الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023

متى ولد المسيح؟

 


في تلك الأيام صدر أمر من أُغسطس قيصر أن تُكتتب المسكونة. فالقياصرة مغرمون بتعداد رعاياهم، مضافاً إليها حسابات الضرائب والجزية التي كانوا يصرفون الكثير منها على تحسين معيشة البلاد التي تحت رعايتهم، من تعبيد الطرق لتأمين المواصلات، إلى إنشاء المدن والمواني حتى تعود الفوائد على البلاد وعلى روما لتنشيط التجارة واستتباب الأمن والسلام. ومن هذا الاكتتاب وملابساته استطاع العلماء بشيء من التدقيق أن يحدِّدوا زمن ميلاد المسيح؛ إذ رجَّحوا أن يكون في سنة 4 أو 5 قبل الميلاد.

والذي ضبط تحديدها لأقرب سنة هو موت هيرودس الملك سنة 4 ق.م وقد وُلد المسيح قبل موت هيرودس بقليل، كذلك موعد الاكتتاب الذي كان في زمن كيرينيوس عندما كان والياً على سوريا، وحدث في أيامه اكتتابان: الأول سنة 8 ق.م (أع 37:5) والثاني سنة 6 ق.م. وقد وُجِدَت السجلات التي تشير أنه كان اكتتاب في سنة 746 لروما وهي المرادفة لسنة 8 ق.م، وقد وجِدَت السجلات في مصر التي تشير أن هذا حدث أيضاً في سنة 6 ق.م، ومعروف أن تعداد فلسطين حدث بعد مصر بسنة واحدة. وهكذا انحصر بوجه ما ميلاد المسيح في سنة 5 ق.م على أنه من المعروف أن موت هيرودس حدث بعد خسوف القمر، وهذا الخسوف بحسابات الفلك الدقيقة وقع في مارس سنة 750 لروما([1][1]) وهي المقابلة لسنة 4 ق.م.

على أنه من المعروف أن  المسيح وُلِدَ قبل موت هيرودس بحسب إنجيل ق. متى؛ وحيث أنه من المؤكَّد تاريخياً أن هيرودس الملك مات سنة 4 ق.م، فهذا يجعل ميلاد المسيح بصورة شبه مؤكَّدة سنة 5 ق.م.

على أن يوحنا المعمدان بحسب القديس لوقا قد بدأ خدمته في السنة الخامسة عشر لطيباريوس قيصر عن عمر ثلاثين سنة وهذا يجعل ميلاده (يوحنا) في بكور سنة 749 لروما، فيكون ميلاد المسيح تمَّ (في شتاء) سنة 5 ق.م.

كذلك يمكن ضبط تاريخ ميلاد المسيح على حساب بدء بناء هيرودس للهيكل (يو 20:2) الذي كان في السنة الثامنة عشرة من حكمه([2][2]). والذي استغرق 46 سنة في بنائه. وهذا يعطينا سنة 26 بعد الميلاد وهي سنة بدء خدمة المسيح. ويؤكِّد لنا أن ميلاده تمَّ سنة 5 ق.م ويرجِّح أنه كان 25 ديسمبر([3][3]).

أمَّا تعييد أقباط مصر للميلاد فكان ولا زال في 29 كيهك الذي كان موافقاً لـ 25 ديسمبر في الخمسة عشر قرناً الأُولى. وفي سنة 1582 اكتشف الفلكيُّون فرق بضع دقائق في السنة الشمسية، فحسبوها منذ ميلاد المسيح إلى ذلك الحين فوجدوها عشرة أيام. فأجروا التعديل الغريغوري بحذف هذه العشرة أيام حيث باتوا في 4 أكتوبر 1582 واستيقظوا باكراً في 15 أكتوبر وفي تلك السنة صار 29 كيهك موافقاً لـ 4 يناير بفرق العشرة أيام. ثم من سنة 1700 صار 29 كيهك يقابل 5 يناير. وفي سنة 1800 صار يقابل 6 يناير. ومنذ سنة 1900 صار يقابل 7 يناير. ولكن الأقباط ظلُّوا ملتزمين بتاريخ 29 كيهك، معتبرين أن التراث الديني لا يقوم على الضبط الزمني بالدقائق والثواني، فاليوم هو يوم والسنة هي سنة قلَّت دقائقها أو زادت.




عن: الاب متي المسكين، المسيح حياته واعماله، ص 37، 38


([1][1]) Josephus, Antiqu., 17.16.4.

([2][2]) E. Schürer, History of the Jewish People in the Age of Jesus Christ, vol. I, p. 410.

([3][3]) J.W. Shepard, The Christ of the Gospels, pp. 29,30.

ليست هناك تعليقات: