السبت، 12 يوليو 2025

الغفران

 



 كانوا بيسموه "بابا كينج."

 

مارتن لوثر كينج الأب توفى سنة 1984، على مدار 84 سنة، عاش كمية معاناة وكراهية أكتر من نصيبه الطبيعي. وهو طفل في جورجيا، شاف إعدامات من غير محاكمة. ولما حاول يسجل علشان يصوت في أتلانتا، اكتشف إن مكتب التسجيل في الدور التاني في مبنى البلدية—لكن المصعد مكتوب عليه "للبيض فقط"، والسلم كان مقفول، والمصعد اللي للسود كان معطل.

أغلب الناس بتفتكره بسبب إنجازات ابنه، الدكتور مارتن لوثر كينج جونيور—زعيم حركة الحقوق المدنية اللاعنفية، اللي اغتاله قاتل سنة 1968. لكن ده مكانش نهاية ألمه.

في سنة 1974، أثناء خدمة الكنيسة، كانت مراته بتعزف "صلاة الرب"، وفجأة قام شاب وسط الحضور وبدأ يطلق النار. انهارت السيدة كينج وسط وابل من الرصاص، بينما بابا كينج كان واقف مصدوم على المنبر.

في آخر حياته، اتكلم عن سياسة اللاعنف اللي احتضنها وقال:

"فيه اتنين المفروض أكرههم. واحد أبيض، والتاني أسود، والاتنين محبوسين بتهمة القتل. لكن أنا مش بكره أي حد فيهم. مفيش وقت للكراهية، ومفيش سبب ليها أصلاً. مفيش حاجة تنزل الإنسان لمستوى أقل من إنه يسمح لنفسه إنه يقع في فخ الكراهية."

بس إزاي الواحد ميكرهش بعد ما اتقتلت مراته وابنه الكبير؟ الطبيعي، وحتى المنطقي، إن الواحد يكره القاتل، مش كده؟ لكن الإجابة كانت واضحة:

"مفيش وقت للكراهية."

الكراهية معناها العيش في الماضي، والتفكير في حاجات حصلت خلاص. الكراهية أكتر شعور مدمر، لأنها بتدي للشخص اللي بتكرهه انتصار مرتين—مرة في الماضي، ومرة في الحاضر.

مفيش وقت للكراهية؟ مش لو اتعلمت إزاي تسامح.

المسامحة مش معناها إنك تنسى الماضي، لكنها معناها إنك ترفض تعيش فيه. الغفران بيكسر قيود المرارة والرغبة في الانتقام. ورغم إن التسامح له ثمن، عدم الغفران ثمنه أكبر بكتير.

 

الوصية

 

إحنا في سلسلة اسمها "الوعود الكبيرة: الله بيقول إنك أنت، إنك تقدر، إنك عندك، وإنك هتكون." "أنت تقدر تسامح".

نبدأ بالكلام ده من الرسول بولس: "لا يخرج من أفواهكم كلام فاسد، بل كل ما هو صالح للبنيان حسب الحاجة، لكي يعطي نعمة للسامعين." (أفسس 4: 29)

"لا يخرج من أفواهكم كلام فاسد، بل كل ما هو صالح للبنيان حسب الحاجة، لكي يعطي نعمة للسامعين."

في الترجمة NIV الكلمة مكتوبة "كلام غير لائق"، لكن في الملك جيمس مكتوبة "كلام فاسد". الكلمة اليونانية الأصلية معناها "متعفن"، وكانت بتستخدم لوصف اللحم المتحلل أو السمك الفاسد—المعنى ببساطة: "ممنوع يطلع من بقك كلام عفن!" أو بلغة الشارع، "ممنوع الكلام القذر!"

إيه اللي يعتبر كلام فاسد؟ شوية أمثلة:

ألفاظ بذيئة أو قلة أدب.

إهانة عرقية أو قومية.

مزاح جارح أو ساخر.

كلام قاسي وجارح.

تعليقات مليانة خبث.

نميمة وإشاعات وكلام كذب.

انتقاد علني لزوجتك أو أولادك.

صوت عالي وصراخ.

المبالغة في عيوب الناس.

تبرير الكلام الجارح بـ"كنت بهزر!"

ليه ده مهم؟ أمثال 18: 21 بيقول: "اللسان ليه قوة الحياة والموت."

كل مرة بتفتح بقك، يا إما حياة بتطلع، يا إما موت بيخرج. الكتاب المقدس بيقول إن الحلق زي قبر مفتوح (رومية 3: 13)—يعني لو فيه موت جواك، أكيد هيبان في كلامك في الآخر.

أفسس 4: 29 بيقدم لنا بديل مسيحي للكلام الفاسد:

أولًا، لازم نتكلم بكلام صالح يبني الناس بدل ما يهدمهم.

ثانيًا، لازم نستخدم كلامنا علشان يكون نعمة للي بيسمعونا.

الدرس ببساطة: كل كلمة... تكون خير... تكون مليانة نعمة... كل الوقت.

أحيانًا بنحتاج حد يذكرنا نراقب كلامنا. جوردن ماكدونالد بيحكي عن رحلة لليابان لما كان شاب، وفي يوم وهو ماشي في شوارع يوكوهاما مع قسيس كبير في السن، قال تعليق ساخر عن واحد من أصدقائهم المشتركين. القسيس وقف، بصله في وشه وقال:

"الإنسان اللي بيحب ربنا بجد، مستحيل يتكلم عن صاحبه بالطريقة دي."

الكلام ده كان زي سكينة دخلت في ضلوعه، الألم كان شديد لدرجة إنه معرفش يرد. بعد 20 سنة، قال إن الذكرى دي ساعدته آلاف المرات لما كان مائل ينتقد حد من عيلته أو أصحابه أو زمايله.

كلنا بندور على مبررات لكلامنا، مش كده؟ "كنت تعبان، كنت متضايق، مكنتش مركز، مكنتش أقصد، بس هو حقيقي فقلته!" ونفضل نبرر الكلام اللي بيؤذي. بس المبررات دي مش بتبرر أي حاجة، لأن الكلمة لها تأثيرها مهما كان السبب.

طيب، ربنا بيقول لنا إيه؟ "كفاية كلام معفن!"

 

العواقب

 

بولس بيذكر العواقب المحزنة للكلام القاسي في أفسس 4: 30:

"لا تحزنوا روح الله القدوس، الذي به ختمتم ليوم الفداء."

عارف إنك ممكن تحزن الله؟ إنت ممكن تحزن صديق قريب أو شخص بتحبه، لكن مش ممكن تحزن حد غريب قابلته في الشارع. الغريب ممكن تزعجه أو تجرحه، لكن الحزن بيكون بس بين الأحباب والأصدقاء.

كلام بولس عملي جدًا وعميق في نفس الوقت. إحنا بنركز كتير على المشاكل بيننا وبين الناس، كأن أهم حاجة في الحياة هي علاقاتنا الاجتماعية. لكن الآية دي بتفكرنا إن العلاقة الأساسية دايمًا هي علاقتنا بالله.

كلامك ممكن يخلي الله يحزن بسبب الكلمات اللي بتطلع من فمك من غير تفكير.

السبب لدا واضح: الله مش بس ساكن جواك، لكنه كمان ساكن في الأخ أو الأخت اللي انت اغتبته.

الكلام ده مهم جدًا في أيامنا دي، لأننا بقى عندنا قابلية نتغاضى عن الكلام القاسي، وأحيانًا بنشجعه.

ده مش معناه إننا عمرنا ما هنقول حاجة صعبة أو مؤلمة لأي حد. أمثال 27: 6 بيقول: "جروح الصديق أمينة."

أحيانًا الصديق بيجرح علشان يشفي، زي الطبيب اللي لازم يعمل عملية جراحية لإزالة حاجة مضرة. لكن قبل ما تبدأ تصحح أخطاء الناس، لازم الأول تشيل العائق اللي في عينك، قبل ما تحاول تشيل القشة اللي في عين غيرك.

 

العلاج

 

لازم نستبدل المشاعر الفاسدة بحاجات أفضل بكتير.

"كونوا لطفاء ورحماء تجاه بعضكم، واغفروا لبعضكم، كما غفر لكم الله في المسيح." (أفسس 4: 32)

اللطف يعني الرقة وسط الاستفزاز—بيمد إيده للي مش مستحق، وبيمتنع عن العقاب حتى لو كان يستحقه. اللطف هو "الزيت اللي بيخلّي الحياة تمشي بسلاسة."

الرحمة معناها "أنا ههتم بيك، ومش هبعدك عني."

الغفران بيبدأ من عند ربنا، وبينزل لينا، وبعدين بنوصله للناس التانيين.

إحنا بنسامح زي ما ربنا سامحنا، وبنمد النعمة للناس زي ما الله مدها لينا. إحنا مش مستحقين، لكن اتغمرنا بنعمة الله في المسيح، فبالتالي بنعطي نفس النعمة دي للخُطاة اللي أساؤوا لينا.

من ربنا لينا، وللناس. نعمة لينا، ونعمة لغيرنا.

إحنا بنعمل مع الآخرين زي ما ربنا عمل معانا.

بعد خطايانا عننا زي ما المشرق بعيد عن المغرب.

حط خطايانا ورا ظهره.

رماها في أعماق البحر.

مش بيفتكرها تاني.

محوها تمامًا.

لغى الدين اللي علينا.

أعلن إننا مش مذنبين.

إحنا عندنا غفران الخطايا بحسب غنى نعمته (أفسس 1: 7).

ربنا سامحنا بحرية، فورًا، وبالكامل. فهل نقدر نعمل نفس الشيء مع الناس اللي جرحونا بعمق؟

الرسالة واضحة وبسيطة: "روح واعمل مع الآخرين زي ما المسيح عمل معاك."

ده هو الوعد الكبير النهارده—المسامَحون بيسامحوا غيرهم.

لكن الموضوع مش دايمًا سهل.

 


ليست هناك تعليقات: