السبت، 26 أغسطس 2023

شرح الآية: أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً

 


(يوحنا 5: 30) : "أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي".

في هذا الأصحاح بالكامل نجد الابن يعلن في أكثر من موضع مساواته الكاملة للآب:

سواء في العمل: "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ" (يو5: 17).

أو في الطبيعة: "قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ" (يو5: 18).

أو في المشيئة: " لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ" (يو5: 21).

أو من جهة السلطة "أَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ" (يو5: 22).

أو من جهة الكرامة والعبادة: "لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ" (يو5: 23).

أو من جهة الوجود الذاتي والحياة الذاتية: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ" (يو5: 26).

وفي هذا النص أيضًا (يو5: 30)، يكمل المسيح ما قاله في النصوص السابقة له، فهو يوضح أنه الوكيل لأعمال الله، وهو ابن الإنسان، وهو في حال تجسده، لازال وكيلًا لأعمال الله، وفي المفهوم اليهودي فإن وكيل الشخص هو الشخص نفسه، وليس مختلفًا عنه، لإنه يملك كلّ سلطاته واختصاصاته.[1]

فلإن الابن هو من ذات الله، ومن نفس جوهر الآب، فإنه يملك بطبيعته كلّ ما للآب الذي هو منه، وفي الأساس يرتفع إلى إلوهية واحدة معه بسبب وحدانية الطبيعة، لإنه في الآب وكذلك الآب فيه، لذا، عندما ينسب بحق وجزم قوة أعماله إلى الآب، فإنّه يفعل ذلك دون أن يستثني ذاته منها، بل ينسب كل شيء للإلوهة الواحدة. [2]

وكما ترى أخي الحبيب من النصوص التي ذكرناها هُنا، والتي أريد أن تعود لتقرأها بهدوء وعمق؛ فإنّ مشيئة الابن هي ذاتها مشيئة الآب، فما يريده الابن يريده الآب كذلك، ولا أحد يقدر أن يقاوم دينونة المسيح العادلة، بحسب قوله، لإنها صادرة عن عقل واحد، عقل الله (الثالوث).[3] لإن للثالوث مشيئة واحدة وجلالة واحدة وقوة واحدة.[4]

فهذا، ليس تحديدًا لسلطان الابن، ولا لقدرته، ولا لطبيعته، ولكن هو حسم لقضية الثنائية، فالله واحد، وهو واحد من جهة ثالوثه، واحد في المشيئة والإرادة والعمل والقوة والقدرة والسلطان، وكأن له عقل واحد وفم واحد وأذن واحدة.. والمسيح يستطيع كل شيء، إلَّا شيئًا واحدًا، لا يستطيعه، هو أن يكون غير الله إرادة وعملًا! يستحيل أن يعمل عملًا خارجًا عن إرادة الله وعمله، كيف هذا وهو الله بملئه حالٌ فيه في الجسد![5]

والجدير بالذكر هُنا أن الابن يستطيع، في أيام تجسُّدِه، أن يرى الآب ويُميِّز ما يُريده الآب، وما هي مشيئته، وهذا على عكس المدارس الخاصة بيسوع التاريخ المعاصرة، التي يرى بعض دارسيها أن الابن لم يكن يعلم ماهيته، إن كان ابن الله أم لا، وذلك في أيام تجسده لإنه أخلى نفسه.. وهذا مفهوم خاطيء بناء على كل ما تقدم.[6]

 



[1] Craig S. Keener and InterVarsity Press, The IVP Bible Background Commentary: New Testament (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 1993). Jn 5:30.

[2] كيرلس الإسكندري (القديس)، تفسير إنجيل يوحنا 2: 9.

[3] يوحنا ذهبي الفم (القديس)، مواعظ على إنجيل يوحنا، 39: 4.

[4] أغسطينوس (القديس)، مواعظ على إنجيل يوحنا، 22: 15.

[5] متى المسكين (الأب)، شرح إنجيل القديس يوحنا، الجزء الأوَّل (دير أنبا مقار: 1990)، ص 348.

[6] Crossway Bibles, The ESV Study Bible (Wheaton, IL: Crossway Bibles, 2008). 2031.

ليست هناك تعليقات: