في بشارة الملاك جبرائيل للعذراء بميلاد المخلِّص ”يسوع“، أشار إلى أنه يكون عظيماً: «وابن العليّ يُدعى... ولا يكون لمُلْكه نهاية»، وقال لها: إن «القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله» (لو 1: 35،33،32).
وقبل أن يبدأ الرب كرازته، كَشَفَ للبشر
ساعة معموديته جانباً من طبيعة الله، إذ انفتحت السموات وظهر روح الله مثل حمامة
نازلاً وآتياً عليه وسُمِعَ صوت الآب قائلاً: «هذا هو
ابني الحبيب الذي به سُررتُ» (مت 3: 17، مر 1: 11).
وفي أحاديثه لتلاميذه بعد بدء خدمته
(وهو يذيع أسرار ملكوت الله التي يعرفها - مت 13: 1)، أشار الرب كثيراً إلى حقيقة
أنه الرب ابن الله وأنه واحد مع أبيه، كما يتضح من الاقتباسات التالية:
1. فهو الرب
الذي تُوجَّه إليه الطلبات والذي سيقف أمامه الكل في اليوم الأخير:
«ليس كل مَن يقول لي يا رب يا رب يدخل
ملكوت السموات» (مت 7: 21-23)، «كثيرون سيقولون لي في
ذلك اليوم: يا رب يا رب... فحينئذ أُصرِّح لهم: إني لم أعرفكم قط» (مت
7: 23،22)، «فرجع السبعون بفرح قائلين: يا رب حتى
الشياطين تخضع لنا باسمك» (لو 10: 17)، «فيُجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب متى رأيناك» (مت 25: 44،37).
2. وهو ”ابن
الله الوحيد“ (من حديثه إلى نيقوديموس - يو 3: 18،16) الذي به عرفنا
الآب: «ليس أحد يعرف مَن هو الابن إلاَّ الآب، ولا
مَن هو الآب إلاَّ الابن، ومن أراد الابن أن يُعلِن له» (لو 10: 22).
ومن هنا فهو يشير إلى الآب بـ ”أبي“ و«أبي الذي في السموات» (مت 7: 21؛ 10: 33،32؛ 16:
17؛ لو 2: 49)، ويناديه: ”يا أبتاه“ (مت
26: 42،39؛ لو 23: 34)، و”أبّا الآب“ (مر
14: 36)، ويقول عن الملكوت: «ملكوت أبي» (مت
26: 29).
3. وهو يُصدِّق على شهادة بطرس: «أنت هو المسيح ابن الله الحي» (مت 16: 16؛ مر 8:
29؛ لو 9: 20)، مؤكِّداً أنها إلهام الآب السماوي وليست كلمات من الشفاه (مت 16:
17). كما أمَّن على كلام رئيس الكهنة الذي كان يستجوبه إن كان حقاً يقول إنه «المسيح ابن الله» (مت 26: 64،63؛ 27: 43؛ لو 22:
70)، وإنه «المسيح ابن المبارك» (مر 14:
61). وحتى الشياطين التي كان يُخرجها مِمَّن تسلَّطت عليهم كانت «تصرخ وتقول: أنت المسيح ابن الله»، فكان ينتهرهم ولا يدعهم
يتكلَّمون بعد أن عرفوه (كي لا يتعارض إعلانهم مع التدبير والأزمنة والأوقات التي
جعلها الآب في سلطانه) (لو 4: 41).
4. وقد أوضح الرب أن بنوَّته للآب تعني
وحدته معه ومساواته له في الجوهر، أي أن ”ابن الله“ لم
يكن لقباً شرفياً لا يُعتدُّ به، وهذا ما فهمه رئيس الكهنة وقت المحاكمة وما
اعتبره تجديفاً يستحق عليه الموت (مت 26: 66،65). وبالطبع، لو كان في الأمر شُبهة
ادِّعاء لَمَا مضى الرب فيه إلى نهاية الشوط ويذوق من أجله موت الصليب. وقد
تهدَّدت حياة الرب من قبل أكثر من مرة لنفس السبب، فبعد شفاء مريض بركة بيت حسدا
وما ذكره الرب: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل»، يذكر
الكتاب: «فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط،
بل قال أيضاً إن الله أبوه معادِلاً نفسه بالله»
(يو 5: 18،17). كما حدث عندما أشار الرب إلى أنه كائن قبل أن يكون أبو الآباء
إبراهيم، أن اليهود «رفعوا حجارة ليرجموه» (يو 8: 59،58). وفي عيد التجديد وكان
الرب يتمشَّى في الهيكل في رواق سليمان، وفي ردِّه على تساؤلات اليهود وشكوكهم ختم
كلماته بما أثارهم عند قوله: «أنا والآب واحد» (يو
10: 30)، فتناولوا حجارة ليرجموه متهمين إيَّاه بالتجديف: «فإنك وأنت إنسان تجعل
نفسك إلهاً» (يو 10: 33)، ولكن الرب ردَّ عليهم قائلاً: «إن كنتُ أعمل أعمال أبي، فإن لم تؤمنوا فآمنوا
بالأعمال لكي تعرفوا أن الآب فيَّ وأنا فيه»
(يو 10: 38،37)، وهو ما كرره في حديثه الأخير لتلاميذه ليلة آلامه قائلاً
لفيلبُّس: «الذي رآني فقد رأى الآب... ألست
تؤمن أني أنا في الآب والآب فيَّ. صدِّقوني أني في
الآب والآب فيَّ، وإلاَّ فصدِّقوني لسبب الأعمال نفسها» (يو 14: 9-11).
5. وقد ذكر الرب صراحةً أن كل ما للآب
هو للابن: «كل ما هو للآب هو لي» (يو 16:
26،15) (وقال في صلاته الشفاعية للآب: «كل ما هو لي
فهو لك، وما هو لك فهو لي» - يو 17: 10)، وأن الابن يعمل كل ما يعمله
الآب (يو 5: 19-21) (ولكن لأن الابن هو الذي كان به الخلاص فصارت الدينونة له وحده
- يو 5: 30،29،22).
6. والرب يؤكِّد أن الآب الذي أرسله هو
دوماً معه: «ولم يتركني الآب وحدي... وأنا لستُ وحدي
لأن الآب معي» (يو 8: 29؛ 16: 32).
7. والرب يذكر أنه الطريق إلى الآب: «أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ
بي» (يو 14: 6)، كما أن أحداً لا يقدر أن يُقبِل إلى الابن إن لم
يجتذبه الآب (يو 6: 44)، ولأنه والآب واحد فهو مع الآب يضمن خلاص المؤمنين خاصته:
«خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أُعطيها
حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي
أعطاني إيَّاها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن
يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد» (يو 10: 27-30).
8. مع هذا فإن الرب مرة واحدة أراد أن
يُظهِر كيف أنه قد أخلى نفسه تماماً، وأن ظهوره في الجسد يخفي مجده الحقيقي، وهو
ما أشار إليه في صلاته الأخيرة طالباً من الآب أن يُمجِّده في صليبه وموته: «والآن مجِّدني... بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم» (يو
17: 5). ومن هنا فقد بيَّن لتلاميذه في حديثه الأخير لهم ليلة آلامه أنه ينبغي أن
يفرحوا لصعوده إلى السماء عائداً إلى مجده ومجد أبيه الذي هو أعظم بما لا يُقاس
مما كان عليه في الجسد (إلاَّ في مواقف بعينها أظهر فيها مجده المُخْفَى): «لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلتُ أمضي إلى الآب لأن أبي
أعظم مني (وأن مجدي الحقيقي أعظم مما ترون، وهو ما أخفيته كي أكون
عبداً طائعاً وابناً للإنسان شريكاً له في آلامه وتجاربه وحتى الموت)» (يو 14:
28).
ــــــــــــــــــــــــــ
عن مقال بمجلة مرقس للدكتور جميل نجيب سليمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق