[1] الآب يُدعى ينبوعًا ونورًا لأنه يقول: ” تركونى أنا ينبوع المياه الحية” (إر13:2). وأيضًا فى باروخ: ” لماذا أنت يا إسرائيل فى أرض أعدائك؟ لقد تركت ينبوع الحكمة” (باروخ10:3ـ12)، وأيضًا حسب يوحنا ” إلهنا نور” (1يو5:1).
وأما الابن فمن جهة علاقته بالينبوع يُدعى نهرًا: ” نهر الله ملآن ماء” (مز9:64)، ومن جهة علاقته بالنور يُدعى إشعاعًا[2] ـ إذ يقول بولس: ” هو شعاع مجده ورسم جوهره”(عب3:1). ومن ثمَّ حيث إن الآب نور والابن هو شعاعه، فلا ينبغى أن نتحاشى تكرار نفس الأشياء عنهما مرات كثيرة. ويمكننا أن نرى فى الابن، ”الروح” الذى بواسطته نستنير[3]: ” لكى يعطيكم روح الحكمة والإعلان فى معرفته مستنيرة عيون قلوبكم” (أف18،17:1). ولكن حينما نستنير بالروح، فالمسيح هو الذى ينير فيه (أى فى الروح) لأنه يقول: ” كان النور الحقيقي الذى ينير كل إنسان، آتيًا إلى العالم” (يو9:1) وأيضًا، حيث إن الآب ينبوع، والابن يسمى نهرًا، لذلك نقول إننا نشرب الروح. لأنه مكتوب: ”جميعنا سقينا روحًا واحدًا” (1كو13:12) ولكن حينما نشرب الروح، فإننا نشرب المسيح. ” لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح” (1كو4:10). وبالإضافة إلى ذلك، كما أن المسيح ابن حقيقي، فإننا عندما نأخذ الروح، ”نصير أبناء” [4].
لأن الكتاب يقول: ” إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف بل أخذتم روح التبنى” (رو15:8). وإن كنا بالروح قد صرنا أبناء فواضح أننا فى المسيح نُدعى أولاد الله لأن: ” كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله” (يو12:1). وعلى ذلك، فكما أن الآب هو ”الحكيم الوحيد”، كما قال الرسول بولس، فإن الابن هو ”حكمته”: ” المسيح قوة الله وحكمة الله” (1كو24:1). وحيث إن ابن الله هو الحكمة وابن الحكمة، فإننا إذ نأخذ روح الحكمة، نملك الابن، وبه نصير حكماء.
لأنه هكذا هو مكتوب فى المزمور المئة والخامس والأربعون: ” الرب يحل المأسورين، الرب يفتح أعين العميان” (مز8،7:145س).
وحينما يعطى لنا الروح القدس، (قال المخلص: ” اقبلوا الروح القدس”)، يقيم الله فينا، لأنه هكذا كتب يوحنا: ” إن أحب بعضنا بعضًا فالله يقيم فينا، بهذا نعرف أننا نقيم فيه وهو فينا، لأنه قد أعطانا من روحه” (1يو13،12:4). وحيث إن الله يوجد فينا، يكون الابن أيضًا فينا.
لأن
الابن نفسه قال: ” الآب وأنا نأتى ونصنع عنده منزلاً” (يو23:14). وأيضًا،
حيث إن الابن هو الحياة ـ لأنه يقول: ” أنا هو الحياة” (يو6:14). فإننا نحن
أيضًا سنحيا بالروح، لأنه يقول: ” الذى أقام المسيح من بين الأموات سيُحي
أجسادكم المائتة بروحه الساكن فيكم” (رو11:8). وحيث إننا محيون بالروح،
فالمسيح نفسه يحيا فينا، لأنه يقول: ” مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا، بل المسيح
يحيا فىَّ ” (غلا20:2). وأيضًا، قال الابن إن الأعمال التى عملها هو، عملها
الآب ـ لأنه يقول: ” الآب الحال فىَّ هو يعمل أعماله. صدقونى إنى فى الآب والآب
فىَّ وإلاّ فصدقونى بسبب أعماله”
(يو10:14ـ12). وهكذا أيضًا قال بولس إن الأعمال التى عملها بقوة الروح هى أعمال
المسيح: ” لأنى لا أجسر أن أتكلم
عن شئ مما لم يفعله المسيح بواسطتى لإطاعة الأمم بالقول والفعل بقوة آيات وعجائب،
بقوة الروح القدس” (رو19،18:5).
1 عن كتاب “الرسائل عن الروح القدس” إلى الأسقف
سرابيون للقديس أثناسيوس الرسولى، ترجمة د. موريس تاوضروس، د. نصحى عبد الشهيد،
إصدار مركز دراسات الآباء مايو 1994، ص65ـ67.
2 “يُدعى (الابن) إشعاعًا”، أى نور يشع نورًا، أى
أن الابن نور مُشع من الآب، وهكذا نفهم نص قانون الإيمان “نور من نور”. بعكس فهم
“إشعاع” بمعنى نور مقتبس من نور آخر مثلما يأخذ السراج نور من سراج آخر فيكون
تعبيرًا عن الانقسام والتجزئة فى عالم المخلوقات، والتى لا وجود لها فى طبيعة الله
الثالوث.
3 “نرى فى الابن، الروح الذى به نستنير”. يوضح
القديس أثناسيوس هنا أننا يمكن أن نرى الروح فى الابن، وهذا ما يذكره صراحة فى الرسالة
الأولى عندما يقول: [ وكما أن الابن، الكلمة الحى، هو واحد، هكذا فإن القوة
الحيوية والعطية التى بها يقدس ويضيء ينبغى أن تكون واحدة كاملة وتامة ]
(رسالة20:1). ويقول أيضًا: [ لأنه حيث يكون النور فهناك الشعاع أيضًا، وحيث يكون
الشعاع فهناك أيضًا فاعليته ونعمته المضيئة] (رسالة30:1). ومع تأكيد القديس
أثناسيوس على وحدة الروح والابن، فإنه يهتم أن يؤكد أيضًا تميز الأقانيم كما يبدو
فى كلماته فى الفصل 28 من هذه الرسالة إذ يقول: [ الآب بالكلمة فى الروح القدس
يعمل كل الأشياء.. وهكذا يُكرز بإله واحد فى الكنيسة “ الذى على الكل وبالكل
وفى الكل “ (أف6:4). “ على الكل” كآب وكبدء وكينبوع، و” بالكل”
أى بالكلمة، “وفى الكل” أى فى الروح القدس. هو ثالوث ليس فقط بالاسم وصيغة
الكلام، بل بالحق والوجود الفعلى. لأنه كما أن الآب هو الكائن الذى يكون، هكذا
أيضًا الكلمة هو الكائن والإله على الكل. والروح القدس ليس بدون وجود حقيقي، بل هو
يوجد وله كيان فعلى. وليس بأقل من هؤلاء الثلاثة، تعتقد الكنيسة الجامعة لئلا
تنزلق إلى أفكار اليهود المعاصرين الرديئة وإلى أفكار سابيليوس، كما أنها لا تعتقد
بأكثر من ثلاثة، لئلا تتدحرج إلى تعدد الآلهة عند اليونانيين] (رسالة28:1).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق