الجمعة، 25 أكتوبر 2024

أبوكريفا العهد الجديد -5- الأناجيل الغنوسية

 


الأناجيل الأبوكريفية

 

يبلغ عدد هذه الأناجيل، نحو خمسين،[1] ولكن لا يوجد في الكثير منها سوى أجزاء صغيرة أو شذرات مُتفرِّقة، ويوجد البعض منها مكتملًا أو ما يشبه ذلك. ولعل عددها قد تضخم نتيجة إطلاق أسماء مختلفة على المؤلف الواحد.

فالكثير منها لا نعرف عنه سوى عناوينها مثل: إنجيل الباسليديين، وإنجيل كيرنثوس وإنجيل أبولس، وإنجيل متياس، وإنجيل برنابا (غير الإنجيل المزيف والموجود حاليًا)، وإنجيل برثلماوس، وإنجيل حواء، وإنجيل فليمون، وكثير غيرها.

وفي مقدمة وستكوت لدراسة الأناجيل، باستثناء المكتشفة حديثًا في مصر (مخطوطات نجع حمادي)، نجد جدولًا كاملًا - باستثناء ما اكتشف في مصر مؤخرًا - بالأقوال والأفعال التي لم تدون في الأسفار القانونية، والمنسوبة لربنا في كتابات العصور الأولى، وكذلك بيانًا بالاقتباسات من الأناجيل غير القانونية والتي لا نعلم عنها شيئًا سوى هذه الاقتباسات.

 

الأناجيل الغنوسية

 

تعرف عدد من اناجيل الأبوكريفا باسم “الأناجيل الغنوسية”، أو الأناجيل التى بها على الأقل اتجاهات غنوسية. كان الغنوسيون عبارة عن مجموعة من المسيحيين الزائفين الذين يعرفون على أن لديهم (1) التزام بثنائية راديكالية مضادة للكون والتى فيها يكون كل ماهو مادة- سواء العالم أو الجسد – يرى على أنه شر.”(2) نظرة للروحانية ساوت بين المعرفة – خاصة المعرفة السري – والخلاص.

ويبدو أن الغنوسية قد تأثرت بالهرطقة التى كانت تعلّم أن يسوع كان إلهًا ولكنه ليس إنسانًأ. لكن أكبر مشكلة في تعريف الغنوسية تتعلق بتاريخ المادة: فكلما كانت المادة أقدم كلما قلّ فيها ما يطلق عليه “السمات المميزة.” ومع ذلك فإن الزهد (إنكار الذات إلى أقصى حد وأسلوب الحياة المتقشف)، وثنائية المادة والروح، والتركيز على المعرفة السرية على أنها الطريق للخلاص، كل هذه الأمور كانت جزءًا من الغنوسية منذ البداية.

وفى نفس الوقت، قد لا يكون هُناك مبرر لتصنيف إنجيل معين على أنه غنوسى،  لكن بغض النظر عن الاسم الذي نطلقه عليها، فإن انحرافها عن التعليم المستقيم، وتاريخها المتأخر وعدم قبولها في الكنيسة القديمة جعلتها جميعًا غير صالحة لكى تدمج ضمن الأسفار القانونية. ولا زال بعض العلماء اليوم يشيرون إلى هذه المجموعة من أناجيل الأبوكريفا على أنها غنوسية، بينما يعارض البعض هذا المصطلح من كل جهة. وهكذا فإننا سنشير إلى أناجيل الأبوكريفا، التى يشك في تعريفها، بمصطلح “الأناجيل الغنوسية” في استشهاداتنا.

بالرغم من أن الغنوسيين أنفسهم دعوا معظم كتاباتهم “أناجيل” وألّفوها نوعًا ما على أنها مقابلة أو مناقضة للأناجيل القانونية لمعارضيهم في الكنيسة العظيمة، إلَّا أنّ أناجيل الأبوكريفا هذه غير سرية في أسلوبها بصورة ملحوظة. إنَّ السبب الأساسى في افتقار الأناجيل “الغنوسية” للسرد هو أن لديها اهتمام قليل ببشرية المسيح. فنظرتها للروح على أنها خير وللمادة على أنها شر تعنى أن ما يمكنهم أن يقتطفوه من حياة يسوع هو كلماته أكثر منها أفعاله.

وحتى الآن فإنَّ أكثر الأناجيل “الغوسية” سوءًا للسمعة هو أنجيل توما. فبالرغم من الأشارة إليه في كتابات آباء الكنيسة، إلَّا أنّه لم يعرف بوجود نسخة من إنجيل توما في نجع حمادي باللغة القبطية، رغم أنّها ربما كانت مبنية على نص يونانى أقدم. ويرجع معظم العلماء النسخة الأصلية من إنجيل توما إلى حوالى منتصف القرن الثانى.

ربما يمكن وصف إنجيل توما بأفضل صورة على أنه “نصف غنوسي" أكثر منه غنوسي بالكامل في تعاليمه. لكن على الرغم من أن الكثير من الأقوال بها اتجاه غنوسى، إلا أن الروحانية العملية التي يعلّمها ليست تلك التي لا يمكن الدفاع عنها في المسيحية عامة.

أما الأناجيل الأخرى مثل أناجيل فيلبس ومريم وبطرس والمصريين، فهى أيضًا غنوسية أو تشبه الغنوسية، لكن لم يكتب أي منها قبل القرن الثانى. إلا أن اتجاه هذه الأناجيل نحو التقشّف والزهد قد أنتج اشمئزازًا من الزواج والعلاقة الجنسيّة الحميمة وإنجاب الأطفال. في مثل هذه الوثائق، تمّ رفع شأن مريم وسالومى ونساء أخريات كتلاميذ ليسوع. (لم تكن مريم فقط هي الأنثى الرائدة في التلاميذ في هذه الأناجيل). ففى إنجيل المصريين، تنال سالومى المكانة الأعلى.

فلماذا تم تصوير هؤلاء النسوة بتلك المكانة البارزة في هذه الأناجيل؟

لم يتم رفع شأنهن بسبب علاقتهم الحميمة بيسوع – خاصة العلاقة الجنسية – كما يزعم براون[2] وآخرون – ولكنهن نلن تلك المكانة لأنهن كنساء كنّ نموذجًا للرجال في تمثيل معنى العزوبية والتقشُّف كتلاميذ. نفس تلك الأناجيل التي شجّعت الامتناع عن الزواج، كان من الصعب أن تُعزّز فكرة العلاقة الجنسية الحميمة بين يسوع وأيّة امرأة.

لفترة زمنية معينة، تم اعتبار عدد قليل من أناجيل الأبوكريفا هذه قانونية مؤقتًا في نطاق محدود جدًّا من الكنيسة. ولكن في الوقت المناسب عندما حلّ الاضطهاد، تم رفضها.

فما الذي أدّى إلى أن تقوم الكنيسة الأولى في النهاية باستبعاد مثل هذه الكتابات؟ لقد كان المحفّز الأساسيّ لهذا الأمر هو اضطهاد المسيحيين على يد الامبراطور دقلديانوس. يصف الكُتَّاب هجوم دقلديانوس لفترة ثمانية أعوام على الكنيسة (303-311) على أنه “آخر حرب إبادة شنتها الوثنية ضد المسيحية. لقد كانت بالفعل حملات دامية وعمَّ فيها الدمار الشامل للكتب المُقدَّسة للكنيسة. ولقد كان لهذا الأمر بالتأكيد تأثير قويّ على المسيحيين في تفكيرهم بتحديد ما ينتمى للأسفار القانونية بالحق.

عندما كانت العسكر الامبراطوريّ يطرق الأبواب ويطلب من المسيحيين أن يسلموا كتبهم المقدسة، أصبحت مسألة ضمير أن يقرر المسيحيون ما كان عليهم أن يسلموه، هل يسلمون إنجيل  يوحنا كما يسلمون مثلًا إنجيل توما أم لا؟! بدون أن يتكبدوا ذنب تدنيس المقدسات. في مثل هذه اللحظات الحاسمة كان معظم المسيحيين بالطبع يعنون بتحديد أي الكتب التي كان عليهم أن يتمسكوا بها ويكونون مستعدين للألم لأجلها على أسس قوية.

ربما يمكن أن نقول إنَّ الإضطهاد الذي أوقعه دقلديانوس قد أعطى اللمسة التي بها أصبحت العناصر، التي لم تكن من قبل واضحة بشأن الأسفار القانونية، أكثر تبلورًا وثباتًا.

وهكذا فبالرغم من أنّ بعض قطاعات الكنيسة قد انشغلت على نطاق لفترة مؤقتة ببعض كتابات الأبوكريفا، إلَّا أن النيران المطهّرة للاضطهاد قد فصلت في الأمر. فمن الذي يرغب في أن يعاقب لامتلاكه كتابًا ليس بكتاب مُقدّس حقيقيّ؟ الجدير بالذكر أنه خلال الاضطهاد الذي قام به دقلديانوس، قام مينسوريوز، أسقف قرطاج، بإخفاء نسخة من الكتب المُقدَّسة في مكان آمن، وبدلًا مِنها قام بتسليم “الكتابات الهرطقيّة الجديدة إلى الحكّام. وبلا شك أنّ أعمالًا مشابهة حدثت في أنحاء الأمبراطورية.

 

إنجيل توما القبطي:

 

يبدو أن هذا الإنجيل من أقدم كتب الأبوكريفا، فقد ذكره القديس إيرينيؤس والعلامة أوريجانوس، وقال القديس كيرلس الأورشليمي في القرن الرابع الميلادي أن الذي كتب هذا الإنجيل ليس توما الرسول بل شخص آخَـر يُدعى توما، وتم اكتشافه ضمن كتب مكتبة نجع حمادي الأبوكريفية باللغة القبطيـة كاملًا، وحــوى 114 مقولـة قصيــرة (أصحاح)، بينما تــم اكتشاف البردية رقم 654 (Papyrus Oxyrhynchus 654) باللغة اليونانية وتشمل الأقوال من 1 - 7، وترجع إلى منتصف القرن الثالث، وأيضًا البردية 1 (Papyrus Oxyrhynchus I) باللغة اليونانية وتضم الأقوال من 26 - 33، وترجع إلى أواخر القرن الثاني.

 وورد نحو خمسين قول مشترك مع إنجيلي متى ولوقا، وبعضها يصل إلى حد التطابق، كما ورد سبعة أقوال في هذا الإنجيل من إنجيل مرقس. وبالرغم من أن هذا الإنجيل يحمل الطابع الغنوسي إلاَّ أنه أقرب الكتابات الأبوكريفية للأناجيل القانونية، حتى دعاه البعض بالإنجيل الخامس. ويقول "اسكندر شديد" عن هذا الإنجيل أنه:

"اُكتشف في نجع حمادي سنة 1946م. أثار الكثير من الأخذ والرد، ظن البعض بأنه إنجيل خامس، وقال آخرون أنه أقدم الأناجيل كلها. بالواقع أنه وضع في سوريا باللغة القبطية، خلال القرن الثاني الميلادي من مصادر عدة تتشابك فيه، أحدهما غنوسي، وهو الأحدث بينها على الأرجح، وعدد من الكلمات ذو روح إنجيلية، إنما غير موجودة في الأناجيل الأربعة الرسمية، فقد يكون مصدره النقل الشفاهي. أنها مختارات من 114 فقرة من كلمات يسوع السريَّة، وهنا يكمن طابعه الغنوسي، كاملة في القبطية، ناقصة في اليونانية، وهو أقرب الأناجيل المنحولة إلى الأناجيل الرسمية. وعادة ما تبدأ فقراته بـ "قال يسوع" أو "أجاب يسوع" على سؤال أحد تلاميذه".[3]

وحملت بعض الأقوال في طابعها البساطة، مثلما جاء في الفقرة (102):

"الويل للفريسيين، فأنهم أشبه بكلب رابض فوق معلف للثيران، فلا هو يأكل، ولا يدع الثيران تأكل".

وفي الطبعة المنقَّحة لمخطوطة نجع حمادي وتكملتها في برديات الأوكسي اليونانية المكتشفة في أخميم والتي ترجع إلى نحو سنة 140م، جاء في بدايتها:

"هذه هي الكلمات السريَّة التي فاه بها يسوع الحي وكتبها ديدماس يهوذا توما".[4]

 

وجاء في ترجمة "اسكندر شديد" للأناجيل المنحولة في بداية إنجيل توما الغنوسي:

"هذه هيَ الكلمات الخفية التي قالها يسوع الحي ونسخها ديديم (كلمة يونانية تعني التوأم) يهوذا توما. وقال: "من يتوصل إلى تفسير هذه الكلمات لا يذوق الموت".[5]

ومن الأقوال التي جاء ذكرها في إنجيل توما القبطي ما يلي:

 جاء في "الأصحاح الثالث" قال يسوع:

"إن قال لكم الذين يقودونكم. هوذا الملكوت في السماء حينئذٍ طيور السماء تسبقكم. إن قالوا لكم أنه في البحر، حينئذٍ الأسماك تسبقكم. بالأحرى الملكوت في داخلكم وخارجكم".[6]

 

وفي "الإصحاح الرابع" قال يسوع:

"لن يتردد الإنسان المتقدم في العمر أن يسأل ابن سبعة أيام... ".[7]

 وفي "الأصحاح السابع" قال يسوع:

"طوبى للأسد الذي يأكله الإنسان، لأن الأسد يصبح إنسانًا. ومعلون الإنسان الذي يأكله الأسد، فالأسد أيضًا يصبح إنسانًا".

 وجاء في ترجمة "اسكندر شديد":

"11ـ قال يسوع: "هذه السماء ستزول، والتي فوقها ستزول. لكن الذين هم أموات لم يحيوا، والذين هم أحياء لن يموتوا.

 12ـ اليوم تأكلون أشياء ميتة وتصنعون منها ما هـو حي، (لكن) عندما تصبحون في النور، فأنكم ستفعلون في ذلك اليوم، حيث تصبحون اثنين، وأنتم واحد، وعندما تصبحون اثنين، ماذا ستفعلون آذاك.

 13ــ قال التلاميذ ليسوع: نعلم أنك ستغادرنا. مَنْ فوقنا يكون (إذاك) الأكبر؟ قال لهم يسوع: حينما تذهبون، تمضون إلى يعقوب البار، مَنْ لأجله صَنعت السمــاء كما الأرض".

 وفي "الأصحاح الثالث عشر":

"قال يسوع لتلاميذه: "قارنوا بيني وبين شخصًا ما وقولوا لي لمن أشبه؟".. قال سمعان بطرس له: "إنك تشبه ملاك بـار". قال متّى له: "إنك تشبه فيلسوف حكيم". قال توما له: "يا معلم أن فمي عاجز عن قول من تشبه أنت". قال يسوع: "إنني لست معلمك لأنك ثمل فأنت تسكر من فقاقيع الربيــع التي نظمتها". ثم أخذه وانتحى به جانبًا وفاه بثلاث كلمات إليه. فلما عاد تومــا لرفقائه، سألوه: "ماذا قال لك يسوع؟". فقال توما لهم: "إن قلت لكم واحدة من الكلمات التي فاها لي، فأنكم تلتقطون حجارة وتُلقون بها عليَّ وتخرج نار من الحجارة وتحرقكم".

 

 وفي "الأصحاح الرابع عشر":

"إن صمتم تجلبون خطيئة لأنفسكم. وإن صليتم تدينون أنفسكم. وإن أعطيتم صدقة تجلبون الشر لأرواحكم".

 وجاء في ترجمة "اسكندر شديد":

"15ـ قال لهم يسوع: عندما تصومون تسببون لأنفسكم خطيئة، عندما تصلون، يدينونكم، عندما تتصدقون، ترتكبون شرًا لأرواحكم! حين تدخلون أي أرض وتجوبون الأرياف، عندما يستقبلونكم كلوا ما يضعونه أمامكم...

 19ــ قال التلاميذ ليسوع: قل لنا كيف ستكون نهايتك. قال يسوع: هل كشفتم البداية إذًا، لتسألوا عن النهاية؟ فحيث هيَ البداية، هناك تكون النهاية. طوبى لمَن يبلغ البداية، فسوف يعرف النهاية، ولن يذق الموت!".

 

 وفي "الأصحاح التاسع عشر":

"قال يسوع: طوبى للذي وُجِد قبل أن يولد. إن أصبحتم تلاميذي وسمعتم كلماتي، فإن هذه الحجارة سوف تخدمكم. لأن لكم خمسة أشجار في الفردوس هم لا يتغيرون في الصيف أو الشتاء وأوراقهم لا تسقط. وكل من يعرفهم لن يذوق الموت".

 وفي "الأصحاح الحادي والعشرين":

"قالت مريم ليسوع: ماذا يشبه تلاميذك؟ قال هو: إنهم يشبهون صبية صغيرة يقيمون في حقل ليس لهم. متى جاء أصحاب الحقل يقولون: ردوا لنا حقلنا. أنهم يتجردون من ثيابهم أمامهم من أجل أن يردوا فعلهم لهم ويرجعونه إليهم..".

 

 وفي "الإصحاح الثاني والعشرين":

"رأى يسوع بعض الأطفال يرضعون. فقال لتلاميذه: هؤلاء الأطفال الذين يرضعون يشبهون هؤلاء الذين يدخلون ملكوت (السموات). فقالوا له: إن كنا أطفالًا فهل ندخل الملكوت؟ قال يسوع لهم: متى جعلتم الاثنين واحدًا ومتى جعلتم الداخل مثل الخارج والخارج مثل الداخل والعلوي مثل السفلي. ومتى جعلتم الذكر والأنثى في واحدًا مفردًا حيث يكون الذكر ليس ذكر والأنثى ليست أنثى. ومتى جعلتم العين في مكان عين واليد في مكان اليد والقدم في مكان القدم والصورة مكان صورة. حينئذٍ تدخلون الملكوت".

 

 وفي "الأصحاح الثلاثين":

"قال يسوع: حيث يكون ثلاثة آلهة، فأنهم آلهة. وحيث يكون إلهين أو واحد، فأنه معه. ارفعوا الحجر وسوف تجدوني. شقُّوا الخشب فأنا هناك".[8]

 وفي "الإصحاح الحادي والثلاثين":

"قال يسوع : ليس نبيًا مقبولًا في قريته ذاتها. ولا يشفي طبيبًا أولئك الذين يعرفونه".[9]

 

 وفي "الأصحاح السابع والثلاثين:

"قال تلاميذه: متى تُظهِـر لنا ذاتك ومتى نراك؟ قال يسوع: عندما تتعرون ولا تخجلون وتأخذون ثيابكم وتضعونها تحت أقدامكم مثلما يفعل الصبية ويطئون عليها. حينئذٍ ترون ابن الواحد الحي ولن تخافوا".

 وفي "الأصحاح الثالث والأربعين":

"قال تلاميذه له: من أنت حتى تقول هذه الأشياء؟ (قال يسوع لهم): أنتم لم تدركوا من أكون في كل ما قلته لكم، بل أصبحتم مثل اليهود لأنهم إما يحبون الشجرة ويكرهون ثمارها، أو أنهم يحبون الثمار ويكرهون الشجرة".

 وجاء في ترجمة "اسكندر شديد":

"51 - قال يسوع: منذ آدم حتى يوحنا المعمدان، بين الذين ولدتهن نساء لا يوجد أعظم من يوحنا المعمدان! إنما، خوفًا من أن تتوه عينا (فلان) قلتُ: من بينكم يكون الأصغر يعرف الملكوت ويكون أرفع من يوحنا...

 53ــ قال يسوع: إذا كان اثنان الواحد مع الآخَر في سلام في المنزل نفسه، يقولون للجبل انتقل فينتقل.

 54ــ قال يسوع: طوبى للمتوحدين والمختارين، لأنكم تجـدون الملكوت، لأنكم منبثقون منه، وستعودون إليه مجددًا.

 55ــ قال يسوع: إذا سألكم الناس: من أين أتيتم؟ قولوا لهم: أتينا من النور، من المكان الذي نشأ فيه النور... إذا قيل لكم: ما أنتم؟ قولوا: نحن أبناؤه ونحن مختارو الآب الحي. إذا سألكم (الناس): أي علامة من أبيكم فيكم؟ قولوا لهم: أنها حركة وراحة...

 61ــ قال يسوع: من عرف العالم سقط في جثة، ومن سقط فــي جثة لا يعود العالم أهلًا له".

 وفي "الأصحاح الحادي والستين":

"قال يسوع: اثنان يستريحان على متكأ يموت الواحد ويحيا الآخَر. قالت سالومي: من أنت يا رجل؟ مثل غريب صعدت على فراشي وأكلت من مائدتي. قال لها يسوع: أنا هو الذي نال وجوده من غير المنقسم. أنا قد أُعطيت الأشياء التي لأبي. (قالت سالومي): أنني تلميذتك".

 وفي "الأصحاح السبعين":

"قال يسوع: إن أخرجتم ما بداخلكم فما لديكم سوف يخلصكم. إن لم يكن هذا لديكم. فالذي ليس لديكم سوف يقتلكم".

 وفي "الأصحاح الثاني والثمانين":

"قال يسوع: الذي هو قريبًا مني قريبًا من النيران. وهو الذي بعيدًا عنه بعيدًا عن الملكوت".

 وفي "الأصحاح السابع والسبعين:

"قال يسوع: أنا النـور الذي فوق جميع الأشياء. أنا الكل والكل خرج مني والكل إليَّ يعود. اشطروا الخشب فأنا هناك. ارفعوا الحجارة وسوف تجدوني هناك".

 وجاء في ترجمة "اسكندر شديد":

"79ـــ قال يسوع: كثيرون يقفون خارجًا عند الباب، لكن المتوحدين وحدهم من يدخلون غرفة العرس...

 86 - قال يسوع: من هــو قربي هو قرب النار، ومن هو بعيد عني هو بعيد عن الملكوت".

 وفي "الأصحاح الخامس والتسعين":

"قال يسوع: إن كان لديكم مالًا فلا تقرضوه لفائدة. بل أعطوه لمن يرده إليكم ثانية".

 وفي "الأصحاح السابع والتسعين:

"قال يسوع: يشبه ملكوت أل (أب) امرأة حاملة جرة مملؤة بالطعام. فكسرت يد الجرة بينما كانت سائرة على طريق بعيد وأريق الطعام خلفها على الطريق. هيَ لم تلحظه ولم تنتبه للحادث. لما بلغت بيتها. أنزلت الجرة ووجدتها فارغة".

 وفي "الأصحاح الثامن والتسعين:

"قال يسوع: يشبه ملكوت الآب إنسانًا أراد أن يقتل رجلًا قويًا. بينما في بيته، أستل السيف وطعنه في الحائط كي يعرف هل يديه قوية ليطعنه. حينئذٍ قتل الرجل القوي".

  وجاء في ترجمة "اسكندر شديد":

"102ــ يشبه ملكوت الآب رجلًا يريد قتل شخصية بارزة في منزله، أمتشق سيفه وغرزه في الجدار ليتأكد من أن يده ستكون ثابتة، ثم قتل الشخص...

 105ــ من لا يبغض مثلي أباه وأمه لا يمكنه أن يكون تلميذي، ومن أحب أباه وأمه مثلي لا يمكنه أن يكون تلميذي".

 وفي "الأصحاح الثامن والمئة":

"قال يسوع: كل من شرب من فمي يصبح مثلي. وأنا ذاتيًا سأصبح هذا الإنسان. والأمور المخفية تُكشَف له".

 وجاء في ترجمة "اسكندر شديد":

"116ــ قال يسوع: الويل لهذا الجسد العالة على النفس والويل لهذه النفس العالة على الجسد!..

  118ــ قال لهم سمعان بطرس: لتخرج مريم من بيتنا، لأن النساء لسن أهلًا للحياة! فقال يسوع: هوذا أنا أجذبها لأعيدها ذكرًا لتصبح هيَ أيضًا روحًا حيَّة شبيهة بكم، أنتم الذكور، فكل امرأة تُجعَل ذكرًا تدخل ملكوت السماوات".[10]

  



[1] The International Standard Bible Encyclopedia, Apocrypha.

[2] دان براون في روايته الشهيرة شفرة دافنشي التي تقوم على فكرة أن هُناك نسل ليسوع ولديه قدرات خارقة!

[3] الأناجيل المنحولة ص 173.

[4] أورده ديفيد أ. ده سيلفا - مقدمة للعهد الجديد ص 236.

[5] أورده د. إبراهيم سالم الطرزي - أبوكريفا العهد الجديد - الكتاب الثاني ص 55.

[6] الأناجيل المنحولة ص 174.

[7] أورده د. إبراهيم سالم الطرزي - أبوكريفا العهد الجديد - الكتاب الثاني ص 55.

[8] راجع بيرتون ل. ماك - الإنجيل المفقود ــــ كتاب "ك" والأصول المسيحية ص 214

[9] راجع يسوع التاريخي - محاضرات ومقالات نسّقها وقدّم لها الأب أيوب شهوان ص 141

[10] راجع النص الكامل لإنجيل توما القبطي - د. إبراهيم سالم الطرزي - أبوكريفا العهد الجديد - الكتاب الثاني ص 55 - 68

أبوكريفا العهد الجديد -4- أناجيل الآلام والقيامة

 



أناجيل الآلام والقيامة

 

إنجيل بطرس

 

في عام 1886، وجد فريق آثار فرنسي كان ينقب في مقبرة تعود لدير باتشوميان، الذي يبعد نحو 250 ميلاً جنوب القاهرة، كتاباً صغيراً في قبر راهب. فقد احتوت الصفحات من 2 إلى 10 من الكتاب، الذي يعود تاريخه إلى الفترة الواقعة ما بين القرن السابع والتاسع، وصفاً لموت يسوع وقيامته، حيث خلص العلماء بعد فترة قصيرة إلى أن هذا الكتاب هو جزء من إنجيل بطرس الذي ذكره آباء الكنيسة المبكرة من بداية القرن الثالث. ولم يتم العثور على أي أجزاء أخرى من إنجيل بطرس.

ويروي هذا الإنجيل قصة آلام يسوع وموته ودفنه، ويزين قصة قيامته بتفاصيل مشوقة تتعلق بما تلاها من معجزات. كما أنه توجد فيه بعض الآثار البسيطة للهرطقة الدوستية (الخيالية).[1]

اهتم الباحثون في البداية اهتماماً كبيراً بإنجيل بطرس، لكن عندما تم التوصل بالإجماع إلى أن إنجيل بطرس كان عبارة عن تعميم وتعديل غنوصي للأناجيل الكنسية، لا سيما متّى، قاموا بتهميش هذا الأمر بعد فترة قصيرة. إلا أن العلماء في السنوات القليلة الماضية جددوا اهتمامهم بهذا الكتاب، فقام هيلموت كوستر وجون دومينيك كروسان بإثارة هذا الاهتمام من خلال ادعائهم بأن مصدر القصص السردية للآلام الواردة في إنجيل بطرس كان أيضاً مصدر القصص السردية للآلام الواردة في الأناجيل الكنسية.

 

وهذه ترجمة حرفية إلى حد ما للقصص السردية للآلام في إنجيل بطرس:

 

(1: 1) ولم يغسل أحد من اليهود يديه، ولا هيرودس ولا أحد من قضاته، وحيث أنهم لم يريدوا أن يغسلوا (2) قام بيلاطس. وبعد ذلك أمرهم هيرودس أن يأخذوا السيد في أيديهم، وقال لهم: ما أمرتكم أن تفعلوا به فافعلوا.

(2: 3) في هذا الوقت كان يقف هناك يوسف صديق بيلاطس والرب، وهو كان يعلم أنهم على وشك أن يصلبوه، فذهب إلى بيلاطس وتوسل إليه أن يقبر جسد يسوع. (4) وأرسل بيلاطس إلى هيرودس يتوسل إليه في جسد المسيح. (5) وقال هيرودس: يا أخي بيلاطس حتى ولو لم يتوسل أحد له كنا سوف ندفنه، لأنه أيضاً السبت يبدأ، لأنه مكتوب في الناموس لا يجب أن تغرب الشمس على المقتول (في جريمة).

وسلمه للشعب قبل اليوم الأول للفطير، حتى في عيدهم. (3: 6) بعد أن أخذوا السيد دفعوه وهم يجرونه، وقالوا: هلم نسوق ابن الله، فنحن الآن لدينا السلطة في شأنه. (7) ووضعوا عليه ثوباً أرجوانياً، وأجلسوه على كرسي الحكم قائلين: احكم بالعدل يا ملك إسرائيل. (8) وأحضر أحدهم إكليلاً من الشوك ووضعوه على رأسه. (9) وآخرون وقفوا وبصقوا في عينيه، وآخرون لطموه على خده، وآخرون وخزوه بقصبة، وآخرون جلدوه قائلين: بهذه الكرامة دعونا نكرم ابن الله.

(4: 10) وأحضروا مجرمين اثنين وصلبوا السيد وسطهم. ولكنه ظل صامتاً وكأنه لم يشعر بألم. (11) وعندما نصبوا الصليب كتبوا عليه “ملك إسرائيل”. (12) وطرحوا ملابسه عنه وقسموها بينهم، ووزعوا نصيبهم عليهم. (13) ولكن أحد المجرمين وبخهم قائلاً: هكذا نعاني من الآثام التي فعلناها، ولكن هذا الرجل الذي أصبح مُخلِّص البشر، أين ألحق بكم ضرراً؟ (14) وكانوا غاضبين جداً منه، وحكموا ألا تُكسر رجلاه حتى يموت في عذابه.

(5: 15) في ذلك الوقت كان منتصف النهار، وساد الظلام كل مدن اليهود، وكانوا قلقين وفي جهاد عنيف خشية أن تغيب الشمس عليه وهو لا يزال حياً لأنه مكتوب يجب ألا تغيب الشمس على المقتول (في جريمة). (16) وقال أحدهم أعطوه ليشرب خلاً وخمراً: ومزجوه وأعطوه ليشرب. (17) وحققوا وأتموا خطاياهم على رؤوسهم.

(18) وأشعل العديد قناديل مفترضين قدوم الليل، وبعضهم سقط. (19) وصرخ السيد عالياً قائلاً: إلهي إلهي لماذا تركتني. وعندما قال ذلك كان قد قُبض. وفي نفس الساعة انشق حجاب الهيكل بأورشليم إلى نصفين.

(6: 21) وبعد ذلك قلعوا الأظافر من يد الرب، وطرحوه على الأرض، وارتجت كل الأرض وأتى على الجميع خوف عظيم. (22) وأشرقت الشمس، وكانت الساعة التاسعة. (23) وابتهج اليهود وأعطوا جسده ليوسف ليدفنه لأنه شاهد كل الأعمال الجيدة التي صنعها. (24) وأخذ الرب وغسله ولفه في كتان ووضعه في قبره الذي يدعى بستان يوسف.

(7: 25) وبعد ذلك أدرك اليهود والشيوخ والكهنة كم هو عظيم الشر الذي فعلوه بأنفسهم، وبدأوا يندبون ويقولون: لقد جلبنا البلاء بخطايانا، لقد اقتربت الدينونة ونهاية أورشليم. (26) ولكن كنت مع رفقائي في حزن، وكنا مصابين في عقولنا، فكنا مختبئين لأنهم كانوا يروننا مجرمين كما لو كنا نفكر في إشعال حريق بالهيكل. (27) بالإضافة إلى ذلك كنا صائمين، وظللنا في حزن وبكاء نهاراً وليلاً حتى السبت.

(8: 28) ولكن الكتبة والفريسيين والشيوخ اجتمعوا مع بعضهم لأنهم سمعوا أن الناس يدمدمون ويضربون على صدورهم قائلين: إذا كانت هناك آيات عظيمة حدثت عند موته انتبهوا كم كان صالحاً. (29) وكان الشيوخ خائفين، وذهبوا إلى بيلاطس وتوسلوا إليه قائلين: أعطنا جنوداً حتى نحرس القبر ثلاثة أيام خشية أن يسرق التلاميذ جثته فيظن الناس أنه قام من بين الأموات، ويلحقوا بنا الضرر. (31)

وأعطاهم بيلاطس بيترونيوس قائد المائة وجنوداً لمراقبة القبر، وذهب معهم الشيوخ والكتبة إلى المقبرة. (32) ودحرجوا هم وقائد المائة والجنود صخرة كبيرة لحبسه. (33) ووضعوا سبعة أختام عليه، ووضعوا خيمة وظلوا يحرسون.

على الرغم من أن الدراسات البحثية في البداية وصفت إنجيل بطرس بالغنوصي، إلا أن الدراسات التي أجريت مؤخراً اعتبرته مساوياً لما جاءت به المسيحية الأرثوذكسية. فإنجيل بطرس يشترك حقاً في العديد من خصائص الأدب المسيحي الأرثوذكسي للقرن الثاني. فهو يعمم التقاليد التي يعمل بها. كما هو ملاحظ في كل من أسلوبه، الذي يفتقد إلى حروف عطف إلى حد ما، ومضمونه. كما يشدد على المعجزات أكثر من تشديد الأناجيل الكنسية على ذلك، حيث يجعل من المعجزات تبدو وكأنها براهين قاطعة على الإيمان.

كما يحتوي على بعض الروابط القوية، شفهية ومكتوبة، مع الأناجيل الكنسية. مثل أعمال بيلاطس، القصة السردية الرئيسية الأخرى عن الآلام في ذلك الوقت، ويحتوي إنجيل بطرس على جدلية قوية مناهضة لليهود. وقد يكون هذا ذا صلة مع أوساطه الشعبية، حيث كانت معاداة اليهودية لليهود.

وقد يكون هذا ذا صلة مع أوساطه الشعبية. حيث كانت معاداة اليهودية أقوى في الأوساط الشعبية من أوساط الدوائر الرسمية. أخيراً، يحتوي إنجيل بطرس على عنصر تعبدي واضح، لا سيما ذاك الملاحظ في استخدامه الدائم لكلمة “الرب” بدلاً من “يسوع”.

ومع ذلك، يمكن قراءة إنجيل بطرس على أنه على الأقل وبصورة أولية غنوصي ويروق للمسيحيين الغنوصيين. فالعبارة “ولكنه ظل صامتاً وكأنه لم يشعر بألم.” (4: 10) تروق للمسيحيين الغنوصيين الذين يقللون أو ينكرون معاناة السيد المسيح.

كما ستروق صرخة الهجران ” إلهي إلهي لماذا تركتني” (5: 19) للغنوصيين الذين اعتبروا أن العنصر الإلهي ليسوع هجره قبل وقت قصير من صلبه. فإنجيل بطرس يروق للمسيحيين الأرثوذكس والغنوصيين اللذين يستخدمانه أيضاً، وهذا أمر لا ينبغي أن يفاجئنا. رغم كل ذلك، كلا الفريقين يستخدمان إنجيل يوحنا ورسائل بولس.

إن القضية الأكثر إثارة للجدل في الدراسات البحثية الحالية حول إنجيل بطرس تركز على ما إذا كان الشكل الأول لقصصه السردية عن الآلام كان أيضاً مصدر القصص السردية للآلام الواردة في الأناجيل الكنسية. فهيلموت كوستر وجون دومينيك كروسان يعتبران من أبرز المدافعين عن هذا الموقف، إلا أنهما أخفقا في إقناع جمهور العلماء بذلك. كما تفتقد الرواية الرئيسية لغرضية كروسان الواردة في كتابه “الصليب الذي نطق”، إلى هذا النوع من التحليل النقدي المفصل للمصدر، الأمر الذي طالب به الكثير من العلماء.

إلى أن يطابق أولئك الذين يدعمون مثل فرضية المصدر هذه الخاصة بإنجيل بطرس، مع حجج المصدر النقدية لأولئك الذين يعارضونها أمثال: جويل غرين، ريموند براون، آلان كيرك، وسوزان شيفر. وستبقى هذه الفرضية المثيرة تتمتع بدعم الأقلية. كما تتوافق القصص السردية للآلام الواردة في إنجيل بطرس مع القرن الثاني تماماً، والحجة التي تعارض احتواء هذه القصص على مصدر للآلام قبل الفترة الكنسية تبدو في الوقت الراهن أقوى بكثير من الحجة التي في صالح تلك القصص.

 

صعود يعقوب

 

بين مسيحيي القرن الثاني والثالث الذين جمعوا ما بين المسيحية واليهودية فيما عُرف باسم “المسيحية اليهودية”، كان أدب الأناجيل شائعاً في تلك الفترة. ونعرف ثلاثة أناجيل أساسية عن طريق استشهاد كتّاب مسيحيين بها: إنجيل الناصريين، وإنجيل الإيبونيين، وإنجيل العبرانيين.

ولسوء الحظ لم تحفظ الكنيسة العظيمة هذه الأناجيل، وبقي منها النزر اليسير من خلال الاستشهاد بها في كتب أخرى، مما يجعل من معرفتنا بها أمراً صعباً غير مؤكد. وحسب “إ. ف. جيه. كلين” الذي يقول:

رغم الإشارات العديدة للأناجيل المسيحية اليهودية في الأدب القديم وأدب العصور الوسطى، فقد بقي الكثير منها غامضاً وبالأخص فيما يتعلق بالأرقام والأسماء التي عرفت بها أصلاً، واللغة التي كتبت بها.

لقد كان إنجيل الناصريين ذا صلة وثيقة بإنجيل متّى، والذي ظنّ الكثير من المسيحيين القدامى خطأ أنه كتب أصلاً بالعبرية أو الآرامية. ويشهد على أشهر إنجيل مسيحي يهودي معروف لكتّاب الكنيسة العظيمة، ثلاثة وعشرون اقتباساً من العصور القديمة، وثلاثة عشر اقتباساً من العصور الوسطى مما يدل على أقدمية الاهتمام بهذا الإنجيل.

وسمي إنجيل الإبيونيين على اسم المجموعة المسيحية اليهودية التي اعتبرت هرطقة. وقد بقيت سبع إشارات لهذا الإنجيل فقط، وكلها من مُلاحق المهرطقين إبيفانيوس الذي عاش في القرن الرابع. وقد بقيت سبع إشارات لإنجيل العبرانيين أيضاً.

وعند الحكم من خلال هذه العينة الصغيرة من الإثباتات، نجد أن هذا الإنجيل كان على الأرجح مستقلاً أدبياً عن الإنجيلين الآخرين، وعن الأناجيل الكنسية الأربعة، حيث تعود هذه الأناجيل الثلاثة بالزمن إلى منتصف القرن الثاني. وبحكم تاريخها المتأخر وتوجهاتها المسيحية اليهودية وطبيعتها المجتزأة، تترك لنا هذه الأناجيل القليل أو لا شيء تقريبًا.

وبقيت وثيقة مسيحية يهودية واحدة فقط سلمت من التلف، وهي مذكورة في كتاب إبيفانيوس تحت اسم “صعود يعقوب” يعود إلى منتصف القرن الثاني. وتمّ دمج “صعود يعقوب” الآن بصورة مجتزأة بمجموعة كبيرة من المواد الأدبية تدعى الاعترافات الكليمنتية الكاذبة، ويُزعم أنها قصة إكليمندس وهو من أوائل أساقفة روما وخليفة بطرس الرسول.

وكُتِبَت هذه الوثيقة في الأصل باليونانية وبقيَّ منها إلى هذا الحين النسخ اللاتينية والسريانيّة فقط. إن “صعود يعقوب” هو وثيقة مسيحية يهودية تخبرنا قصة أتباع الله من أيام إبراهيم إلى الكنيسة المبكرة. وتصور يسوع كنبي مثل موسى والمسيح المنتظر. ويشير العنوان اليوناني للوثيقة “أناباثموي لاكوبو” إلى رحلات “الصعود” إلى المعبد لعقد مناظرات مع الكاهن الأعلى حول يسوع، وهي مناظرات كان بإمكانها جذب كامل الأمة اليهودية إلى المسيحية، ما لم يتدخل “الأعداء” (بولس المتخفي).

يحوي “صعود يعقوب” سرداً قصيراً لآلام يسوع يمثل مجموع المحتويات ككل، والنسخة اللاتينية، التي يختلف عنوانها قليلاً عن النسخة السريانية، وهي كما يلي:

(1-41-2) هذا النبي مثل موسى والذي تنبأ بصعوده بنفسه، ورغم شفائه لكلّ مرض وعلّة أصابت الناس، واجتراحه لمعجزات لا تحصى، ونشره لتعاليم حول الحياة الأبدية، إلا أن الأشرار اقتادوه إلى الصليب. لكن هذا الصنيع تحول إلى شيء خيّر بفضل قوته. (3) وأخيراً عندما عانى، شارك كل العالم معاناته. حيث أظلمت الشمس، واضطربت النجوم، وهاج البحر، وتحركت الجبال، وانفتحت القبور، وانشق ستار المعبد، كما لو كان يبكي الدمار الحاصل في المكان. (4)

ورغم هذا وذاك، ومع أن العالم بأكمله اهتز، إلا أنهم أنفسهم لم يتأثروا بهذه الأحداث العظيمة…. (ويأتي بعد ذلك نقاش مختصر عن مهمة من مهام المسيحيين من أجل “تلبية الرقم” الذي ظهر لإبراهيم).

(43-3) وفي هذه الأثناء، وبعد معاناته وبعد أن لفّ الظلام العالم بأسره من الساعة السادسة إلى التاسعة، وعندما عادت الشمس إلى وضعها الطبيعي، عاد الأشرار مجدداً إلى طبيعتهم وعاداتهم القديمة، لأن خوفهم انتهى. (4) وبعضهم قام بعد حراسة المكان بعناية شديدة بوصفه بالساحر، الذي لم يتمكنوا من منعه من الصعود، وادّعى البعض أن جسده سُرق[2]. (الاعترافات الكليمنتية 1-41-2-4، 43-3-4).

إن سرد الآلام هذه أقصر بصورة ملحوظة من ذاك الوارد في الأناجيل الكنسية، لكن رغم قصره يُظهر ثلاثة مجالات للاعتماد على مواد سردية للآلام من إنجيل متى بصورة حصرية. ونظراً لعدم وجود النسخة اليونانية من “صعود يعقوب” فلن نستطيع التأكد من الكلمات الأصلية، لذا فمن المستحيل أن نحدّد بكامل الثقة كون هذا الاعتماد حرفياً أو شفهياّ.

أولاً، يأخذ نص “صعود يعقوب” كلمات متى “اهتزاز الأرض” (27: 51) ويضيف عليها “وهاج البحر” (اعترافات 1-41-3). حيث يضيف هذه الكلمات للدلالة على اشتراك كل العالم المحسوس في أعجوبة موت المسيح، كما يؤكد القسم (1-41-3) بذكره الجملة التالية: “عندما عانى، شاركه العالم بأكمله المعاناة”.

ثانياً، “صعود يعقوب” يربط ما بين اهتزاز الجبال (متى 27: 51 تزعزعت الصخور) وانفتاح القبور، وهو حدث ورد في إنجيل متّى على أنه حصل عند قيامة المسيح من موته.

ثالثاً، يحاكي نص “صعود يعقوب” التقليد المستخدم في إنجيل متّى حول حراس قبر المسيح (متّى 27: 62 إلى 66، 28: 11 إلى 15). وبصورة عامة، يتبع نص “صعود يعقوب” نظام إنجيل متّى في هذه الأعجوبة. ويطوّر النص لأغراض خاصة به مواد سردية للآلام الخاص بإنجيل متى، رغم عدم تماثلها بالشكل الذي يمكننا فيه اعتبارها مستمدة من المصدر “م”.

وهناك ميزة أخرى للقصص السردية للآلام في “صعود يعقوب” وهي النظرة غير الخلاصيّة أو الفدائية لهذه الآلام، فبالنسبة للجمهور الذي قرأ هذه الوثيقة، لم يجلب صلب يسوع لهم الخلاص، ولم يُصوّر موت يسوع كتضحية عن الخطيئة، إذ لم يكن هناك أي ذكر لكون يسوع حمل الرب ولا تأكيد على براءته، ولم يُذكر أن لموته سلطة تكفّر عن الذنوب والخطايا، وبالأحرى يأتي الخلاص عبر المعمودية باسم يسوع، وهي معمودية جاء بها يسوع ليستبدل بها الأضاحي في المعابد (اعترافات 1. 39. 1-2، 1. 55. 3-4، 1. 69. 8-1. 70. 1). حيث يأتي الخلاص من خلال المعمودية التي علّمنا إياها يسوع وليس من خلال موته.

إن افتقار هذه الوثيقة إلى التأكيد على أهمية الخلاص في موت يسوع تتوافق مع كثير من كتابات المسيحية اليهودية المبكرة. وهذا يوضح لنا السبب وراء وجود اهتمام بالغ في “صعود يعقوب” انصبّ على الأعاجيب التي رافقت موت يسوع، وهذا يعني أن الأعاجيب التي رافقت الصلب تشكّل الموضوع الحقيقي لهذا القسم، لا بل ويُمكن لنا أن ندعوه سرداً للأعاجيب بدلاً من سرد للآلام.

إن هذا يُشكل تبايناً مثيراً للاهتمام مع إنجيل بطرس، والذي يروّج لفكرة القوة الواضحة والمقنعة للأعاجيب بصورة دائمة. وتطلّب إقناع الشعب اليهودي أن يسوع هو المسيح المنتظر قدرة يعقوب أخ يسوع في الإقناع. كما أن افتقار النص إلى خاصية الإقناع الدائم بالأعاجيب يشرح التناقض الكبير في سرد هذه الوثيقة لآلام يسوع.

فلم يعتنق الشعب اليهودي الدين الجديد عند معاينته لصلب يسوع، فتوجب عندها على المسيحيين أن يأخذوا على عاتقهم مهمة التعويض عن حالة النقص تلك. وربما كانت تلك أول حالات التفكير المنطقي للكنيسة المسيحية اليهودية المبكرة متمثّلة بمهمة المسيحيين تلك.

 



[1] هي بدعة تعود إلى القرن الأول الميلادي وانتشرت بين الغنوسيين، ينادي أصحابها أن جسد المسيح هو خيال، وأن آلامه وموته كانت مجرد آلام ظاهرية، وتكلم عنهم القديس يوحنا الرسول في (1يو 4: 2، 2يو 7)، وحاربهم القديس إغناطيوس الأنطاكي في رسائله كما يتضح في المتن.