فالداخليّن
الجُدّد إلى الإيمان المسيحيّ كانوا أمّا من خلفية يهوديّة، أو من بيئة فلسفيّة
تنجذب للفكر أكثر من الإيمان. وجاء هؤلاء وأولئك مُحملين بأفكار قديمة، ترسخت
معهم، ولم يستطيعوا التخلي عنها بسهولة حين دخلوا المسيحيّة. فحاول الفريق الأوّل
أن يرتدّ بالمسيحيّة من النعمة إلى الناموسيّة، وهم الأبيونيون أو المتهودون.
وحاول الفريق الآخر تحويل المسيحيّة إلى ديانة أفلاطونيّة بحتة، مثل الغنوصيّون
بفرقهم المُختلفة.[1]
فكان لزامًا أن
يظهر داخل الكنيسة، إنتاج أدبي من نوع جديد، وهو كتابات المُدافعون Apologists، وقد حاول هؤلاء المدافعين دفع
التهم عن المسيحيّة، وفي نفس الوقت، ربح الحكومة والاِمبراطوريّة إلى جانب
المسيحيّة، ودفع الأفكار الخاطئة التي كانت تُشاع عن المسيحيّين.
من هذه الاتهامات التي سجلها لنا التاريخ غير المسيحيّ، ما كتبه سويتونيوس
المؤرخ الوثنيّ، واصفًا المسيحيّة بأنها:
”خرافة جديدة، سحرية
ومؤذية، تُعلنها جماعة من الناس يدعون مسيحيّين“.[2]
فوصفها بالخرافة يعني أنها تشوّه الديانة الرومانيّة الرسمية، وتُعرّضها
للخطر. بينما وصفها بالـ ”جديدة“ يعني أنها تُهدّد استقرار الدولة ونظامها.
صفات مُشابهة نجدها عند المؤرخ الرومانيّ الشهير ”تاسيتوس“، حيث يصف المسيحيّة هُنا كالتالي:
”بعد أن قُمِعت تلك
الخرافة المشؤومة في مهدها، على يد الإمبراطور طيبآريوس، عادت فظهرت، لا في
اليهوديّة وحسب، حيث نشأ الشر، بل في روما أيضًا، إلى حيث يفد كلّ ما هو قبيح
ومُشين في العالم، ويجد اتباع كثيرين“.[3]
كما وُصِفت بالـ”ديانة ذات الطقوس الغامضة“، وذلك بسبب سرّيّة التعاليم
المسيحيّة في مهدها، خوفًا من الاضطهاد من جهة، ومن جهة أُخرى حفاظًا على قدّسية
التعاليم. جاء هذا الوصف في الأحكام الشرعية ليوليوس باولوس، كالتالي:
”هؤلاء من يُنادون بأديان
جديدة، تُعلن طقوسًا غامضة وعادات غريبة، تشوش على عقول الناس، إن كانوا من أصحاب
الطبقات العُليّا سوف يتمّ نفيهم، وإن كانوا من الطبقات الدُنيا، سوف يُعاقبون
بالإعدام“.[4]
من الأمثلة الصارخة على التعنت والأحكام الجائرة ضد المسيحيّين، نجد في
واحدة من رسائل بيليني، نجده يكتب:
”هذه هيَ القاعدة التي
اتّبعتها في مُعاملة أولئك الذين أحيلوا على لأنهم مسيحيّون. لقد سألتهم إن كانوا
مسيحيّين، والذين اعترفوا بذلك، سألتهم ثانية وثالثة مُهدّدًا إياهم بالتعذيب.
والذين أصرّوا على جوابهم أعدمتهم. فأيًا كان معنى اعترافهم، كنت مُقتنعًا بأنه
لابد من أن أُعاقب –على الأقل- ذلك العنادو
التعنت. وهُناك آخرون مِن مَن يتمتعون بالمواطنية الرومانيّة، يتملكهم الجنون
نفسه، فكتبت في حقهم كيما يتمّ إرسالهم إلى روما.
أمّا الذين أنكروا انهم
مسيحيّون، وكانوا مسيحيّين قبلًا، فإنّ رفعوا الصلوات للألهة في الصيغة التي
أُلقيها عليهم، وقربوا النبيذ والبخور أمام صورتك التي أُحضرها إليهم
(الإمبراطور)، مع تماثيل الآلهة، وجدّفوا على المسيح، وهيَ أمور يُُقال إنّها لا
يُمكن أن تصدر عن أي مسيحيّ حقّيقيّ، فقد رأيت من واجبي أن أُطلق سراحهم“.[5]
فكان عمل
المُدافعين كالمُحامين، يُدافعون عن قضية المسيحيّين أمام بطش الدولة الغاشم
والجائر بحقّهم. فنجد يوستينوس الشهيد يُشدّد على أنه لا يجب الحكم على الاسم،
لكنّ على الأعمال، وإن كان المسيحيّون لا يسلكون طريق الجُرم، فيجب على الدولة أن
ترفع الأحكام عنهم.[6] وترتليان كان يُطالب بألاّ يُحكم عليهم حكم مُسبق.[7] وإنّ ديانتنا لا يوجد بها تعاليم سرّيّة.[8]
ويوضح
المُدافعون أيضًا للعالم الوثنيّ، أن الاعتراف بتفوق الله على الإمبراطور ليس
ذنبًا،[9] وبأننا لا نهرّب من الحياة، ولا نرفضها، بل نرفض التسليات
المُخلة،[10] وأن المسيحيّون إن كانوا مُلحدين، فهم مُلحدون من جهة آلهة
روما الباطلة فقط.[11]
[1] إيريل
كيرنز، المسيحيّة عبر
العصور،
ترجمة عاطف سامي (قبرص: نيقوسيا، 1992)، ص 119.
[2] حياة نيرون،
16: 2.
[3] الحوليات،
15: 44.
[4] Collected Sentences, V. 21; Origen, Against Celsus,
VIII: 17, III: 14.
[5] الرسالة،
10: 96: 2- 5.
[6] الدفاع 1:
4؛ أثيناغوراس، الدفاع 1؛ ترتليان، الدفاع 1: 4، 5، 3: 1؛ ثيوفيلس، إلى أوتوليكس
1: 12.
[7] الدفاع 2:
10، 11؛ يوستينوس، الدفاع 1: 7.
[8] الرد على
كلسوس، 1: 7.
[9] ترتليان،
الدفاع 30: 1- 3؛ أثيناغوراس، الدفاع، 7، 13.
[10] ترتليان،
الدفاع 42: 3؛ 38: 3- 4.
[11] يوستينوس،
الدفاع 1: 6.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق