لقد
علَّمنا آباء الكنيسة أنّ الله غير منقسم إلى أجزاء، وذلك لأن الطبيعة الإلهيّة
طبيعة بسيطة، ليست مركبة من أجزاء حتّى يُمكن أنّ تنقسم. فكل أقنوم من أقانيم
الثالوث هو ليس جزءًا من الله، أو شيئًا في الله، بل هو كلّ ما هو الله منذ الأزل.
ولهذا
علمنا الآباء وبخاصة القديس أثناسيوس أنّ كلّ نعمة صالحة وكل هبة إلهيّة تأتي
إلينا هيَ عن طريق الآب بالابن في الروح القدس. لإن كلّ أقنوم من الثالوث القدوس
هو الله بكامله وكماله، ولهذا فكل أعمال الله صنعها كلّ الله وليس جزئًا منه. وكذلك
أيضًا كلّ ما يُقدم إلى الله فهو يُقدم إلى كلّ الله وليس جزئًا منه لإن الله غير
مكون من أجزاء وغير قابل للتقسيم.
كتب
سمعان اللاهوتي الجديد، يقول: "إنّ ابن الله وكلمته هو باب الخلاص، حسب
إعلانه "أنا الباب، أنّ دخل أحد بي يخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى". ( يو 10:
9). فإن كان المسيح هو الباب، كان الآب هو البيت "في بيت أبي منازل كثيرة"
(يو 14: 2). فنحن ندخل إلى لدن الآب بواسطة المسيح. ولكي يُفتح الباب لا بد لنا من
المفتاح. والمفتاح هو الروح القدس، لأننا بفعل الروح القدس نعرف الحق. والحق هو
المسيح. أنّ الآب قد أرسل ابنه إلى العالم، وابن الله وكلمته يكشف لنا الآب. أمّا الروح
القدس المنبثق من الآب والمرسل بواسطة الابن فإنه يصوّر المسيح "في قلوبنا".
وهكذا نعرف الآب بواسطة الابن في الروح القدس".
ومكسيموس
المعترف يتحدث كثيرًا في كتبه عن الكلمة في تجسداته السرّية. وقد كتب يقول في أحد مؤلفاته:
"إنّه كما كانت أقوال الناموس والأنبياء سابقة لحضور الكلمة بالجسد، هكذا حدث
حين تجسد ابن الله وكلمته فقد صار بتجسده سابقًا لحضوره الروحيّ..مؤدَّبًا النفوس
بأقوال مناسبة لقبول حضوره الإلهي المجيد".
وبكلام آخر، ينبغي أن يتجسد المسيح في داخلنا، وبدون ذلك يتعذر علينا أن نرى مجده في السماوات. غير أنّ تجسُّد المسيح في داخلنا يصير بمسرّة الآب ومشاركة الروح القدس في الفعل[1].
تعاليم الآباء عن الصلاة الموجهة لأقنوم واحد
امبرسيوس:
"من يذكر اسم واحد من الأقانيم فقد ذكر الثالوث، فإذا ذكرت اسم المسيح فأنت ضمنًا تُشير إلى الله الآب الذي به الابن قد مُسح، والابن نفسه الذي مُسح، والروح القدس الذي تمت به المسحة.. وإذا تكلمت عن الروح فأنت تذكر الله الآب الذي منه ينبثق الروح، وتذكر أيضًا الابن لإنه روح الابن"[2].
أثناسيوس الرسولي:
"الثالوث القدوس المبارك واحد في ذاته بغير انقسام. وعندما يُذكر الآب، فإنّ ذلك يتضمن كلمته والروح القدس الذي هو في الابن. وعندما يُذكر الابن، فإنّ الآب هو في الابن والروح القدس ليس خارج الكلمة. لأنه توجد نعمة واحدة من الآب تتحقق بالابن في الروح القدس، وتوجد طبيعة إلهيّة واحدة وإله واحد، ' الذي على الكل وبالكل وفي الكل"[3].
باسيليوس:
"إن عبادة صورة الله الآب أي الابن هيَ عبادة تقدم للآب أيضًا، نقول نفس الشيء عن الروح القدس لأنه يعلن في ذاته ألوهية الرّب يسوع المسيح. ولذلك السجود للروح القدس هو سجود للآب والابن فهو غير منفصل عنهما. ومن يفصل نفسه عن الروح القدس لا يستطيع أنّ يسجد للآب والابن ومن يصبح في الروح فلا يوجد ما يمكن أنّ يفصله عن الله، لأنك لا تقدر أنّ تفصل النور عن المرئيات كذلك لا يمكن أنّ ترى صورة الله الغير من المنظور إلَّا باستنارة الروح. وطالما أنه غير مستطاع لمن يرى الصورة أنّ يفصلها عن النور لأن النور هو الذي بسبب الرؤية، هكذا بكل يقين نرى "بهاء مجد الله" باستنارة الروح القدس في رسم الجوهر فالروح يرفعنا لمشاهدة ذاك الذي هو رسم الجوهر والختم (عب1: 3) فنرى التطابق بين الابن والروح"[4].
[1] عن
كتاب أمسية في برية الجبل المُقدس أثوس، للاب ايروثيئوس فلاخوس، عربه عن اليونانيه
أ/ جرمانوس لطفي
[2]
NPNF, second series, vol. x., p. 99.
[3] الإيمان بالثالوث - الفكر الكتابي للكنيسة الجامعة في القرون
الأولى، لتوماس ف. تورانس، دار باناريون، ص 318، 319.
[4] الروح القدس، ترجمة د/ جورج حبيب، مراجعة نيافة الأنبا يؤانس، 26: 64
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق