الأحد، 24 سبتمبر 2023

الصّلاة ومعرفة الله وفهم الكتب المُقدَّسة

 


بدون الصّلاة والشركة مع الله لا يمكن أن أفهم أقوال الله ومقاصده. بدون عمل الروح القدس والتمييز لا يستطيع شخص فهم الأقوال الإلهيّة! لإنّه إمّا سينصرف إلى حرفية قاتلة أو يعطي آراء شخصيّة تقنع العقل ولا تلمس الروح.

بدون برهان الروح وقوِّته ومعونته وعمله داخل الخادم لن يلمس القلوب ولن يكون مغيرًا ولا فعَّالًا بل فقط يُخرج أقوالًا جامدة في قوالب يراها العقل ويقتنع بصحتها لكنها لا تلمس الروح ولا تدخل إلى عمق النفس واحتياجها الذي هو من صميم عمل الروح القدس.. فتضيع الخدمة هباء.

وقد أدرك الآباء القديسون أنّ الصّلاة والحياة الروحيّة السليمة والمستقيمة مع الله هيَ أساس إدراك ومعرفة الله وكلمات انبيائه ورسله القديسين.. وإذ إنعزل آباء الكنيسة عن كلّ الخليقة صعدوا لرؤية الله ووصلت هذه الرؤية لأعلى درجاتها في "علم اللاهوت" أو"علم الأسرار اللاهوتيّة" أو "اللاهوت السريّ" الذي يُسمى أيضًا "المعرفة الروحيّة غير المنسية"[1]. وبالتالي يكون الآباء العائشون في "الثيوريا" هم اللاهوتيين الحقيقيّين أو هم اللاهوت الحقيقيّ ذاته طالما أنّ اللاهوت يملأ كلّ كيانهم.

أعتقد أنّه يجب علينا أنّ نبدأ بالقديس غريغوريوس النزينزي إذ أنّ الكنيسة لم تمنحه لقب اللاهوتي بالصدفة. إنّه يكتب في بداية نصوصه اللاهوتيّة الشهيرة أنّه لم يُعط َ لكل واحد أنّ يتكلم باللاهوت وأن يتحدث عن الله لأنّ هذا الموضوع ليس رخيصًا ومتدنيًا لهذه الدرجة. لم يوضع هذا العمل لكلّ الناس ولكن لأولئك الذين امتـُحنوا وحُسِبوا أساتذة في رؤية الله، والذين تنقوا في النفس والجسد من قبل أو على الأقل الذين يخضعون للتنقية. لا يتكلم عن الله إلَّا أولئك الذين عبروا من العمل للـ"ثيوريا" (رؤية الله) ومن التطهير للاستنارة. ومتى يحدث ذلك؟ يحدث ذلك عندما نصبح أحرارًا من الدنس والإضطراب الخارجي وعندما لا تختلط القواعد الموجودة داخلنا بالغضب والصورة الخاطئة.

ويربط نيلوس الناسك اللاهوت بالصّلاة وخصوصًا الصّلاة العقليّة. إننا نعرف جيّدًا من تعليم الآباء القديسين أنّ من اكتسب نعمة صّلاة القلب يكون قد دخل أول مرحلة في رؤية الله إذ أنّ هُناك نوع من الصّلاة هو صورة من الثيوريا. وبالتالي فإنّ كلّ الذين يصلون بالعقل يكونون في شركة مع الله وهذه الشركة هيَ معرفة الإنسان الروحيّة لله. وهكذا يقول القديس نيلوس: "لو كنت لاهوتيًا فإنك سوف تصلي بحق. ولو أنّك تصلي بحق فإنك تكون لاهوتيًّا"[2].

يجب علينا أن نؤكد على أنّ المعرفة اللاهوتيّة التي لا تنتج من التطهير أي من "العمل= التوبة + حياة التقوى"، هيَ لاهوت شيطانيّ. وبحسب مكسيموس المعترف فإنّ: "المعرفة بدون عمل هيَ لاهوت الشياطين"[3].

 

عن كتاب: سكيب الناردين، لأمجد بشارة، 2022

[1]. Rantosavlievits: Th e mystery of salvation according to Maximus the Confessor, p. 165. In Gk

[2]. Evagrius. Philokalia 1, p. 62,61

[3]. PG 91, 601 C. Letter 20, to Marinos the Monk

ليست هناك تعليقات: