السبت، 5 يوليو 2025

تاريخ العقيدة في المسيحية المبكرة - العقيدة العامة عن الله (2)

 


العقيدة العامة عن  الله، الجزء الثاني[1]

الفقرة ٥: الثالوث الوثني

بعض أنظمة اللاهوت في العصور الوثنية القديمة كانت فيها إشارات لفكرة التثليث في الكيان الإلهي. كتابات أفلاطون بشكل خاص في الفلسفة الغربية، وبعض الأنظمة الشرقية زي الهندوسية، احتوت على تلميحات للنوع ده من الوجود الإلهي. لكن الثالوث الوثني كان مجرد تجسيد رمزي، مش تمييز داخلي حقيقي في جوهر الله بين ثلاث أشخاص حقيقيين يُمكن التوجه ليهم في الصلاة والعبادة.

الثالوث الوثني غالبًا بيتكوّن بطريقتين: يا إما من خلال تجسيد لثلاث صفات أساسية لله زي الصلاح والعقل والإرادة—ودي طريقة أفلاطون؛ أو من خلال تجسيد لثلاث قوى في الطبيعة زي الخلق، الحفظ، والهدم—وده في نظام "تريمورتي" الهندوسي. في الأنظمة دي، الصفات والوظائف بتحل محل التمييزات الجوهرية الداخلية في طبيعة الله.

وعلشان كده، لما نحلل الفكرة بشكل نهائي، ما بنلاقيش فيها تثليث حقيقي لأشخاص، لكن مجرد تجسيد لثلاث عناصر غير شخصية. وبالتالي، الثالوث الوثني بيكون رمزي واسمي بس.

كودورث CUDWORTH حاول يثبت إن أفلاطون كان بيؤمن بثالوث حقيقي في جوهر الله. أما مورجان (في كتابه "ثالوث أفلاطون وفيلو") فاعترف إن أفلاطون كان عنده فكر توحيدي، لكنه أنكر وجود ثالوث بالمعنى المسيحي أو الجوهري في كتاباته.

في فقرة من كتاب "إيبينوميس"،[2] بيقول:

"كل واحدة من القوى السماوية الثمانية (زي اللي في الشمس والقمر...) بتمر بدورتها وبتكمل النظام (κόσμον) اللي العقل (λόγος)، الإلهي أكتر من الكل، عيّنه علشان يكون مرئي".

مورجان بيرد وبيقول[3] إن أفلاطون بيتكلم هنا عن قانون التناغم في الكون المادي، وكلمة "λόγος" هنا جاية من غير أداة تعريف، وده بيدل إنه بيتكلم عن مبدأ مجرد، مش عن شخص.

في رسالة أفلاطون التانية لـ ديونيسيوس،[4] بيقول:

"بالنسبة لملك الكل، كل حاجة ملكه، وكل حاجة علشانه، وهو سبب كل الأشياء الجميلة. وفيه واحد تاني خاص بالأشياء الثانوية، وثالث للأشياء الترتيبية".

كودورث فسر ده على إنه ثالوث: "الخير"، و"العقل"، و"الروح".[5] وقال إن أول اتنين منهم كانوا غير مخلوقين وأزليين. أما التالت، اللي هو "روح الكون"، ففيه احتمال إنه مش أزلي، لكنه رجّح إن أفلاطون كان بيؤمن بوجود نوعين من النفس: واحدة أرضية مرتبطة بالعالم المادي، والتانية فوق العالم، ودي بتشكل العالم مش بس كصورته، لكنها كصانع له.

كودورث شايف إن الثالوث الأفلاطوني والفيثاغوري كان مبني على وحي إلهي انتقل من العبرانيين للمصريين وباقي الشعوب.[6] وميز بين الثالوث الأفلاطوني الحقيقي، والثالوث الزائف اللي أضافه أتباع أفلاطون بعدين، واللي كانوا بيألهوا عقول فرعية جنب العقل الكوني، وده أدى لأفكار زي: وحدة وجود، وعبادة الكون، وعبادة الكائنات.

ثيودوريت قال[7] إن بلوتينوس ونومينيوس شرحوا أفكار أفلاطون وقالوا إنه بيعلّم إن فيه ثلاث مبادئ: الخير، والعقل، وروح الكل. بلوتينوس وصفهم وقال:

"كأن الخير هو المركز، والعقل دايرة ثابتة حوله، والروح دايرة متحركة وبتتحرك بالشهوة".[8]

بالنسبة للثالوث الهندي، فهو بيتكوّن من ثلاث قوى: الخلق (براهما)، الحفظ (فيشنو)، والهدم (شيفا)، وكلهم طالعين من الكيان الأصلي "برهم".

الديانة الفارسية بتعترف بوجود مبدأين كبار: أورمزد وأهرمان، الاتنين تابعين لميثرا، السبب الأول الكبير، أو الزمن غير المحدود. والثنائية دي بتقول إن القوتين المتعارضتين اتخلقوا أو خرجوا من الكائن الأعلى غير المخلوق.[9]

الفحص ده لفكرة التثليث عند الوثنيين بيرد على كلام سوسينوس اللي قال إن الكنيسة خدت عقيدة الثالوث من كتابات أفلاطون. الاتنين مختلفين تمامًا في الأساس. لكن في نفس الوقت، فيه شبه بسيط بينهم، وده يخلي الكلام منطقي لما نقول إن عقيدة الثالوث في الكتاب المقدس مش بعيدة قوي عن الإدراك الطبيعي للعقل البشري، زي ما معارضيها بيقولوا، لأن أكتر الأنظمة الفلسفية والدينية الوثنية عمقًا حاولت توصل لها، حتى لو ما قدرتش.

رؤية ناقصة أو مش كاملة للحقيقة أحسن من مافيش خالص؛ ورغم إنها مش كافية لا نظريًا ولا عمليًا، لكنها بتأكد جزئيًا صحة العقيدة الكاملة. يعني التقليد والتقليد المزيف هما في الآخر دليل على وجود الأصل الحقيقي.

 



[1] William G. T. Shedd, A History of Christian Doctrine, Vol. 1 (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 1999). 223.

[2] 986. d, Ed. Tauchnitz, VI. 495

[3] Trinity of Plato, p. 6

[4] Opera VIII. 118, Ed. Tauchnitz

[5] Intellectual System, II. 364 sq. Tegg’s Ed.

[6] Intel. Syst. II. 333, 339, 340

[7] De affect. II. 750

[8] PLOTINUS (4 Ennead, iv. 16)

[9] MILMAN: History of Christianity, p. 200, Harper’s Ed.


ليست هناك تعليقات: