الخميس، 13 مايو 2021

ذبيحة المسيح وذبائح العهد القديم (سلسلة مناقشة االبدلية العقابية، ج1)



1- الذبائح في العالم القديم بشكل عام:

نجد التناول الأساسيّ لنظام الذبائح في الأصحاحات السبعة الأولى من سفر اللاويين. وكما هو واضح من قراءة مبدأيّة في تاريخ العبادة، فإنّ الذبائح لم تكن حكرًا على بني إسرائيل، بل كانت رُكنًا أساسيًّا من نظام العبادة في مُختلف ديانات الشرق الأدنى القديم. (1)

وقد كانت الذبيحة في بلاد ما بين النهرين عبارة عن وليمة تُقدَّم للإله، وكانت يُشارك فيها الإله والكهنة وخُدام المعبد. ومع ذلك، فقد تميزت الذبائح العبرانية عن مثيلاتها عن البلاد المُجاورة لإسرائيل في ذلك الزمان بذبيحتي المحرقة والكفارة، فلم تكن الذبائح تُحرق آنئذ في تلك المناطق، كما كان لذبيحة الكفارة صورة مشوهة جدًا، وهيَ الهرب من غضب الإله الذي يلحق بالإنسان الخاطئ ويرغب في الانتقام منه.
بشكل عام، كانت الطقوس الخاصة بالتضحيات والذبائح، تهدف في جوهرها إلى إقامة تواصل بين العالم المُقدّس والعالم الدينوي من خلال الذبيحة، على وجهين:

أولًا: للمُضحي الذي يرغب في التكفير عن خطاياه.

ثانيًا: للتقديس، عن طريق تدمير جزءًا من الدنيوي،

فالقربان المذبوح كان رمزًا للحياة والقوة والخصوبة في إسرائيل خاصة، وفي العالم القديم بشكل عام. (2)

2- الذبائح في اليهودية:

في إسرائيل أخد الطقس معنى مختلف، فصارت تُمثِّل هذه الطقوس العلامة الموضوعيّة لغفران الربّ «دمّ كعهد للحياة» (تك 9: 4).

كمان من النقط الأساسية المحتاجين نركز عليها هي إن الذبيحة في العهد القديم كانت مجرد إشارة لذبيحة المسيح، ففي كتاب المزامير لا يحثّ شعب إسرائيل فقط على عبادة الله، لكنّه يعكس أيضًا الطبيعة الحقيقيّة للعبادة، وينتقد الذبائح الحالية (مز 40: 7- 9؛ 50: 7–51؛ 51: 18–19؛ 69: 31، 32). ينطلق من وجهة النظر هذه نقد الأنبياء للنظام الذبائحيّ (إش 1: 10- 17؛ 43: 23–24؛ إر 6: 19–20؛ 7: 21–23؛ 14: 11، 12؛ هو 6: 6؛ 8: 13؛ عا 5: 21–27؛ مي 1: 10؛ 2: 13).

3- المعنى الأعمق للذبيحة عند العبرانيين:

مفهوم الذبيحة عند بني إسرائيل يُمكن فهمه من خلال الكلمة العبرية “قُربان- קֻרְבָּן”، (3) والتي جائت من الجذر العبري “قَرَب- קָרַב” والتي تعني التقرُّب أو القُربى، والمقصود أنّ الذبائح العبرانية كان الهدف منها لا شفاء غليل الغضب الإلهي، بل التقرُّب من الله، وإقامة علاقة أقرب نحوه. (4)

4- الذبيحة كتذكرة للخلاص الآتي بالمسيا:

الناموس وبوضوح في (لا1ـ16) يتضمن صراحة وضمنًا عدم القدرة على الوصول إلى القداسة الإلهية، وهكذا يدعونا أنّ ندرك الوضع الذي نحن فيه والوضع الذي يريدنا الله أنّ نكون عليه، وأن نفهم أننا لن ندخل ملكوت السموات إلاّ بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح. وعليه فإنّ غاية ناموس العهد القديم كانت تتمثل في قيادة أرواحنا إلى قبول فداء الله لنا في “حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يو29:1) وعلينا ألاّ ننسى هنا أنّ حمل الفصح كان من جهة يذّكر المؤمنين كلّ سنة، بانتصار عظيم في الماضى، ومن جهة أخرى كان يذّكرهم بالمواعيد التي ستتم في المستقبل.

بصليبه وموته حقَّق المسيح عمله الخلاصى وتممه، وحطم قوة الخطية وصالح الإنسان مع الله، وحرر الإنسان من سلطان الشيطان، وقاده إلى حياة جديدة، وجعله “خليقة جديدة” مبنية على صليبه وموته.

5- معنى الدم:

نيجي للنقطة الأساسية وهي مركز مفهوم ذبائح العهد القديم، الدم، كان للدم في العهد القديم قدسيته، لهذا قيل: “كل إنسانٍ من بين إسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم يأكل دمًا، أجعل وجهي ضد النفس الآكلة للدم، (5) وأقطعها من شعبها” (لا 17: 10). خلال هذه القدسية ارتبطت العبادة بالدم “لأن الدم يكفر عن النفس” (لا 17: 11)، وصارت الطقوس الخاصة بالدم ختمًا للعهد بين الله وشعبه (خر 24: 6 – 8؛ زك 9: 11؛ عب 9: 16 – 21).

ارتبط تقديم الذبائح بالدم (لا 1: 5، 9: 12)، فدم حمل الفصح أنقذهم من الهلاك (خر 12: 23). واُستخدم الدم في تقديس الكهنة (خروج 29: 2 الخ) والمذابح (خر 24: 6-8؛ لا 9: 12)، ليصير ما يُمسح بالدم مُكرسًا للرب.

حملت هذه المفاهيم قوتها بكونها رمزًا لدم السيد المسيح الثمين، ودا من خلال نصوص كتيرة جدًا في العهد الجديد. (6)

هكذا أعلن الله حبه لنا خلال الدم المبذول على الصليب، فبه اقتنى السيد المسيح الكنيسة جسده وعروسه المتحدة معه، ويدخل بها إلى حضن الآب. وبه يهبنا غفران خطايانا، ويكرس قلوبنا كملوك وكهنة روحيين، ويصالحنا مع السمائيين، ويقدم لنا شركة مع بعضنا البعض؛ فيالعظمة حبّ الله العملي الباذل! ويا لقوة الدم الثمين! وفي اختصار: بالدم ندخل مع الله في ميثاق حبّ وفي عهد جديد (1 كو11: 25؛ لو22: 2؛ مت26: 28؛ مر14: 24).

وعشان كدا بيكتب تلميذ الرسل ومعاينهم كليمندس الروماني:

“لنركز أنظارنا على دم المسيح، متحقّقين كم هو ثمين لدى أبيه! إذ أراقه لأجل خلاصنا حمل للعالم كلّه نعمة التوبة”! (7)

لقد سُفِك دم المسيح، ويؤكِّد الآباء القديسون أنّ الآب لم يطلب ولا سأل أنّ يسفك المسيح دمه، وهذا ينفي الزعم أنّ موت المسيح كان مطلبًا إلهيًا من الآب استيفاءً للعدل الإلهي:

“إن سفك دم المسيح لم يُدخل السرور على قلب الآب الذي سبق ولم يقبل أنّ يُذبح إسحق حينما قدَّمه أبوه، إذ أوْجَد كبشًا عِوَضًا عن هذه الذبيحة العاقلة.

فواضح، إذًا، أنّ الآب لم يطلب ولا سأل أنّ يسفك الابن دمه”. (8 )

لدم المسيح قوّة عظيمة لأنّه دم: 1- يُقدِّم ذاته إلى الله، 2- طاهر، 3- يكون بروح أزليّ. من الواضح التعارض مع الذبائح القديمة.

• الأفكار مأخوذة عن كتاب: قصة الحب العجيب، قراءة في لاهوت الخلق والسقوط والفداء، وفي الكومنتات مكتوب المراجع، وبعض تعليقات الآباء على مفهوم ذبيحة المسيح مقابل ذبائح العهد القديم.

_____________________________________________________________________
المراجع:
1- Ronald De vaux, Ancient Israel; its life and Institutions (London: Longman & Todd, 1961), P. 433- 440.
2- كلود ريفير، الأنثروبولوجيا الاجتماعية للأديان، مرجع سابق، ص 78، 79.
3- James Swanson, Dictionary of Biblical Languages With Semantic Domains : Hebrew (Old Testament), electronic ed. (Oak Harbor: Logos Research Systems, Inc., 1997), DBLH 7934.
4- Robert L. Thomas, New American Standard Hebrew-Aramaic and Greek Dictionaries : Updated Edition (Anaheim: Foundation Publications, Inc., 1998, 1981), H7133.
5- على أساس أنّ الدم يعبر عن الحياة والله وحده هو المسئول عنها فلا يصح أنّ الإنسان يتسلط عليها أو يأكلها.
6- كما يقول الرسول بطرس: “عالمين أنكم اُفتديتم، لا بأشياء تفنى بفضةٍ أو ذهبٍ من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدمٍ كريمٍ كما من حملٍ بلا عيب ولا دنس، دم المسيح” (1بط 1: 18 – 19). ويقول الرسول بولس: “إذ الجميع اخطأوا وأعوزهم مجد الله، متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدَّمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار برّه من أجل الفصح عن الخطايا السالفة بإمهال الله” (رو 3: 23 – 25). وأيضًا يقول: “ولكن الله بيَّن محبّته لنا، لأنه ونحن بعد خطاه، مات المسيح لأجلنا، فبالأولى كثيرًا ونحن متبررين الآن بدمه نخلّص به من الغضب” (رو 5: 8 – 9). “الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا” (كو 1: 14). “وأن يصالح به الكل لنفسه، عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته، سواء كان ما على الأرض أم ما في السماوات” (كو 1: 19). في أخر توصية يقدمها الرسول بولس لكهنة أفسّس، يؤكد لهم: “احترزوا إذًًا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه” (أع20: 28). وكتب القديس يوحنا: “ولكن أنّ سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كلّ خطية” (1يو11: 7). وجاء في سفر الرؤيا: “الذي أحبنا، وقد غسَّلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه، له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين” (رؤ1: 6).
7- كليمندس الروماني، الرسالة إلى كورنثوس، 7: 4.
8- Oration 45:22.

ليست هناك تعليقات: