إنّ
المسيحيّ، في العبادة يمثُل أمام الله بموقف مزدوج، مدركًا "قرب الإله الأبديّ،
وفي نفس الوقت بُعده وآخريته"، وتلك هيَ عبارة كاتبة إنجليكانيّة كان لها حب
عميق للأرثوذكسية وهيَ إيفلين اندرهيل Evelyn Underhill[1] التي ذكرناها سابقًا. وبينما هو (أو هيَ)
يُصّلي، فإنّ العابد يشعر برحمة الله وبدينونته معًا، يشعر "بلطف الله
وصرامته" (انظر مز1:101، رو22:11). فحتّى نهاية حياتنا الأرضيّة، نحن نقف
دائمًا بين اليقين والرهبة: وبكلمات القديس أمبروزى شيخ رهبان أوبتينو، نوجد بين
الرجاء والخوف.
وهكذا
أوصي الكتاب: "لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ
يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً
مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. 29لأَنَّ إِلَهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ.. عب 12: 28-
29"، هذا
الموقف المزدوج يظهر بوضوح في الصلوات الليتورجيّة للكنيسة الأرثوذكسيّة، التي تنجح
في أن تجمع معًا الخاصيتين: خاصيّة السرّ، وخاصيّة الشعبيّة. وهُنا نقتبس من
إيفلين أندرهيل مرة أخرى: "(العبادة الأرثوذكسية) تشعر بسر الإله الفائق
العلو شعورًا عميقًا جدًّا، ولكنها مثل الأطفال تمامًا في اقترابها منه بثقة".
ونجد
في النصوص الليتورجيّة للشرق المسيحيّ أنّ هذه المشاعر المتناقضة من الرجاء
والخوف، من الثقة والرهبة توضع مرة بعد أخرى إلى جوار بعضها. فالقرابين المُقدّسة
هيَ: "الأسرار المحيية والمخوفة". والكاهن يدعو الشعب للاقتراب من الكأس
قائلًا: "بمخافة الله، وبإيمان ومحبة اقتربوا". فالخوف والثقة المملوءة
حُبًّا يسيران معًا يدًا بيد. وهُناك صّلاة قبل التناول منسوبة للقديس سمعان
اللاهوتيّ الحديث يقول فيها:
" بتهليل ورعدة في نفس الوقت،
أنا التبن أتناول النار،
وياللعجيبة المذهلة!،
وأنا أنال انتعاشًا لا يعبر عنه،
مثل العليقة القديمة،
التى اشتعلت ومع ذلك لم تحترق ".
بتهليل
ورعدة في نفس الوقت؛ هكذا بالضبط ينبغي أن يكون موقفنا ونحن نقف أمام الله. فينبغي
أنّ تتسم عبادتنا بإحساس قوى من المهابة والخشوع، لأنه مخيف هو الوقوع في يدي الله
الحي (عب31:10)؛ وبالتساوي ينبغي أن تتسم عبادتنا بإحساس الألفة وبساطة الحبّ، لأنّ
هذا الإله الحي هو أخونا وصديقنا. وعندما نصلى، فنحن في نفس الوقت عبيد أمام عرش
ملك السماء، كما أنّنا أطفال يحسون بالسعادة لوجودهم في بيت أبيهم. فالدموع التي نسكبها
ونحن نقترب من تناول الشركة المُقدّسة هيَ دموع توبة إذ أنّنا نفكر في عدم استحقاقنا
ـ"أنا التبن"ـ وهيَ في نفس الوقت دموع فرح إذ أنّنا نفكر في حنان الله
الرحيم. "أولئك الذين قد ذاقوا موهبة الروح يشعرون بأمرين في نفس الوقت: فمن
ناحية عندهم فرح وتعزية، ومن ناحية أُخرى عندهم رعدة وخوف وبكاء"[2]. هذا
ما تؤكد عليه عظات القديس مقاريوس. هذان الشعوران ينبغي أن يُميزا عبادتنا معًا
وفي وقت واحد إن كان لنا أن نقف باستقامة في الحضرة الإلهيّة.[3]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق