الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

مختصر تاريخ الكنيسة، القرن الرابع، الصراع حول مصطلح الهوموأوسيوس

 


هذا الاصطلاح الذي يورده قانون الإيمان النيقاوي والذي يُعرف في اليونانية باسم όμοούσιος (هوموؤسيوس)، هو اصطلاح لاهوتي يختص بعلاقة الابن بالآب، والذي يعني أن الابن مساو للآب في الجوهر، أو من ذات جوهر الآب. وكان أول من استخدم هذا الاصطلاح هو القديس إيريناؤس (130-200م)، والعلاّمة المصري أوريجانوس (185-254م)، كما سبق أن أشرتُ.

وفي ذلك يقول العلاّمة أوريجانوس في كتابه "المبادئ":

[إن الابن مشترك مع الآب في الجوهر ούσία (أوسيَّا)، لأن ما ينبثق (أو يولد) من الجوهر، هو مساو له وواحد معه όμοούσιος (هوموؤسيوس) بكلِّ تأكيد][1].

والأوسيّا ούσία تعني الجوهر أو الكيان being أو الوجود الحقيقي البسيط غير المحدود، وهي في الإنجليزية essence من الأصل اللاتيني essential وفي اللاتينية substantia[2]. والأوسيّا تحوي أيضاً في مضمونها الاصطلاح اللاهوتي Φύσις (فيسيس) الذي يعني "طبيعة" nature ولكنها لا تساويها تماماً. وبالرغم من ذلك، فقد كانت "الأوسيّا" تعتبر لدى لاهوتيي كنيسة الإسكندرية مساوية تماماً للـ "فيسيس". فجاءت عند البابا أثناسيوس الرسولي [طبيعة Φύσις إلهية واحدة One is the divine nature]. كما جاءت هكذا أيضاً عند القديس كيرلس الكبير (412-444م). ليس هذا فقط، بل كان البابا أثناسيوس الرسولي يستخدم اصطلاح "الأوسيّا" واصطلاح "الهيبوستاسيس" أي "الأقنوم" كمترادفين، يحلُّ أيهما محل الآخر، ويشاركه في ذلك القديس جيروم (342-420م).

فعن "الأوسيّا" يقول القديس أثناسيوس الرسولي:

[إن الله هو ذو جوهر ούσία غير مُدرَك، وفوق كلِّ إدراك][3].

ومن هذه "الأوسيّا" كان اصطلاح الـ "هوموؤسيوس".

ونفس هذا الاصطلاح الذي قنَّنه مجمع نيقية المسكوني الأول سنة 325م، كان يهدف به آباء المجمع إلى إثبات أن الابن مع الآب هما واحد، وأن هذا الجوهر هو كيانٌ أساسي واحد. فأضافوا بعد قانون الإيمان –بسبب المحرومين- نصّاً قالوا فيه بأن الابن "ليس من هيبوستاسيس ύπόστασις آخر"، أي "ليس من جوهر آخر"[4]. ولازال هذا الاصطلاح مستخدماً في كافة كنائس المسكونة حتى اليوم، بعد أن جاز تاريخاً طويلاً من الصدام والصراع والقبول والرفض بين الاساقفة وبعضهم البعض، وبالتالي بين الكنائس المختلفة.

وترجمة الاصطلاح اليوناني όμοούσιος (هوموؤسيوس) في اللغة العربية إلى "مساو في الجوهر لـ"، لا تفيد بدقة ما يعنيه هذا الاصطلاح اليوناني عن علاقة الابن بالآب. لأن المساواة أو التساوي في اللغة العربية تعني حتماً التساوي بين شيئين أو شخصين، حتى لو كان تساوياً مُطلقاً. ولكن الابن هو من نفس جوهر الآب، فهو والآب واحد. فمساواة الابن للآب في الجوهر، لا تعني أن جوهر الابن يساوي تماماً جوهر الآب، بمعنى وجود جوهران في الله. لأن الله جوهرٌ واحدٌ في ثلاثة أقانيم. وكون الابن هو صورة الآب ورسم جوهره، يعني أنه من ذات جوهره.

لقد استخدم البابا أثناسيوس الرسولي اصطلاح الـ "هوموؤسيوس" لكي يهدم به اصطلاح الأريوسيين وهو الـ "هوميؤسيوس" في شرحهم لعلاقة الابن بالآب. فالابن لا يمكن أن يكون مشابهاً للآب، لأنه غير مفترق عن طبيعة الآب، وهو وإن كان مساوياً للآب في الجوهر، فهو "تساوي الوحدانية". لأن الذي هو من جوهر الله الآب ومتساوي معه، يتحتم أن يكون واحداً معه في ذات الجوهر.



[1] Origen., De Princip. 1. 2. 12.

[2] نظراً لعجز اللغة اللاتينية في تفسير المصطلحات اللاهوتية، كانت كلمة substantia تعني كلاً من (أوسيَّا)، (هيبوستاسيس). أي أن كلمة "طبيعة" في اللاتينية كانت تعني كلاً من الجوهر والأقنوم. وكان آباء نيقية يخشون لو أنهم اعترفوا باثنَين هيبوستاسيس (أي أُقنومَين)، أن يُتهموا بأنهم يقبلون الاعتراف بجوهرَين.

انظر: المقالة الأولى ضد الأريوسيين للقديس أثناسيوس الرسولي، مرجع سابق، ص 128

[3] Athanas., Contra gent., 2.

[4] القديس أثناسيوس الرسولي، ضد الأريوسيين، المقالة الأولى، مرجع سابق، ص 127

ليست هناك تعليقات: