بقيت صحة تعاليم الرسل واضحة في ما يختص بشخص الروح القدس ضمن الكيان أو الجوهر اللاهوتي للثالوث في تسليم قانون التعميد، «عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس». وقد اكتشفت قوانين التعميد المبكِّرة جدًّا في تقليد القرون الأُولى وهي تحمل طابع الإيمان والتعليم بوحدة الثالوث([1]).
كليمندس الروماني:
وبجوار قوانين التعميد المحلية في الكنائس تصلنا من الرسالة الأُولى إلى كورنثوس للقديس كليمندس الروماني - وهو تلميذ الرسل - صورة أصيلة مطابقة لتعليم الرسل من جهة “انسكاب” الروح القدس، ومن جهة “شخص” الروح القدس، ومن جهة “الجوهر الإلهي” للروح القدس:
[لقد وُهبتم جميعاً سلاماً عميقاً وفيراً وشوقاً غير محدود نحو عمل الصلاة بينما انسكب الروح القدس عليكم بفيض].
[بهذا نحتمي برحمته من الدينونة القادمة. لأنه أين يهرب كل منا من يده القادرة؟! أي عالم يمكنه أن يختفى هارباً من وجه الله؟! إذ يقول الكتاب: «أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟! إن صعدتُ إلى السموات فأنت هناك، وإن فرشتُ في الهاوية فها أنت» (مز 139: 7و8).
أين يمكن لإنسان أن يهرب ممن يحتضن كل شيء؟!]
[حي هو الله، وحي هو يسوع المسيح وحي هو الروح القدس وحي هو إيمان ورجاء المختارين.] (الرسالة الأُولى لكليمندس الروماني 2و28و58)
كذلك فإن تعاليم كليمندس تأتي في كمال انطباقها على علاقة الروح القدس بقانون الأسفار المقدَّسة (انظر: الرسالة الأُولى لكليمندس الروماني 45و8و13و16و22و42).
برناباس:
ونقابل في رسالة برناباس بصورة مميِّزة استمرار التعليق على الإلهام الموجود في الأسفار (9-10) كذلك موضوع انسكاب الروح القدس على الكنيسة كلها (1).
إغناطيوس الأنطاكي:
في رسائله المختصرة نجده يسمِّي الروح القدس واحداً مع الآب والابن مع تمييز خاص لشخصه (ماغنيزيا: 13)، كذلك موضوع انبثاقه من الآب (فيلادلفيا: 7)، وإرساله بواسطة الابن (أفسس: 17)، وعمله في الحمل الإلهي الإعجازي للعذراء (أفسس: 18)، وفي تقديس (مسحة) أعضاء المسيح (أفسس: 9، سميرنا: 13)، كما نجد في حالة استشهاده ذكره للروح القدس في تمجيده لله، كذلك نجد عين الأمر في استشهاد القديس بوليكارب (استشهاد القديس بوليكارب 14-22) (استشهاد القديس إغناطيوس 71).
الأسقف “راعي هرماس”:
ولكن من بين كل ما وصلنا من كتابات عصر ما بعد الرسل للآباء الرسوليين، فإنه يندرج ما خلفه لنا “راعي هرماس” تحت أكثر الكتابات خصوبة في الإشارات للروح القدس. ولو أن طريقة عرضه لموضوع الروح القدس تجعلنا في حيرة من تحديد صلاحيتها العقائدية، إلاَّ أنه أحياناً يشير إلى أرواح كثيرة مرسلة بواسطة الروح القدس منوط بها تعليم وإنارة بصيرة الناس، ونحن نجد إشارة إلى مثل هذا المعنى في رسالة يوحنا الأُولى: «أيها الأحباءُ، لا تصدِّقوا كل روحٍ، بل امتحنوا الأرواح: هل هي مِنَ الله؟ لأن أنبياءَ كذبةً كثيرينَ قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله: كل روحٍ يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو مِنَ الله ... مِنْ هذا نعرف روح الحقِّ وروح الضلال.» (1يو 4: 1-6)
كذلك نجد إشارة إلى هذا المعنى أيضاً في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي: «يوحنا إلى السبع الكنائس التي في أسِيَّا. نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي ومن السبعة الأرواح التي أمام عرشه.» (رؤ 4:1)
وراعي هرماس يؤمن بشدة أن روح النبوَّة لا يزال مستمراً في عمله في الكنيسة، ويشير إلى أنه حائز لهذه العطية الخاصة بالإلهام.
ويعتقد بعض العلماء مثل “جبهارت” و“هارناك” أن راعي هرماس لم يكن يفرِّق بين الروح القدس وبين المسيح قبل تجسُّده([2]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق