إيرينيئوس: وهو يمثل معاً تعاليم مدرسة آسيا الصغرى المنحدرة من القديس يوحنا الرسول، بجوار تعاليم جنوب شرق بلاد الغال (فرنسا الآن).
وهو يُعتبر من أوائل معلّمي هذه الفترة الزمنية، وهو يجحد بشدة في كل أقواله أخطاء فالنتينوس المبتدع الذي خلط بين إرسالية الروح القدس المحدَّدة زمنياً بيوم الخمسين وبين انبثاق الروح القدس من الله أزلياً، أي خلط بين عمل الروح القدس في البشرية وعلاقة الروح القدس جوهرياً بالله([1]).
ولكن إيرينيئوس يرفض أحد التعبيرات عن الاصطلاح بالانبثاق ([2]). إذ تراءى له أن هذا التعبير يحمل ضمناً نوعاً ما من الانفصال في جوهر الله الواحد، ولذلك فإنه فضَّل أن يترك كيفية “الانبثاق” الإلهي بدون شرح([3])، مكتفياً بتوضيح ذلك بالتصوير، فيقول عن الابن وعن الروح القدس أنهما يدا الله، الأول ابن progenies أمَّا الروح القدس فهو الصورة figuraties للآب، الابن هو “كلمة” الله والروح القدس هو “حكمة” الآب([4])، ليس من خارج الله ولكن من داخله([5]). (يُلاحَظ هنا أن إيرينيئوس لا يتبع الخط الفكري الآبائي القديم الذي يشدِّد أن الكلمة هو حكمة الله).
ويبتدئ إيرينيئوس يخترع أوصافاً ومسميات أخرى للتعريف بما لا يقبل التعريف، دون أن يحترس ليمسك بخط التقليد، فينحرف ويضع بدايات خطيرة لأفكار يمكن أن تكون كفرية، فيقول إن الابن والروح القدس يخدمان الآب. ثم يطبِّق تطبيقاً غير منسجم، فيقول: كما تخدم اليدان والفكر في الإنسان، ثم يعود إذ يحس بخطورة الوصف فيصحِّح هكذا: ليس كالفكر المخلوق كأنه خارج عن حياة الله، لأن روح الله ليس زمنياً، ولكنه روح أزلي كالله نفسه([6]).
ويستشهد إيرينيئوس بما جاء في إشعياء أصحاح 57 آية 15و16 (الترجمة السبعينية) هكذا: “لأنه هكذا قال العلي الساكن في الأعالي إلى الأبد، القدوس في الأقداس اسمه، العلي المستريح في القديسين المعطي صبراً للمنسحقين وحياة لمنكسري القلوب، لأني لن أنتقم إلى الأبد ولا أغضب عليكم دائماً لأن روحي التي تنبثق مني تحيي كل نفس.” (إش 15و16:57 سبعينية)
وإيرينيئوس يعطي تصوراً للعلاقة بين الروح القدس والابن هكذا:
[إننا بالروح القدس نرتفع إلى الابن، وبالابن نصعد إلى الآب.]([7])
وبذلك فإن عطية الروح القدس لنا هي إحدى نتائج التجسُّد.
والذي ليس له الروح القدس فليست له شركة في حياة يسوع المسيح([8]).
كذلك فإن إيرينيئوس يرى أن نفخ المسيح في تلاميذه وإعطاءهم الروح القدس (يو 22:20) هو برهان على لاهوت المسيح([9]).
وبخصوص وظيفة الروح القدس التعليمية كالأقنوم الثالث، فعقيدة إيرينيئوس سليمة وكاملة فهي واضحة في إلهام الأنبياء والرسل([10]).
غير أن إيرينيئوس يعود في مواضع أخرى ليثبت أن إلهام الأنبياء كان من عمل الكلمة سواء في العهد القديم أو الجديد([11]).
كذلك فإن الروح القدس هو الذي يضطلع بعمل استنارة لذهن الكنيسة بصورة مستمرة([12])، ويؤكِّد أنه في حضن الكنيسة فقط يمكن أن يستمتع المسيحي بنور الروح القدس، وأن الروح القدس ينطلق عمله في سري المعمودية والإفخارستيا([13]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق