ليست صورة الله الحي في العهد القديم مكتملة مُنجزة، بل هيَ تُطل على
شعب إسرائيل في إنتظار الكشف النهائي المُستعلن في وجه يسوع. فالعهد القديم ليس
سوى ظلّ ما يأتي (عب10: 1).
في العهد الجديد نجد جوابًا واضحًا
على ذلك السؤال المطروح في العهد القديم عن سرّ الله. حيث يُعلَن سرّ الثالوث الإلهيّ
بجلاء تام من خلال آيات كثيرة وواضحة يمكن تقسيمها إلى المجموعات التالية:
(1) ثلاثة أقانيم حقيقيّين معًا.
(2) إلوهيّة كلّ من الأقانيم
الثلاثة.
(3) وحدانيّة جوهر الأقانيم
الثلاثة.
(1) ثلاثة أقانيم حقيقيّون معًا
(أ) في كلمات الملاك جبرائيل
للعذراء مريم حين بشّرها بالحبل بيسوع نجد الإشارة الأولى للأقانيم الثلاثة معًا
في العهد الجديد ”الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللك فلذلك أيضًا
القدّوس المولود منك يدعى ابن الله“ (لو1: 35). في هذا النص نجد ذِكرًا
للثالوث القدوس، فها الروح القدس يحلّ على العذراء ليخلق من احشاءها جسد المسيح البشريّ،
والله الآب العليّ يُظلّل ويُبارك حدث التجسُّد الذي هو بحسب مشيئته الأزليّة،
والمولود هو ”ابن الله“.
(ب) تُخبرنا الأناجيل الأربعة عن معموديّة
يسوع وتأتي أهمّيّة هذه المعموديّة بالدرجة الأولى بسبب ظهور واستعلان الثالوث
القدّوس ممثلًا بأشخاصه الثلاثة المتميّزين فيما بينهم بصورة جليّة واضحة: الابن
المتجسد الذي تعمّد، الروح القدس الذي ظهَّر بهيئة حمامة نازلًا على الابن، الآب
الذي أعلن عن ذاته وعن أبوته للابن بصوته من السماء (مت3: 16؛ مر1: 10-11؛ لو3:
21-22؛ يو1: 33-34). ويتحدث
القديس أغسطينوس عن ظهور الثالوث القدّوس في معموديّة المسيح قائلًا:
”بجوار نهر الأردن ننظر
ونتأمل كما في منظر إلهيّ موضوع أمامنا. لقد أعلن لنا إلهنا نفسه بكونه الثالوث.
عندما انفتحت السموات ونزل الروح القدس في شكل حمامة، تّبعه صوت من السماء قائلًا:
‘هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ
الَّذِي بِهِ سُرّرتُ’
(مت3: 17). إذن نحن هُنا أمام الثالوث كما لو كان منفصلًا: الآب في الصوت، الابن
في الإنسان والروح القدس في شكل حمامة..هنا يظهر الثالوث القدّوس متمايزًا الواحد
عن الآخر..إنّهم الله الواحد، ومع ذلك فإنّ الابن غير الآب والآب غير الابن والروح
القدس ليس بالآب ولا بالابن. نحن نعلم أنّ هذا الثالوث الذي لا يُنطَق به يسكن في
ذاته يجدّد الكلّ، يخلق، يدعو، يدين ويُخلّص، هذا الثالوث هو كما نعلم لا يُنطَق
به وغير منفصل“.[1]
ويؤكد أغسطينوس على أنّ ظهور الأقانيم
كمنفصلين كان تنازلًا لكي نفهم نحن أنّ هُناك ثلاثة أقانيم، لكنّهم بالحقيقة ثالوثًا
غير منفصل قائلًا: ”هذا ما نتمسك به بحقّ وغيرة شديدة، وهو أن
الآب والابن والروح القدس ثالوث غير قابل للانفصال، إله واحد لا ثلاثة“.[2]
(ج) في خطبة يسوع الوداعيّة الموجّهة
للرسل بعد عشائه معهم نجده يحدثهم مرارًا عديدة عن الآب وعن الابن وعن الروح القدس،
نستشهد خاصة بهاتين الآيتين اللتين يُذكر في كلّ منهما الأقانيم الثلاثة معًا
وبصورة متميّزة. ”وأمّا المُعزي الروح القدس الذي يرسله الآب باسمي فهو
يعلمكم كلّ شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم“ (يو14:
26) كذلك في (يو14: 16-17).
(د) ”اذهبوا
وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس βαπτίζοντες αὐτοὺς εἰς τὸ ὄνομα τοῦ πατρὸς καὶ τοῦ υἱοῦ καὶ τοῦ ἁγίου πνεύματος“ (متّى28:
19). في هذه العبارة التي يوجز بها المُخلّص رسالة الرسل قبل انطلاقهم للبشارة،
تظهر أسماء الأقانيم الثلاثة معًا وبدون شرح إضافيّ مما يؤكد عل أنّ الرسل كانوا يُعلِّمون
عن سرّ الثالوث القدّوس بما فيه الكفاية قبل تدوين هذا الإنجيل. هذا النص يُقدّم
قاعدة واضحة للتّعليم عن الثالوث، فقد وضع مساواة تامة بين الآب والابن والروح
القدس. وهذه الخُلاصة اللاهوتيّة –إن صحَّ التعبير- تخبرنا بأنّ التّعليم الثالوثيّ ليس
مجالًا للتنظير والتفكير المُجرّد، بل أنّه تعبيرًا عن حياة الخلاص التي ننالها
بالمعموديّة، تلك العملية التي تأسّس عليها الوجود المسيحيّ هيَ الموضع المُناسب
للاعتراف بالثالوث.
ويقول القديس كيرلس
الكبير:[3]
”قد تعمدنا باسم الآب والابن والروح القدس، وبالطبع لا نقول إنّنا نؤمن
بثلاثة آلهة، لكنّ بإلوهة واحدة ممجدة في الثالوث القدوس“.
أمَّا القديس أثناسيوس
الرسوليّ[4] فيرى
أنّ المعموديّة التي تتمّ باسم الآب والابن والروح القدس هيَ واحدة، لأنّه يوجد
إيمان واحد في الثالوث. هكذا أيضًا الثالوث القدّوس هو متساوٍ في علاقاته الداخليّة،
ومتحد في شركة بوحدة غير متجزئة بين أقانيمه، والإيمان به إيمان واحد.
(هـ) نعمة رّبّنا يسوع المسيح
ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس مع جميعكم (2كو13: 14) هذا ما يختم به بولس
الرسول رسالته إلى أهل كورنثوس طالبًا من أجلهم بركة الأقانيم الثلاثة المذكورة معًا
بوضوح تام، وهذه هيَ البركة الرسوليّة المُستخدمة إلى وقتنا هذا في الكنائس التقليديّة.
ويكتب يوحنا ذهبي الفم عن هذا النص قائلًا:
”من خلال
هذا النص نعرف تمايز الأقانيم ووحدة الجوهر الإلهيّ“.[5]
(و) بقيّة رسائل بولس حافلة أيضًا بصيغ
ثالوثيّة كثيرة، منها في (رو1: 3) نجده يقول: ”ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد وتعين ابن الله بقوة من جهة روح
القدّاسة بالقيامة من الاموات يسوع المسيح رّبّنا“. وفي
(غلا4: 4- 6) يُجمل لنا رسالة الخلاص قائلًا: ”لكنّ لما جاء ملء الزمان ارسل الله ابنه... ليفتدي الذين تحت الناموس
لننال التبني، ثُمَّ بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا
الآب“. وفي رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يكتب: ”فأنواع مواهب موجودة لكنّ الروح واحد، وأنواع خدم موجودة لكنّ الرّبّ واحد،
وأنواع أعمال موجودة لكنّ الله واحد الذي يعمل الكلّ في الكلّ“.
(س) والقديس بطرس يبدأ رسالته
الأولى بطلبة من أجل المُرسل إليهم، يظهر من خلالها أسماء الأقانيم الثلاثة بتمييز
جلي ”بِمقتضى عِلْمِ اللهِ الآب السَّابِقِ، فِي تقديس
الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِتُكْثَرْ لَكُمُ
النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ“ (1بط1: 2).
(ح) ”فَإنّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ،
وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ القدس. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ“ (1يو5:
7).
بحسب أحدث التعليقات النصيّة، فإنّ
هذا النص رُبّما يكون قد أُدخل في عصور مُتأخرة، ويُسمي العلماء هذا النص بـ”الفاصلة
اليوحناويّة- Comma Johanneum“.[6] حيث جاء النص في نسخة
”Nestle-Aland“: ”والذين يشهدون هم ثلاثة-ὅτι τρεῖς εἰσιν οἱ μαρτυροῦντες, “.[7]
لكنّ، هُناك رأي بين العُلماء، أنّ
هذا النص قد أُضيف من نسخة لاتينية قديمة لرسالة يوحنا.[8] خاصة، بعد أن استشهد به العلَّامة كبريانوس أسقف
قرطاجنة[9] (عام 196تقريبًا).[10] على كلّ حال، فحتى إن كان هذا النص قد أُضيف في وقت
مُتأخر عن وقت تدوين نص العهد الجديد، فإنّه قد أُضيف، في وقت قريب، كحاشية لاهوتيّة
تفسيرية على النص، وهكذا فهمتها الكنيسة منذ عصورها الأولى. إنّ النص ثالوثيّ في
جوهره، ويُشير إلى الثالوث القدوس، من خلال أعماله في المعموديّة والإفخارستيّا، ”الماء والدم“ (1يو5: 8).
أهمّ من جميع تلك النصوص السابقة،
هو التأكيد المُجمل الذي قدّمه لنا يوحنا اللاهوتيّ في رسالته الأولى، مُعلنًا: ”الله محبة“ (1يو4:
8، 16).
ما نستنتجه بداية من هذا الإعلان
أن الله أظهر ذاته كمحبة في وجه يسوع المسيح. وثانيًا أن هُناك علاقة كيانية بين
الآب والابن والروح القدس فيها محبة وحياة وتمجيد مُتبادل، يُريد الله دائمًا أن
يُشركنا في هذه العلاقة الأزليّة فكان تجسّد الكلمة الخطوة الأعمق لجذبنا داخل هذه
الشركة.
فهذا الإعلان هو تأكيد خلاّصيّ،
فلأن الله هو محبة، فهو يستطيع أن يكشف عن محبته وأن يفيض بذاته إلينا فيسكن فينا
ويملك علينا، ثُمَّ يُصعدنا معه إلى حيث العمق المغمور بعلاقة الحب المُتبادلة داخليّا
وكيانيًا في الله. وهذه الشركة هيَ كلّ ما يصبو إليه المسيحيّ، كما قال ق. مقآريوس:
إنّ كنز المسيحيّن هو الله.
(2) إلوهيّة كلّ من الأقانيم الثلاثة
(أ) إلوهيّة الآب
ليس من حاجة لتقديم آيات كتابيّة
كدليل على اعتراف الكتاب المُقدّس البديهيّ بألوهة الآب. لأنّ جميع من قَبِلوا هذا
الكتاب، بما فيهم الهراطقة، أقرّوا بدون جدال، بهذه الحقيقة. لذا، فمن بين الآيات
التي لا حصر لها، نكتفي هُنا بإيراد آيتين صغيرتين تُلخصان أبوة الآب للابن، كذلك
أبوته للمؤمنين وألوهته لجميع البشر بمن فيهم ابنه الإلهيّ المتجسد كابن للبشر ”مبارك أبو
رّبّنا يسوع المسيح..“ (أف1: 3). ”اذهبي إلى
أخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهيّ وإلهكم“ (يو20:
17).
(ب) إلوهيّة الابن
رأينا فيما سبق أن يسوع المسيح الابن الوحيد للآب وكلمته المتجسد، هو مركز
العهد الجديد كما كان مركز العهد القديم قبل أن يتجسد. إذ أنّ كلّ ظهور للثالوث
القدّوس وكلّ إعلان عن مشيئته تَمَّ به ”الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر“ (يو1: 18).
لذا فمن البديهيّ أنّ الشواهد التي
تؤكد ألوهيّته كثيرة للغاية وقاطعة، وإن التبست هذه الإلوهة على بعض الهراطقة بسبب
نسبة الكتاب المُقدّس إليه في بعض الأماكن صفات الطبيعة البشريّة المخلوقة التي
اتحد بها. في السطور الآتية نُقدِّم بعض هذه الشواهد.
(أ) الكلمة هو الابن الوحيد للآب
يتأسّس إعلان الثالوث القدّوس في
حياة يسوع، على علاقته بالله بأنّه أبيه، لا بما قاله وعمله فقط، بل هو إتجاه
كيانيّ كان يُحرك حياته كلها ويُشكِّل شخصيّته بالنسبة إلينا. فيسوع قد كشَف عن
الله كأب له بطريقة فريدة وغير قابلة للنقاش، بينما المؤمنون به يصيرون أبناءً
وبناتًا لله فقط من خلاله.
من خلال هذه البنوة الفريدة يكشف
الله عن نفسه كآب أزليّ له ابن يُشاركه السرمديّة والجوهر الإلوهيّ، ولهذا فعندما
يُعلن العهد الجديد هذا الإعلان المشروع والضروريّ عن أنّ المسيح هو ابن الله،
فإنّه يعني كلّ ما سبق مُجملًا في هذا اللقب.
إنّ إعلان العهد القديم الجازم
لبنوة الابن الحقّيقيّة ”الرّبّ قال لي أنت ابني أنا اليوم
ولدتك“ (مز2: 7)، ”من البطن
قبل كوكب الصبح أنا ولدتك“ (مز106: 13؛ إش9: 6). يلتقي مع إعلان
العهد الجديد لبنوة الابن ذاته الذي تجسد. والتي يقصد بها في العهد الجديد صدور
طبيعة الابن أزليّة عن طبيعة الآب ولهذا فهذه البنوة تختلف جوهريًّا عن تسمية
الملائكة أو البشر المؤمنين أحيانًا كأبناء لله (أي1: 6؛ لو3: 38، مز82: 6؛ 1يو3:
1).
ومن يقرأ الكتاب المُقدّس بموضوعيّة يظهر له سريعًا
الفرق الواضح بين البنوتين فمثلًا الرسالة إلى العبرانيّين وهيَ تؤكد إلوهة الابن
تنفي صفة البنوة الحقّيقيّة عن الملائكة ”لإنّه لمن
من الملائكة قط قال أنت ابني وأنا اليوم ولدتك“ (عب1: 5)،
كذلك تُظهر الرسالة إلى أفسّس أنّ بنوة القديسين لله هيَ مُجرّد تبني بيسوع المسيح
(أف1: 5)، بينما تؤكد جميع شهادات الكتاب المُقدّس بنوة الرّبّ يسوع الطبيعيّة
والفريدة لله الآب ”الروح القدس يأتي عليك وقدرة العلي تظلِّلُك، من أجل
ذلك فالقدوس الذي يولد منك يُدعى ابن الله“ (لو1:
35).
الآب يعترف ليسوع وحده من بين كلّ البشر
أثناء معموديته وتجليه أنّه ابنه الحبيب (مت3: 17؛ مر1: 19؛ متّى17: 5؛ لو9: 35).
المسيح ذاته يُجيب بالإيجاب على سؤال رئيس الكهنة ”استحلفك
بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله“ (مت26:
64)، وهو يعلم تمامًا أنّ قيافا يقصد من طلبه هذا أن يُسلِّمه إلى الموت بسبب
اعترافه ببنوة وضعيّة طبيعيّة وليست مجازيّة. كما أنّه لو كانت بنوة المسيح مجازيّة
لما كان سأل الأعمى أتؤمن بابن الله؟ ولما كان أكد له عندما سأله من هو يا سيد
لأومن به: ”قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو“ (يو9:
35-38).
القديس بطرس ينال مديح السيد ”طوبى لك
يا سمعان بن يونا. إنّ لحمًا ودمًا لم يعلنا لك لكنّ أبي الذي في السموات“ عندما
أجاب ”أنت هو المسيح ابن الله الحي“ (مت16:
15-17).
الإنجيليّ يوحنا يُشدّد وفي أكثر
من مناسبة على فرادة بنوة الابن حين يضيف إليها حصرًا كلمة ”الوحيد“ ”لإنّه
هكذا أحب الله والعالم حتّى يبذل ابنه الوحيد μονογενῆ لكي لا
يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة“ (يو3: 16،
18؛ انظر أيضًا: يو1: 14، 18؛ 1يو4: 9).
(ب) تأكيدات مشدّدة على حقيقة إلوهيته
- إله حقّيقيّ: ”ونحن في
الحقّ في ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحقّ والحياة الأبديّة“ (1يو5:
50).
- إله عظيم: ”منتظرين
الرجاء المبارك وظهور مجد إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح“ (تيطس2:
13).
- إله
حكيم: ”وملك الدهور الذي لا يفنى ولا يُرى الإله الحكيم وحده
له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور أمين“ (1تيمو1:
7).
- إله
مبارك: ”ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهًا مُباركًا
إلى الأبد“ (رو9: 5).
- هو الله
نفسه: ”في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان
الكلمة الله“ (يو1: 1)؛ ”لترعوا كنيسة الله التي اقتناها
بدمه“ (أع20: 28)؛ ”والحمل
يغلبهم لأنّه رّبّ الأرباب وملك الملوك“ (رؤ17:
14 قارن مع تث10: 17).
(ج) مساواة تامة مع الآب
لإنّه لم ينقض السبت فقط بل قال
أيضًا إنّ الله أبوه معادلًا نفسه بالله (يو5: 18).
إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة
أن يكون معادلًا لله (في2: 6).
-
أبي يعمل حتّى الآن وأنا أعمل (يو5: 33).
-
كل ما للآب هو لي (يو16: 15؛ 17: 10).
-
لإنّ مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك (يو5: 19).
- لكي يكرّم الجميع الابن كما يكرمون
الآب (يو5: 23).
(د) صفات وأعمال إلهيّة
- له حياة في ذاته: ”لإنّه كما
أنّ الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة في ذاته“ (يو5:
26).
- الأزليّة: ”الحقّ الحقّ
أقول لكم قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن“ (يو8:
58) قارن كلمة ”كائن“ هُنا مع كلمة الله لموسى حين تجلى
له في العليقة ”الكائن أرسلني إليكم“ (خر3:
13-14؛ مي5: 3) ”ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل“.
- السرمديّة: ”هي تبيد
وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير لكنّ أنت أنت وسنوك لن تفنى“ (عب1:
11-12)؛ ”وملك الدهور لا يفنى ولا يُرى الإله الحكيم وحده له
الكرامة والمجد إلى دهر الداهرين“ (1تي1: 17).
- الحضور في كلّ مكان: ”لم يصعد
أحد إلى السماء إلَّا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء“ (يو3:
13).
- الخلق والعناية الإلهيّة: ”وأنت يا
رّبّ في الأرض والسموات هيَ عمل يديك“ (عب1:
10)؛ ”فإنّ فيه خُلِق الكل ما في السموات وما على الأرض وما
لا يرى سواء أكان عروشًا أم سلاطين أم سيادات أم رئاسات الكل به وله قد خُلِق.
الذي هو قبل كلّ شيء وفيه يقوم الكل“ (كو1:
16-17).
- المعرفة التامة: ”أمّا يسوع
فلم يأتمنهم على نفسه لأنّه كان يعرفهم جميعًا ولم يكن مفتقرًا إلى شهادة أحد عن
الإنسان لأنّه هو نفسه كان عالمًا بما في الإنسان“ (يو2:
24-25)؛ ”والمسيح المذخّر به جميع كنوز الحكمة والعلم“ (كو2:
2-3؛ انظر: مت11: 27).
- السيادة الإلهيّة الكاملة،
السلطة التشريعيّة: ”قد سمعتم أنه قيل للقدّماء.. أمّا أنا فأقول لكم“ (مت21:
43). واضح أنّ الذي قال للقُدماء هو الله نفسه الذي أعطاهم الوصايا التي ذكرها
يسوع (خر20) لذلك فسلطة يسوع الذي يكمل هذه الوصايا مساويّة لسلطة الذي أعطاها.
- السلطة على مغفرة الخطايا: ”لكنّ لكي
تعلموا أنّ ابن البشر له سلطة على الأرض لكي يغفر الخطايا“ (لو5:
24).
- السيادة على الحياة والموت: ”لإنّه كما
أنّ الآب يُقيم الأموات ويحي كذلك الابن أيضًا يحي من يشاء“ (يو5:
21).
- الدينونة: ”لأن الآب
لا يدين أحدًا بل أعطى كلّ الدينونة للابن“ (يو5:
22).
(ج) إلوهيّة الروح القدس
تتوضح حقيقة شخصانيّة الروح القدس الإلهيّة بشكل قاطع في العهد الجديد،
فهو من جهة يحمل كلّ الصفات التي تميّز الأشخاص ”الأقانيم“،
ومن جهة أُخرى يحمل كلّ الصفات والأعمال التي تُميّز الله.
(أ) صفاته الإلهيّة
- يعزّي، يعلّم، يُذكِّر: ”وأمّا
المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كلّ شيء ويذكركم بكل ما
قلته لكم“ (يو14: 26).
- يرشد، يتكلم، يتنبأ: ”وأمّا متى
جاء ذاك روح الحقّ فهو يرشدكم إلى جميع الحقّ لأنّه لا يتكلم من نفسه بل كلّ ما
يسمع به يتكلم به ويخبركم بأمور آتية“ (يو16:
13).
- يشهد: ”ومتى جاء
المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد
لي“ (يو15: 26)؛ ”غير أنّ
الروح القدس يشهد في كلّ مدينة قائلًا: إنّ وثقًا وشدائد تنتظرني..“ (أع20:
23)؛ ”الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أنّنا أولاد الله“ (رو8:
16).
- يقيم أساقفة: ”احترزوا
إذًا لأنفسكم وعلى جميع الرعيّة التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة..“ (أع20:
28).
- يشفع: ”لكنّ الروح
نفسه يشفع فينا بأنّات لا يُنطق بها“ (رو8:
26).
(ب) أعماله الإلهيّة
- هو الله ذاته: ”لماذا ملأ
الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس أنت لم تكذب على الناس بل على الله“ (أع5:
3-4)؛ وفي الرسالة إلى أهل كورنثوس يقول القديس بولس: ”وأنواع
أعمال موجودة لكنّ الله واحد الذي يعمل الكلّ في الكلّ“ (1كو12:
6). ثُمَّ يعدّد هذه الأعمال ويختمها يقوله: ”لكنّ هذه
كلها يعملها الروح القدس بعينه قاسمًا لكل واحد كما يشاء“ (اكو12:
11) مما يدل على أنّ الروح القدس بنظر بولس هو الله.[11]
-
الحضور في كلّ مكان: ”وأنتم
فلستم بالجسد بل فيالروح إن كان روح الله ساكن فيكم“ (رو8: 9؛
11: 14)؛ ”أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي
فيكم الذي لكم من الله“ (اكو6: 19).
-
الولادة الروحيّة والخلق: ”إن كان
أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله“ (يو3: 5)؛
”روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني“ (أي3: 5)؛
”ترسل روحك فيخلقون وتجدّد وجه الأرض“ (103:
30).
-
المعرفة التامة: ”أما
المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كلّ شيء..“ (يو14:
26)؛ ”هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلَّا روح الله“ (1كو2:
11).
- الكرامة الإلهيّة التامة: ”الحقّ
أقول لكم أنّ جميع الخطايا تُغفر لبني البشر والتجاديف التي يجدفونها، لكنّ من
جدّف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد بل هو مستوجب دينونة أبديّة“ (مر1:
28-29؛ مت12: 31-32).
- القدرة على كلّ شيء: ”فإنّه
لواحد يعطى بالروح كلام حكمة والآخر كلام علم بحسب الروح الواحد.. ولآخر عمل قوات
ولآخر نبوة ولآخر تمييز الأرواح ولآخر أنواع ألسنة ولآخر ترجمة ألسنة. لكنّ هذه
كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء“ (1كو12:
8-11).
- السيادة على الحياة والموت: ”وإن كان
روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيّ
أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم“ (رو8:
44).
(3) وحدانيّة جوهر الأقانيم
الثلاثة
سرّ الله الأبعد عن الإدراك ليس في
التثليث بمقدار ما هو في وحدانيّة جوهر الأقانيم الثلاثة. الله واحد، وهذه الوحدة حقيقة
مطلقة لا تقبل انقسامًا أو انفصالًا. لذلك مع أنّ كلّ من الأقانيم الثلاثة هو إله حقّ،
إلَّا إنّه بسبب وحدة الجوهر التي ينتج عنها: وحدة الطبيعة، ووحدة الصفات، ووحدة
الإرادة، ووحدة الأعمال؛ فالأقانيم الثلاثة معًا هم إله واحد بكل معنى الكلمة.[12]
(أ) وحدانيّة جوهر الابن مع الآب
إنّ بنوة الابن الطبيعية للآب ليست
بمفهوم الكنيسة سوى وحدة الطبيعة الإلهيّة عند الآب والابن أو تماثل جوهريّهما ”نور من
نور، إله حقّ من إله حقّ“، وهو مفهوم الكتاب المُقدّس ذاته ”أنا والآب
واحد“ (يو10: 30)، ”الذي رآني
فقد رأى الآب“ (يو14: 9) هاتان الآيتان مع كثير غيرهما (راجع: يو5:
18؛ 10: 38؛ 14: 10-11؛ 16: 15؛ 17: 10... إلخ) نطق بها يسوع لإثبات وحدانيّة
جوهره مع الآب، وهيَ ذات معنى حقّيقيّ لا مجازيّ كما يدّعي البعض، والدليل أنّه
حين قال العبارة الأولى لم ينكر عليهم هذا التفسير بل ثبَّته إذ قال: ”إن كنت
لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي لكنّ إن كنت أعمل فإنّ لم تؤمنوا بي فآمنوا
بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أنّ الآب فيَّ وأنا فيه“ (يو10:
37-38).
إذًا، ما رأيناه أيضًا من تشديد
على إلوهة الابن في العهد الجديد لا يعني بالنتيجة سوى أنّ اللاهوت أو الجوهر ذاته
الذي للآب، وهو ما يتوضح كذلك من عبارات كتبها الرسل بمناسبات مختلفة عن الرّبّ يسوع:
”فإنّ فيه يحلّ كلّ ملء اللاهوت جسديًّا“ (كو2: 9)؛
”الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره“ (عب: 3)؛
”صورة الله غير المنظور“ (كو2: 5؛
في2: 6) الخ.
(ب) وحدانيّة جوهر الروح القدس مع الآب
إنّ ما ينطبق على الابن في علاقته
مع الآب ينطبق على الروح القدس في علاقته مع الآب ذاته. مع الفارق الجوهريّ الخاص
بالتمايز بين الأقانيم، وهو أنّ الابن يولد من الآب، بينما الروح القدس ينبثق منه
(يو16: 26) هذا ما تثبته بصورة خاصة العبارة التالية للرسول بولس: ”لأن مَنْ
مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلَّا روح الإنسان الذي فيه. هكذا أيضًا أمور الله
لا يعرفها أحد إلَّا روح الله“ (اكو2: 11)، والتي تشدّد على أنّ
الروح القدس وحده عنده معرفة كاملة عن الله بينما نجد في الأناجيل أنّه ”ليس أحد
يعرف الابن إلَّا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلَّا الابن“ (مت11:
27؛ لو10: 22؛ يو1: 18؛ 6: 46؛ 10: 15). إذًا فالروح القدس كالابن مساوٍ للآب أو عنده
الجوهر الإلهيّ الواحد، وخصوصًا أنّ كلمة ”روح الله“ نفسها
تدل على أنّه ليس من العدم بل هو من جوهر الله ومستقر فيه.
(ج) وحدانيّة جوهر الأقانيم الثلاثة معًا
نجد ذلك في إشارة الرسل إلى رؤيا إشعياء
النبي التي تحدثنا عنها سابقًا. إشعياء يسمي السيد الجالس على العرش رّبّ الجنود (إش6:
5) بينما يوحنا الإنجيليّ يعلن أن إشعياء قد رأى مجد الابن (يو12: 41) أمّا بولس
الرسول فيقول إنّ من كلّم إشعياء النبي كان الروح القدس (أع28: 25) هذا كله لا
يمكن تفسيره إلَّا بأن من رآه إشعياء كان مجد الإله الواحد المثلث الأقانيم.
كما أنّ عبارة ”اذهبوا
وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس“ (مت28:
19) والتي أشرنا إليها سابقًا تبرز أيضًا حقيقة الجوهر الإلهيّ الواحد، لأنّ الرّبّ
يسوع عندما ذكر الأقانيم الثلاثة المتميّزين فيما بينهم لم يقل عمدوهم بأسماء الآب
والابن والروح القدس كثلاثة آلهة منفصلين بل استعمل تعبير باسم أي بقوة أو سلطان
الله الوحيد الثلاثيّ الأقانيم الذي عنده الطبيعة الإلهيّة الواحدة.
(د) وحدانيّة قوى وأعمال الأقانيم الثلاثة
إنّ ما يؤكد كذلك وحدانيّة جوهر
الأقانيم الثلاثة، هو الإعلان الإلهيّ لوحدة قوى وأعمال هذا الجوهر الواحد وهو ما
يُلخِّصه بولس الرسول بقوله ”فأنواع مواهب موجودة لكنّ الروح
واحد وأنواع خدم موجودة لكنّ الرّبّ واحد وأنواع أعمال موجودة لكنّ الله واحد الذي
يعمل الكلّ في الكلّ“ (1كو12: 4: 6).
[1] Ser. De Scrip. 52.
[2] Ser. On N.T. Lessons
2: 2.
[3] حوار حول الثالوث – الحوار الثالث.
[4] Athanas., To Serapion, II. 5.
[5] John Chrysostom,
“Homilies of St. John Chrysostom, Archbishop of Constantinople, on the Second
Epistle of St. Paul the Apostle to the Corinthians”, trans. J. Ashworth and
Talbot B. Chambers In , in The Nicene
and Post-Nicene Fathers, Vol. XII (Oak Harbor: Logos Research Systems,
1997), 419.
[6] Rudolf Bultmann, The Johannine Epistles (trans. R.
Philip O’Hara with Lane C. McGaughy and Robert W. Funk; ed. Robert W. Funk;
Hermeneia; Philadelphia: Fortress, 1973); ET of Die drei Johannesbriefe (KEK 14; 2d ed.;
Göttingen: Vandenhoeck & Ruprecht, 1969).
[7] Nestle-Aland Greek New
Testament, 27th Edition with McReynolds English Interlinear.
[8] Thus Walter Thiele, “Untersuchungen zu den altlateinischen
Texten der drei Johannesbriefe” (diss., Tübingen, 1956)
[9] وحدة الكنيسة، 6.
[10] Bruce Manning Metzger
and United Bible Societies, A Textual Commentary on the Greek New Testament,
Second Edition a Companion Volume to the United Bible Societies' Greek New
Testament (4th Rev. Ed.) (London; New York: United Bible Societies, 1994), 647.
[11]انظر
أيضًا: العدّد 28 من نفس الإصحاح.
[12] ولا يغيب عنّا أنّ وحدانيّة
الله ليست وحدانيّة عدّدية، ولا هيَ وحدانيّة صنميّة، بل هيَ وحدانيّة الشركة،
وحدانيّة التوجُّه والمحبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق