ولنختصر الآن في ذكر الأنبياء ونتكلّم عن فعل الروح القدس مع الرسل الأطهار ونبيّن ما هو التفاضل الذي بينهم وبين الأنبياء لأن أولئك كانوا يتكلّمون ـ حين كان الروح يحلّ عليهم ـ بما هو مزمع أن يكون وأما الرسل فكان الروح حالاً فيهم دائمًا مستمرًا وذلك لأنهم تقلدوا تدبير كل المسكونة بالبشرى الإنجيلية والتعليم والتعمير ووضع يد الرئاسة وفعل الآيات كما شهد لهم الرب بذلك قائلاً: " إني معطيكم الباراقليط يثبت معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يطيق العالم أن يقبله لأنهم لم يروه ولم يعرفوه, أما أنتم فتعرفونه لأنه مقيم عندكم وهو فيكم" (انظر يو16:14) فقد صح أنه ثابت معهم إلى الانقضاء.
ثم منحهم رئاسة وقوة أفضل من الأنبياء
كما شهد بولس الرسول قائلاً: " أما نحن الذين لنا باكورة الروح" (رو23:8), أعني أن
الله شرّف الرسل فوق كل الرتب كما قال " إن الله ربنا يسوع المسيح الذي
سيظهر في وقته, الله المبارك العزيز وحده ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده لا
يتغير ساكنًا في نور لا يدنى منه, الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه.
الذي له الكرامة والقدرة إلي أبد الآبدين أمين" (1تي 15:6).
لذلك فإن
الروح القدس لا يستطيع أحد أن يراه كما قال الرب: " إن الريح تهب حيث تشاء
وتسمع صوتها ولا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب" (يو8:3).
لقد اختار الرسل كما هو مكتوب " ولما
شاء الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته لكي أبشر به بين الأمم" (غلاطية15:1).
وقال الرب
لحنانيا عن بولس الرسول: أمض إليه فأنا انتخبته ليكون لي إناءًا مختارًا ليحمل
اسمي في الأمم والشعوب وبني إسرائيل (انظر أع15:9).
وجاء في سفر الأعمال " وفيما هم
يصومون ويصلون, قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وبولس للخدمة التي دعوتهما إليها"
(أع2:13).
والآب دعا الشعوب كما يقول الرسول: "
إن الله بحق صادق والذى به دُعيتم إلى مشاركة ابنه يسوع المسيح ربنا" (انظر 2تس14:2), وقال: " أنتم أيضًا مدعوو يسوع المسيح ربنا.
إلى جميع من برومية أحباء الله مدعوين قديسين" (انظر رو6:1).
وقال رب المجد: " ليس أحد يعرف
الآب إلاّ الابن ولا الابن إلا الآب. ومن أراد الابن أن يُعلن له" (متى27:11).
وقال عن
الروح: " إذ جاء ذاك فهو يشهد من أجلي ويخبركم من أجل الآب علانية"
والرسول يقول: " لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان
الذي فيه. هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله" (1كو11:2) وقال أيضًا " الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كو10:2), وهو تعالى فاحص القلوب والكُلى كما هو مكتوب, وكذلك الابن لا يحتاج إلى
أحد يشهد له عن الإنسان لأنه يعرف ما في الإنسان, ويقول الرسول " لأن كلمة
الله حيّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل
والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته, وليست خليقة غير ظاهرة قدامه. بل كل شيء عريان
ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا" (عب12:4). والروح
القدس فاحص القلوب والكلى كما يقول الرسول" أما نحن فإن الله أظهر لنا ذلك
بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كو10:2) والرب يقول عنه: " إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو15:16), والرب يقول " كل غرس لم يغرسه أبى السماوي يُقلع" (متى3:15) وقال أيضًا: " لا يقدر أحد أن يقبل إلىّ إن لم يجتذبه الآب الذي
أرسلني" (يو44:6) وقال أيضًا " كل ما يعطيني الآب فإلىّ يقبل,
ومن يقبل إلىّ لا أخرجه خارجًا" (يو37:6) وقال: "
يا أبتاه الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك" (يو12:17), وقال لبطرس" إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك, لكن أبى الذي في السموات"
(متى17:16), وقال عن ذاته
الواحد مع الآب " بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو5:15), وقال
" أنا هو الطريق والحق والحياة. لا يقدر أحد أن يأتي إلى الآب إلا بي"
(يو6:14), والرسول يقول: " ولكن الآن في المسيح يسوع
أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح" (أف13:2), وقال: "
لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا ونقض حائط السياج المتوسط" (أف 14:2).
وعن الروح
يقول الرب: " وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق"
(يو13:16), والرسول يقول " وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب
إلا بالروح القدس" (1كو 3:12), وقال أيضًا إن هذه الأشياء التي يتكلّم بها لم
يتعلّمها من كلام الناس بل من الروح إذ قال: " أنتم لستم فى الجسد بل فى الروح"
(انظر رو5:8).
الروح
القدس . ميمر عيد العُنصرة . ص 15 : 18
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق