السبت، 30 سبتمبر 2023

شرح: خضوع الابن للآب، للقديس كيرلس الكبير

 


"وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (1 كو 15: 28).

عن كتاب: الكنوز في الثالوث، المقالة التاسعة والعشرون ترجمة د.جورج عوض إبراهيم

 

1- معارضة من جانب الهراطقة

 

إذا كنا نصدق ما قاله بولس عن أن الابن سوف يخضع للآب، فكيف يكون الابن عندئذٍ مساوياً للآب بحسب الطبيعة؟ فالضرورة تحتم عليكم أن توافقوا على أن الذي يخضع هو أدنى ممن يُخضَع له، فالذي يفوز – مثلاً - هو أسمى من المهزوم.

 

2- الرد

 

إن محاربي المسيح لا يدركون أنهم بهذه الأقوال يحاربون أيضاً تجديفهم. فلو قبلت أن يكون الابن أدنى من الآب، فلماذا تستعجل في تدعيم هذا الرأي قبل أن يخضع فعلاً؟ لأن بولس يقول: "حينئذٍ سيخضع"، فهو إذن يحدد الزمن الذي يحدث فيه هذا الأمر، أي في المستقبل، وبالتالي لا يُظهِر أنه خاضعٌ الآن بالفعل.

ثم كيف تظنونه ليس تجديفاً ما تقولونه من أن الابن لا يخضع الآن للآب، وإنه بطريقةٍ ما يقف ضد ذاك الذي ولده؟ لأن مَن لا يخضع، إنما يفعل مشيئته هو. فإذا كان الأمر على هذا النحو، فما رأيكم فيما قاله المسيح: "لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يو 6: 38)؟ ليتهم يقولون لنا - إذا كانوا قادرين على إدراك الكتب المقدسة - ما إذا كان تتميم مشيئة الآب لا يعني الخضوع؟ إذن. كيف يقال عمن يخضع الآن، إنه سوف يخضع حينذاك؟ ليتهم يسمعون إذن - عن حق - "تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ" (مت 22: 29).

 

3- ردٌ آخر

 

إذا كنتم تقبلون أن يكون الابن مخلوقاً ومصنوعاً، وبالتالي يخضع لهذه الأمور التي صارت، اخبرني إذن يا صاحب - وفق عدم تبصُّرِكَ - إذا كان يمتلك جوهر العبد، فكيف لا يخضع الآن إلى آب الجميع، إذا كان المرنم يقول عن المخلوقات: "الكل عبيدك" (مز 119: 19)؟

نحن أمام أحد خيارين: إمَّا أن نقول إن الآب لا يستطيع أن يُخضع الابن له، دون أن يريد الابن ذلك، الأمر الذي يعني أن يكون الابن أسمى من الآب في حين أنه وفقاً لرأيكم هو الأدنى. وإمَّا أن نقول إن الخضوع شيءٌ حسن، لكن الابن لا يخضع الآن، طالما يقال عنه إنه سوف يخضع في المستقبل، وهو ما يمكنكم معه أن تحسبوه عليه خطية. فإذا كان ما قيل عنه من أبيه حقيقياً بأنه هو: "الذي لم يفعل خطية" (راجع 1 بط 2: 22، أش 53: 9)، فليكن إذن هذا الحديث بعيداً عن أي سخفٍ وعبث.

 

4- معارضة من جانب الهراطقة

 

كيف لا يتضح للجميع أن الابن أدنى من الآب، طالما أنه يخضع له؟

 

5- الرد

 

وكيف لا يكون واضحاً للجميع (وأنا هنا استخدم نفس كلامكم) أن المساوي يخضع في مرات كثيرة - من أجل التدبير - للمساوي له؟ ألا تصدقون أن روح الأنبياء واحدة؟ فكيف يقول بولس إن: "أَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأَنْبِيَاءِ" (1 كو 14: 32)، بالرغم من أن لديهم نفس الجوهر ويشتركون في نفس الطبيعة؟ فلا الذين يخضعون، لهم طبيعة أدني، ولا أولئك الذين يُخضَع لهم لديهم طبيعة أسمى، أو أكبر([1]). لأنه بالرغم من وحدة الجوهر التي تجمع كل البشر، إلاَّ أن خضوعهم لبعضهم البعض ينتج آلافاً من الأمور الحسنه. وطالما أن هذا الأمر الحسن قد عُيِّن أيضاً لنا، وبطريقة ما، لا يُخِرجنا خارجاً عن حدود الطبيعة، فلماذا لا تتجنبوا هذا التجديف السخيف محافظين على مساواة الكلمة بالله (الآب)؟

 

6- ردٌ آخر

 

أيها الأصدقاء، مِن أين لكم أن تقولوا إن مقولة الخضوع تعني أن الابن أدنى من الآب؟ إن جوهر الابن لا يتحدَّد بالخضوع، ولا يتوقف وجود الابن على الخضوع، لأنه، بينما هو يوجد بطريقة مميَّزة، يُقال عنه إنه يخضع. وحيث أن كلمة خضوع لا تصف جوهره، إذن فليس هو أدنى من الآب. لكن لو اعتقدتم أن الخضوع يمثل تحديداً لجوهر الابن، فعليكم أن تلاحظوا في أية هوة تجديف أنتم تسقطون([2]). لأنه إذا كان الأمر على هذا النحو، فمن الضروري أن تقولوا إن الابن يدعى حينذاك إلى الوجود، أي عندما يأتي وقت الخضوع؛ لأن بولس يذكر أنه سوف يخضع في المستقبل، إذ هو للآن لم يخضع بعد.

 

7- ردٌ آخر يحتوي على شرحٍ مقنعٍ للنص

 

الآب يفعل كل شيء بواسطة الابن، وهذا شكلٌ من أشكال الخضوع، أي أنه يظهره على أنه يخضع لمشيئة الآب. فعندما قال الآب: "نعمل الإنسان" (تك 1: 26)، أخذ الكلمة من الأرض طيناً وصنع هذا الذي تقرَّرَ. لأنه يقول: "كلُ شيءٍ به كان" (يو 3:1).

وحسناً يعلمنا بولس الرسول بأنه في الأزمنة الآتية سوف يصنع الله كل شيءٍ أيضاً بواسطة الابن، إذ يقول بكل حكمة: "وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (1كو 15: 28). أي كأنه يقول: لا يظنَّنَ أحدٌ أننا سنكون نحن شركاء الآب في الحياة الآتية بطريقة مختلفة، لكن أيضاً بواسطة الابن. وتعبير "بواسطة الابن"، يعني الخضوع، دون أن يقلل ذلك أبداً مما يخص جوهر الابن، بل يعلن مقدَّماً بطريقة فائقة للعقل ولا نظير لها، وحدة الثالوث القدوس. لأنه لن يتمرد وقتذاك على ذاته، ولن يسبب - بتغييرات فوضوية - إزعاجاً لهذا الذي هو غير متغيِّر، بل في ذاك الوقت أيضاً، سيكون الآب بواسطة الابن الكل في الكل، حياةً وعدمَ موتٍ وفرحاً وقداسةً وقوةً، وكل ما أُعطي كوعدٍ للقديسين.

وعليك أن تلاحظ عمق التدبير الذي يحمله الشاهد الكتابي؛ لأنه قال: إن الكل سيخضع بواسطة الابن للآب، حتى لا تظن أن الآب سوف يُبعَد عن أن يكون ربَ الكلِ، لأن الابن سيكون سيداً على الكل. لأن الشاهد الكتابي ليس مضطراً لأنْ يقدِّم مَن سيصير سيداً على الكل، على أنه غير خاضع للآب بالضرورة. لأن الآب له قوة السيادة على الكل بمشاركة الابن بطريقة طبيعية في هذا الأمر؛ لأن إلوهية الثالوث الواحدة لها السيادة والملك، الآب بواسطة الابن مع الروح القدس.

 

8- ردٌ آخر

 

والذي هو خاضعٌ الآن للآب، كيف يُقال عنه إنه سوف يخضع بعد أزمنةٍ، أو بالحري في الدهر الآتي؟ ألا يخضع الآن متمماً مشيئة الآب، مخُلياً ذاته([3]) كما هو مكتوب (أنظر فيلبي 2: 7) آخذاً شكلَ وهيئةَ عبدٍ؛ لكي يتمم عمله([4])، كما يقول هو ذاته (أنظر يو 17: 4)؟ أعتقد أن هذا واضحٌ وضوحاً كاملاً للجميع، ويظهر حقاً بفحص هذه الأمور. إذن كيف يقول لنا بولس العظيم إن الذي هو بالفعل خاضعٌ الآن، سوف يخضع في المستقبل؟ ليتنا نفحص الشاهد بدقة: "وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (1 كو 15: 28). فماذا يريد أن يقول؟ المسيح أيضاً الآن خاضعٌ للآب، لكن ليس في الكل، لكن فقط في هؤلاء الذين يؤمنون به (أنظر كو 1: 22)، ولأجل هؤلاء قَدَمَ ذاته ذبيحةً للآب كحملٍ بلا عيب([5])، محتقراً الصليب والعار([6]). هكذا، ولأنه حررَّهم مِن كل خطية، قادهم أطهاراً وبلا دنس إلى الخالق. حسناً. عندما أبعد كل ضلال، وعرف ساكني المسكونة الإله الحقيقي، واعترفوا بالمسيح ملكاً ورباً، خاضعين لوصاياه المخلِّصة، عندئذٍ، يكون الكل قد خضعوا، وسيخضع أيضاً هو لأجلنا، إلهاً ورباً ورئيسَ كهنةٍ للكل([7])، ومعطياً بواسطة ذاته للكل إمكانية أن يصيروا شركاء الآب الذي هو فيه. لأنه هكذا يصير الله الكل في الكل، بأن يكون في الكل بواسطة الابن كوسيط، ساكناً في كل واحد من أولئك الذين قد دُعُوا لكي يخلّصهم.

  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

([1]) نفس هذه الحُجة نجدها في: حوار حول الثالوث للقديس كيرلس، إذ يقول: "لأنه وفق ما هو مكتوب أن أرواح الأنبياء تخضع للأنبياء، وأولاد (فلان) مثلا يخضعون لأبيهم تماماً مثلما تستطيع أن تقول إن إسحق قد خضع لإبراهيم ومَنْ وَلَده اسحق كان خاضعاً لأبيه الذي وَلَده. لكن لا أرواح الأنبياء كانت لها طبائع مختلفة بسبب الخضوع، ولا الطوباوي اسحق كانت طبيعته مختلفة ومن جنس آخر لأنه كان خاضعاً لأبيه بسبب توقيره له، مُظهِراً طاعة لَمنْ وَلَده وإكراماً لبنوَّته له. إذن كان سيكون الأمر صحيحاً لو أن عملية الخضوع كانت ستغيِّر من طبيعة مَنْ يخضعون وتظهِرهم كأن لهم طبيعة مختلفة عن طبيعة مَنْ يخضعون له، وتجعلهم غرباء عن كلِّ علاقة هي بحسب الطبيعة، وكان سيكون الأمر هكذا حتى بالنسبة للابن، إما إن كان الحديث عن أمر الخضوع لا يضيرهم على الإطلاق إذ هو كما أعتقد يمثل نوع من إكرام الابن للآب، وتصرّف يعكس تقدير واحترام لمن نكن لهم كلَّ تقدير وتوقير، ولا يقلّل - بالنسبة لنا نحن الذين نفعل هذا الأمر - من طبيعتنا، عن طبيعة مَنْ نخضع لهم، أي إن كان الأمر هكذا فلماذا ينسب هؤلاء وبطريقة حمقاء، هذا الأمر للابن الذي هو الله بالطبيعة وقد أتى من الله؟". حوار حول الثالوث، المرجع السابق، الجزء الرابع، الحوار الخامس ص 87.

([2]) سقوط الهراطقة يتمثل في أنهم يستخدمون الكتاب المقدس لخدمة آرائهم المنحرفة، وهذا يرجع - كما قلنا – إلى عدم اعتمادهم على الإيمان المستقيم في شرح النصوص الكتابية، الأمر الذي يؤكد علية مراراً القديس كيرلس، إذ يقول في حواره حول الثالوث: "لأنه في مرّات كثيرة يوجِّه المعاندون كلامهم ضد مجد الابن الوحيد وهم يستخدمون كلمات الكتاب المقدس في اتهاماتهم فعندما يقرأون ما قاله بولس الطوباوي "وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ للَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ"(1 كو 15: 28)، فإنهم - حسب ظنهم - يقولون إن هذه مشكلة عويصة تتطلّب مناقشات طويلة. غير أن الآخرين الذين يحبون الله من قلوبهم ويسهرون من أجل محبتهم في التعلّم وفي التمسك بالإيمان القويم، فهؤلاء يجدون صعوبة في فهم الآية ليس بسبب أنها غير سليمة بل بسبب تحريف المعاندين لمعناها، الذين يرفضونها ظانين أنها غير سليمة. غير أن هؤلاء المؤمنين يتسّلحون سريعا بأسلحة الحق ويهدمون كلَّ المعوقات التي تسببها كلُّ الأفكار الخاطئة، وحينئذ يرون هذه الآية بمعناها الصحيح ويرجعونها إلى معناها المستقيم، أي إلى خضوع المسيح حسب الجسد من أجل التدبير". حوار حول الثالوث، المرجع السابق، الجزء الرابع، الحوار الخامس ص 88 - 89.

([3]) يوضح القديس غريغوريوس النيصي هذه الحقيقة، قائلاً: "بعدما أتحدت طبيعتنا الإنسانية بالطبيعة الإلهية غير المائتة، في شخصه المبارك يتحقق فينا مقولة "خضوع الابن" طالما أن الخضوع الذي يتحقق بالجسد تم في الابن الذي وضع فينا نعمة الخضوع". القديس غريغوريوس النيصي، خضوع الابن للآب، ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب، مراجعة د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية يونيو 2005، ص 19.

([4]) من خلال شرح معنى أمر الرب - في العهد القديم - بأن لا يسكب دم أو تُذبح ذبيحة على مذبح الذهب، يؤكد القديس كيرلس على أن الابن تمم كل شيء وأبطل الذبائح الناموسية، إذ يقول: "ممنوعٌ تماماً أن يوجد فوقه، أي فوق مذبح المسيح (في العهد الجديد)، سكيبٌ أو تقدمة ذبيحة. لأنه بالمسيح أُبطلت فرائض الناموس، والظلال وصلت إلى نهايتها. هذا ما يشير إليه عدم إصعاد محرقة أو تقدمةً أو سكيباً فوق مذبح البخور". السجود والعبادة بالروح والحق، المرجع السابق، الجزء الخامس، المقالة التاسعة ص 88.

([5]) الابن هو الحمل الذي بلا عيب البار والقدوس، وهذا ما أكده القديس كيرلس أثناء حديثة عن التيس المرسل إلى البرية، قائلاً: "لهذا صار المسيح ذبيحة عن خطايانا حسب الكتب المقدسة (أنظر 1 كو 15: 3)، ولهذا السبب نقول إنه دُعي خطية، وهكذا يكتب بولس الحكيم جداً: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطيةً لأجلنا" (2 كو 5: 21). والمقصود هنا هو الآب (فهو الذي جعله خطية). لأننا لا نقول إن المسيح صار خاطئاً – حاشا – بل لكونه باراً، وبالحري هو البر نفسه، لأنه لم يعرف خطية، فالآب جعله ذبيحة عن خطايا العالم". راجع: رسائل القديس كيرلس، مركز دراسات الآباء، الجزء الثالث، نصوص الآباء: 34، ديسمبر 1995 ص 65 وما بعدها.

([6]) أكد القديس كيرلس أثناء حديثة عن تقدمة اسحق على تقديم الابن ذاته ذبيحة لأجل البشر، إذ يقول: "وكما أن الفتى الصغير إسحق حمل الحطب الذي أُعطى له من أبيه وذهب به إلى مكان تقديم الذبيحة، هكذا حمل المسيح الصليب على كتفه وتألم خارج المحلة، وكانت هذه هي إرادة الله الآب وليست إرادة بشرية. وهذا ما قاله المسيح نفسه لبيلاطس البنطى: "لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ" (يو 19: 11). أي أن إسحق عندما حمل الحطب كان يشير إلى آلام المسيح وموته، أمَّا تقديم الكبش المُعطى من الله ذبيحة على المذبح فهذا يشير إلى حقيقة أن المسيح أصعد جسده ذبيحة ذكية إلى الآب، ذلك الجسد الذي قيل عنه إنه أخذه من الله الآب بحسب ما ورد في المزمور: "ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسد. بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرّ. ثم قُلتَ هاأنذا أجيءُ في درج (رأس) الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا الله" (عب 10: 5 - 7، مز 40: 7). ولكنه هو نفسه الكلمة الذي وُلِد من جوهر الله الآب وتجسد من العذراء وسُمِرَ على الصليب، إلاّ انه إله غير متألم وغير مائت، وهو مُنَّزهٌ عن أي ألم وأي موت". جيلافيرا، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم، مراجعة د. نصحي عبد الشهيد، الكتاب الشهري، مايو 2005.

([7]) الكلمة تجسد وصار خادماً للأقداس الحقيقية، وهذا ما أكد علية القديس كيرلس في موضع آخر، قائلاً: "لقد عُيِّن عمانوئيل حقاً كمشرِّعٍ، ورئيسَ كهنةٍ لأجلنا بواسطة الله الآب مقدِّماً ذاته ذبيحةً لأجلنا (انظر عب 9: 14)؛ لأنَّ الناموس، كما يقول بولس الطوباوى: "يُقِيمُ أُنَاساً بِهِمْ ضَعْفٌ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ. وَأَمَّا كَلِمَةُ الْقَسَمِ الَّتِي بَعْدَ النَّامُوسِ فَتُقِيمُ ابْناً مُكَمَّلاً إِلَى الأَبَدِ" (عب 7: 28). إذن، فقد نزل الكلمةُ من السماء وصار مشابهاً لنا، خادماً للأقداس والخيمة الحقيقية التي أقامها الرب، وليس أيُ إنسان". السجود والعبادة بالروح والحق، المرجع السابق، الجزء السادس، المقالة العاشرة ص 34.

الجمعة، 29 سبتمبر 2023

شرح: وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ κεφαλη δε του χριστου ο θεος (1 كو 11: 3).

 


يعلن الكتاب المقدس ان المسيح هو المتقدم على الخليقة وسيدها ورأسها:

"لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ" (أف 1: 10).

"وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ." (كو 1: 18).

"بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ،" (أف 4: 15).

"وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ." (كو 2: 10).

"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ للهِ." (1 كو 3: 23). 

أما عن أن الله هو رأس المسيح، فليس الآب رأسًا للمسيح من حيث طبيعته الإلهية، لأنهما واحد: فالمسيح كإله مساوٍ لأبيه، وله نفس الكمالات الإلهية معه؛ فالآب والمسيح متساويان، لكن الابن مسؤول أمام الآب (راجع يوحنا 6: 38- 40؛ 10: 29-30؛ 14: 9؛ 1 كور 15: 28؛ فيلبي 2: 6).[1] ولكن بالنسبة لطبيعته البشرية التي صورها وأعدها ومسحها ودعمها ومجدها؛ وفي الطبيعة التي مارس فيها المسيح النعمة عليه، وثق به وآمن به وأحبه وأطاعه؛ كان يفعل دائمًا الأشياء التي تسعده في الحياة؛ فدعا له، وكان مطيعًا له حتى الموت، وأسلم نفسه أو روحه بين يديه، فعل كل هذا كما لو كان الآب رئيسه، بحسب طبيعته البشرية، لأنه رغبة في خلاص الإنسان «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ» (فيلبي ٢: ٧ و٨).  وأيضًا في دوره كوسيط، الذي كان على هذا النحو هو رئيسه. فرأس المسيح هو الله يشير إلى أن الآب في الثالوث له دور السلطة أو القيادة فيما يتعلق بالابن، على الرغم من أنهما متساويان في الألوهية والصفات.[2] فالله رأس المسيح فقط كإنسان وكوسيط بين الإلهي والإنساني.[3] وباعتبار المسيح مرسل من الله، فالله هو الأسمى فيما يتعلق بالمسيح باعتباره الذي أرسله.[4]

فقد قبل اللَّه الكلمة أن يصير وسيطًا لدى الآب عن البشرية؛ بإرادته صار إنسانًا وخضع لإرادة أبيه وهو واحد معه في الجوهر، ليتمم كل تدبير الخلاص في طاعة كاملة. وكما يقول الرسول: "مع كونه ابنًا تعلم الطاعة مما تألم به" (عب 5: 8). ففي دوره في الخلاص قام بدور الخاضع لطاعة أبيه حتى ينزع عنا طبيعة العصيان ونشاركه سمة الطاعة.

ومن جهة أُخرى، فإن آباء الكنيسة ككيرلس السكندري[5]، وذهبي الفم، وثيودوريت يؤكدون أنه يجب أن يكون يسوع من جوهر الله نفسه! لأنه بما أن الرجل هو رأس المرأة، وبما أن الرأس من نفس جوهر الجسد، والله هو رأس الابن، فيترتب على ذلك "الابن من نفس جوهر الآب" [بحسب تعبير ذهبي الفم]. “المرأة من جوهر الرجل، وليست من صنع الرجل؛ هكذا أيضًا الابن ليس من الآب، بل من جوهر الآب”.[6]

ومن جهة ثالثة، فإن الآب رأس المسيح لإنه مصدره، فالآب هو الأصل والمصدر والينبوع في الثالوث القدوس، هو والد الابن وباثق الروح، لذا يُدعى بأنه رأس المسيح.. وليس معنى هذا أن هُناك أفضلية للآب على الابن، لكن فقط هو المصدر، كما أن النور يصدر عن اللهب في حالة النار، ومع ذلك لا وجود للهب بدون النور ولا النور بدون اللهب.



[1] KJV Bible Commentary (Nashville: Thomas Nelson, 1997, c1994). 2312.

[2] Crossway Bibles, The ESV Study Bible (Wheaton, IL: Crossway Bibles, 2008). 2206.

[3] Gill's Exposition on 1 Corinthians 11.

[4] Archibald Robertson and Alfred Plummer, A Critical and Exegetical Commentary on the First Epistle of St. Paul to the Corinthians (New York: C. Scribner's Sons, 1911). 229.

[5] Ad Arcadiam 1.1.5.5(2).63; Ad Pulcheriam 2.3.268; Alan F. Johnson, 1 Corinthians, The IVP New Testament commentary series (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 2004). 191.

[6] Theodoret, t. 3, p. 171; Robert Jamieson, A. R. Fausset, A. R. Fausset, David Brown and David Brown, A Commentary, Critical and Explanatory, on the Old and New Testaments (Oak Harbor, WA: Logos Research Systems, Inc., 1997). 1 Co 11:3. 

شرح: بكر كل خليقة πρωτότοκος πάσης κτίσεως (كو1: 15)

 


بعد أن أوضح بولس علاقة المسيح بالله كونه صورة الله غير المنظور الأزلي، يوضح الآن علاقة المسيح بالمخلوقات، وكتبها بطريقة دفاعية للرد على المعلمين الغنوصيين الكذبة الذين اعتقدوا أن المسيح مجرد هلام وليس شخصًا حقيقيًّا!

السياق يوضح أن اللقب لا يمكن أن يشير إليه باعتباره أول الكائنات المخلوقة، لأن الكلمات التالية مباشرة، والتي تقدم تعليقًا على العنوان (لإنه متبوع بأداة الوصل اليونانية ὅτι)، تؤكد على أنه هو الذي به الخليقة كلها. خرجت الى حيز الوجود. علاوة على ذلك، وبصرف النظر عن عدم توافق هذا الفكر مع تعليم بولس بشكل عام عن شخص المسيح وعمله، فإن كلمة πρωτότοκος ("البكر") نفسها لا تحتم مثل هذا المعنى.[1]

فليس المقصود هُنا أن المسيح أول الخليقة، أو أول مخلوق خلقه الله؛ لأنه في الأية التالية مباشرة يقول الرسول: "فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ." (كو 1: 16)، أي أن كل المخلوقات استمدت وجودها منها، خُلِقت بواسطة الابن، ولذلك فهو نفسه لا يمكن أن يكون مخلوقًا أبدًا؛ ولا هو الأول في الخليقة الجديدة، لأن الرسول في السياق يتحدث عن الخليقة القديمة، وليس عن الخليقة الجديدة.[2] حتى أنّ أوريجانوس استخدم هذا النص للدلالة على لاهوت المسيح.[3]

وفي الفكر اليهودي تم استخدام مصطلح "البكر" لأهداف محددة، فمثلًا تم تكراره في السبعينية (130 مرة)، غالبًا في سلاسل الأنساب والروايات التاريخية، للإشارة إلى الأولوية الزمنية وسيادة المرتبة. وكثيراً ما كانت كلمة "بكر" تُستخدم للإشارة إلى الشخص الذي كان له مكانة خاصة في محبة الأب. لذلك يُدعى إسرائيل "ابني الحبيب" (υἰὸς πρωτότοκός μου، خروج 4: 22 سبعينية)، "أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ" (تك 49: 3). كما أنّها يمكن أن تترجم بكلمة "رئيس" في العبرية كما جاء في 1 أخ 5: 12 LXX (بحسب السبعينية).[4] وهي كلمة تعبر عن العلاقة الوثيقة بين الله وإسرائيل. في اليهودية، كما يُمنح الملك المسيح، وكذلك إسرائيل والبطاركة والتوراة، هذا اللقب المميز في العهد القديم.[5] فالبنسبة لليهود كلمة "بكر" مرادفة لكلمة "ملك"، ويفسرونها بـ (גדול ושר)، "عظيم"، و"أمير"؛ كما جاء في المزامير: "أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا، أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ." (مز 89: 27) وهي نبوة عن مسيانية.[6]

بينما تأمل الكتّاب اليهود حول الحكمة من خلال إعطائها مكانة شبه شخصية (كانت حاضرة عند الله منذ الأزل، حك 9: 9؛ مشاركة في العرش الإلهي، حك 9: 4؛ موجودة قبل السماء والأرض، ووفقًا لفيلون كانت "الحكمة"/"الابن البكر،" الأداة "التي بها جاء الكون إلى الوجود").[7] حيث يقول:

" لأننا وإن كنا غير مؤهلين بعد لأن ندعى أبناء الله، فإننا لا نزال نستحق أن ندعى أبناء الله. لإننا نستحق أن نُدعى أبناء صورته الأبدية، كلمته المقدسة؛ لأن صورة الله هي كلمته الأقدم".[8]

فالمعنى المقصود هُنا هو أنه ولد من الآب بطريقة لا يمكن للبشر تصورها ولا التعبير عنها، قبل أن توجد أية مخلوقات؛ أو أنه "الوالد الأول" أو جالب كل مخلوق إلى الوجود. فهو أول أصل لكل شيء مخلوق: "فإنه به خلق الكل" (كولوسي 1: 16)، أو يمكن أن يُفهم من المسيح، باعتباره الملك والرب والحاكم على جميع المخلوقات؛ كونه بكر الله، فهو وارث كل شيء، وله حق الحكم؛ وهو أعلى من ملوك الأرض، أو ملائكة السماء، أعلى مرتبة من المخلوقات، فهو خالق الجميع وحافظهم: "وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ»." (عب 1: 6).


فنحن نفهم معنى كلمة البكر بطريقتين هُنا:

1- المتفوق على الخليقة حيث أنه أصلها وموجدها وسيدها وتستمد وجودها منه.

2- وجود المسيح بالجسد، حيث أنه يُدعى البكر الجديد أي الرأس الجديد للبشرية، كما كان آدم بكر البشرية ورأسها الأول.

"وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أف1: 22، 23)؛

"أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ" (رؤ22: 16)؛

"لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ." (عب 2: 10)؛

"لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ." (1 كو 15: 22)؛

"فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ." (رو 5: 18)؛

"الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ." (1 كو 15: 47)؛

"هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا»." (1 كو 15: 45).



[1] Peter T. O'Brien, Word Biblical Commentary: Colossians-Philemon, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002). 44.

[2] John Gills Exposition of the Bible Commentary, Colossians, 1: 15

[3] Book 2, sec. Against Celsus

[4] Craig S. Keener and InterVarsity Press, The IVP Bible Background Commentary: New Testament (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 1993). Col 1:15.

[5] Peter T. O'Brien, Word Biblical Commentary: Colossians-Philemon, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002). 44.

[6] R. Sol. Urbin. Ohel Moed, fol. 50. 1; Peter T. O'Brien, Word Biblical Commentary: Colossians-Philemon, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002). 44.

[7] Philo of Alexandria and Charles Duke Yonge, The Works of Philo: Complete and Unabridged (Peabody, MA: Hendrickson, 1995).178, 247, 348..

[8] Philo of Alexandria and Charles Duke Yonge, The Works of Philo: Complete and Unabridged (Peabody, MA: Hendrickson, 1995). 247.

شرح: بدائة خليقة الله ἡ ἀρχὴ τῆς κτίσεως τοῦ θεοῦ، (رؤ3: 14)

 


"فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ." (كو 1: 16).

"وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ." (1 كو 8: 6).

"كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ،" (عب 1: 2).

أطلق بعض الكُتَّاب اليونانيين الرومان على الإله الأعلى اسم "الأول"، لكن العهد القديم (إشعياء 41: 4) والمعلمين اليهود (على سبيل المثال، يوسيفوس وفيلو) قد أطلقوا بالفعل على إله إسرائيل اسم "الأول والأخير". وهذا هو المغزى من تسميته بالحرفين الأول والأخير من الأبجدية اليونانية، ألفا وأوميغا (الألف والياء). (وبالمثل، جاء بعض المعلمين اليهود ليطلقوا عليه اسم "ألف وتاف"، الحرفين الأول والأخير من الأبجدية العبرية. كما أطلقوا على الله اسم "الحق"، وهي كلمة عبرية "يميت"، مكتوبة "ألف-ميم-تاف"، والتي قالوا إنها كانت الحروف الأولى والوسطى والأخيرة من الأبجدية، مما يدل على أن الله كان أبديًا ويحكم كل العصور).[1]

وبدائة خليقة الله لا يعني أنه هو خليقة الله الأولى ولكنه هو الذي بدأ خليقة الله. في سفر الرؤيا، "البداية" ومكملتها "النهاية" هي تعبير عن أبدية الله: «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ" (رؤ 21: 6)؛ "أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ»." (رؤ 22: 13)، وهنا تشير إلى سيادة المسيح على النظام المخلوق.[2]

فكلمة البداية ἀρχὴ هنا تجمع الأفكار القائلة بأن المسيح له السلطة العليا على الخليقة وأنه أصل المخلوق (راجع يوحنا ١: ٣؛ كولوسي ١: ١٥-١٨). فكلمة بدائة هُنا يمكن ترجمتها بشكل أفضل إلى مُبديء أو مبدأ أو رئيس،[3] وهو ما نجده في جميع الترجمات الأحدث للكتاب المقدس، فمثلًا المشتركة تكتب: " رأْسُ خَليقَةِ اللهِ"، بينما الترجمة البولسية أوردتها: "مَبْدأُ خَلقِ الله"، وهذا ما نجده أيضًا في الترجمة التفسيرية لكتاب الحياة: "رَئِيسُ خَلِيقَةِ اللهِ". حيث هو أصل الخليقة ومصدرها، هو خالقها، كما أنه لقب يرفع المسيح فوق الكائنات المخلوقة التي وهي ضعيفة تتفاخر باكتفائها الذاتي.[4]

إن التركيز على الأولوية الزمنية للمسيح للخليقة كلها موجود بشكل متكرر في الأدب المسيحي المبكر وربما كان نتاج تعريف المسيح بحكمة الله. بحسب يوحنا 1: 2-3، "كَانَ فِي الْبَدْءِ [ἐν ἀρχῇ] عِنْدَ اللهِ. كل شيء به كان».[5] ففي المسيحية المبكرة ذكر الكثير من آباء الكنيسة تعبير بداية للمسيح بمعنى: "يُدعى البداية [ἀρχχή] لأنه يقود ويهيمن [ἅρχει καὶ κυριεύει] كل شيء يتشكل من خلاله".[6]

فهو ليس المخلوق الأول الذي خلقه الله، بل السبب الأول للخليقة؛ الوالد الأول والمنتج والسبب الفعال لكل مخلوق؛ خالق الخليقة القديمة، الذي خلق كل شيء من العدم في بدء الزمان؛ ومن الخليقة الجديدة، أبًا أبديًا، كل من صار خليقة جديدة؛ أبا الدهر الآتي، أو أبو الدهر الجديد وتدبير الإنجيل؛ صانع السماء الجديدة والأرض الجديدة. ولذا فهو شخص مناسب جدًا ليكون قاضي العالم كله، ويستدعي جميع الأمم أمامه، ويصدر الحكم النهائي عليهم. هذه العبارة يهودية، وهي لقب يطلقه اليهود على ميتاترون، الذي يقصدون به المسيح؛ لذلك تلك الكلمات في تك 24: 2، وقال إبراهيم لعبده الأكبر في بيته، يعيدون صياغتها هكذا:

"فقال إبراهيم لعبده:" هذا ميتاترون، (أو الوسيط)، عبد الله، "كبير بيته"؛ لأنه תחלת בריותיו של מקום "بدء خليقة الله". الذي يملك على كل ما له، لأن الله القدوس المبارك قد أعطى حكم جميع جنوده".[7]

والجدير بالذكر أن هُناك عدد من التشابهات في رسالة كولوسي (التي أمر بولس أن تُقرأ في لاودكية، كولوسي ٤: ١٦) مع التعبيرات الواردة في هذه الرسالة. إنه استنتاج معقول أن كنيسة لاودكية قد نسخت أهل كولوسي وعزتهم، وأن يوحنا يلجأ إلى معرفتهم بذلك.[8]



[1] Craig S. Keener and InterVarsity Press, The IVP Bible Background Commentary: New Testament (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 1993). Re 1:8.

[2] Crossway Bibles, The ESV Study Bible (Wheaton, IL: Crossway Bibles, 2008). 2469.

[3] بسحب متى هنري،التفسير الكامل للكتاب المقدس، 2002، ص 630.

[4] تفسير الكتاب المقدس، مجموعة من اللاهوتيين برئاسة فرانسيس دافدسون، منشورات النفير 1988، ص 763.

[5] Daniélou, Jewish Christianity, 166–68

[6] 2.13; Tatian Oratio ad Graec 5.1; Clement Alex. Eclogae proph 4.1; Strom 6.58.1; 7.1; Origen Hom. in Gen. 1.1; Comm. in Job 1.19

[7] Zohar in Gen. fol. 77. 1.

[8] Leon Morris, Revelation: An Introduction and Commentary, Tyndale New Testament Commentaries (Nottingham, England: Inter-Varsity Press, 1987). 84; See Lightfoot, Colossians, 41; R.H. Charles, A Critical and Exegetical Commentary on the Revelation of St John (Edinburgh: T&T Clark International, 1920). 1:94. .

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023

من هم شهود يهوه وما هي ظروف نشأتهم؟

 


كلمة "يهوه" كلمة عبرانية ذكرت في العهد القديم كأحد أسماء الله، ومن هذا الاسم أخذ جماعة: "شهود يهوه" اسمهم المعروفون به حتى يومنا هذا.

وقد تأسست هذه الجماعة على يد قس يدعى تشارلز تاز راسل Charles Taze Russel وقد تربى في عائلة بروتستانتية ولكنه تركها في سن التاسعة عشر تقريبًا وانضم إلى جماعة الأدفنتسنت (وهي جماعة منشقة عن المسيحية لا تؤمن بلاهوت المسيح الكامل، وتقدس يوم السبت، ولها بعض المعتقدات الأخرى) وقد التحق بهذه الجماعة في الأساس لإنهم ينكرون العذاب الأبدي وهو ما وجد فيه راحة وتوافقًا مع فكره الخاص.

وفي عام 1870 أسس اجتماعًا لدرس الكتاب المقدس، وسمى هذا الاجتماع: "درس كتاب فجر الألفية"، وكان من يتبعونه يعرفون وقتها باسم: "طلبة الكتاب المقدس". وكتب خلال هذه الفترة الكثير من الكتب التي صارت فيما بعد الأساس الذي بنيت عليه معتقدات شهود يهوه.

وقبل وفاته في عام 1916 تأسست جمعية: "برج المراقبة للكتاب المقدس والمنشورات Watchtower Bible and Tract Society"، والتي صارت وحتى يومنا هذا هي الوسيلة الرسمية لنشر منشورات وكتابات جماعة شهود يهوه "فجر الألفية سابقًا".

وفي عام 1917 أي بعد وفاة تشارلز راسل، ترأس المجموعة قاضي اسمه: "راثرفورد"، والذي انشقت المجموعة في عهده لتظهر طائفة شهود يهوه بشكلها ومعتقداتها الحالية.


ما هي الاختلافات الاساسية بين شهود يهوه والمسيحية بطوائفها المختلفة؟ وهل هذه الاختلافات كافية لاعتبارهم غير مسيحيين؟


المسيحية ديانة لها عقيدة، ومن يخرج على هذه العقيدة لا يعتبر مسيحيًا، لإنه لا يختلف حول تفسير العقيدة بل العقيدة نفسها. وهذه العقيدة توجد في قانون الإيمان الخاص بالمسيحية والذي تم ذكره في المجمع المسكوني الأول بنيقية عام 325 م، وكانت لها أشكال قديمة متفق عليه في الكنائس والكتابات الرسولية، منذ القرن الأول للمسيحية.

من يختلف مع قانون الإيمان المسيحي هذا في صيغته البسيطة والأولية لا يعتبر مسيحيًا بكل تأكيد، لإنه يختلف مع ما أمنت به المسيحية منذ نشأتها، فكيف يمكن نسبته إلى جماعة لا يعترف بمعتقداتها؟!

وهذا هو جوهر الخلاف مع شهود يهوه، حيث أن الاختلافات غير الجوهرية بين المسيحيين وبينهم لا تعتبر هي المشكلة، مثل احتفالهم بيوم السبت بدلًا من الأحد، أو أنه لا توجد قيامة للأشرار بل أنهم يفنون وكأنهم لم يوجدوا قط! ويحرمون تحية العلم ويعتبرونها طقسًا لعبادة الأوثان، كما يحرمون التبرع بالدم، ولا يعتقدون أن المسيح صلب على صليب، بل علق على خشبة أي عمود خشبي لا يحمل شكل الصليب.. وغير ذلك الكثير.

لكن يظل الأعتقاد الأهم والفاصل الرئيسي الذي يمنعهم من أن يُعتبروا مسيحيين هو عدم إيمانهم باللاهوت الكامل للابن (يسوع المسيح بالجسد)، ويعتقدون أنه إله، ولكنه إله أصغر أو إله أقل من الله الآب "يهوه". ويعتمدون في ذلك على بعض النصوص من الكتاب المقدس، والتي يعيدون صياغتها وتفسيرها لتتوافق وهذا التعليم. وهذا كافي تمامًا ليخرجهم من الإيمان المسيحي كما قلنا.


فيما يتعلق بالحياة العامة، ما هي أبرز معتقدات شهود يهوه؟


يعتقد شهود يهوه في سرين فقط من الأسرار الكنسية "أي طقسين فقط من الطقوس الدينية التي يمارسها المسيحيون"، وهما سرا المعمودية والشركة.

والمعمودية هي الختم الذي يُختم به الإنسان عند دخوله أو ميلاده في الإيمان المسيحي، عن طريق تغطيسه في الماء، ومن ثم ينخرط عندهم في إحدى الخدمات التبشيرية والاجتماعات.

والشركة هي الاشتراك في الخبز والخمر كتذكار لفداء المسيح وموته على الصليب. ويعقد شهود يهوه اجتماعًا عادة في يوم الأحد يشمل الاجتماع على الترانيم التعبدية والصلاة وتفسير الكتاب المقدس وممارسة طقس الشركة.

ولكن الخدمة الأهم عند شهود يهوه هي الكرازة في المنازل، حيث يذهبون إلى المنازل ليتلمذوا أخرين ويدعونهم لعقيدتهم التي يؤمنون بها كما قلنا.


ما هي ظروف حظر شهود يهوه في مصر؟


في عام 1912 كان شهود يهوه لهم وجود في مصر، وانشأوا رعايا في الأسكندرية والقاهرة بشكل خاص، وفي خمسينيات القرن الماضي تم الاعتراف بهم كمؤسسة رسمية، لكن بحلول عام 1960 كانت الكنائس المسيحية في مصر قد أيقنت خطر وجود جماعة بأفكار شهود يهوه، خاصة مع عدم تقديم التحية العسكرية، وغيرها، وبناء على ذلك تم تقديم بلاغات ضدهم أدت فيما بعد إلى حظر نشاطهم داخل مصر. كما حكم القضاء المصري بعدم الاعتراف بأي عقد لصالح جماعة شهود يهوه أو برج المراقبة.

ولكن، منذ عام 2020 هناك محاولات كبيرة من جانب قادة هذه الجماعة للاعتراف بهم من قبل الحكومة المصرية مرة أُخرى.

الثالوث عند كنيسة القرون الأولى، الأب أنطوان ملكي



مع وصولنا الى نهاية القرن العشرين، لم يزل من الصعب الكلام عن الثالوث بشكل علمي ويبقى الكلام اليقين والصحيح في هذا الموضوع حكراً على الذين يسكنهم الروح القدس بشكل حي وفاعل. فمع أن صياغات هذه العقيدة الأساسية في المسيحية لم تتضح تعابيرها إلا أواخر القرن الرابع وذلك لضحد البدع التي مست الأقنومين الثاني والثالث، إلا أن هذا لا يعني أن  كنيسة القرون الأولى لم تكن تملك الإيمان الصحيح وخاصةً هذه العقيدة الثالوثية التي يؤكد الآباء أن الإشارات اليها موجودة حتى في العهد القديم وإن لم يفهمها أهله في حينه.

      في هذه الدراسة سوف نعرض أهم الآراء الآبائية عن الثالوث في فترة القرون الأولى أي تحديداً حتى نهاية القرن الثالث. فكنيسة القرون الأولى تسلمت من الرسل ما تسلموه هم أنفسهم من الرب يسوع الذي أشار في أكثر من محطة الى ثالوثية الله. وقد حفظت هذه الكنيسة هذا التعليم ونقلته بأمانة إلى أن أتت المجامع اللاحقة وأوضحته وثبتته كعقيدة. ويظهر التزام هذه الكنيسة في عدة أمور أهمها: الليتورجيا وتعليم الآباء القديسين.


الليتورجيا


      يصف يوستينوس الشهيد الليتورجيا الأفخارستيا التي تقام بوجود المعتمد الجديد مع الإخوة بأنها تبدأ بصلوات حارة من أجل الجميع في كل مكان لكي يحصلوا على النعمة فيعملوا الصالحات ويحفظوا الوصايا فيصلوا الى الخلاص الأبدي. وبعد هذا  يتبادلون قبلة السلام ثم يأخذ المتقدم خبزاً وخمراً ويمجد الآب من خلال اسم الإبن والروح القدس[1].

ونجد، بعد هذا التاريخ بقليل، لدى القديس ايريناوس في سياق ايضاح التعليم الرسولي، وصفاً لليتورجيا العماد: "عندما نتجدد بالمعمودية المعطاة لنا باسم الأشخاص الثلاثة، نقتني في هذه الولادة الثانية الأشياء الحسنة التي في الله الآب من خلال ابنه مع الروح القدس. لأن الذين يعتمدون يحصلون على روح الله الذي يسلمهم للكلمة الذي يأخذهم ويسلمهم الى أبيه والآب ينقل لهم عدم البلى. إذاً بدون الروح، لا يستطيع أحد أن يرى كلمة الله. وبدون الإبن لا يستطيع أحد أن يصل الى الآب لأن معرفة الآب هي الإبن ومعرفة ابن الله تكون بالروح القدس... ولكن الإبن وحده هو من يوزع الروح بحسب ما يرضي الآب..."[2].

      أيضاً نجد في عدد من إعلانات الإيمان، التي تعود الى القرون الأولى، اعترافات بالآب والابن والروح القدس. أقدمها ما يسمى برسالة الرسل The Epistle of the Apostles وهي من الأدب الأبوكريفي وكُتبت حوالي العام 180، وقد جاء فيها ما يلي:

           اؤمن بالآب الكلي القدرة

           بيسوع المسيح مخلصنا

           وبالروح القدس المعزي

           بالكنيسة المقدسة، بمغفرة الخطايا.

      أيضاً وُجد نص مماثل على اوراق بردي مصرية تعود الى أواخر القرن الثاني، مما يدل على أن الإعتراف الثالوثي كان منتشراً في أنحاء العالم الروماني[3].

      وأيضاً يمكننا أن نقرأ توصيات في تعليم الرسل الإثني عشر تشدد على أن يكون التعميد باسم الآب والابن والروح القدس[4].

      وفي السياق نفسه، النص الذي يورده هيبوليتوس عن ممارسة سر المعمودية:

      "وعندما ينزل الطالب الى الماء يضع المعمد يده عليه ويقول: هل تؤمن بالله الآب الفائق القدرة؟ فيجيب طالب المعمودية: اني اؤمن. فيعمده المعمد مرة. ثم يقول له: وهل تؤمن بالمسيح يسوع ابن الله الذي ولد من الروح القدس ومن مريم العذراء الذي صلب في عهد بيلاطس البنطي ومات وقبر وقام في اليوم الثالث من بين الأموات وصعد الى السماء وجلس عن يمين الآب وانه سيأتي ليدين الأحياء والأموات؟ ولما يقول اني اؤمن يعمده مرة ثانية. ثم يقول له وهل تؤمن بالروح القدس وبالكنيسة المقدسة وبقيامة الجسد؟ فيقول المعمد اني اؤمن فيعمده المعمد مرة ثالثة. وبعد خروجه من الماء يمسحه الكاهن بزيت الشكر قائلاً: اني أمسحك بالزيت المقدس باسم يسوع المسيح فيخرج عندئذ المعمدون من الماء وينشفون اجسادهم بالمناشف ويلبسون ثيابهم ويجتمعون في الكنيسة"[5].

 

تعليم الآباء القديسين


      إضافة الى النصوص الليتورجية التي رأينا فيها دلائل على أن إيمان كنيسة القرون الأولى الثالوثي بلغ الممارسة، هناك كتابات عديدة لآباء وكتاب كنسيين من القرون الثلاثة الأولى توضح أكثر مفهوم كنيسة تلك القرون لهذه العقيدة الأساسية.

      نبدأ بالقديس اقليمس أسقف رومية في رسالته الى أهل كورنثوس التي يرد الدارسون تاريخها الى اواخر القرن الأول، حيث نقرأ:

"الرسل بشرونا بيسوع المسيح ارسله الله. المسيح من الله والرسل من المسيح... والرسل... تأكدوا من كلام الرب بالروح القدس.... وأقاموا مختاري الروح القدس.."[6].

أيضاً في مكان آخر من الرسالة نفسها، نرى أن القديس يعتبر أن إيمان ورجاء المختارين هو في حياة الأقانيم الثلاثة، دون أن يسميها أقانيم:

"اقبلوا نصيحتنا فلن تندموا. حي هو الله، حي هو يسوع المسيح وحي هو الروح القدس وحي هو إيمان ورجاء المختارين"[7].

وفي الرسالة نفسها، يرى القديس في وحدانية الثالوث دعوة الى وحدة المؤمنين:

"أليس لنا إله واحد ومسيح واحد وروح نعمة واحد انسكب علينا؟ ودعوة واحدة في المسيح؟ لماذا نمزق ونقطع أعضاء المسيح؟"[8]

      وبعد هذا التاريخ بقليل نقرأ لدى القديس أغناطيوس المتوشح بالله كلاماً أوضح عن الثالوث للتعبير عن اكتمال الوحدة بين المؤمنين مشبهاً إياها بالوحدة بين الأقانيم، وذلك في رسالته الى أهل مغنيسية:

"حاولوا أن تثبتوا في عقائد الرب والرسل حتى تنجحوا في أفعالكم، في الجسد والروح في الإيمان والمحبة. في الآب والابن والروح القدس، في البدء والنهاية بالاتفاق مع اسقفكم الجليل... اطيعوا اسقفكم وبعضكم بعضاً كما أطاع المسيح بالجسد الآب، وكما أطاع الرسل المسيح والآب والروح القدس حتى تكون الوحدة جسدية وروحية"[9].

      وفي عدة أماكن أخرى يساوي القديس أغناطيوس بين الآب والابن، فالحياة هي في الله وفي المسيح، والمسيحي يسعى للوصول الى الله والى المسيح، والمسيحيون هم هياكل الله وهياكل المسيح. ففي رسالته الى بوليكربوس يساوي بينهما:

"كن عظيماً أكثر مما أنت واعرف الأوقات معرفة جيدة. ترجى من هو فوق الزمان، ترجى من لا زمان له، الغير المنظور، الذي صار منظوراً لأجلنا، الذي لا يُلامس والذي لا يتألم وتألم من أجلنا واحتمل كل شيء"[10].

      ثم نجده يميز بينهما في رسالته الى أهل أفسس:

"لا يوجد غير طبيب واحد، طبيب جسدي وروحي، مولود وغير مولود، اله متجسد وفي الموت حياة حقيقية. ولد من العذراء ومن الله، قابلاً للآلام قبلاً وغير متألم الآن، يسوع المسيح ربنا"[11].

      وأيضاً المتوشح بالله يعلم أهل مغنيسية ان الابن هو كلمة الله الذي أظهر الله نفسه فيه[12]، وقد تجسد وأتى الينا ليكلمنا لأنه "الفم الذي لا يعرف الكذب والذي تكلم به الآب حقاً"[13]. وهو إذ يريد أن يدعم رأيه يؤكد أن ما يكشف له وينير أفكاره ليس حكمته الشخصية بل الروح القدس الذي يطلب الوحدة:

"إذا كان البعض يشكون بي لأني أرى مسبقاً شقاقات البعض فأني أشهد لله لا اللحم لم يكشف لي ذلك. ان الروح يقول لا تفعلوا شيئاً بدون الأسقف واحتفظوا بأجسادكم كهياكل لله، وأحبوا الوحدة..."[14]

      وفي قصة استشهاد القديس بوليكربوس، والتي يُعزى تاريخها الى الربع الأول من القرن الثاني، نقرأ صلاة القديس قبل استشهاده:

"أيها الرب الكلي القدرة ابو ابنك المبارك المحبوب يسوع المسيح... أباركك لأنك أهلتني في هذا اليوم وفي هذه الساعة لأكون من عداد شهدائك ومن مساهمي كأس مسيحك لقيامة الروح والجسد في الحياة الأبدية بدون فساد، في الروح القدس... وامجدك بالكاهن الأعظم السماوي الخالد يسوع المسيح ابنك الحبيب الذي به المجد مع روحك المقدس الى الأبد آمين"[15].

      فهكذا نقرأ وضوح الفكرة بأن مجد الآب هو في ابنه وروحه. أما في نهاية القصة فنقرأ أن المجد مقدم للآب والابن والروح القدس معاً.

      ولكن لا اقليمس ولا أغناطيوس ولا أي من الكتاب الآخرين الذين كتبوا في تلك الفترة، قارب السؤال الذي أصبح لاحقاً مدار الجدل وهو علاقة الإبن والروح بالآب[16].

      فهرماس الذي لا تعتبر كتاباته قانونية، يخلط بين الابن والروح، فيرى أن هناك شخصان لا ثلاثة:


"جاء ملاك التوبة وقال لي: أريد أن أريك كل ما اراك الروح القدس الذي خاطبك تحت شكل الكنيسة. هذا الروح هو ابن الله"[17].

      وفي مكان آخر نرى أنه يلمح الى أن المخلص هو ابن الله بالتبني لأنه خدم الروح بأمانة وذلك بناء على مفهومه السابق الذي يرى أن الروح والإبن واحد[18].

      ومع نهاية القرن الثاني، كانت علاقة الإبن والروح بالآب قد بدأت تطرح خاصة ان أتباع سيمون الساحر كانوا كثراً في السامرة وكانت لهم نظرة ثالوثية ذات أصل غنوسي. ومن السامرة انتقلت تلك الفكرة الى أماكن أخرى من الدولة الرومانية كان يتواجد فيها المسيحيون. يذكر القديس يوستينوس الشهيد الذي كان من نابلس أن أكثر السامريين مع آخرين من الأمم الأخرى كانوا يرون في سيمون الساحر إلهاً أعلى. وفي نهاية القرن الثاني يخبر القديس ايريناوس عن محاولات الغنوسيين للتكيف مع العقيدة الثالوثية بقولهم بأن سيمون نزل بين اليهود بهيئة الإبن وبين السامريين بهيئة الآب وبين الأمم الأخرى بهيئة الروح القدس[19].

      أيضاً في تلك الفترة، كانت قد بدأت تُطرح تساؤلات حول ألوهة الروح بالإبن والآب. وقد نشأت فكرتان: الأولى تقول أن الروح الإلهي أضيف الى يسوع الإنسان والثانية تقول أن التجسد كان صورة يعلن الله نفسه فيها للناس. وقد تبنى الإبيونيون Ebionites المبدأ الأول وتبنى الدوكيون Docetics المبدأ الثاني ورفضت الكنيسة المبدئين[20]. وقد تولى الآباء المناضلون الدفاع عن الإيمان الصحيح ضد ادعاءات الغنوسيين واليهود والوثنيين.

      أقدم دفاع مسيحي ضد تهجمات اليهود هو حوار يوستينوس الشهيد مع اليهودي تريفو. وفيه يرى يوستينوس أن الكلمة الإلهية (بالمعنى الحرفي) هي الواسطة التي علم الله من خلالها العالم كله، ليس فقط بطاركة العهد القديم بل أيضاً الفلاسفة اليونان. وهو في هذا أول كاتب استعمل عبارة "الكلمة" للدلالة على معنييها المستعملين الواحد في الفلسفة والآخر في لغة الوحي. فالله الحقيقي هو "أبو العدالة والحكمة وجميع الفضائل، وهو لا يظهر للعالم إلا بواسطة وسيط الذي هو الكلمة والأقنوم الثاني، الذي مع الآب نبجله ونعبده ونكرمه" وهو "الإبن الوحيد لإله الكون المولود منه كلمة وقوة وبالتالي المولود من العذراء بالجسد كما نقل ذلك الينا الرسل القديسون". والكلمة هو الطريق الحق الى الله وهو معلم الإنسان. وفي البدء كان قوة كامنة في الله فانبثق عنه بإرادته قبيل خلق العالم. ثم خلق الكلمة العالم[21]. والمسيح أعلن عن الروح القدس الذي هو الروح النبوي والذي يعرفه يوستينوس من خلال إعلان المسيح عنه. وفي وقت يناقش يوستينوس انبثاق الإبن عن الآب ويشبهه بامتداد لهيب النار[22]، لا  يحدد الروح القدس لاهوتياً ولا يناقش طبيعته لأن عقله لا يدرك جوهر هذا الروح، ولكنه يؤكد تعليم التقليد بأن الروح هو الذي كشف سابقاً للأنبياء عن المسيح وهو الذي حل في العذراء فولدت ابنها[23]. ومع هذا فهو أحياناً يدمج بين الابن والروح ولكنه يعود دائماً الى الكتاب المقدس للدفاع عن التعليم الصحيح.

      أما ثيوفيلوس الأنطاكي، فعقيدته مشابهة لعقيدة يوستينوس ولكن مع اختيار أكثر دقة في التعابير. وهو أول من استعمل كلمة ثالوث Triav"[24].

      أثيناغوراس الأثيني كتب عن الثالوث في النصف الثاني من القرن الثاني بطريقة أوضح من طريقة يوستينوس وقد اعتبر أن الابن هو من نتاج الآب وان الله احتواه منذ البدء، أما الروح القدس الذي يتكلم في الأنبياء فهو فيض من الله يشع عنه ويعود اليه كشعاع الشمس[25].

      ايريناوس أسقف ليون لم يبحث في علاقة الأقانيم الثلاثة، إلا أنه كان واثقاً من وجودهم قبل الدهور ولا سيما قبل الخلق لأن العبارة "فلنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا" كانت قد وجهت من الآب الى الابن والروح القدس، "يدي الآب" على حد تعبير ايريناوس. وهو يؤكد ان الإنسان لا يستطيع ان يبين كيفية علاقة الإبن بالآب إنما الآب والإبن فقط يعلمان ذلك، ومن يحاول وصف هذه العلاقة يكون يحاول وصف أمور لا توصف[26].

      والواقع أنه كان هناك فرق بين الشرق والغرب من ناحية الاهتمامات. فالشرق اهتم باللاهوت بينما اهتم الغرب بالتنظيم. وهذا ما يظهر في مقاربة كل من المجموعتين لموضوع الثالوث[27]. وفي الشرق تقدمت المدرسة الإسكندرية على الأنطاكية خاصة مع وجود اوريجنس.

      نشأت بدعة المونارخيين التي قال بعض أتباعها أنه ليس في الثالوث سوى مظاهر مختلفة للإله الواحد. وقد رد اوريجنس على هذه البدعة وعلّم ان هناك إلهين بقدرة واحدة وهو ما عُبّر عنه في القرن الرابع بأقنومين وجوهر واحد[28]. والثالوث ليس مظاهراً مختلفة لإله واحد فالإبن انبثق من الآب انبثاق الإرادة من العقل. وكون الله أزلي أبدي، إذاً هذا الانبثاق أزلي أبدي أيضاً وبالتالي لا بداية للإبن. وعلاقته بالآب هي الوحدة في الجوهر. وصار اوريجنس يستعمل عبارة omoousio". ولكن الخطأ الذي يراه الدارس للاهوت اوريجانس هو في اعتباره تدرجاً في الثالوث ويظهر هذا في تعليقه على يو 28:14 :"أما نحن الذين نصدق المخلص حين قال "ان الآب الذي ارسلني هو اعظم مني" نعترف ان المخلص والروح القدس اعظم من كل الأشياء التي صنعت ولكننا نعترف ان الآب اعظم منها بقدر ما هما أعظم من المخلوقات"[29].

      ومن الكتابات المهمة في إظهار الإيمان بالثالوث هو الإكثيسس ودستور الإيمان الذي أعده القديس غريغوريوس العجائبي أسقف قيصرية الجديدة وتلميذ اوريجنس:

"يوجد إله واحد ابو الكلمة الحي حكمته المستمرة وقدرته وصورته الدائمة: والد كامل لمولود كامل وابو الابن الوحيد. ويوجد سيد واحد، واحد من واحد، اله من اله، صورة الإله ومثاله وكلمته القدير وحكمته واعي جميع الأمور وخالق كل المخلوقات، ابن حقيقي من أب حقيقي، غير منظور من غير منظور، وغير فاسد من غير فاسد، حي من حي وخالد من خالد. ويوجد روح قدس واحد مستمد من الله ظاهر بالابن ليعلم الخليقة، صورة الابن، صورة كاملة لكامل. هو الحياة وسببب وجود الأحياء. ينبوع مقدس، قداسة تعطي القداسة وتقود اليها. فيه يتجلى الله الآب الذي هو فوق الجميع وفي الجميع وفيه يتجلى الله الابن الذي في الجميع. ثالوث كامل في المجد والخلود والسيادة غير منقسم ومنفصل. وهكذا فانه ليس في الثالوث أي شيء مخلوق و مستعبد وأي شيء مر زمن ولم يكن الابن بحاجة الى الآب والروح الى الابن. والثالوث باقٍ الى الأبد بدون اختلاف وتغيير"[30].

      وقد كتب غريغوريوس هذا الدستور لحاجة التبشير والتعميد ولهذا فلغته مباشرة وواضحة والكثير من التعابير هي نفسها تبنتها المجامع التي أقرت العقائد المتعلقة بأقانيم الثالوث والتي لم نزل نستعملها حتى اليوم.

      أما في الغرب فنقرأ عند هيبوليتوس في وصفه لممارسة سر المعمودية، أن هذا السر أُقيم بحسب وصية الرب في متى 19:28[31]. تعابير النص الذي يورده أسد رستم في كتابه تشبه الى حد كبير تعابير قانون الإيمان النيقاوي.

      ولكن هذا ليس كل شيء لدى هيبوليتوس إذ أنه فرّق بين الكلمة الكامن في الله والكلمة الملفوظ وحكى عن شيء من التدرج في الثالوث[32].

      أما نواتيانوس وهو من الغربيين أيضاَ فقد كتب مؤلفاً كبيراً باللاتينية عرض فيه عقيدة الثالوث الأقدس دون أن يستعمل اللفظ Trinitas. وقد تلافى استعمال هذا اللفظ لشدة اهتمامه بوحدة الله. وقد ماشى ثيوفيلوس وايريناوس وهيبوليتوس في نظرتهم التدرجية للثالوث ورأى أن المسيح كان دائماً خاضعاً لله معتبراً إياه الملاك صاحب المشورة العظمى والرسول. وكذلك الروح القدس كان أقل من الابن والمؤمنون يتسلمونه من المسيح الذي تسلّمه عند المعمودية ويولدون به ثانية بالمعمودية. وهذا الروح هو الذي عمل في الأنبياء بصورة مؤقتة وهو يعمل بالرسل بشكل دائم وهو يحفظ الكنيسة[33].

      أيضاً من الغربيين الذين لمعوا في أفريقيا هو ترتليانوس. فقد قال بأن العقيدة هي دستور وشريعة مفادها الإيمان بإله واحد كلي القدرة خالق الكون وبابنه يسوع المسيح المولود من العذراء الذي صلب في عهد بيلاطس البنطي وقام في اليوم الثالث وقُبل في السماء جالساً عن يمين الآب والذي سيأتي ليدين الأحياء والأموات بقيامة الجسد. وبعد جلوس الابن عن يمين الآب أرسل الروح القدس ليقود المؤمنين. وقد كان ترتليانوس سبّاقاً بين الغربيين في استعمال عبارة الثالوث باللاتينية Trinitas وقد عبّر بوضوح عن الثالوث إذ قال بأن الابن هو من جوهر الآب والروح القدس هو من الآب بالإبن. وقد استعمل كلمة Personna للدلالة على الأقنوم وذلك للتمييز وليس للتفريق. انتقد اليهود في اعتبارهم ان الله كان يحدث الملائكة في قوله "لنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا"، إذ انه اعتبر أن هذه الآية هي اشارة الى ثالوثية الله منذ الأزل. ومع كل هذا فقد تكلّم عن التدرج في الثالوث واعتبر أن الله هو الجوهر كاملاً أما الابن فهو انبثاق من الكل[34].

      لكتنتيوس من الغربيين أنكر وجود الروح القدس كأقنوم ثالث وربطه تارةً بالآب وتارةً بالابن[35].



خاتمة


      ختاماً للبحث يمكننا القول بأن كنيسة القرون الأولى حفظت الإيمان الذي تسلمته وتمكنت من تسليمه، بالرغم من كل الأخطاء التي عرضناها والتي نستطيع أن نراها ليس كأخطاء بل كقصور عن بلوغ الى المعرفة التي توصل اليها الآباء الذين صاغوا هذه العقيدة لاحقاً في المجامع. أسباب هذا القصور متعددة أهمها أن المشكلات التي تتعلق بأقنومي الابن والروح القدس لم تكن قد طرحت بعد بنفس الحدة التي استدعت انعقاد المجامع. وما التطور الذي تم بين نشوء الكنيسة والقرن الرابع، اي انعقاد المجامع المسكونية التي فيها تم التعبير عن هذه العقيدة بالشكل الذي لم يزل معمولاً به حتى اليوم، إلا تطور بالشكل والتعبير وليس بالمضمون والخبرة. فالروح القدس هو نفسه العامل في كل الآباء في كل الأزمنة والخبرة الإلهية التي تتمحور حولها الحياة المسيحية في كل الأوقات هي نفسها.

________________________________________

[1]        Leberton، Jules and Zeiller، Jacques. The Emergence of the Church in the Roman World. Book II of A History of the Early Church. Collier Books. New York. 1962. P. 164.

[2]        المرجع نفسه، ص. 168.

[3]        المرجع نفسه، ص. 172.

[4]        رستم، أسد. آباء الكنيسة. القرون الثلاثة الأولى. منشورات النور. 1983. ص. 60.

[5]        المرجع نفسه، ص. 177.

[6]        الآباء الرسوليون. طبعة ثانية. عربه عن اليونانية المثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع (معوض). منشورات النور. 1982. ص. 42.

[7]        المرجع نفسه. ص. 50

[8]        المرجع نفسه. ص. 44.

[9]        المرجع نفسه. ص. 118-119

[10]       المرجع نفسه. ص. 139.

[11]       المرجع نفسه. ص. 110.

[12]       المرجع نفسه. ص. 117.

[13]       المرجع نفسه. الرسالة الى أهل رومية. ص. 127.

[14]       المرجع نفسه. الرسالة الى فيلادلفيا. ص. 131.

[15]       المرجع نفسه. ص. 161-162.

[16]       Dictionnaire de Spiritualité. Vol.، p. 296.

[17]       الآباء الرسوليون. ص. 235.

[18]       المرجع نفغسه. ص. 221.

[19]       Leberton. ص. 48.

[20]       Jackson، F.J. Foakes. The History of  the Christian Church From the earliest times to AD 461. George Allen and Unwin LTD. London. 1957. P. 156.

[21]       رستم. ص. 81.

[22]       المرجع نفسه. ص. 81.

[23]       رحمه، الأب جورج. يوستينوس الروماني وأثيناغوراس الأثيني. موسوعة عظماء المسيحية في التاريخ - 3. منشورات المركز الرعوي للأبحاث والدراسات. 1992. ص. 67-87.

[24]       Jackson. ص. 161. إنظر أيضاً رستم. ص. 96.

[25]       رستم. ص. 92-93.

[26]       المرجع نفسه. ص. 111.

[27]       Jackson. ص. 167.

[28]       رستم. ص. 140.

[29]       المرجع نفسه. ص. 143.

[30]       المرجع نفسه. ص. 155.

[31]       في مكان سابق من النص.

[32]       رستم. ص. 177-178.

[33]       المرجع نفسه. ص. 182-183.

[34]       المرجع نفسه. ص. 190-191.

[35]       المرجع نفسه. ص. 204