في مُصطلح هام عند الآباء الشرقيين في تعليمهم عن الروح القدس، وهو مُصطلح السينرجيا- συνεργεια وهي كلمة يونانية مكوّنة من مقطعين:
συν بمعنى مع، وεργον ومعناها عمل.. والكلمتين مع بعض معناهم العمل المُشترك. بنلاقي المُصطلح دا في العهد الجديد في إنجيل القديس مرقس (16: 20): "وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ συνεργοῦντος وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ".
كما يقتبسها أيضًا القديس أثناسيوس الرسولي، على لسان أنطونيوس الكبير حين يتحدث عن عمل الله مع النفس في رسالة رومية، فيقول:
"لإن الله عامل معنا، كما هو مكتوب: كل الذين يختارون الخير، يعمل الله معهم للخير (رو8: 28)" (حياة أنطونيوس، 19).
الروح القدس اللي بحسب القديس أنطونيوس كان هو القوة المُقدسة شريكة النفس المُعطية للمواهب الفاضلة (الرسالة، 6).
نفس الروح اللي عمل في الكنيسة الأولى، هو اللي بيعمل في المؤمنين على مرّ العصور، فهو بيجمع أعضاء الجسد المسيَّاني (المؤمنين) على اختلاف فئاتهم وأفكارهم، إلى جسد المسيح الواحد، زي ما بيقول الرسول بولس: "إنّا جميعًا قد اعتمدنا بروح واحد لجسد واحد، يهودًا كنّا أم يونانيين، عبيدًا أم أحرارًا، وسقينا جميعًا من روح واحد" (1كو12: 13).
فالمؤمنين هم أبناء الله، وأعضاء جسد المسيح، وهياكل الروح القدس (انظر: رو8: 9؛ 8: 14، 15؛ 1كو1: 2؛ 6: 15؛ 2كو5: 21؛ غلا4: 6، 7)، فالروح القدس هو الأقنوم الخلاَّق، هو القدرة اللي بتربط بين الله والبشرية، هي إمكانية الله إنه يخرج من ذاته، من فيض محبته، ويتحرك نحو البشرية ليوحدهم بيه، وبيه يصير الله مُشتركًا بشخصه في كل عمل بشري، ومن خلال الشركة دي بنثبت فيه أكتر ونتوحد معاه (1يو4: 13).
وعلشان الروح القدس هو أساس الشركة بين الله والبشرية، وهو اللي بيوحدنا مع الله، بيكتب القديس إيرينيئوس:
"كما أنّ الله قد نفخ روحه في الجسد الذي كوّنه، منح الحياة لكل أعضاء الجسد، هكذا أعطى الروح للكنيسة. وهذا الروح الذي تسلّمته الكنيسة وأعطي لها ونُفخ فيها، هو المبدأ الحي للإتحاد الصميم بالمسيح: هو ثبات إيماننا، والسلّم الذي به نرتقي إلى الآب. وهو أخيرًا، وعلى الأخصّ، عربون وبذار لعدم الفساد حتى اللانهاية، حيث نُعتَق إلى الأبد من أصل الموت وجموده. فحيث الكنيسة هناك أيضاً روح الله، وحيث الله هناك الكنيسة وكلّ نعمة والروح هو حق: لذلك فانّ من لا يشترك في الروح لا يستقي من جوف أمّه غذاء الحياة، لا ينال شيئًا من الينبوع الصافي الذي يتدفّق من جسد المسيح" (ضد الهراطقة 3: 24، 1).
وبسبب مفهوم السينيرجيا συνεργεια دا، نلاقي العهد الجديد بيأكد في أكتر من موضع إننا لازم نحيا حياة إلهية، حياة تليق بأبناء الله، بهياكل روحه (غلا5: 25)، فالروح بينمو فينا وبيفيض داخلنا، ولازم يكون محور حياتنا وتحركاتنا وعملنا، ومن هنا ظهرت ثمار الروح القدس (غلا5: 22، 23).
وكون الروح القدس بيعمل معانا من خلال الشركة، فهو مش بيفرض علينا أي شيء من خارجنا، لكن بالشركة مع الإرادة البشرية، تنبع من داخلنا أعماله بكل وعي وحريِّة (2كو3: 17).
الله صار إنسان شبهنا، وأرسل لنا روحه الإلهي علشان يعمل فينا وبينا على تأليه الكون، على قيادة العالم بأكمله نحو الكمال، ودا مفهوم الإنسان ككاهن للخليقة، إنه يسهم في الرجاء الإلهي دا من جهة كل الكون (رو8: 18- 25). والرجاء دا مش هيتحقق مالم توجد عندنا أولاً: الرغبة، ثانيًا: نحققه في حياتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق