الخميس، 13 مايو 2021

شفاعة القديسيين ومفهومها الأرثوذكسي (سلسلة الإيمان البسيط، ج1)

 

تاريخيًّا فأوريجانوس من بدايات القرن الثالث له نصوص بيتكلم عن الشفاعة، بل وشفاعة الملائكة (كتابه عن الصلاة)، وقبله إيرينيؤس من القرن التاني له تعليم عن شفاعة العذراء (الكرازة الرسوليّة). وفي نفس الزمن تقريبًا وجدت مخطوطة فيها طلب شفاعة والدة الإله، وبعدهم ذهبي الفم وباقي الآباء صعودًا من القرن الرابع.

وقبل أي شرح لاهوتي عن الشفاعة، لازم نفهم كويس إن مفيش حاجة اسمها قدّيس منتقل وقدّيس مجاهد، ومفيش فصل بين الحياة الأرضيّة والحياة الملكوتيّة بالنسبة للقديس، فملكوت الله داخلنا وإحنا القدّيسيين بنستعلن ملكوت السموات وبنظهره وبنحققه فينا على الأرض.

ومينفعش يكون إنسان مدعو قديس ولا يشعر بكلّ صفعة ألم وكلّ ضيق لإخواته البشر وهو ما زال في رحم الأرض ومخاضها. والموت لا يخرج الشخص من جسد المسيح الواحد.. فمفاهيم "مجاهدة ومنتصرة" و"منتقلين وباقين" و"شفاعة كفارية وتوسلية".. كلها لا تعبر عن فحوى الشفاعة ومفهومها..

وعشان نفهم ماهية الشفاعة، فاعتقد مفيش أفضل من كلمات القديس بولس الرسول: "فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ" (١كو١٢: ٢٦). فجميعنا أعضاء في جسد المسيح الواحد، ولهذا نطلب الشفاعة لا لأننا أقل من القديسيين وهم أقرب من السموات، فبتجسد الله لم يعد بعد مجال لوجود فروقات وحواجز بين الإنسان والله. بل لأن الشفاعة هي شركة صلاة، وهذه الشركة تحقق وتجسِّد العضوية في جسد المسيح وتكشف مشيئة الله، فالمسيحية تُستعلن في حياة الشركة. ونحن متحدون في جسد واحد يشعر أعضاؤه بعضهم ببعض. ولإن جسد المسيح هو واحد، فلا انفصال بين كنيسة سماوية وكنيسة مجاهدة، فجميعنا اعضاء في جسد واحد، في شركة الجسد، حيث لا يخرج من ينتقلون من الحياة الأرضية عن شركة جسد المسيح..

زي ما بنقول في إحدى صلوات التجنيز: "أما نحن فنطلب عنه ههنا، وأما هو فيذكرك أمامك" (صلاة بعد دفن الميت، عن كتاب الخدمة، مكتبة المحبة، ١٨٢).

ولهذا فلا يحتاج القديس أن يكون كلّي الوجود حتّى يستمع لطلب الصلاة من كلّ من يطلبون ذلك، بل يكفي فقط أنه هو أيضًا عضو في جسد المسيح مثلنا حتّى يشعر باحتياج كلّ عضو في الجسد الواحد معه. فالشفاعة ليست وساطة ولا انتداب لتوصيل الطلبات، بل هي شركة صلاة لاستعلان الجسد الواحد الذي أدخلنا فيه الله بتجسده كرأس جديد للبشرية، وهي فقط قائمة على مفهوم الشركة المسيحيّة، وكل مؤمن هو كاهن مثال المسيح حامل أثقال البشريّة ومقدِّمها للآب. حتى وإن انتقل عن الحياة الأرضية، فالموت غير قادر على فصله عن جسد المسيح الواحد..

ليست هناك تعليقات: