هناك العديد من المجامع قامت في مدينة قرطاجة، وهي قريبة من تونس الحالية، ولكن أهمها مجمعين، أحدهما سنة 257 وكان موضوعه إعادة معمودية الهراطقة للنظر في الخلاف بين القديس كبريانوس واستفانوس بابا روما.
والآخر 418 بحضور أغسطينوس واجتمع به 217 أسقف من غرب أفريقيا، وكان غرضه الحكم على هرطقة بيلاجيوس وتلميذه كاليستوس.
والجدير بالذكر أن هذه المجامع جميعها لاتينية غربية، كما لم يحضر أي منها أي أسقف من الكنائس الشرقية اليونانيّة. كما لم يعترف بقوانينه أي مجمع مسكوني قبل المجمع المسكوني الخامس [وهو مجمع خلقيدوني لا تؤمن به كنيستنا القبطية الأرثوذكسية] (مجموع الشرع الكنسي، 655).
والمجمع المقصود هُنا هو مجمع قرطاجة سنة 418، وخاصة في قانونيه 109، 110، واللذان يختصان بموضوع الخطية الجدية أو وراثة خطية آدم.
ونصهما:
CAN. 1 (109 in the Cod. Can. Eccl. Afric.). “If any man says that Adam, the first man, was created mortal, so that whether he sinned or not he would have died, not as the wages of sin, but through the necessity of nature, let him be anathema.”
”فليكن مبسلاً كل من يقول إن آدم الإنسان الأول خُلق انسانًا مائتًا، أي أنه معرض للموت بالجسد سواء أخطأ أو لم يخطيء، وأنّه كان مزمعًا أن يُفارق الجسد لا قصاصًا على خطيئة بل لأن ذلك من خصائص طبيعته نفسها“.
وهذا القانون يُمثِّل الفكر القانوني للآباء اللاتين الذين نظروا إلى الموت على أنّه عقوبة من الله على البشر، على العكس من كلّ نصوص الكتاب المُقدّس التي لم يرد في أي منها أنّ الموت كان عقوبة على الإنسان، بل نتيجة لفعله وتركه الحياة التي في الله.
كما أنّه يتعارض مع تعاليم الآباء الشرقيّين الذين علّموا بأنّ الإنسان كان بطبيعته قابلًا للموت، لكن بسبب اتحاد آدم بالله فإنّه لم يكن ليموت، وحين أخطأ وسقط من نعمة الله سقط في الموت وسار مائتًا، أي تسلّط الموت عليه، ولكنه لم يدخل إليه ككيان غريب، بل نتيجة طبيعيّة لكونه مخلوق من العدم وقابل للموت إن ترك الحياة التي في الله.
وهذا ما قاله القديس أثناسيوس في كتاب تجسُّد الكلمة، فصل 4:
”خُلِق الإنسان قابلاً للموت والألم قبل السقوط، وذلك بسبب طبيعة الإنسان أنه مخلوق من العدم وليس لأن الله خلق فيه خاصية الموت والألم. والذي كان من الممكن أنّ ينجو منه أنّ أبقى الله في معرفته“ (تجسد الكلمة 4: 6).
وأيضًا القديس ساويرس الأنطاكيّ:
”الإنسان فإنّ بالطبيعة، لأنه أتي إلى الوجود من العدم.. ولكن، مع ذلك، لو أنه قد استمر موجهًا نظره نحو الله، لكان قد تجاوز قابليته الطبيعية للفساد وبقيَّ غير فاسد، وقد قال الله لآدم أنت تراب وإلى تراب تعود، ولم يقل له لقد صرت الآن تُرابًا، مما يعني ضمنًا أنّ آدم قد خُلِقَ في الأصل قابلاً للموت والفناء. ولكن آدم قد أُعطيَّ وعدًا بعدم الموت وعدم الألم كهبة إلهية تُمنح له بنعمة الله، وبالسقوط فقد الإنسان هذه النعمة الإلهية، على الرغم من أنه لم يُجرد من طبيعته“
La Polimque Anti julianiste, II B, ed. Robert Hespel, p. 30.
ملحوظة هامة:
جدير بالذكر هُنا أننا نرفض ما قال به بيلاجيوس أن الإنسان كان سيموت حتى إن لم يخطيء، لان اتحاده بالله يمنع سيادة الموت عليه..
CAN. 2 (110). “If any man says that new-born children need not be baptized, or that they should indeed be baptized for the remission of sins, but that they have in them no original sin inherited from Adam which must be washed away in the bath of regeneration, so that in their case the formula of baptism ‘for the remission of sins’ must not be taken literally, but figuratively, let him be anathema; because, according to Rom. 5:12, the sin of Adam (in quo omnes peccavcrunt) has passed upon all.”
Charles Joseph Hefele, A History of the Councils of the Church, Volume 2, trans. Henry Nutcombe Oxenham (Edinburgh: T&T Clark, 1876), 458.
”إنّ كل من ينكر أن يعمد الأطفال المولودين حديثًا، وكل من يقول إن المعمودية هي لغفران الخطايا وان الأطفال لا يرثون من آدم الخطيئة الجدية التي تحتاج إلى تنقية بحميم الولادة الثانية، ويستنتج من ذلك أنّ رسم المعمودية لغفران الخطايا للأولاد هو رسم باطل لا حقيقي، فليكن مبسلًا.
لأن ما يقوله الرسول: كما أنه بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس بالذي جميعهم خطئوا فيه (رو5: 12). لا يمكن أن يفهم بمعنى آخر غير الذي فهمته وعلمته الكنيسة الجامعة في كل مكان. وبموجب هذا الايمان تكون عمادة الاطفال الذين لم يرتكبوا بعد، هم أنفسهم، خطيئة لغفران الخطايا أيضًا، فإنّ ما ورثوه من الخطيئة من آبائهم بالولادة يطهَّر بالولادة الثانية“.
وقد كان اعتماد المُطوّب أغسطينوس على نص رو5: 12، ناتج عن ترجمة لاتينيّة غير دقيقة لهذا النص عن الأصل اليوناني، يشرح لنا هذا الأمر بوضوح الأب جون مايندورف، قائلاً:
”كيف أنّ الكنيسة الغربية ذهبت إلى اعتماد الترجمة التي تُفيد وقوع الجميع في الخطأ، وهو نفس ما اعتمد عليه «أوغسطين» في تأصيله لعقيدة الخطيئة الأصلية وانتقال الخطيئة من آدم إلى ذريته، غير أنّ تلك الترجمة لا تُفيد المعنى الموجود في النص الأصلي، فالكلمات اليونانية الأخيرة من رومية 5: 12 ‘ἐφʼ ῷ̔ πάντες ἥμαρτον’، تُرجمت إلى اللاتينيّة بـ ‘in quo omnes peccaverunt’، التي تُفيد انتقال الخطيئة إلى الجميع بسبب آدم، وتم اعتماد هذه الترجمة في الغرب مُستدلين بها على توارث الخطيئة من آدم إلى ذريته، غير أنّ هذا المعنى لا يُمكن استخلاصه من الأصل اليوناني، فالتركيب ‘ἐφʼ ῷ̔’ الذي هو تغيير لـ ‘ἐπί’ عند اتصالها بالضمير ‘ῷ̔’، لا يُمكن ترجمته بما يُفيد أنّ الجميع أخطأ في آدم، وهذا تتفق عليه جلَّ المدارس الحديثة بشتى خلفياتها“.
John Meyendorff, Byzantine theology: historical trends and doctrinal themes, Fordham Univ Press, USA, 1987, p. 144.
وهو نفس رأي عالم النقد النصيّ بروس ميتزجر، والعلامة في العهد الجديد جيمس دون
James D. G. Dunn, vol. 38A, Word Biblical Commentary : Romans 1-8, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), 274.
وهذا هو النصّ كما جاء في الترجمة المنقحة النقدية ubs 4
Διὰ τοῦτο ὥσπερ δι’ ἑνὸς ἀνθρώπου ἡ ἁμαρτία εἰς τὸν κόσμον εἰσῆλθεν καὶ διὰ τῆς ἁμαρτίας ὁ θάνατος, καὶ οὕτως εἰς πάντας ἀνθρώπους ὁ θάνατος διῆλθεν, ἐφ’ ᾧ πάντες ἥμαρτον·
وفي الترجمات الحديثة بشتى لغاتها.. ما عدا نصّ الفولجاتا اللاتيني الذي اعتمد عليه المجمع الغربي هُنا.
وعن صلة المجمع بمجمع أفسس فلا علاقة ولا هناك أي صلة اطلاقًا بين المجمعين سوى أنه أدان معه هرطقة بيلاجيوس التي ندينها جميعًا..
وبكل تأكيد أن هذا المجمع الغربي اللاتيني الذي لم يحضره أي أسقف من الشرق، ولا حتى مندوب عن أسقف شرقي، لا تلتزم بقوانينه كنيستنا القبطية الأرثوذكسية الشرقية.. وإن كانت تعود على قوانينه المتنوعة بين تنظيمات إدارية ومهام الرتب الكهنوتية وغيره كمرجع عام غير ملزم، حاله كحال جميع المجامع المحلية حتى الشرقية منها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق