الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

مختصر تاريخ الكنيسة، القرن الرابع، الرهبنة (1- مصادرها وأسباب انتشارها)

  


مصادر التاريخ الرهباني

1- هستوريا موناخرم، عمل بيقدم سير للرهبان وتعاليمهم في شكل رحلة لسبع رهبان إلى صحراء مصر، وغير معروف على وجه الدقة كاتب العمل ده، وهناك شك ما بين روفينوس وجيروم.

2- سير بعض آباء الرهبنة، ودي اللي كتبها عنهم تلاميذهم زي سيرة أنطونيوس لأثناسيوس، أو المعجبين بحياتهم زي سيرة أنبا بولا لجيروم.

3- التاريخ اللوزياكي لبيلاديوس، وهو من أهم المصادر عن التاريخ الرهباني لإن الكاتب كان على معرفة شخصية بالناس اللي كتب عنهم.

4- كتابات خاصة بالسلوكيات والعادات الرهبانية زي كتابات افجاريوس البنطي، ويوحنا كاسيان، ودي بترجع أهميتها لإنها بتعرفنا على النمط الرهباني وتطوره عبر العصور.

 5- تعاليم الآباء الرهبان، في نظر العامة الناسك المتوحد له توقير خاص. آباء الصحراء في مصر في النصف الثاني من القرن الرابع كانت الجموع تخرج لزيارتهم باستمرار ويسألونهم السؤال المعتاد: قل لي كلمة منفعة يا أبي بها أخلص. وإجاباتهم سجلت وجمعت في فردوس الآباء Apophthegms of the Fathers. وصار من البديهي أن تكون كلمات من يقطن الصحراء بالقرب من الله موحى بها. (هنري شادويك الكنيسة الأولى)

ما هي أهمية دراسة تاريخ الرهبنة؟

- التقليد الشرقي مش بيميز أبدًا بين عقيدة الكنيسة واللاهوت النظري من جهة، والخبرة الشخصية والأخلاقية من جهة أخرى. بيوضح ده في مقولة لاهوتي أرثوذكسي من القرن اللي فات اسمه فيلاريت أسقف موسكو، بيقول: "ما من سر من أسرار حكمة الله الخفية ينبغي أن يبدو لنا غريبًا أو متساميًا بالكلية، بل علينا، بكل تواضع، أن نُكيف ذهننا على تأمل الإلهيات". أو بمعنى تاني، إن الأسرار الإلهية واللاهوت هي حقيقة بنتعلمها على أنها سرّ، إلى أن تتجلى في واقع حياتنا المُعاش. فاللاهوت والتصوف مش متعارضين، إنما متكاملين ولاغنى لأحدهم عن الآخر.

- علشان كده بنلاقي الكنيسة اعطت لقب لاهوتي لإثنين فقط في كلّ تاريخها، هما ق. يوحنا الإنجيلي اللاهوتي، والقديس غريغوريوس النيزينزي، والإثنين بيتميز منهجهم بالتصوف. وبتضيف ليهم الكنيسة اليونانية سمعان اللاهوتي الحديث، وهو أيضًا كان راهب متصوف. فالصوفية في الفكر المسيحي هي كمال كلّ لاهوت وقمته.

- الفكر المسيحي كمان بيختلف عن الفكر الغنوسي، لإن المنهج الغنوسي بينشد المعرفة في ذاتها، وبيضع الخلاص في الوصول للمعرفة، وحتى المسيح في الفكر الغنوسي هو المُخلص لإنه أتى بالمعرفة الكاملة.. أما في المسيحية، فالمعرفة هي عامل في خدمة غاية أسمى ونهائية، وهي الإتحاد بالله، أو اللي بيسميه الآباء اليونان الثيئوسيس أو التأله.

- المفهوم ده، اللي هو الإتحاد بالله أو الثيئوسيس أو التأله، هو اللي دافعت عنه الكنيسة على مر عصورها ضد الهرطقات، فالكنيسة حاربت الغنوسية لإنها بترفض تكوين علاقة شركة بين الإنسان والله، وحاربت الآريوسية لإنها بتقول إننا إتحدنا بمخلوق متأله مش الله الحقيقي، وحاربت النسطورية لإنها بترفض الشركة الحقيقية مع الله، وبتقول إننا متحدناش بالله، لإن المسيح نفسه متحدش بالله، إنما كان الله بيحل فيه حلول مؤقت، مش حلول جوهري وحقيقي.

- الصراعات الكنسية كان الرهبان عامل قوي جدًا فيها، مثل الأنبا أنطونيوس في مرحلة الصراع الآريوسي عندما نزل إلى الأسكندرية في غياب الأسقف أثناسيوس ليشدد من عزم الشعب- في عصر الأنبا شنودة رئيس المتوحدين قام الرهبان بهدم كتير من المعابد الوثنية- الصراع حول أوريجينوس والصراع بين الإخوة الطوال وروفينوس وجيروم وغيرهم- الصراع حول شخص المسيح وتدخل الرهبان بلا نوم مثلًا.

لأجل كلّ ما قيل فهناك أهمية كبيرة للتعرف على تاريخ الروحانية المسيحية، أو تاريخ الرهبنة، إذ كيف يُمكننا أن نتعلم طريق حياة الكمال المسيحية، تلك الحياة المماثلة لعقيدتها النظرية، دون النظر إلى "مُعلمي الحياة الروحية" كما يدعوهم اللاهوتي الأرثوذكسي فلاديمير لوسكي.

أسباب انتشار الحركة النسكية في العالم المسيحي منذ القرن الأول

1- يجب أن نعترف أن أحد الأسباب التي أدت إلى أزدياد أعداد النُسّاك كانت حالات الإضطهاد المريرة التي مرت بها الكنيسة الأولى من الرومان واليهود على السواء، فهرب بعض الناس إلى الصحاري والبراري كي يستطيعون من التعبد لإلههم في هدوء وسكينة بعيدًا عن اضطرابات العالم.

بيكتب هنري شادويك عن الفترة دي وبيقول:

"الانعزال عن الجمال الباطل كان أيسر على من يتوقعون قرب نهاية العالم ممن يظنون أن الزمن مستمر وممن لهم من المتاع ما يورِّثونه لأطفالهم. عارض القديس بولس امتناع أهل كورنثوس عن الزواج اعتمادًا على فكرة ثنائية المادة والروح الغنوسية. لكن على أساس أن الوقت مقصر سمح لمن لهم زوجات أن يسلكوا كمن ليس لهم. وعندما بات واضحًا أن الوقت ليس مقصرًا بالدرجة التي كان يظنها الرسول، إلا أن مشاعر الشهيد ظلت حية في القلوب نتيجة عدم استقرار الحياة تحت نير الاضطهادات وإدراك أن الصلاح الحقيقي ليس موجود في متع هذا العالم. (هنري شادويك، الكنيسة الأولى)"

2- الإتجاه الإسخاتولوجي للكنيسة الأولى، فمن المعروف إن الكنيسة الولى كانت تؤمن بمجئ الرب خلال الجيل الذي يحيون فيه، وأنهم سوف يشاهدون الرب بأعينهم قادمًا على السحاب، وعلى ذلك فكان الترك الفعلي لحياة العالم أمرًا طبيعيًا.

3- النصوص الإنجيلية الكثيرة التي يزخر بها العهد الجديد.

ليست هناك تعليقات: