كان من غير المُعتاد أن تُذكر اسماء النساء في سلسلة النسب. لكن متى يُسمي
خمسً منهن: 1- ثامار كانت إمرأة كنعانية تظاهرت بأنها زانية لتصل على نسل من يهوذا
(تك38: 13- 30). 2- راحاب كانت أممية وزانية (يش2: 1). 3- راعوث كانت إمرأة مؤابية
وعابدة اوثان (را1: 3). 4- بثشبع زوجة أوريا والتي زنت مع داود (2صم11). 5- مريم
بنت هالي ام يسوع[1].
قد
جاء المسيح لا ليتظاهر بأنه من سلالة عظماء بل من بشر خطائون، فقد كتب متى نسب
المسيا حسب الجسد رابطًا إياه من جهة بالموعودين ان يأتي من نسلهم المسيا، ومن جهة
أُخري من بشر أخطأوا ونظر إليهم المجتمع نظرة إذدراء، وإن كانوا قدموا توبة فيما
بعد.
فالمسيح
جاء ليكشف أن طبيعتنا التي أخطأت وسقطت، ودارت وتعثّرت في الشهوات غير
اللائقة، هي التي جاء المسيح لعلاجها، حتى أنها عندما هربت ضُبطت، وعندما اندفعت
وفي ثورتها أسرعت في الابتعاد أمسكها وأوقفها، وأتى بها وقادها إلى الطريق"،
"المسيح إذن وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجّست لكي يطهّرها؛ هذه التي
مرضت لكي يشفيها؛ هذه التي سقطت لكي يقيمها، وكان ذلك، كما قال ق.ساويرس الانطاكي[2].
ويكتب جيروم:
لم يذكر في ميلاد المسيح ونسبه اسم قدّيسة، بل ذكر من شَجَبهنّ الكتاب،
وهو يريد القول بأن من جاء من أجل الخطاة وُلد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع[3].
ويكتب العلامة اوريجينوس:
جاء ربنا ومُخلصنا لهذه الغاية، ليحمل على عاتقه خطايا البشر. فالله (لم
يعرف خطيئة، لكنه صار خطيئة لأجلنا.. 2كو5: 21)، لهذا السبب جاء إلى العالم وأتخذ
صورة الأثمة والفاسدين. شاء ان يولد من نسب سليمان الذي دونت خطاياه، ومن رحبعام
الذي عُرِفَت أثامه، ومن كثيرين غيرهم ممن خطئوا امام عيني الرب[4].
وهكذا فإن الرب لا يستحي من ان يولد من نسل بشر
خطائون، وإن كان أختار ان يولد من نسل بشري فكل البشر خطائون، وهذا ما أتي الله
لأجله، لإنه لا يمسه نجاسة من خطايا البشر ولا تؤثر عليه، بل تذوب أمامه ليحل
محلها بر الله الذي ثبته يسوع فينا كختم بميلاده.
فالقديس متى هُنا كلاهوتي
لا كمؤرخ، يكتب عن قصد هؤلاء النساء خصيصًا في سلسلة نسب السيد المسيح، لكي يُبرز
دور المسيح الذي جاء لترتقي به البشرية من حالتها الساقطة إلى البنوة لله.
وهُنا أيضًا نجد أن القديس متى يشير
إلى موقف الإستضعاف لاولئك النساء اللائي يحميهن الله ببركته، وقد وضع المرأة في
خطة الخلاص الإلهي معارضًا بذلك كل ما هو مُتبع في ذكر سلاسل الانساب اليهودية في
عصره، إذ كان ذكر إسم النساء في سلاسل الانساب امر غير إعتيادي.
وإذا دققنا في هؤلاء النسوة نجد
الأتي:
1- ثامار عرضت نفسها لمخالفة الناموس وإدراء
المجتمع بل والرجم مقابل أن تعطي نسلًا لإسرائيل، وهُنا تظهر الرابطة بينها وبين
مريم ام يسوع حيث كانت مثارًا للشك عند يوسف وعرضت نفسها للخطر حتّى يأتي المسيا
إلى العالم[5].
2- راحاب وهي زانية أريحا، التي تابت وأنضمت
إلى شعب الله هي وأُسرتها، قد قُدمت في التقاليد اليهودية بحفاوة كبيرة، ففي كتاب mekhilta يقول: سوف يجعلونها إنسانة متهودة. وفي كتاب sifre يقول: ثمانية من الكهنة ومثلهم من الانبياء يكونون من نسلها[6]. وفي كتاب berakot جاء: إنها نموذج الإيمان[7]. كما فعل ايضًا يوسيفوس (تاريخ اليهود، مجلد 2). وهذا ايضًا ما نجد صداه
في العهد الجديد (أنظُر: يع2: 25، عب 11: 31). فهي بذلك مثال لدخول الأُمم في
الإيمان الذي بيسوع المسيح.
3- راعوث المؤابية هي جدة داود وبحسب مدراش
التكوين الربي فإنه من نسلها يأتي المسيا[8].
4- بثشبع والتي ذكرها متى هُنا بتعبير (التي
لأُوريا)، وكأنه يُريد أن يُذكر اليهود أنها زوجة داود وأم سليمان الملك وهي إمرأة
خاطئة، وكانت زوجة رجلٍ من الأمم.
5- كانت كلٍ من ثامار وراحاب كنعانية، وراعوث
مؤابية، وهذا يُذكرنا أيضًا أن المسيح قد جاء ليجمع اليهود والأمم في شخصه لأنهُ
يُخلص الجميع وملك الجميع.
وهكذا يورد متى سلسلة النسب هذه
مُظهرًا ان مجئ المسيا الملك ليس على حساب إستحقاقات بشرية بل بمقتضي نعمته جاء
لاجل الخطأة ليبررهم بذاته، وهو الله الذي لا يُمكن أن يتنجس بخطاياهم، فهذه هي
الغاية المجيدة من مجيئة له المجد، إذ جاء لكي يُطالب بأحقيته في إسترداد خليقته
ورعيته ذكورًا وإناث، فكلاهما لهما مكانتهما وكرامتهما متساوية لديه، كما جاء
ليُنجي ويُنقذ ويُعيد تشكيل ما قد هلك منهم (لو19: 10).
[1]
John MacArthur, The MacArthur Study Bible : New American Standard Bible.
(2006), Mt 1:3.
[2]
Cathedral Sermons, Homily 94.
[3]
In Matt. 1:3.
[4]
Homilies on the Gospel of Luke 28.2
[5] Les genealogies de jesus en matthieu luc. Pp.
56- 58
[6] See: the Babylonian Gemara, Megill. fol. 14. 2.
[7] F. youga, lepitre de saint Jacques. Geneve,
labor et fides, p. 90.
[8]
D’apres ch. Perrot. Les recits de l’enfance de jesus. Matthieu 1:2
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق