الخميس، 13 مايو 2021

الشرح الأرثوذكسيّ لنص رسالة رومية؛ بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم.. عن كتاب: قصّة الحبّ العجيب (سلسلة شرح الخطية الأولى، ج3)



بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ (رو5: 12)

1- بداية، فإنّ منهجية الرسول بولس، وفي هذه الرسالة على وجه الخصوص، هو الحديث بتعبيرات يألفها الفكر العبراني، لذا فهو دائمًا ما يذكر آدم، ويتحدث عن الواحد الذي انحدر منه جنس البشر.[1] فلا يُمكن إغفال الخلفية العبرانية للقديس بولس الرسول في هذه الرسالة تحديدًا، فهو يعتبر نقطة إنطلاقه هيَ النص العبري، مُفسرًا إياه أنثروبولوجيًا (بالعودة للإنسان وطبيعته)، واضعًا مفاهيمًا مُحددة عن الموت والفساد.[2]

فآدم، بحسب العبرانيون، هو من أتى بالفساد والموت لكلّ ذريته، يظهر هذا خاصة في كتابات ما بين العهدين (انظر: 4عزرا7: 118؛ 2باروخ54: 15)، لكنهم لا يتوقفون عند هذا الحد، بل إنهم يقولون أنه مازال عند الإنسان إرادة حرّة، حتّى لا يتبع خطوات آدم، أو يتبعها ويصير هو ذاته آدم (2باروخ54: 19).[3]

2- إنّ النص ذاته عندما ننتهي من قراءته كاملًا نعلم علم اليقين أنه لا يتحدث عن أي ذنب موروث، فمكتوب: “وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيع”. فالجميع قد أخطأوا وليسوا هم وارثين لخطيئة آخر، بل كلّ منهم قد اخطأ بذاته، ويتحمل نتيجة هذا الخطأ.

فالعلاقة بين آدم والمسيح لا ترتبط بالخطية التي أورثها آدم لنسله، بل بمُضادة الموت والحياة، فبينما أتى آدم بالموت على البشريّة، فإنّ الحياة قد مُنِحت لهم عن طريق المسيح.[4]

وقد كان اعتماد المُطوّب أغسطينوس على هذا النص، ناتج عن ترجمة لاتينيّة غير دقيقة لهذا النص عن الأصل اليوناني، يشرح لنا هذا الأمر بوضوح الأب جون مايندورف، قائلًا:

“كيف أنّ الكنيسة الغربية ذهبت إلى اعتماد الترجمة التي تُفيد وقوع الجميع في الخطأ، وهو نفس ما اعتمد عليه «أوغسطين» في تأصيله لعقيدة الخطيئة الأصلية وانتقال الخطيئة من آدم إلى ذريته، غير أنّ تلك الترجمة لا تُفيد المعنى الموجود في النص الأصلي، فالكلمات اليونانية الأخيرة من رومية 5: 12 ‘ἐφʼ ῷ̔ πάντες ἥμαρτον’، تُرجمت إلى اللاتينيّة بـ ‘in quo omnes peccaverunt’، التي تُفيد انتقال الخطيئة إلى الجميع بسبب آدم، وتم اعتماد هذه الترجمة في الغرب مُستدلين بها على توارث الخطيئة من آدم إلى ذريته، غير أنّ هذا المعنى لا يُمكن استخلاصه من الأصل اليوناني، فالتركيب ‘ἐφʼ ῷ̔’ الذي هو تغيير لـ ‘ἐπί’ عند اتصالها بالضمير ‘ῷ̔’، لا يُمكن ترجمته بما يُفيد أنّ الجميع أخطأ في آدم، وهذا تتفق عليه جلَّ المدارس الحديثة بشتى خلفياتها”.[5]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] هذا ما قال به القديس يوحنا ذهبي الفم، انظر: تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الجزء الثاني، ترجمة د/ سعيد حكيم (القاهرة: المركز الأرثوذكسيّ للدراسات الآبائية، 2005)، ص 107.
[2] John Romanides (Fr), Original Sin According to St. Paul (Article originally appeared in St. Vladimir's Seminary Quartely, Vol. IV, nos. 1 and 2, 1955-6), P. 6.
[3] Craig S. Keener and InterVarsity Press, The IVP Bible Background Commentary: New Testament (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 1993), Ro 5:12
[4] John Meyendorff, historical trends and doctrinal themes, Fordham Univ Press, USA, 1987, p.146.
[5] Ibid, p.144.

ليست هناك تعليقات: