشر، وبدلاً من ذلك كانت الكثير من قوائم العائلات يذكر فيها نواب الفراعنة الذين عاشوا في الوقت نفسه ضمن العائلة السابقة. وبتفعيل هذا النظام الجديد يكون تاريخ الخروج حوالي سنة 1450 ق.م، وهذا يجعل التواريخ الإسرائيلية الأخرى تتناسب مع الملوك المصريين. هذا الدليل ليس نهائياً، لكن لم يعد هناك أية أسباب تدعو إلى المطالبة بوقت متأخر لحادث الخروج.[2]

 

شاول وداود!

 

كان شاول أول ملك لإسرائيل وكان له حصن في جبعة تمَّ الكشف الأثري عنه. وأحد أهم الاكتشافات أن المقلاع كان واحداً من الأسلحة الأساسية التي استخدمت في تلك الأيام. ولا يرتبط هذا فقط بحادثة انتصار داود على جليات ولكن أيضاً بالإشارة التي وردت في القضاة 20: 16 إلى أنه كان هناك سبع مائة رجل من الرماة المحنكين الذين يرمون الحجر بالمقلاع على الشعرة ولا يخطئون.

وعند مـوت شاول، يخبرنا سفر صموئيـل أن عتـاده وضع في معبد عشتاروث (إلهة الخصـب عنـد الكنعانيين) في بيت شان، بينما يسجل لنا سفر أخـبار الأيام أن رأسه وضِعـت في معبـد داجـون إله الغلَّة عنـد الفلسطينيين. وكان يعتَقَد أن هذه الأحداث ليست صحيحة. إذ كيف يمكن للشعـوب المتعاديـة أن يكـون لهـا معابد في نفس الموضـع. إلا أن الاكتشافـات الأثريـة أعلنت وجود معبدين في نفس الموقع يفصل بينهما رواق، أحدهمـا لداجون والآخر لعشتاروث. ويبـدو أن الفلسطينيين قد اتخذوا من آلهـة الكنعانيين آلهـة لهـم.

إن أحد أهم الإنجازات التي تمت في عهد الملك داود هو الاستيلاء على أورشليم. وكان الشك في رواية الكتاب المقدس يرتكز على أن الإسرائيليين دخلوا المدينة عن طريق نفق يؤدي إلى بِرْكة سلوام. إلا أنه كان يعتَقَد أن البِرْكة كانت تقع خارج أسوار المدينة في ذلك الوقت. ولكن الاكتشافات التي جرت في 1960م كشفت على أن الأسوار كانت تمتد إلى ما وراء البِرْكة.

والمزامير التي تنسب لداود يقال عنها كثيراً إنها ُكتبت فعلاً في وقت متأخر، لأنه من تحليل نصوصها وُجد أن فيها ما يدل على وجود نقابات تجمع الموسيقيين (مثلاً: إخوان قورح)، مثل هذه التنظيمات تدعو الكثيرين إلى الظن أن انشاء المزامير يعود لزمن الميكابيين في القرن الثاني قبل الميلاد، لكن بعد الاكتشافات التي حدثت في رأس شمرا، يعرف الآن أن مثل هذه التنظيمات كانت منتشرة في سوريا وفلسطين في أيام داود.

ولم يكن عهد سليمان أقلّ عطاءً. لم تستطع البعثات الأثرية أن تعمل في موقع هيكل سليمان لأنه يقع بالقرب من أحد الأماكن الإسلامية المقدسة وهو قبة الصخرة. إلا أن ما تمَّ الكشف عنه بالنسبة لمعابد الفلسطينيين التي شيدت في عصر سليمان يتطابق مع الأوصاف المذكورة لها في الكتاب المقدس فيما يتعلق بالتصميم والزخرفة والمواد المستخدمة. أما الأثر الوحيد الذي تبقي من الهيكل وتمَّ اكتشافه هو إحدي التحف الأثرية الصغيرة وكان عبارة عن رمانة في نهاية قضيب تحمل النقش التالي: خاص بهيكل يهوه. وتمَّ اكتشافه لأول مرة في متجر بأورشليم عام 1979 وتمَّ التحقق منه عام 1984 ووضع في المتحف الإسرائيلي عام 1988م.

أما الاكتشافات التي تمت في جازر عام 1969 فقد شملت التنقيب في طبقة كثيفة من الرماد كانت تغطي ذلك التل. وقد أسفر التنقيب في هذا الرماد عن اكتشاف قِطَع أثرية عبرية ومصرية وفلسطينية. وهذا يوحي بأن الحضارات الثلاث قد وجدت هناك في وقت واحد. وقد حير ذلك الباحثين كثيراً حتى أدركوا أن الكتاب المقدس يؤكد هذا الكشف تماماً: «صعد فرعون ملك مصر وأخذ جازر وأحرقها بالنار وقتل الكنعانيين الساكنين في المدينة وأعطاها مهراً لابنته امرأة سليمان». (1 ملوك 9: 16).[3]

 

الغزو الأشوري

 

لقد تكشفت الكثير من الحقائق عن الأشوريين بعد اكتشاف ستة وعشرين ألفاً من الألواح الأثرية في قصر أشور بانيبال، ابن أسرحدون، الذي سبى الممالك الشمالية عام 722 ق.م. وتخبرنا هذه الألواح عن الكثير من غزوات الأمبراطورية الأشورية كما تسجل ألوان العقاب الفظيعة التي كانوا ينزلونها بمن يقاوموهم.

وتؤيد العديد من هذه السجلات صحة الكتاب المقدس. لقد ثبت صحة كل إشارات العهد القديم لملوك أشور. ورغم أن سرجون لم يكن معروفاً لفترة من الزمن، إلا أنه بعد اكتشاف قصره وفحص محتوياته، وجد رسماً جدارياً لمعركة ذكرت في إشعياء 20 . كما تخبرنا المسلة السوداء لشلمنأسر بالمزيد من المعلومات عن الشخصيات الكتابية، فيظهر ياهو (أو مبعوثه) وهو ينحني أمام ملك أشور.

ومن أهم الاكتشافات ما يختص بحصار سنحاريب لأورشليم. إذ مات الآلاف من جنوده وتشتت الباقون عندما حاول الاستيلاء على المدينة، وكما تنبأ إشعياء لم يكن قادراً على غزوها. وإذ لم يستطع المفاخرة بانتصاره العظيم آنذاك، وجد سنحاريب ما يحفظ به ماء وجهه دون الاعتراف بالهزيمة فكتب في سجلاته:[4]

أما حزقيا، اليهودي، فإنه لم يخضع لقوتي. فقد حاصرت 46 من مدنه القوية وحصونه ذات الأسوار وعدداً لا يحصى من القرى الصغيرة المجاورة. وأخذت إلى السبي منهم 150 ، 200 من البشر صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، ومن الخيول والبغال والحمير والجمال والماشية الكبيرة والصغيرة ما لا يعد واعتبرتها غنيمة. أما هو فقد جعلته أسيراً في أورشليم، المقر الملكي له، مثل عصفور في قفص.[5]

 

السبي البابلي

 

لقد تأكدت العديد من حقائق العهد القديم التاريخية والتي تتعلق بالسبي البابلي. وقد أثبتت السجلات التي وُجدت في الحدائق المعلقة أن يهـوياكين وأبنـاءه الخمسـة قد أُعطوا مؤناً ومكاناً ليعيشوا فيه، وكـانوا يُعاملـون معاملة طيبة (2ملوك 25: 27- 30). وقد تسبَّب اسم بيلشاصر في مشاكل عديدة ليس فقط بسبب عدم وجود أي ذكر له، بل أيضاً لأنه لم يكن مدرجاً في سجل ملوك بابل. على كل حال إن نبونيدس (آخر ملوك الكلدانيين)ترك سجلاً أنه عين ابنه، بيلشاصر (دانيال 5)، ليحكم لعدة سنوات أثناء غيابه، ومعنى ذلك فإن نبونيدس كان لايزال ملكاً، أثناء حكم بيلشاصر للعاصمة. وأيضاً فإن مرسوم (سيرس) كما هو مسجل على يد عزرا يبدو متناسباً مع نبوات إشعياء إلى درجة كبيرة تقترب من التطابق، وبذلك تكون الدائرة قد اكتملت وأكدت المذكور في الكتاب المقدس في كل التفاصيل الهامة.[6]

 


عن كتاب: برهان جديد يتطلب قرار، لجوش ماكدويل



[1] Geisler, Norman L. Baker Encyclopedia of Christian Apologetics. Grand Rapids: Baker, 1998.,50

[2] Geisler, Norman L. Baker Encyclopedia of Chris- tian Apologetics. Grand Rapids: Baker, 1998., 51

[3] Ibid, 52

[4] Ibid

[5] Pritchard, J. B., ed. Ancient Near East Texts.

[6] Geisler, Norman L. Baker Encyclopedia of Chris- tian Apologetics. Grand Rapids: Baker, 1998, 52

ليست هناك تعليقات: