بالرغم من أن الكثير من مؤلفات كليمندس الإسكندري قد فُقدت، من بينها كتابان عن كل ما يتعلَّق بالتعاليم الخاصة بالروح القدس عن شخصه ومواهبه: الأول “عن النبوَّات”، والثاني “عن النفس”؛ غير أنه قد تبقَّى لنا أجزاء هامة قام بفحصها ونشرها العالِم كوتيلييه Cotelier، والتي يُظن أنها تتبع أحد هذين الكتابين المفقودين([1])، وتدور حول معنى الانبثاق بالنسبة للروح القدس:
[مبارك الإنسان الذي عرف عطية الآب من خلال انبثاق الروح كلي القدس.]([2])
[مبارك الإنسان الذي عرف وتقبَّل الروح القدس الذي هو عطية الآب الذي منحه على هيأة حمامة، الروح الذي بلا شائبة عديم الغضب والمرارة، الكامل المنطلق من - قلب - (أعماق) الآب. ليدبر الدهور ويعلن غير المنظور، فهو الروح القدس الحق الآتي من الآب الذي هو قدرته وإرادته، المستعلن لتكميل ملء مجده. أمَّا الذين ينالونه فإنهم ينطبعون بطابع الحق بكمال النعمة.]([3])
وفي بقية أعمال كليمندس الإسكندري يعلن بوضوح لاهوت الروح القدس([4])، حيث ينتهي كتاب المعلِّم بدعاء النعمة لتمجيد الآب والابن مع الروح القدس، وهو يفرِّق بين وحدانية الروح القدس وبين تعدُّد مواهبه.
كذلك فإن كليمندس يعتبر أن حضور الروح القدس في المؤمنين يشكِّل نوعاً جديداً من الطبيعة البشرية.
كذلك فإنه يصف مواهب الروح القدس الإلهية أنها هي العطر الذكي المكوَّن من الروائح السمائية التي يمنحها المسيح لأحبائه([5]).
وكليمندس يقرن أحياناً بين الكلمة والروح حينما يتكلَّم عن إلهام الأنبياء([6]).
كذلك فإن كليمندس يؤكِّد على دور الروح القدس في إنارة الكنيسة بصورة مستمرة وكذلك الأفراد فيها([7]).
كما يضيف أن كل مَنْ يؤمن “بالكلمة” فإن نفسه تتحد بالروح القدس([8]).
والإنسان العارف بالله بالحقيقة true gnostic هو المؤمن حقـًّا والتلميذ بالفعل للروح القدس([9])، وهو بهذا يتمكَّن أن يسبر أعماق الكتاب المقدَّس ويطَّلع على أعماق المعنى المخفي فيها بالإضافة طبعاً إلى اتِّباعه التقليد في ما يخص قانون الإيمان([10]).
وكليمندس يشير إلى عمل الروح القدس في سلوك الكنيسة من نحو الماديات، ويربط بين أعمال الروح القدس وبين سر المعمودية فيقول:
[نحن المعمَّدين إذ قد تخلَّصنا من خطايانا التي كانت بمثابة ضباب يحجب نور الروح الإلهي، أصبحنا نملك عيناً روحية محرَّرة غير منطمسة ممتلئة نوراً، بها نحدِّق في الإلهيات، وصرنا منفتحين على خفايا الأسرار، والروح القدس ينسكب علينا من السماء.]([11])
ويشرح كليمندس التدرُّج من درجة الموعوظين التي فيها تقود التعاليم المبدئية إلى الإيمان، والإيمان حينما تلحق به المعمودية يتهيَّأ لقبول تعاليم الروح القدس:
أمَّا في ما يختص بالإفخارستيا وعلاقتها بالروح القدس فهو يشير إلى هذه العلاقة ولكن يذكر أيضاً الكلمة، ولا يتضح تماماً ما إذا كان التقديس يتم بالروح القدس أو بالكلمة. ([12])
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق