الحديث عن الوقوف أمام الله "مع وضع العقل في القلب" كما يحثنا الآباء، يعني أننا يجب أن نعبد الله بكلّ شخصيّتنا الإنسانيّة. فالملكات العقلانيّة لا تُستبعد بأي حال، لأنّنا مخلوقات عاقلة ـوهيَ التي دعاها القديس كليمنضس الإسكندريّ "بالخراف العاقلة"[1]ـ ولذلك، ينبغي أن تكون عبادتنا "عبادة عقلية" (رو1:12)[2].
فالصّلاة بدون فهم وتذوُّق لكلّ كلمة هيَ عدم ولا شيء، فالصّلاة ليست
تعويذة سحرّيّة نُلقيها بدمدمات غير مفهومة، بل هيَ حركة الشوق الأسمي المزروع في
الطبيعة البشريّة. والكلمة في الصّلاة هيَ عهد وإلتزام، فعندما ادعو الله بأبانا
اتعهد أمامه أن أكون على صو
رة ابنه، وعندما أدعوه أن يغفر لي اتعهد أمامه أني
سأغفر للآخرين..
فالصّلاة ليست فرضًا اؤديه لكي ما استرضي الإله، بل الصّلاة احتياج للشبع
من اللاهوت، ولا يُمكن أن يشبع من لم يطلب الطعام، ولن يطلب الطعام إلَّا من يشعر
أنّه جائع.
وهكذا أيضًا فالكلمة هيَ تعبير عن إحتياج حقيقيّ، ولا يمكن أن يكون إنسان
في احتياج حقيقيّ، ويقف ليتعهّد أيضًا، ولا يكون ذهنه حاضرٌ معه في ذلك الوقت!
يُميّز أغسطينوس بين الصوت الذي بلا معنى ولا فهم كصوت شيء يسقط على الأرض
أو احتكاك مادتين معًا.. وبين الصوت الذي يصدر عن كلمات لها معنى، هذه تصدر عن
الكائنات الحيّة العاقلة، يُعبَّر عنها بالكلمات. هكذا الصّلاة الحيّة المتعلقة تصدر
صوتًا voice خاصًا بها، أمّا الصلوات التي بلا معنى ولا تخرج عن مشاعر صادقة،
فتخرج أصواتًا sounds بلا حياة.
من يقدر أن يشك في أنّ الصرخات التي
ترتفع إلى الرّب في صوت Sound صّلاة تكون باطلة إن نُطِقت
بصوت الجسد لا بصوت القلب الثابت في الله؟
أمَّا إذا صدرت عن القلب فإنّها تفلت من ملاحظة الغير من البشر إن كان
الضعف الجسداني صامتًا، لكنها لا تفلت من ملاحظة الله. لذلك عندما نصرخ إلى الرّب بصوت
الجسد -حيث تتطلب الظروف هكذا- أو بالصمت، يلزمنا أن نصرخ من القلب[3].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق