جماعة الغنوسيين، فأخذوا شيئاً ما بما تقوله الكنيسة من جهة الروح القدس، وإنما بصورة مشوَّهة وعلى اتساع تحليلي، وكان زعيمها الأول “سيمون” وهو ساحر سفر الأعمال، وكان قبل عماده يُدعى من جميع الشعب «قوة الله العظيمة» (أع 10:8)، لِما كان يأتيه من معجزات. وكان قد تلقَّى بعض تعاليم الرسل في ما يختص بأن القوة الإلهية إنما تتصل مباشرة باسم الروح القدس كما هو مدوَّن بوضوح في سفر الأعمال (أع 9:8-19)، ولكنه عاد من بعد عماده (من أيدي الرسل) وعزله عن الكنيسة، فادَّعى أن شريكته هيلانة هي “الباراكليت” وأن القوة التي تنبثق من الله هي قوَّة مؤنَّثة.
وجاءت جماعة “أوفيت” وقالت صراحة إن هذه القوة المؤنَّثة هي الروح القدس، وهي تتميَّز عن فكر الله، يقصدون بذلك “كلمته”([1])، وأن الكلمة مولود منها، وهي التي كلَّمته على الأردن.
أمَّا في نظام باسيليدس، فقد اعتبروا الروح القدس روحاً خادماً، وليس متحداً جوهرياً بالابن أو مساوياً له، وهكذا صارت بلبلة في الفكر خارج المحيط الكنسي.
أمَّا في نظام فالانتين، فقالوا بانبثاق الروح القدس ولكن ليس بصورة مباشرة من الله([2])، وإنه مساوي للمسيح؛ ولكنهم تبنُّوا كل الهرطقات التي ظلَّت متداولة حتى القرن الرابع والتي فنَّدها القديس أثناسيوس([3]).
أمَّا جماعة المونتانيين، فيُشك أنهم أخذوا بشيء من عقيدة الروح القدس في الكنيسة، لأن العالم الألماني نياندر([4]) قد أشار إلى أن موقف “مونتانس” و“ماكسيملا” في ما يختص بالروح القدس عندهم كان من وجهة نظر العهد القديم أكثر منه في العهد الجديد، وأنه لم يكن للفكر المونتاني تأثير كبير على الكنيسة، وسرعان ما انحل تحت ضغط الاضطهاد.
أمَّا جماعة اليهود المتنصرين، الذين ظلوا متمسكين بتقاليدهم العتيقة ورفضوا التقليد الرسولي من جهة الإيمان بالثالوث الأقدس، وهم في هذا الموضوع جماعة الناصريين Nazarenes، أخذوا برأي الغنوسيين فقالوا إن الروح القدس هو أيضاً قوة مؤنَّثة وأنها هي التي ولدت المسيح على الأُردن وأن الباراكليت هو أم المسيح([5]).
والعجيب أن هذا الفكر أخذت به أيضاً جماعة هراطقة الإيبونيم اليهودية المتنصِّرة بزعامة كيرنثوس المبتدع، وقال إن الروح القدس قوة مؤنَّثة، وهكذا ظلَّت هذه السفاهة العقلية التحليلية الشيطانية عالقة بالكنيسة حتى القرن السابع - (وكان بعض أئمة هؤلاء الهراطقة قاطنين شبه الجزيرة العربية واليمن. لذلك فقد سمع بها القرآن وسُئل فيها فجحدها وقال فيها إن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة، والقرآن على ضوء هذه الهرطقات محقٌ في ما قال).
وجماعة هراطقة المونوأرخيين (أي وحدة الرأس أو الصدر)، وهي قريبة من جماعة الإيبونيم يهودية متنصِّرة، وكان على رأسها ثيئودوتس المبتدع فكانت أصلاً مشغولة بجحد لاهوت المسيح وإنكار الثالوث، وزعماؤهم براكسياس ونوئيتوس وبيرللوس (بلاد العرب) وسابيليوس، فهؤلاء جميعاً جحدوا الثالوث القائم على أقانيم متميِّزة، وقد تزعَّم براكسياس - حسب شرح ترتليان (براكسياس: 9) - فكرة أن الروح القدس هو أصل وجود الآب والابن.
بل في روما ذاتها قام كاليستوس بابا روما، وألغى شخصية الروح القدس المتميِّزة في الثالوث، وأعطى اسم الروح القدس ليعبِّر عن جوهر الله الذي قد يسمَّى الآب أو يسمَّى الابن أو يسمَّى الكلمة([6]).
ومن هنا نشأت أيضاً بدعة السابلية التي امتدت وأعطت الروح القدس شخصية. ولكن كان عندهم الروح القدس قادراً أن يظهر نفسه في أي من الأقانيم الأخرى فهو إمَّا يظهر كآب أو كابن أو كالروح القدس([7]).
بولس الساموساطي المبتدع: وهذا المبتدع يعتبر الروح القدس ليس استعلاناً لشخص أو أقنوم وإنما “خاصية”...
وبولس الساموساطي لم ينكر انبثاق وإرسال الروح القدس، وإنما حلله إلى مجرَّد تأثير، وإنما تأثير غير مشخَّص أو غير شخصي. فالروح القدس عند بولس الساموساطي ليس أقنوماً بل مجرَّد نعمة نزلت على الرسل([8]). وكان حذراً في الدخول إلى التفاصيل الخاصة بعقيدة الكنيسة في هذا الموضوع، ففلت من جهة هذا الأمر من ملاحظة المجمع المقدَّس الذي حكم عليه في تعاليمه الأخرى وجرَّم إيمانه وقطعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق