"لأَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ،
بَلْ لاقْتِنَاءِ الْخَلاَصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،" (1تس5: 9).
الأفلام والمسلسلات اللي شكلت وعينا في نقط كتير دايمًا بتظهر إن نهاية الشرير لازم تكون نتاج موت عنيف، حادثة شديدة مثلًا، إنفجار، المهم يكون موت عنيف..
ودا اللي بيخلينا في أحيان كتير نتسرع في الحكم على تسونامي أو إعصار كاترينا أو كورونا إنهم بالتأكيد نتاج غضب الله، لإن نتاجهم موت مش طبيعي، أكيد دي دينونة من الله على الأشرار..
نفس التفكير اللي كان عند اليهود وقت المسيح (لو١٣؛ يو٩). لكن الكتاب المقدس بالعكس مبيقولش كدا، إجابة المسيح في الشاهدين اللي فاتوا مبتقولش كدا، وكمان في العهد القديم اللي كان محوره البركة المادية بطول الأيام والأولاد، في كتير من نصوصه بيقول إن الأشرار بيعيشوا حياة رغدة وبيرقدوا في أمان (مز٧٣ كمثال).
حتى في رأي القديس ذهبي الفم إن الموت العنيف مش دليل على شرّ الإنسان، ولا دينونة من الله، فبيقول:
"أي ضرر أصاب هابيل بموته، مع أنه مات موتًا عنيفًا في غير أوانه، وبيدي أخيه؟
أليس على حساب هذا صارت سمعة هابيل تجوب المسكونة؟
أنظر كيف أكّد المثال أكثر مما وعدت، لأنه لا يقف عند حد أن الإنسان لا يضره آخر، بل ينال نفعًا عظيمًا على يدي مناضليه… إخوة يوسف مثلاً أضروا يوسف، لكن يوسف نفسه لم يصبه الضرر. وقايين ألقى بشباكه لهابيل، لكن هابيل لم يسقط فيها…
هل يعاني إنسان من موت عنيف؟ ليذكر يوحنا الذي قُطعت رأسه في السجن وأُخذت في طبق وقُدمت مكافأة لرقص زانية".
Treatise to Prove that no one can harm the man who does not injure Himself, 4.
ويقول الأب تادرس يعقوب:
"لا يليق بالمؤمن وقد أدرك أسرار الله الفائقة أن يدين أحدًا أو يحسب ما يحل بالآخرين عقوبة إلهية لخطايا خفية، إذ يستخف بهم حتى وإن كانت خطاياهم ظاهرة.
لقد سقط اليهود في ذلك فحسبوا البار، الذي بلا خطية، أنه يتألم ويُصلب عن شر أو تجديف ارتكبه.
يقول المرتل: "لأن الذي ضربته أنت هم طردوه، وبوجع الذين جرحتهم يتحدثون" (مز 69: 56). ويقول إشعياء النبي: "نحن حسبناه مُصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحُبره شُفينا" (إش 53: 4 - 5)".
(الأب تادرس يعقوب ملطي، من تفاسير وتأملات الآباء الأولين، تفسير إنجيل يوحنا، يو٩: ٣).
فلا يمكن لنا تفسير الأمراض والاوبئة وأي موت أو حادث عنيف على إنه غضب الله.. لكن تأثير الميديا طول الوقت على عقلنا مش من السهل أبدًا محو أثره.. كمان قراءتنا القزمة لنصوص الكتاب المقدس اللي بتربط الأحداث اللي حصل فيها موت لشخصيات من العهدين بالغضب الإلهي، وإن بدل ما يكون ذكر الأحداث دي في الكتاب المقدس له معنى جوهري محتاجين نفهمه وهدفه الأساسي التعليم والتأديب والتقويم، مش هدفه التمسك بيها كقصة! لكن كصورة لها معنى أعمق، فالقصة حدث حصل ملهوش أي قيمة بالنسبة لي، والكتاب المقدس مش كتاب قصص.. أما الصورة فهي أداة بيستخدمها الكاتب الموحى إليه عشان يوصل رسالته، فالهدف الرسالة اللي بتحملها الصورة مش الصورة نفسها..
لكن بشكل سريع فإن غضب الله كمصطلح مذكور في الكتاب المقدس وفي كتابات الآباء، معناه إن خطايانا حجبت الله عنا، أخرجتنا من المعية الإلهية، فصرنا عميان ومهزومين من شرور العالم.. ويكتب الأنبا أنطونيوس الكبير:
"الله صالح وهو فقط يمنح كل عطية صالحة (يعقوب ١: ١٧) ولا يمكنه أن يقدم الضرر والأذى، لأنه لا يمكنه أن يتغير.
وليس أن الله هو الذي يتحول إلى غضوب في علاقته معنا، ولكن خطايانا تحجب نور الله من أن يسطع فينا.
إننا إذا قلنا أن الله هو الذي يتحول بعيداً عن الأشرار نكون كمن يقول أن الشمس هي التي تحجب نورها عن الشخص الأعمى"..
The Philokalia, translated from Greek by G. Palmer, P. Sherrard, Kallistos Ware, 1984, Faber & Faber, London. Vol 1, p. 352.
الغضب هو خروجنا من معية الله فيسود الشر علينا، زي ما بيقول القديس كيرلس السكندري:
'عِنْدَمَا نُقُول: "أَنْت سَخِطْتَ/غَضِبَتْ إِذْ أَخْطَأْنَا"، نَقْصِدُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَشْمُلْنَا عَطْفُ الرَّبِّ، فَلَنْ يَكُونَ أَمَامَ الخَطِّيَّةَ أَيُّ عَائِقٌ يَمْنَعُهَا عَنْ تَعْذِيبِنَا، وَذَلِكَ بِسَبَبِ ضعفِ طَبِيعَتِنَا، مِمَّا يَقُودُ إِلَى سِيَادَةِ الشَّر عَلَيْنَا".
(السجود والعبادة بالروح والحق - المقالة الأولى).
ويقول أوريجينوس إن الإشارة إلي التشبيهات البشرية لله anthropomorphism مثل غضب الله لا يمكن فهمها حرفيا.
”حينما تسمع عن غضب الله و سخطه لا تفهم ذلك بمعني ممارسة الله لمشاعر الغضب والحنق“.
يستخدم الله اللغة البشرية، والهدف هو تصحيح الأخطاء
البشرية،كما يوجه الأب طفله.
”نحن أيضا يكون لنا وجه عنيف الملامح حينما نوجه أطفالنا، ليس لأن هذه هي مشاعرنا الحقيقية، و لكن من أجل نزولنا إلي مستواهم ، فإذا ما سمحنا لملامحنا الطيبة في الظهور علي وجوهنا نفسد الطفل.
الله لا يغضب في الحقيقة، لكننا نختبر آثار غضبه حينما نقع في تجربة بسبب شرنا، هذا هو التأديب الذي ندعوه ”غضب_الله“.
(تادرس يعقوب ملطي (الأب)، كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الجزء الثاني (العقائد المسيحية) الطبعة الثانية صفحة١٤٩).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق