السبت، 5 يوليو 2025

تاريخ العقيدة في المسيحية المبكرة - الثالوث القدوس في الكنيسة المبكرة - الثالوث القدوس عند الآباء الرسوليين (5)

 


. ثالوث الآباء الرسوليين والآباء الأوائل

أساس عقيدة الثالوث في الكنيسة الأولى كان صيغة المعمودية، والتسابيح الموجودة في الرسائل، ومعاها تعليم الـLogos في إنجيل يوحنا الرسول. بيان العقيدة مخرجش عن الصياغة دي. الشخص اللي بيخش الكنيسة المسيحية وبيتعمد، كان بيعلن إيمانه بـ "الله الآب القادر على كل شيء، وابنه يسوع المسيح، والروح القدس." دي هي الصيغة اللي استخدمها اللي بنسميه "قانون الإيمان للرسل"، وهي أكتر تعبير واضح عن عقيدة الثالوث قبل ما تظهر الخلافات مع جماعة السابليين والآريوسيين Sabellians والـArians، واللي أدت بعدين لتعريفات أدق وأعمق في قانون نيقية.

بناء عقيدة الثالوث ما بدأش أساسًا من التفكير في التلات أقانيم، لكن من الإيمان بألوهية واحد منهم، اللي هو الابن. وده كان أصل أكتر عقيدة فلسفية في النظام المسيحي. العقيدة الميتافيزيقية دي عن الثالوث، زي ما Guericke بيقول:[1]

"بدأت أساسًا من إيمان حي؛ يعني من الإيمان العملي والشعور عند المسيحيين الأوائل إن المسيح هو ابن الله المساوي له".

لإن لو في حقيقة تاريخية ما ينفعش ننكرها، فهي إن الكنيسة الرسولية والأولى كانت بتعبد يسوع المسيح. ودي كانت العلامة المميزة لأتباع الدين الجديد. شهادة Pliny مشهورة، إن المسيحيين كطائفة كانوا بيجتمعوا قبل الفجر، ويرددوا ترنيمة مع بعض (carmen dicere secum invicem) للمسيح على إنه إله Christo quasi Deo.[2]

أقدم الصلوات الطقسية كانت مليانة تبجيل للثالوث القدوس، خصوصًا للابن اللي هو الشخص التاني. الليتورجيا بتاعة كنيسة الإسكندرية، واللي حسب رأي Bunsen[3] اتبنت حوالي سنة 200، والمخطط الأصلي ليها بيرجع لسنة 150، كانت بتعلّم "الشعب" يردوا ويقولوا:

"واحد هو الآب القدوس واحد هو الابن القدوس واحد هو الروح القدوس."[4]

الخبرة الدينية للكنيسة الأولى كانت مليانة فرح بالفداء اللي تّم، وكان معاها تبجيل عميق وشكر للّي عمله. ولو ركزنا على التعبيرات الروحية والدعوات في أول أجيال المسيحيين، هنلاقي أدلة على ألوهية الابن زي ما في أدلة على ألوهية الآب. المشاعر الدينية بكل أشكالها كانت بتتوجه بنفس القدر للشخص التاني في الثالوث زي ما بتتوجه للأول، في الفترة اللي كانت قريبة من وجود وتعاليم مؤسس الديانة نفسه.

تجسد الـLogos—يعني الله بقى إنسان—هي الفكرة العقائدية الكبيرة في أول قرون المسيحية، وهي اللي شكّلت تفكير الكنيسة وخبرتها بالكامل. وده بيفسّر ليه ما كانتش فيه مصطلحات فنية زي اللي ظهرت بعدين في قانون نيقية؛ وبيشرح كمان ليه اللغة العامة والمأخوذة من الكتاب المقدس في قانون الإيمان للرسل كانت كافية لاحتياجات الكنيسة الرسولية والأولى.

العبادة الفعلية والمبجلة من المؤمنين كانت بتتوجه بشكل دائم للابن زي ما كانت بتتوجه للآب والروح، وفي الوضع ده، المصطلحات الفلسفية والتمايزات ما كانتش ضرورية. الإيمان والشعور في القلب الكاثوليكي كانوا كافيين. ولحد ما ظهرت أشكال مزيفة من عقيدة الثالوث، اللي فرضت استخدام المصطلحات الدقيقة، ماكانش فيه داعي لاستخدام مصطلحات زي "الجوهر" و"الأقنوم"، "الولادة" و"الانبثاق" في قانون الإيمان للموعوظين. علشان كده، الكنيسة قبل نيقية كانت مكتفية إنها تعبّر عن تبجيلها وعبادتها للثلاثة الأبديين من خلال الترانيم والصيغ الطقسية، وكانت بتستخدم في قانون إيمانها اللغة العامة وغير النظامية من الكتاب المقدس.[5]

الآباء الرسوليين عاشوا قبل ما تظهر النظريتين الأساسيتين اللي ضد الثالوث واللي اتكلمنا عنهم قبل كده، وعلشان كده ما حاولوش يبنوا نظرية فلسفية عن عقيدة الثالوث. كانوا بس بيرددوا الصياغة اللي في الكتاب المقدس، من غير ما يحاولوا يجمّعوا ويشكّلوا البيانات اللي في الوحي في شكل منظّم. دايمًا كانوا بيتكلموا عن المسيح على إنه إله، ومن غير ما يفرّقوا في طريقتهم في التفكير أو التعبير بين ألوهية الابن وألوهية الآب.

التلاميذ اللي اتعلموا مباشرة من الرسل ما دخلوش في أي بحث فلسفي عن عقيدة الـLogos، وكانوا مكتفيين بأبسط وأكتر التعبيرات العادية عن الثالوث. لكن في التعبيرات دي، ممكن نلاقي البذور اللي طلعت منها الصياغة العلمية اللي ظهرت بعدين. وMeier، اللي بيُعتبر من أكتر الباحثين إنصافًا في اللي كتبوا عن تاريخ عقيدة الثالوث، قال إن بوادر عقيدة الثالوث ممكن نشوفها في كتابات الآباء الرسوليين اللي كان تفكيرهم عملي وبعيد تمامًا عن التعقيد الفلسفي.[6]

الاقتباسات الجاية من كتابات الآباء الرسوليين بتكفي علشان توضح مدى الحرية اللي كانوا بيتعاملوا بيها مع لقب "الله" (Θεός) لما بيطبقوه على الأقنوم التاني، واللي كانوا دايمًا بيشوفوه على إنه "الإله الإنسان"، وكانوا بيسموه يسوع المسيح.

يا إخوتي، زي ما قال كليمندس الروماني Clement of Rome Ep. II. c. 1:

"إحنا المفروض نفكر في يسوع المسيح على إنه الله (ὡς περὶ θεοῦ)، زي ما هو ديّان الأحياء والأموات."

وإغناطيوس Ignatius في تحيته لكنيسة أفسس، وصفهم إنهم:

"متحدين ومختارين بشغف حقيقي، حسب مشيئة الآب، ويسوع المسيح إلهنا" (Ἰησοῦ Χριστοῦ, τοῦ θεοῦ ἡμῶν).

ولما كتب لكنيسة روما، قال في التحية إنهم:

"مستنيرين بمشيئة اللي بيُريد كل شيء حسب محبة يسوع المسيح إلهنا" (τοῦ θεοῦ ἡμῶν)، وكان بيتمنى ليهم "خلاص وفير ونقي في يسوع المسيح إلهنا" (τῷ θεῷ ἡμῶν).

وفي الفصل ٣، نصحهم إنهم يركزوا على الحاجات غير المنظورة أكتر من الأرضية، لأن:

"الحاجات اللي بتتشاف مؤقتة، لكن اللي مبتتشافش أبدية. لأن حتى إلهنا، يسوع المسيح (ὁ γὰρ θεὸς ἡμῶν, Ἰησους Χριστὸς) اللي موجود في الآب [يعني صعد تاني للآب] ممجّد أكتر" [في العالم غير المنظور من لما كان على الأرض].

وبيوصي كنيسة تراليا Trallian c. 7 إنهم:

"يفضلوا مرتبطين بالله، يعني بيسوع المسيح" (θεοῦ Ἰησοῦ Χριστοῦ). وبيقول لكنيسة سميرنا Smyrnaean c. 1، "أنا بأمجّد يسوع المسيح، اللي هو الله (Δοξάζω Ἰησοῦν Χριστὸν τὸν θεὸν)، اللي أعطاكم حكمة عظيمة."[7]

الاقتباسات اللي جاية من كتابات الآباء الرسوليين فيها تلميحات واضحة للثالوث. كليمندس الروماني Clement of Rome في رسالته الأولى لكورنثوس (c. 46) بيسأل:

"هو إحنا ماعندناش إله واحد، ومسيح واحد؟ مش فيه روح نعمة واحد، اللي اتسكب علينا، ونداء واحد في المسيح؟"

بوليكاربوس Polycarp، حسب رسالة كنيسة سميرنا (c. 14)، ختم صلاته عند المحرقة بكلمات مشتعلة بالإجلال:

"وعلشان ده، وكل الأمور، أنا بأمدحك، وأباركك، وأمجدك، مع يسوع الأبدي والسماوي، ابنك الحبيب؛ اللي معاه ليك، ومع الروح القدس، كل المجد، دلوقتي، ولكل الأجيال الجاية. آمين."

إغناطيوس الأنطاكي Ignatius، في رسالته لأهل مغنيسيا Magnesians c. 13، رتّب الأقانيم الثلاثة وحط الابن في الأول:

"اسعوا إن كل اللي تعملوه ينجح في الجسد والروح، في الإيمان والمحبة، في الابن، وفي الآب، وفي الروح القدس"—وده نفس ترتيب بولس في 2 كورنثوس 13:13.

برنابا في رسالته Barnabas Epist. c. 5 شاف الثالوث في العهد القديم:

"علشان كده، الرب تحمّل الألم لأجل نفوسنا، مع إنه رب كل الأرض، واللي قال له [الآب] قبل خلق العالم: ‘خلينا نخلق الإنسان على صورتنا وشبهنا.’"[8]



[1] Church History, § 56.

[2] PLINIUS: Ep. x. 96.

[3] BUNSEN: Analecta Ante-Nicaena, III. 23. قارن مع EUSEBIUS (Eccl. Hist. V. 28)، علشان تشوف الأدلة اللي بتوضح إن ألوهية المسيح كانت دايمًا مُعلنة من البداية، ودايمًا كانت بتُعتبر من تعاليم الرسل الأساسية.

[4] الصيغة اللي مكتوبة مش بتقول ان في واحد اسمه الآب وواحد اسمه الابن وواحد تالت اسمه الروح القدس، بقدر ما بتقول: "ما هو اسم الواحد؟ الآب، ما هو اسم الواحد؟ الابن. ما هو اسم الواحد؟ الروح القدس".

[5] كان من عادة كنيسة المسيح إنها تنهي أحيانًا الصلوات، ودائمًا العظات، بكلمات تمجيد (gloria Patri)؛ واللي فيها الثالوث القدوس يُعطى التكريم والتمجيد، ولحد ما ظهرت الآريوسية Arianism وخَلَّت الإيمان الصحيح بقى موضوع دقيق وبيحتاج ذكاء شديد، الناس مكانتش بتدقّق في الحروف أو أجزاء الكلام اللي بيستخدموها. HOOKER Eccl. Pol. V. xliii.— وHOOKER بيضيف إن باسليوس الكبير Basil، علشان أحيانًا كان بيستخدم تعبيرات زي “with the Son,” و“by the Son, in the Spirit”، اضطر يهدّي الشكوك اللي كانت ظهرت في عقول البعض من غير قصد، وكتب علشان كده مؤلفاته عن الثالوث.

[6] MEIER: Geschichte der Trinitätslehre, pp. 47, 54.

[7] MEIER، ناقد حديث، بيقول إن النسخة الطويلة من رسائل إغناطيوس هي النسخة الأصلية، مش القصيرة، لأنه شايف إن النسخة القصيرة فيها تعبير واضح من قانون نيقية عن ألوهية المسيح، بينما النسخة الطويلة بتعرض العقيدة دي بطريقة عامة أكتر تابعة للثالوث اللي قبل نيقية.

لكن HEFELE بيرد لصالح النسخة القصيرة، وبيقول: “Verum acrior utriusque recensionis inspectio docet, longiorem quoque octies decies Christum Deum nominare, eam magis definite de persona Spiritus Sancti loqui, pleniorique formula Trinitatis esse usam; quo fit, ut merito posterioribus sit temporibus tribuenda.” 

يعني: "الفحص الدقيق للنسختين بيبيّن إن النسخة الطويلة كمان ذكرت المسيح كإله تمنتاشر مرة، واتكلمت بشكل أوضح عن شخصية الروح القدس، واستخدمت صيغة ثالوثية أكتر اكتمالًا؛ وده بيخليها، وبجدارة، تُنسب لفترة زمنية متأخرة." 

HEFELE: Patrum Apostolicorum Opera Prolegomena, xlv.

[8] HEFELE: Patrum Apostolicorum Opera, in locis. موضوع صحة الرسائل ما ينفعش يتناقش طبعًا في عمل زي ده. القارئ هيلاقي في إصدار Hefele عرض مختصر لمسار النقد اللي حصل على أولى الكتابات المسيحية دي بعد غلق قانون الكتاب المقدس؛ ومع دفاع عن صحتها بيتوافق بشكل كبير مع نتائج أبحاث العلماء الإنجليز والأوروبيين في القرون 17 و18 و19.

فكرة إن رسائل إغناطيوس ما حصلش فيها إضافات مش صح؛ لكن كمان فكرة إنها مزيفة من أول حرف لآخر فقرة أبعد ما تكون عن الصح. علم علماء زي Usher، وVossius، وPearson، وBull، وMosheim، وNeander، وGieseler، وRothe، وDorner—كلهم أكدوا صحة النسخة القصيرة من السبعة رسائل اللي ذكرهم Eusebius، رغم إن بعضهم زي Mosheim وNeander شايفين إن فيها إضافات ملحوظة—لكن رأيهم كان أرجح من اللي قالوا إنها مزيفة.

حتى Baur، رغم إنه شكك في صحتها، اعترف إن أصلها قديم جدًا؛ واعتبرها "نتاج بولسي من النصف التاني من القرن التاني." شوف كمان GUERICKE: Church Hist., § 57؛ وSCHAFF: Church Hist., § 119.


ليست هناك تعليقات: