الأربعاء، 6 سبتمبر 2023

ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟ (10- ليه تم اختيار بعض الكتب ورفض البعض الأخر من قانون العهد الجديد)

 


لكن كانت هناك تساؤلات حول بعض النصوص.

التساؤلات بدأت عندما أحضر أحد المعلمين الزوار بعض المخطوطات الجديدة إنجيل يدّعي إنّه لبطرس، كتاب عن ما بعد الحياة منسوب لبطرس أيضًا، رؤيا نقلها كائن إلهيّ في زي راعي ودليل مفيد يدّعي أنّه يحتوي على تعاليم الرسل الإثني عشر. إضافة إلى عدّة رسائل كان نُسَّاخ الرعايا المجاورة لطفاء كفاية لينسخوها لكنيستك. هناك رسالة ثانية من سمعان بطرس، ملاحظة من قائد في الكنيسة الرومانية يدعى اكليمنضس ورسالة تدّعي أنها لبرنابا. وليس هنالك أحد متأكد مما يفعل بتلك الكتابات. هل على قادة الكنيسة قراءتها بجانب الأناجيل ورسائل بولس والنصوص اليهوديّة؟ وإذا حصل ذلك، هل على كلّ من في الكنيسة اتباع ما تقترحه هذه الكتابات؟ من ثمّ هنالك إشاعات من مدينة روما. عامل جلود من اجتماعكم كان قد عاد توًّا من مدينة الشيوخ والقياصرة. بعد أن قضى أيامه في بيع جلود الماعز في السوق، وكان قد استمع إلى عدة محاضرات من واعظ متحمس اسمه مرقيون. وبحسب مرقيون الكتب الوحيدة التي تنتمي لخزانة الكتب المسيحيّة هي رسائل بولس والانجيل بحسب لوقا. ومن ثمّ جادل مرقيون أنّ بعض أجزاء إنجيل لوقا يجب أن تُحذَف.

الآن، عامل الجلود مقتنع بأنّ بعض المخطوطات على الأقل- في خزانة كتب كنيستك غير جديرة بالثقة. وعلى الأقل يقول إنّ الكتب ليست كلّها متساوية. بالتأكيد كلمات المسيح وأتباعه الأوائل أهمّ من رسائل لاحقة من أساقفة آخرين. والآن مجموعة من الناس تتساءل إذا ما كان مرقيون محقّا: لربّما الكتب التي تنتمي لخزانة كتبك هي رسائل بولس والإنجيل بحسب لوقا.

كيف اتفقت الكنائس؟

هل شعرت بالمعضلة التي واجهت كنائس القرن الثاني عندما بدأت الكثير من الكتابات المسيحيّة بالتداول؟ وعندما بدأت كتابات جديدة تظهر على السطح، كان على المسيحيّين تقرير أي الوثائق تمثل الحقيقة حول المسيح وأي نوع من النفوذ يجب أن تحظى به هذه الوثائق في حياتهم اليوميّة. إذًا كيف قام المؤمنون الأوائل باتخاذ القرار؟

هاكم كيف قررت الكنائس الأولى أي الكتاب كانت قانونية حسب تفسير بارت إيرمان في “Misquoting Jesus”:

نستطيع تحديد أوّل مرة قام فيها أي مسيحيّ بإدراج السبع وعشرين كتابًا من عهدنا الجديد كأسفار العهد الجديد، لا أكثر ولا أقل. وبقدر ما يبدو مفاجئًا، هذا المسيحيّ كان يكتب في النصف الثاني للقرن الرابع الميلاديّ، أي بعد حوالي 300 سنة من كتابة كتب العهد الجديد. المؤلف كان أسقف الإسكندريّة القوي أثناسيوس. في عام 367 ميلاديّ كتب أثناسيوس رسالته الأسقفيّة السنويّة للكنائس المصريّة تحت ولايته. وفي هذه الرسالة أرفق نصيحة بالكتب التي يجب أن تُقرأ كنصوص في الكنائس. ويدرج كتبنا السبع وعشرين ويستقصي غيرها. هذه هي الحادثة الأولى الباقية لأي أحد يؤكِّد مجموعة كتبنا للعهد الجديد. ولكن حتّى أثناسيوس لم يحسم المسألة. المناظرات استمرت عقودًا لا بل قرونًا بعد ذلك.[1]

كلّ حقيقة أوردها إيرمان في هذا التلخيص صحيحة، لكنه أقصى بعض الحقائق المفتاحيّة. ولذلك، فإنّ تلخيص إيرمان يمكن أن يترك القُرَّاء مع بعض الانطباعات غير الصحيحة. انطباعات مثل: 1) حتّى قت متأخر من القرن الرابع لم يكن هناك إجماع حول أي الكتابات المسيحيّة قانونيّة وصحيحة. 2) إنّه حتّى في ذلك الوقت معيار الكنيسة كان كلمة أسقف قويّ.

إذًا، ما هي الحقيقة الكاملة؟ متى اتفق المسيحيّون على أي الكتابات قانونية في اجتماعاتهم؟ وماذا كانت المعايير لهذه القرارات؟

بداية، المعيار الأساسيّ لتحديد أي الكتب قانونية ظهر قبل القرن الرابع بوقت طويل— والمعيار لم يكن كلمة أسقف قويّ. في الحقيقة نستطيع إيجاد تلميحات عن هذا المعيار في الكتابات المسيحيّة للقرن الأوّل. بالرغم من أن لا أحد وضع هذا المعيار بشكل كتابيّ إلَّا إنَّ الفكرة الأساسيّة كانت شيئًا من هذا القبيل: الشهادة المرتبطة بشهود عيان حول الربّ المُقام كانت قانونيّة عند المسيحيّين الأوائل بشكل فريد.[2]

 

لماذا نهتم لشهود العيان؟

 

حتّى في فترة كتابة أسفار العهد الجديد كلمات الناس اللذين رأوا وتبعوا الربّ المُقَام خاصة كلمات وكتابات الرسل حملت سلطة خاصة في الكنائس (راجع أعمال 1: 21-26؛ 15: 6؛ 16: 5، كورنثوس الأولى 4-5، 9: 1-12، غلاطية 1: 1-12، تسالونيكي الأولى 5: 26-27). بعد موت الرسل استمر المسيحيّون بتقدير شهادة شهود العيان ومعاونيهم. وفي حوالي عام 110م وضعها بابياس أسقف هيرابوليس بهذه الطريقة:

لم تأخذني المتعة بأولئك اللذين تحدثوا كثيرًا بل بمن علَّموا الحقيقة ولا بأولئك اللذين سردوا وصايا غريبة، بل بأولئك اللذين سردوا الوصايا المعطاة من قِبَل الربّ... لذلك إذا جاء أحد ممن خدم الشيوخ سألت عن أقوالهم بالتفصيل الذي قاله أندراوس أو بطرس أو الذي قاله فيليبس أو توما او يهوذا أو يوحنّا أو متّى أو أي من أتباع الربّ.[3]

وفي ذلك الوقت قام قائد كنيسة باسم بوليكاربوس باقتباس كلمات الرسول بولس على أنّها “نصوص مقدسة”.[4]

و بعدها بجيل عندما أراد أحدهم في الكنيسة الرومانيّة أن يرى أي الكتابات المسيحيّة يجب أن تُعتبر قانونيّة بقيَّ هذا التشديد على شهادة العيان الرسوليَّة. بعدما أدرج الكتب التي وجدها قانونيّة، هاكم ما كتبه أحد المسيحيّين بخصوص كتاب مشهور اسمه “الراعي” الذي كان متداولًا بين الكنائس:

هرماس ألَّف “الراعي” حديثًا، في وقتنا وفي مدينة روما بينما كان أخوه بيوس المشرف يخدم كمشرف لمدينة روما. لذلك، مع أنّه يجب قراءته، إلَّا إنّه لا يمكن قراءته علنًا لشعب الكنيسة. لا يمكن عدّه ضمن الأنبياء (لإنّ عددهم اكتمل) ولا ضمن الرسل (لإنّه بعد وقتهم)”.[5]

لاحظ بعناية الأسباب التي جعلت كُتَّاب القرن الثاني يرفضون كتاب الراعي لهرماس من أن يكون مُرشِدًا للكنائس: هذه الكتابة لا يمكن إضافتها لأنبياء العهد القديم لأن وقت الأنبياء العبرانيين قد مضى (لأن عددهم اكتمل) كما أنّه مع موت الرسل انتهى وقت شهود العيان الرسوليّين (لأنه بعد وقتهم). هذا المُعلِّم لم يمنع المؤمنين من قراءة الراعي، لكنه ببساطة نوَّه إلى أنّ هذا الكتاب لا يجب أن يُخدَم به في اللِّتورجيَّا الكنسيّة كنص موثوق به أو قانونيّ (إنّه لا يمكن قراءته علنًا لشعب الكنيسة).

فيما بعد، ردّد قادة كنسيّين مثل ترتليان القرطاجيّ وسيرابيون الأنطاكيّ هذا النوع من المعايير، وقد قال سيرابيون بوضوح: نحن أيها الإخوة والأخوات نستقبل بطرس كما نستقبل المسيح نفسه. لكن تلك الكتابات الموصوفة زورًا بأسمائهم، نرفضها بحذر، عارفين أنّ كتابات كتلك لم تُسلَّم لنا.[6] مجدّدًا، رسّخ المسيحيّون معيارهم لتحديد أي الكتابات كانت قانونيّة بشهادة شهود العيان الرسوليّين.

 من القرن الأوّل فصاعدًا رأى المسيحيّون أنّ الشهادة التي يمكن أن تصل لشهود عيان الربّ المُقام كانت قانونيّة (موثوق بها) بشكل فريد. المنطق وراء هذا المعيار بسيط الأشخاص اللذين على الأرجح يعرفون الأكثر حول المسيح كانوا إمَّا شهود عيان قابلوا المسيح شخصيًّا أو مساعدون أقرباء من شهود العيان. لذلك، بالرغم من أن المسيحيّين تنازعوا لعدة قرون حول أي الكتابات قانونيّة (موثوق بها) كان هنالك شيء أعظم بكثير من مكيدة سياسيّة لقيادة قراراتهم. هدفهم كان تحديد أي الكتب يمكن وصلها بشهود عيان للرب المقام.

مع وضع هذا في الحسبان، دعونا ننظر إلى بعض الأمثلة من الحياة الواقعية عن كيف انتهى الحال ببعض الكتابات مقصاة من مجموعة الكتب الكنسية التي تعتبر قانونية (موثوق بها).

 

إنجيل بطرس: إنجيل الصليب المتحدث

 

في عام 199م صار أجد الأساقفة مشرفًا على الكنيسة الرئيسيّة في سوريا، وهو المدعو باسم سيرابيون، أسقف الكنيسة في أنطاكية، لم يكن سيرابيون مسؤولًا عن كنيسته فحسب بل كان مسؤولًا عن عدة رعايا أصغر حجمًا في المنطقة. إحدى هذه الرعايا اجتمعت في قرية روسوس Rhossus. خلال عدة شهور سمع سيرابيون إشاعات بأنّ الكنيسة في روسوس كانت على حافة صدع، لذلك وجد سيرابيون نفسه يجتاز الطريق الساحليّ الحجريّ الذي أخذه شمال أنطاكية نحو روسوس.

عندما وصل إلى روسوس، اكتشف أنّ بعض أعضاء الكنيسة كانت لديهم مشكلة مع إنجيل كان “منقوشًا عليه اسم بطرس”.[7] عندما سمع سيرابيون هذا أجاب: “إذا كان هذا هو جل ما يهدد إنتاج مشاعر بغضاء فيما بينكم، دعوا الإنجيل يُقرأ”. فبالنهاية إذا جاء هذا السرد عن خدمة يسوع من سمعان بطرس، فإنّه بالتأكيد يمثل شهادة شاهد عيان. وبما أنّه حسب التقليد الكنسيّ المتسق في الكنيسة الأولى أنّ إنجيل مرقس مثل رواية بطرس عن حياة المسيح، من الممكن أن يكون سيرابيون قد افترض أنّ الرفاق الطيبين في روسوس كانوا يصفون إنجيل مرقس.

على أي حال، لم يكن الجواب بالوضوح الذي توقعه سيرابيون. ففي وقت لاحق، أحدهم أحضر إلى الأسقف نسخة من إنجيل بطرس. وعندما قرأ سيرابيون المخطوطة بنفسه، أدرك أنّه ارتكب خطًا فادحًا. بالتأكيد، عكس معظم إنجيل بطرس، القصص نفسها الموجودة في الكتابات الكنسيّة التي تنتمي لخزانة كتب الكنيسة. القليل (أو لا شيء) من المخطوطات المتوفرة لدينا من إنجيل بطرس يتعارض بشكل مباشر مع ما جاء في أناجيل (بشارات) العهد الجديد.

مع ذلك رأى سيرابيون بوضوح أن هذا الكتاب ليس نتاج وعظ سمعان بطرس.[8] كانت هنالك دلائل على بداية إيمان خاطيء قد ظهر قرب نهاية القرن الأوّل، بعد بضع عقود من موت بطرس. هذه الهرطقة التي تدعى الدوسيتيّة من الكلمة اليونانية dokein التي تعني “يظهر” ادّعت أنّ المسيح لم يكن إنسانًا حقًّا، بل، وبحسب هؤلاء المعلمين، المسيح فقط بدا (ظهر) بشريًّا. على سبيل المثال عندما يصف إنجيل بطرس الصلب، يقترح أن المسيح “كان صامتًا، كأنّه لم يشعر بالألم”.[9] نية هذه العبارة على الأغلب أن تشير إلى هدوء المسيا (المُخلِّص) على الصليب مرددة صدى عبارة في إشعياء 53: 7: 

ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ

ولا يقول إنّ المسيح لم يشعر بأي ألم، بل يقول إنّ ردّ فعله كان “كأنّه لم يشعر بالألم”. مع ذلك يستطيع الدوسيتيّون أن يلووا هذه الفقرة لتعني أنّ المسيح لم يشعر بأي ألم جسدي، لذلك يتوجب ألَّا يكون قد ملك جسدًا فيزيائيَّا (حقيقيًّا).

هناك مجموعة أُخرى من الأشياء الغريبة في إنجيل بطرس. عندما مات يقول إنجيل بطرس ببساطة: “إنّه رُفِع إلى الأعلى”. لكن بما أنّ إنجيل بطرس يذكر قيامة جسديّة بعد بضعة أعداد، على الأغلب كانت هذه الجملة طريقة أخرى ليقول كما قالت أناجيل العهد الجديد: أسلم (أو تخلى عن) روحه (متّى 27: 50؛ يوحنّا 19: 30)

أغرب نص في إنجيل بطرس كان عندما قام يسوع من القبر. في عيون الجنود بدا المسيح طويلًا كالسماء وخلفه لمحوا ما يبدو كصليب هائل الحجم. وصوت أرعد من السماء: هل أعلنت لمن هم نيام؟ ويجيب الصليب على هذا: نعم.

بعد قراءة إنجيل بطرس، بعث سيرابيون برسالة إلى الكنيسة في روسوس مراجعًا فيها قراره السابق، معلنًا: “أنا على عجل لرؤيتكم، توقعوا أن تروني قريبًا... أغلب الأشياء (في هذا الإنجيل) من كلمة مخلصنا الصحيحة، لكن هنالك بعض الأشياء الخاطئة. وسأوضح لكم هذه الأمور”.

إذًا، لماذا رفض سيرابيون الأنطاكيّ إنجيل بطرس؟ يضع إيرمان الكثير من الانتباه على رفض سيرابيون، مدعيًّا أنّ مشرف أنطاكية رفض الكتاب لأنّه فشل في مطابقة أفكاره المسبقة عن هوية المسيح. وبحسب إيرمان:

استنتج سيرابيون بما أنّ الكتاب من الممكن أن يكون هرطوقيًّا، إذًا يجب ألَّا يكون بطرس قد كتبه. مستندًا على الافتراض المشكوك فيه بأنّه إذا خالف نص الحقيقة كما يراها هو ورفقاؤه الأرثوذكسيّون الأوائل، إذًا لا يمكن أن يكون النصّ رسوليًّا.[10]

بالرغم من اتهام إيرمان لمنطق سيرابيون بـالمشكوك فيه، إلَّا إنّ استنتاج سيرابيون منطقيّ للغاية. سيرابيون، وبحسب رسالته للكنيسة في روسوس، كان قد وصله شهادة شهود العيان الرسوليّين في الكتابات التي تسلمناها.[11] هذه الكتابات على الأغلب تضمّنت رسائل بولس وواحدة أو أكثر من واحدة من بشارات العهد الجديد بما فيها شهادة عيان بطرس في إنجيل مرقس. وهي وثائق ربطتها التقاليد الشفويّة منذ زمن طويل لشاهد رسوليّ.

عندما واجهته كتابة تدّعي أنّها جاءت من سمعان بطرس، قارنها سيرابيون بتلك الكتابات التي تسلمناها ووجد عدة تناقضات محتملة بين إنجيل بطرس وكتابات مثل إنجيل مرقس ورسالة بطرس الأولى، وهذه الكتب ربطتها التقاليد الشفوية منذ زمن طويل بسمعان بطرس. ولذلك، وصل سيرابيون إلى استنتاج منطقيّ وهو أنّ سمعان بطرس الذي كان شاهد عيان رسوليّ للمسيح بحسب رسائل بولس وأقدم الأناجيل لا يمكن أن يكون مصدر الإنجيل المسمى بإنجيل بطرس. كان هدف سيرابيون كهدف إخوته المؤمنين المتناثرين حول العالم: أراد أن يحفظ شهادة شهود العيان عن المسيح. وعندما فحص هذه الوثيقة كان استنتاجه أنّها ليست شهادة شاهد عيان بتاتًا.

كما اتضح، سيرابيون كان على حق. اللغة ونمط الأفكار في إنجيل بطرس أقنعا أغلب العلماء المعاصرين أنّ هذا الكتاب كُتِب في النصف الأوّل من القرن الثاني بعد جيل من موت بطرس في وقت كانت التعاليم الدوسيتيّة تنتشر.[12]

بالرغم من رفض سيرابيون للكتاب، ظلّ إنجيل بطرس مشهورًا بين المسيحيّين لعدة قرون. في واقع الأمر، بقايا إنجيل بطرس القديمة تفوق عددا بقايا إنجيل مرقس. قطعة من الفخار المكسور تعود للقرن السادس والسابع تعلن على أحد جهاتها بطرس، قديس، بشير وعلى الجهة الأخرى دعونا نستقبل إنجيله. بالرغم من ذلك، ليس واضحًا بشكل تام إذا ما كانت “إنجيله” تشير إلى الوثيقة المعروفة بإنجيل بطرس أو لتعاليم بطرس عن المسيح. كما وُجِدت نسخة من إنجيل بطرس مدفونة مع راهب مصريّ تعود للقرن السابع.[13] مع ذلك، لا توجد أي أدلة كافية تشير إلى أنّ إنجيل بطرس تمّ اعتماده كرواية قانونيّة لحياة المسيح.[14]

 

أعمال بولس: لماذا لا تعمد كنيستك الأسود

 

حواليّ عام 200 م اندلع جدال حول المعمودية في إحدى طوائف شمال إفريقيا. بضع أعضاء الكنيسة احتكم إلى كتابة معروفة بأعمال بولس (وثيقة اعتبرها بعض المسيحيّين كوثيقة قانونيّة). وعليَّ أن أعترف أنّ هُنالك أجزاء من أعمال بولس كانت لتثير بعض النقاشات المثيرة للاهتمام خلال مجموعات دراسة الكتاب المقدس في كنيستك.

بحسب هذه الوثيقة لكي تكون مسيحيّا لا يجب أن تؤمن بالمسيح فحسب بل يجب أن تمتنع عن العلاقات الجنسيّة تمامًا حتّى ضمن نطاق الزواج. كما نرى في منتصف أعمال بولس نجد الرسول بولس يعمد أسدًا طوله ثمانية عشر قدمًا. لذلك إذا انتهى المطاف بأعمال بولس في العهد الجديد قد تصح لك الفرصة لغمر القطط البريّة في حوض عماد كنيستك، لكن يجب أن تمتنع عن الجنس كذلك. (نعم، أعرف هذا كثير لاتّباع المسيح). بشكل عام، أغلب الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص الغريبة عن كيف تغلَّب بولس وامرأة اسمها تكلا على كلّ مكيدة ممكنة كانت تمنعهم من إعلان البشارة.

شيخ باسم ترتليان القرطاجي يعطي بعض الأسباب لعدم اعتبار أعمال بولس من الكتب القانونيّة للمسيحيّين.[15] عندما سمع ترتليان أنّ بعض أعضاء الكنيسة يحتكمون لأعمال بولس كتصوير قانونيّ لخدمة بولس، على ما يبدو أنّه قام ببعض البحث عن أصول هذا الكتاب. وفي خلال هذه العملية قام بإيجاد بعض الحقائق التي وضعت الشك حول مصداقيّة هذا الكتاب.

اكتشف ترتليان أنّ مؤلف أعمال بولس لم يكن رسولًا ولم يكن له علاقة بأي من الرسل. المؤلف خدم إحدى شيوخ أحد كنائس آسيا لأربعين سنة بعد استشهاد بولس.[16] وعندما سُئِل الشيخ أكّد أنّه ألَّف هذه القصص لحبه لبولس.[17] وعندما عرفت الكنائس في المنطقة أنّ هذه القصص هي أوهام تقية، أجبرت الشيخ للتنحي عن منصبه. وهذا بشكل صحيح جعل ترتليان يرفض أعمال بولس كـكتاب يتداول بشكل خاطيء تحت اسم بولس.[18]

الذي يثير اهتمامي بشكل خاص في الأحداث التي تحيط بقصة أعمال بولس ليس أن أحدًا يريد أن يُصدّق أنّ بولس عمّد أسدًا -بالرغم من أنّ هذا السؤال يخطر في بالي- ما يثير اهتمامي هو مقدار رغبة المسيحيّين الأوائل بالتأكُّد من أنّ كتاباتهم القانونيّة تُمثِّل حقائقًا تاريخيّة. كان مهمًّا لهؤلاء الرجال والنساء أن تكون الحقائق التاريخيّة قد شكلت بالفعل أسس كتبهم المقدسة. إذا لم يكن مسيحيّو القرن الثاني مهتمين بحفظ حقائق شهود العيان لماذا إذًا مؤلف أعمال بولس (الذي على الأغلب لم يرد شيئًا سوى تكريم ذكرى بولس ببضعة قصص خياليّة) انتهى به الحال في خزي وعري من رسامته؟

 حتّى وسط مسيحيّي القرن الثاني أي شهادة يمكن ربطها لشهود عيان الرب القائم كانت تعتبر قانونيّة بشكل فريد. لذلك، فالنصوص المزعوم ضياعها ضاعت أو بشكل أدق لم تُحفظ بعناية ككتابات تظهر في العهد الجديد في يومنا هذا.

ليس فقط إنجيل بطرس، بل أناجيل رسوليّة أُخرى ظهرت في القرنين الثاني والثالث للميلاد بعد موت أخر رسول بوقت طويل (إنجيل يهوذا، إنجيل مريم، إنجيل فيلبس، إنجيل المصريّين، إنجيل المخلص، إنجيل الحقيقة، والكثير غيرها). صحيح أنّ بعض أجزاء إنجيل بطرس وإنجيل توما (إنجيل آخر ظهر في القرن الثاني منسوب خطأ لأحد التلاميذ) على الأغلب تنبثق من شهادة شهود عيان حول المسيح.[19] لكن هذه التقاليد القليلة من القرن الأوّل خلطت بشكل كبير مع تقاليد من القرنين الثاني والثالث.

في أغلب الحالات عرف المسيحيّون أنّ هذه الوثائق جاءت متأخرة جدًّا لتمثّل شهاة شهود عيان عن المسيح. لذلك رفضوا هذه النصوص كنصوص قانونيّة تمثِّل حياة المسيح. الحُفَّاظ الأساسيّون لهذه النصوص المتأخرة أصبحوا طوائف (كالغنوصيّة على سبيل المثال) مهتمّة بتفسيرات غامضة لتعاليم المسيح أكثر من اهتمامهم بالأحداث التاريخيّة لحياة المسيح. نصوص إحدى هذه الطوائف تمّ اكتشافها في الأربعينيات بقرب القرية المصريّة نجع حمادي.[20]

 

كيف تمّ جمع الأسفار القانونيّة

 

لا أريد أن أترككم مع الانطباع الخاطئ بان المسيحيّين حلوا المناظرات القائمة حول كتبهم المقدسة بسرعة وبسهولة. قبيل القرن الخامس عندما قامت الرعايا المختلفة بإدراج الكتابات التي يعتبرونها شهادات قانونية عن المسيح النتائج قلما كانت متطابقة تماما. حتى نرى كيف تختلف هذه الوائم من مكان لاخر أنظر إلى هذه القوائم الثلاثة من ثلاث أماكن وأوقات مختلفة في جدول رقم 1.[21]

 

مخطوطة موراتوري (منتصف القرن الثاني، روما)

مخطوطة كلارومونتانوس (منتصق القرن الثالث، مصر وشمال إفريقيا)

يوسابيوس القيصري تاريخ الكنيسة (بداية القرن الرابع، فللسطين واسيا لصغرى)

المقبولة:

متى

مرقس

لوقا

يوحنّا

أعمال الرسل

رومية

كورنثوس الأولى والثانية

غلاطية

أفسس

فيلبي

كولوسي

تسالونيكي الاولى والثانية

تيموثاوس الأولى والثانية

تيطس

فليمون

يوحنّا الأولى

يوحنّا الثانية والثالثة (اعتبروها رسالة واحدة)

يهوذا

رؤيا

حكمة سليمان

المقبولة:

متى

مرقس

لوقا

يوحنّا

أعمال

رومية

كورنثوس الأولى والثانية

غلاطية

أفسس

فيلبي

كولوسي

تسالونيكي الأولى والثانية

تيموثاوس الأولى والثانية

تيطس

فليمون

العبرانيين*

بطرس الأولى والثانية

يوحنّا الأولى والثانية والثالثة

يعقوب

يهوذا

رؤيا

المقبولة

متى

مرقس

لوقا

يوحنّا

أعمال الرسل

رومية

كورنثوس الأولى والثانية

غلاطية

أفسس

فيلبي

كولوسي

تسالونيكي الأولى والثانية

تيموثاوس الأولى والثانية

تيطس

فيلمون

العبرانيين

يعقوب

بطرس الأولى

يوحنّا الأولى

رؤيا*

المتنازع عليها

 

رؤيا بطرس

المتنازع عليها

 

رؤيا بطرس

رسالة برنابا

الراعي لهرماس

أعمال بولس

المتنازع عليها

 

يعقوب

يهذا

بطرس الثانية

يوحنّا الثانية والثالثة

 

المرفوضة

 

اللاودكيين

الاسكندريين

الراعي لهرماس

 

 

 

 

المرفوضة

 

رؤيا بطرس

أعمال بولس

الراعي لهرماس

رسالة برنابا

تعاليم الرسل الاثني عشر

انجيل بطرس

انجيل توما

انجيل متياس

انجيل العبرانيين

اعمال اندراوس

اعمال يوحنّا

 

عندما ننظر إلى القوائم في جدول 1، بإمكاننا بسهولة أن نركز على الكتب القليلة التي يمكن أن تكون قد وَجَدَت طريقًا للعهد الجديد أو لا. قبل أن تهتم بما يمكن أن يكون قد حصل لو أنّ المسيحيّين استنتجوا أنّ سفرك المفضل في العهد الجديد لم يكن أهلًا، لاحظ درجة التطابق الساحقة بين هذه القوائم. على الأقل في وقت مبكر كالقرن الثاني الميلاديّ كان هنالك 20 كتابًا لم تدر حولها الشكوك أبدًا وهذه هي الكتابات التي تعكس أكثر الحقائق الأساسيّة عن المسيح. منذ البدايات اعتنق المسيحيّون (قبلوا) الأناجيل الأربعة، أعمال الرسل، رسائل بولس وعلى الأقل رسالة واحدة من يوحنّا. وحتّى لو كانت مجموعة الكتب هذه هي الوثائق الوحيدة التي مثّلت شهادة عيان حول المسيح، كلّ حقيقة أساسيّة في الإيمان المسيحيّ ستبقى سليمة.

خلافات حول بضعة كتابات (رسائل بطرس، رسالتا يوحنّا الثانية والثالثة، ورسائل يعقوب ويهوذا) ظلّت قائمة بعد القرن الثاني. وبالرغم من ذلك ومع أخر سنوات القرن الرابع وصل المسيحيّون إلى اتفاق حول 27 كتابًا (كتابات آمنوا أنّها مرتكزة على أساس شهادة شهود عيان حول المسيح). رسالة أثناسيوس في عام 367 (الرسالة التي بحسب إيرمان أوّل من حرّض على أنّ كتبنا الـ27 الحاليّة... تُقبَل كنصوص مقدّسة) عكست هذا الإجماع.

بالنسبة للجزء الأكبر، فإيرمان كان على حق بخصوص كيف تمّ تجميع لائحة الكتب القانونيّة للعهد الجديد. العديد من السنين مضت قبل أن يتفق المسيحيّون حول أي الكتب يجب أن تكون جزءًا من نصوصهم المُقدّسة. بالرغم من ذلك كان هنالك معيارًا محدّدًا وجّه هذه العملية (قناعة تامة أنّ هذه الكتابة يجب أن تكون متجذرة في شهادة شهود عيان يمكن الاعتماد عليها حول يسوع المسيح).

و الأكثر من هذا، وبالرغم من الخلافات المستمرة حول بعض الكتابات كان هنالك إجماع حول حواليّ عشرين كتابًا في وقت مبكر جدًّا في القرن الثاني. الله لم يعد قط أنّ عملية تحديد أي الكتب تمثِّل شهادة شهود عيان ستكون بلا خطأ. بالرغم من ذلك هنالك كلّ سبب لنصدق أنّ الشهادة الموجودة في العهد الجديد تعكس بدقة تجارب رجال ونساء تبعوا المسيح شخصيًّا ومرّروا تجاربهم لأجيال قادمة.


عن كتاب: سوء اقتباس الحقيقة، لتيموثي بول جونز، ترجمة أمجد بشارة، 2018

[1] MJ, p. 36; cf. IS, pp. 1-3.

[2] يضع إيرمان هذا المبدأ لاحقًا من حيث الأهمّيّة، ويُلخِّصه كالآتي: النصوص الموثوقة كان يجب عليها أن تكون قديمة (من وقت المسيح)، ورسوليّة (عن أتباع المسيح المباشرين أو شركائهم) (LC، pp. 242- 43). كما يُلاحظ إيرمان عاملان آخران يظهران على الساحة فيما بعد، وهما الجامعيّة catholicity (انتشار استخدامهم بين المسيحيّين)، والأرثوذكسيّة (أن تتوافق مع بقيّة الأسفار). وأنا أوكد أنّه بالنسبة للمسيحيّين الأوائل فقد كانت هذه الوثائق أرثوذكسيّة ورسوليّة وأصيلة، بشكل لا مثيل له. الشروط الثلاثة جميعها كانت تنطبق بشكل جذريّ على شهود العيان.

[3] Quoted in Eusebius Ecclesiastical History 3.39.

[4] polycarp of Smyrna, To the Philippians, in The Apostolic Fathers, 1, 1 Qement. ll Qement. Ignatius. Polycarp. Didache, ed. Ban Ehrman, Loeb Classical library (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2003), 12. 1.

[5] Translated from “Muratorian Canon in Latin”: retrieved October 28, 2006, from <http:// www.earlychristianwritings.com/text/muratorian-latin.html/>

[6] Eusebius Ecclesiastical History 6. 12; cf. Tenullian of Canhage De Praescriptione Haereticorum 3. 20. 21; retrieved October 28, 2006, from <http:/ /www.tertullian.org >

[7] Eusebius Ecclesiastical History 6.12.

[8] For funher discussion, see Manin Hengel, The Four Gospels and the One Gospel of Jesus Christ, trans. john Bowden (Harrisburg, Penn.: Trinity Press, 2000), pp. 12-15.

[9] Translated from text of P. Cair. 10759. For the text of this fragment as well as a more cautionary approach to its identification as the Gospel of Peter, see Paul Foster, “Are There Any Early Fragments of the So-Called Gospel of Peter?” New Testament Studies 52 (2006): 1-28.

[10] LC, p. 16.

[11] Eusebius Ecclesiastical History 6.12.

[12] See LC, p. 16.

بدايات لوم شعب اليهود كصالبي المسيح بدأ في مُحاكمة بيلاطس البنطيّ الواردة في إنجيل بطرس، لذا يُقترح أنّه كُتِبَ بعد طرد المسيحيّين من المعابد اليهوديّة بعد القرن الأوّل الميلاديّ.

[13] LC, pp. 22-28.

[14] يُمكن الادعاء بأنّ رفض يوسابيوس لإنجيل بطرس لا يُعتمد عليه، إذ أنّ بعض الكنائس قد قَبِلته، لكن هذا خداع محض. ففي بضع سنين بعد حاثة روسوس Rhossus، فإنّ الأناجيل الأربعة: متّى، مرقس، لوقا، ويوحنا، قد أصبحت وثائق لها السلطة الرسوليّة للتعرُّف على حياة يسوع. إيرينيئوس أسقف ليون وضع بالفعل موافقته حواليّ سنة 180م؛ بالتزامن مع إكليمندس السكندريّ في بدايات القرن الثالث، حيث أصبحت للأناجيل الأربعة ذات السلطان في الإسكندريّة أيضًا.

Hengel, Four Gospels, pp. 15-19.

[15] For examinations of the authenticity of Tenullians repon, see Jan N. Bremmer, “Magic, Martyrdom, and Womens liberation,” and, A. Hilhorst, “T enullian on The Acts of Paul,” in The Apocryphal Acts of Paul and Thecla, ed. jan N. Bremmer (Kampen: Kok Pharos, 1996), pp. 56-60, 157-6 1. Acts of Paul evidently included three documents that later became known as Acts of Paul and Thecla, Martyrdom of Paul and Ill Corinthians.

[16] التأريخ التقريبيّ لكتاب أعمال بولس هو 160م تقريبًا, أي بعد قرن من بولس الرسول. استشهد Hilhorst بكتابات جيروم ليثبت أنّه في تاريخ لاحق، ولكنّه بقيَّ بعد مائة عام تقريبًا من بولس ((“Tertullian,” pp. 158-6 1).

[17] “Sciant in Asia presbyterum, qui eram scripturam construxit quasi titulo Pauli suo cumulans convictum atque confessum id se amore Pauli fecisse et loco decessisse” (Tenullian of Canhage De Baptismo 17: retrieved October 28, 2006, from http://www.tertullian.org

[18] Tertullian De Baptismo 17.

[19] For example, in 2 Qement 5:2-4, the unknown proclaimer of this sermon appears to be working from a common-and most likely reliable-oral tradition thats also preserved in Gospel of Peter.

[20] مخطوطات نجع حمادي: مجموعة من أكثر من أربعين وثيقة غنوصيّة كُشِفَت في الأربعينيّات قرب قرية نجع حمادي، قرية في مصر العليا. من النصوص المهمة التي وُجِدَت في نجع حمادي: رؤيا بولس القبطيّة، رؤيا بطرس القبطيّة، إنجيل يوحنّا المنحول، خطاب المخلِّص، إنجيل القبطيّين المصريّ، إنجيل فيليبس، إنجيل توما وإنجيل الحقيقة.

[21] جدول 1: تفيد العلامة (*) أنّ هذا السفر ضمن الأسفار المُتنازع عليها، برغم وجوده في اللائحة القانونيّة النهائيّة.

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2023

ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟ (9- هل كتبة الأناجيل شهود عيان؟)

 


اتباع يسوع الأولين أيضًا أدركوا أهمّيّة الاعتماد على شهود عيان، خصوصًا بعد أن ادّعوا بأنّ يسوع قام من بين الأموات. هذا الادعاء مدهش لدرجة عدم التصديق. ونتيجة لهذا فإنّ المسيحيّين الأوائل عززوا بأقوال شهود العيان عن القيامة.

اثنان من بشارات العهد الجديد على وجه التحديد أعلنت بأنّ تقارير شهود عيان شكّلت الأُسّس عمّا قالوه بخصوص يسوع. هذه الأشياء سُلِّمت إلينا، كما يتضح لنا ذلك من مُقدّمة إنجيل القديس لوقا: لما كان كثيرون قد أقدموا على تدوين قصة في الأحداث التي تمت بيننا، هذه كانت مقدمة إنجيل لوقا ويعلن أيضًا بعدها: كما سلمها إلينا أولئك اللذين كانوا من البداية شهود عيان، ثمّ صاروا خدامًا للكلمة (لوقا 1 :2، راجع أيضًا أعمال الرسل 1: 22)، وأيضًا كاتب إنجيل يوحنّا أعلنها صراحة: والذي رأى هذا هو يشهد، وشهادته حق وهو يعلم تمامًا أنّه يقول الحق، لكي تؤمنوا أنتم أيضًا (يوحنّا 19: 35، وأيضًا 21: 24)، حواليّ سنة 160 ميلادية هناك كاتب غير معروف في روما سجّل شهادة شفهية والتي تدعم ما اعتقدناه، وبحسب الكاتب، لوقا كتب إنجيله بناء على مقابلات شخصيّة، وما عاينوه شهود العيان، والإنجيل الرابع قدَّم شهادة العيان من الرسول يوحنّا.[1]

الإنجيلان الآخران لا يمكننا أن نقول أنّهما أتيا من شهود عيان،[2] لكن المسيحيّين الأوائل آمنوا أنّ هذه الكتابات تمّ تقديمها بشهادة شهود العيان. شهادة مكتوبة من آسيا الصُغرى في القرن الثاني لبابياس من هيرابوليس أكّد أنّ إنجيل مرقس حفظ شهادة بطرس وأيضًا الرسول متّى كان مسؤولًا عن إنجيله الذي يحمل اسمه. وبعد ذلك بسنوات قليلة إيرينيئوس أسقف ليون الكاهن القائد لمنطقة تُعرف في يومنا باسم شمال فرنسا، ربط كلّ أناجيل العهد الجديد بشهادات العيان عن الإله القائم من بين الأموات.[3] يوستينوس مدافع عن الإيمان المسيحيّ، كتب من روما في منتصف القرن الثاني مشيرًا إلى آية من إنجيل مرقس 3 : 16-17 كما أتت من مذكرات بطرس.[4] وفي حواليّ سنة 200 م، ترتليان من قرطاجة وضعها أيضًا بنفس الشكل.

نعرض لكم قبل أي شيء، إنّ كتبة الإنجيل هم الرسل اللذين أوكلهم الرّب نفسه مهمة كتابة الإنجيل. كما أيضًا كان هُناك اللذين يُعتَقد أنّهم لم يكونوا رسلًا، هم رسوليّين، لم يقفوا وحدهم، لقد ظهروا مع وبعد الرسل.. لذلك الرسولان يوحنّا ومتّى، أولًا أرسيا الإيمان داخلنا، بينما الكُتَّاب الإنجليّين لوقا ومرقس جدّدوه فيما بعد. لا يهمنا إن حدث بعض التنوُّع بسبب تنوُّع الرواه، لكن، في الأخير هم متفقون على الجوهر الأساسيّ للإيمان.[5]

منذ القرن الأوّل وما بعده هناك دائمًا رابط قويّ من التقليد المسيحيّ يربط أناجيل العهد الجديد بشهادة شهود العيان.[6]

 

ليس بواسطة شهود العيان؟

 

برغم الاتصال الوثيق بين شهادة الكُتَّاب المسيحيّين في القرنين الأوّل والثاني، إلَّا إنّ إيرمان ينكر بشدة أنّ العهد الجديد كُتِب بواسطة شهود العيان.

 (الأناجيل) كُتِبَت ما بين 35- 65 سنة بعد موت المسيح، وليس بواسطة الناس اللذين عاينوا المسيح، لكن بواسطة اللذين أتوا بعدهم، فبعد موت المسيح ابتدأ الناس في نشر القصص عنه لكي يحولوا الآخرين إلى الإيمان.[7] [8]

بافتراض أنّهم كانوا حقيقة، ما الذي يثبت أنّ وراء تلك الأناجيل التي للعهد الجديد شهود عيان؟ هل من المحتمل أن تكون الأسباب التقليديّة حقيقيّة؟ أم أنّ إيرمان كان صحيحًا حين صرّح بأنّ الأناجيل يجب أن تكون نتيجة روايات حُكيَّت مؤخرًا بواسطة أناس لم يروا يسوع الناصري على الاطلاق؟

من المهم أن نذكر في هذه النقطة أنّ حقيقة الأناجيل الأربعه لا تعتمد على مدى صحة النصوص التقليديّة لإنجيل متّى، مرقس، لوقا، يوحنّا. بعبارات أُخرى، إنّ هذه الأناجيل ربما تُقدِّم بعض الحقائق التاريخيّة، حتّى لو لم يكتبها من تحمل أسمائهم. في نفس الوقت، لو أنّ هذه الأسباب التقليديّة صحيحة، فإنّ الاحتمالية بأنّه تمّت كتابتهم بناء على شهادات شهود العيان أصبحت أكثر ترجيحًا.

 

من بقيَّ على قيد الحياة؟

 

إذًا، ما هيَ فرص أدلة شهود العيان التي كوَّنت أساس أناجيل العهد الجديد الأربعة؟ معظم الدارسين يعترفون بأنّ الأربع أناجيل التي للعهد الجديد كلّها قد كُتِبَت ما بين 50 و100 ميلاديه. بناء على المحتوى واللغة في كلّ إنجيل، فإنّ الغالبية العظمى من دارسي العهد الجديد يوافقوا مع المدى الذي أقرّه إيرمان لظهور الأناجيل: إنجيل مرقس ظهر للوجود ما بين 65 و70 ميلادية، وإنجيل متّى ولوقا ظهرا بعدها بعقد، وإنجيل يوحنّا اكتمل في وقت ما قبل 95 ميلادية.[9]

عندما أنظر إلى هذه التواريخ هُنا أجد شيئًا شيقًا: بعض من الأشخاص اللذين تكلموا ومشوا مع يسوع كانوا على قيد الحياة حينما كُتِبَت الأناجيل الأولى. فكتابة خطاب إلى الكورنثثيّن بعد عقدين من صلب المسيح على الجلجثة يقول الرسول بولس: وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ مِئَةِ أَخٍ مَعًا مَازَالَ مُعْظَمُهُمْ حَيًّا، فِي حِينِ رَقَدَ الآخَرُونَ، لو أنّ إنجيل مرقس بدأ تداوله حواليّ سنة 70 ميلادية فإنّه من الغالب والمؤكد أنّ بعض من هؤلاء الأشخاص اللذين شهدوا قيامة المسيح من بين الأموات كانوا على قيد الحياة. بعد ذلك ببضعة سنوات حينما كانت مجموعات المسيحيّين الأوائل منتشرين في أرجاء الإمبراطورية الرومانيّة، بدأوا في قراءة الأناجيل الثلاثة الأخيرة التي للعهد الجديد، لا يُمكن إنكار أنّه كان هُناك بعض ممن عاصروا المسيح لازالوا على قيد الحياة.

إذًا، فلندع مجالًا أوسع للحالة بدون تحفظات، إنّ الأناجيل الأربعة تمّت كتابتها ليس بواسطة شهود العيان، لكن عن طريق أشخاص عاشوا فيما بعد،[10] كما يقول إيرمان. لو أنّ الأناجيل بدأ تداولها بعد مجيء المسيح على الأرض بثلاثة أو أربعة عقود، فإنّ مصادر هذه الكتب على الأقل- كانت شهادة عينيّة للمسيح. إنّ أوّل إنجيل، وهو الذي لمرقس، كُتِب فقط بعد واحد وثلاثون عامًا من موت المسيح، وهذا يجعل من الصعب علينا إنكار شهادة شهود العيان، وعلى أقل احتمال فإنّها كانت متاحة لكاتبي الأناجيل.[11]

 

إلى أي مدى كان التلاميذ صامتين؟

 

إذًا، ما الدليل الذي يقدّمه إيرمان على استنتاجه غير القابل للشك في إنّ العهد الجديد لم يتمّ كتابته بناء على شهادات شهود العيان؟[12]

ببساطة هذا هو:

اتباع المسيح وخاصته كانوا من الطبقة الدنيا العاملة الفقيرة: مثل الصياد، والحرفي، ويتكلمون الآراميّة أكثر من اليونانيّة. حتّى لو كان لهم أي معرفة باليونانيّة، فسوف تكون بسيطة للتعامل البسيط على أفضل الأحوال (مثلًا: عندما أسافر مضطرًا إلى ألمانيا، فإنّي سوف اتحدث مثل السكان المحليّين). والجدير بالذكر أنّ القائدين اللذين بين اتباع يسوع، يوحنّا وبطرس، قيل عنهم صراحة أنّهما جهلة (عديما العلم) (أعمال 4: 13)، وفي النهاية نجد أنّهم غير متعلمين ومن طبقة دنيا، فإنّ اتباع المسيح غير المتعلمين لعبوا دورًا حاسمًا للمؤلفين المتعلمين التي تحوَّلت كتاباتهم عبر التاريخ إلى أسماء التلاميذ.[13]

للوهلة الأولى، فإنّ محاولة إيرمان مقنعة، رغم ذلك، فهو محق أنّ بعض أعضاء المجلس اليهودي الحاكم أشاروا أنّ يوحنّا وبطرس كانا: إجرماتوي، أي غير متعلمين (أعمال 4: 13). إذًا فقد انتشرت قصص العهد الجديد الأرمينيّة وتداولت بصعوبة للمرة الأولى بالأرمينيّة، فكيف تمّ تحويلها إلى وثائق باليونانيّة والتي توجد للعهد الجديد حاليًّا؟

أوّل صعوبة تواجه تفسير إيرمان أنّ كلمة agrammatos- إجرماتوس لا تعني بالضرورة وصف بطرس ويوحنّا بأنّهما غير متعلمين. في سياق الكلام للمجلس اليهودي فإنّ كلمة إجرماتوس تعني: غير مدربين في القانون اليهودي.[14] لو كانت هذه هيَ القضية فأعضاء المجلس اليهودي كانوا يوضوحون أنه برغم جرأتهم على تفسير الآيات العبريّة فإنّ يوحنّا وبطرس لم يكونوا متعلمين مثل الرابيين معلمي الشريعة.[15]

فهل الكُتَّاب التقليديّين للأناجيل الأربعة كانوا جُهلاء كما يزعم إيرمان؟ هل كانوا فعلًا غير قادرين على عمل أعمال أدبيّة؟ أم أنّ هُناك شيء ما أبعد بكثير حدث في القرن الأوّل مما صرّح به إيرمان لقُرَّائه؟ فلنلقي نظرة على كلّ كاتب من الكُتَّاب التقليديّين ولنرى إن كان إيرمان مُحقًا، وبعض الحقائق الأضافيّة التي ربما تساعدنا للنظر إلى شرح ايرمان في ضوء جديد.

 

ماذا يمكن أن يفعل جامعي الضرائب

 

في الكتاب الذي يحمل اسمه، قدّم متّى نفسه كـعشار أو جامع للضرائب.[16] إنّه لمن المشكوك به أن يكون أي من المسيحيّين الأوائل قد زيّف هذه المعلومات غير الهامة عن أسرار مهنته، والأكثر من ذلك، الفكرة تكمن في أنّه عندما طلب المسيح جامع الضرائب ليتبعه كان محرجًا إلى حد ما. عندما كُتِبَت الأناجيل، توقع الحُكام الرومان أنّ جامعي الضرائب يجنون حصيلتهم وثروتهم من غش الآخرين ومعظم جامعي الضرائب تنطبق عليهم هذه الأشياء. ليس من المدهش أن يندر ما يكون جامعي الضرائب في قائمة أكثر المواطنين المحبوبين.

فى الخطابات الرومانيّة، أن تُشير للشخص كجامع ضرائب فهذا أمر يمسّ الشرف مباشرة.[17] في كتابات يوسيفوس، التاريخ اليهوديّ أخبرنا كيف أنّ جامع ضرائب رشا الحاكم الفاسد فلورس ليس بفترة طويلة قبل أن يقوم فلورس يتحفيز الثورة اليهوديّة ضد روما.[18] وبحسب الأناجيل التي أجمعت أنّ في اليهوديّة والجليل صنفوا جامعي الضرائب مع العرابيد والجشعون والوثنيّين والزناة ( متّى 11 :19، 18: 17 ؛ لوقا 18 :11 ). ببساطة، ضع صنف الإجابة وهذا الإعلان الذي يقول : أن تكون جامع ضرائب رومانيّ، تصنع الملايين بواسطة غش أصدقائك. بالطبع لم يكن هذا الطريق الواعد للشهرة الشخصيّة في العالم القديم.

لكن هناك مهارة واحده يمتلكها جباة الضرائب هؤلاء.

هي القراءة والكتابة.

في الواقع، كان جامعي الضرائب معروفين بحملهم pinakes- بيناكس لوحات خشبيّة مزودة بقطع معدنية على الأطراف، ومغطاة بطبقة سميكة من الشمع على كلّ لوح،[19] استخدم جامعي الضرائب عصاة صغيرة لها سن من المعدن أو العظام ليسجلوا الملحوظات على الشمع، وفي بعض الحالات كانت تترجم فيما بعد أو يتمّ إعادة كتابتها على ورق البردي.[20] ورق البردي من مصر يثبت أنّ جامعي الضرائب كتبوا أيضًا الفواتير والسجلات للمواطنين في قراهم.[21]

بالرغم من وصف إيرمان غير المقنع بأنّ التلاميذ الأوائل كانوا: غير متعلمين طبقة دنيا جُهلاء،[22] إلَّا إنّ عشار مثل متّى لم يكن ليلائم هذا الوصف. فالمهمات اليوميّة لجامعي الضرائب أن يجمع وينسخ ويُسجّل المعلومات ربما بلغات عدّة.[23]

 

ماذا يمكن أن يكتب الأطباء؟

 

ماذا عن شخص آخر يحمل إنجيلًا باسمه، رفيق بولس المسمى لوقا؟ مقارنة بالأشخاص الآخرين اللذين في العهد الجديد، فإنّ لوقا شخصيّة غير معروفة تمامًا. لقد تمّ ذكره فقط ثلاث مرات من خلال رسائل بولس ( كولوسي 4: 14، فيليمون 1: 24، تيموثاوس الثانية 4: 11). باعتبار العدد الكبير لشركاء بولس المعروفين جيّدًا في العهد الجديد، تيموثاوس على سبيل المثال أو برنابا أو سيلا، فإنّه من الصعب شرح لماذا لأحدهم أن يُنسِبَ الإنجيل الثالث إلى لوقا، إن لم يكن فعلًا هو المسئول عن كتابة الكتاب الذي يحمل اسمه، على الأقل فإنّه يبدو أنّ كتابة لوقا للإنجيل الثالث إحتمالية تستحق الفحص.

بحسب خطاب قديم للكنيسة في كولوسي، لقد كان لوقا هو الطبيب المحبوب لبولس (كولوسي 4: 14). الأطباء في العالم القديم لم يكونوا بنفس المكانة الاجتماعيّة أو الماديّة كحال اليوم. معظم الأطباء تلقوا تدريبهم بأن يكونوا تابعين لأكثر الأطباء خبرة غالبًا يكون الطبيب الأب حتّى يتعلّموا فن العلاج.[24] خارج التدريب الطبيّ في الجيش الرومانيّ فليس هناك مكان محدّد موجود للتدريب الطبيّ لممارسيّ الطب القديم،[25] وبالتالي فإنّه من الصعب تحديد مدى صحة وجود تعليم بين الأطباء.

 

يظلّ من الصعب أن يكون طبيب لا يمتلك على الأقل القدرة على أن يقرأ الكتيبات الطبيّة التي ازدهرت في القرن الأوّل. وماذا أكثر، إنّ ورق البردي من مصر يثبت أنّ الأطباء القدامى وتابعيهم اللذين يسجلون ورائهم غالبًا كانوا يكتبون تقاريرًا رسميّة شرعيّة حول الإصابات المشكوك بها والأسباب المحتملة للوفاة، وكان أيضًا الأسياد دائمًا يتحققون من صحة عبيدهم.[26] إذًا، بالفعل لوقا كان طبيبًا كما تقول الرسالة الى كولوسي - إنّه لمن سوء الحظ أنّ غير متعلم أو جاهل والعديد من الأطباء كانوا قادرين على أن يجذبوا الناس معًا وشهود عيان متنوعين في تقارير واضحة مثل مقدّمة إنجيل لوقا والتي تدلنا على ما فعله الكاتب.

 

ماذا عن مرقس ويوحنّا؟

 

هل نترك مرقس ويوحنّا! عندما نأتي لهذان الشاهدان، ربما يكون إيرمان مُحقًّا: معتقدًا ذلك ليس بدليل مؤكد على أنّ كلاهما جاهلان، وهذا لا يستبعد احتماليّة أن شهود العيان هم المصدر الذي يقف خلف أناجيل العهد الجديد.

في القرن الأوّل للميلاد كان الكتبة المحترفين متاحين دون أدنى مشكلة كي يُترجموا الرسائل من لغة إلى أُخرى، متضمنًا الآراميّة إلى اليونانيّة. العناوين القانونيّة المُعقدة، كتابة رسائل واضحة لأعضاء العائلة، الفواتير التجاريّة البسيطة، وكلّ مهارات السكرتارية المتطلبة هذه كانت طرق كسب عيش للكثير من الناس ليسوا في المدن الرئيسيّة فقط مثل أفسس وروما، لكن أيضًا في الجليل واليهوديّة. والداعمين الأغنياء لم يكونوا فقط الناس الوحيدين اللذين استخدموا كتبة محترفين؛ أشخاص من طبقات أفقر وظفوا كتبة أيضًا.[27] حتّى بولس كان قادرًا تمامًا على الكتابة باليونانيّة (غلاطيه 6 :11؛ فليمون 1 : 19 -21). كما كَتَب الكَتَبة خطابات بولس لأجله (روميه 16 :22، راجع أيضًا بطرس الأولى 5: 12).[28]

إنّه من الممكن تمامًا أنّ يوحنّا ومرقس قد وظفوا كتبة محترفين لكي يكتبوا لهم شهاداتهم الشفهيّة لحياة يسوع إلى وثائق يونانيّة، تلك التي نقلها لنا النُسَّاخ عبر القرون. لو كان الأمر كذلك، فهم مازالوا مصدر لهذان الإنجيلان حتّى لو لم يكتبوها بكلمات فعليّة.[29]

إنّه لشيء شيّق جدًّا أنّ أبسط يونانيّة في العهد الجديد موجودة في إنجيل يوحنّا وإنجيل مرقس، هذان الإنجيلان الذان قد يكون كاتبهما أقل من متعلِّم. في الحقيقة إنّه بعد ترجمة المئات من المُقدِّمات اليونانيّة، البردي، كتابات من مسيحيّين معروفين في القرن الثاني والثالث مازلت لم أجد أي وثيقة مكتوبة أبسط من إنجيل يوحنّا. عندما أدُرّس اليونانيّة في الجامعة ولدارسي اللاهوت، اتوقّع أن يكون الدارسين قادرين على ترجمة كلّ إنجيل يوحنّا ومعظم إنجيل مرقس، دون أدنى مساعدة بعد تسعة أشهر فقط من التعامل مع النصوص وبالقليل من التوقُّع، يستطيعوا (وبخصوص ذلك لو أنّك واحد من الكثير اللذين لا يستطيعون، فأنا آمل لمستواك أن يصل للمتوسط). ربّما بساطة هذين الإنجيلين تنبع من أصولهما الكلمات المنطوقة التي ينطقها لساني رجلين عاديان قصصهم وُضِعَت في شكل مكتوب، وتمّ ترتيبها وحفظها في البردي والحبر.

 

لماذا مازلت احتفل بعيد ميلادي

 

إذًا، ماذا عن استنتاج إيرمان إنّ أناجيل العهد الجديد لا تُقدِّم شهادات عينيّة عن يسوع الذي من الناصرة؟

بحسب التواريخ التي كُتِبَت فيها الأناجيل، فإنّه لمن المستحيل أن ننكر أنّ شهادات شهود العيان كانت ممكنة لكاتبي الأناجيل. وماذا أيضًا، استنتاج إيرمان أنّ الكُتَّاب التقليديّين لا يعتبروا مصدرًا للأناجيل لأنّهم كانوا أربع رجال غير متعلمين من الطبقة الدنيا وجهلاء، هو ادعاء ببساطة غير حقيقيّ. متّى كان جامع ضرائب ولوقا كان طبيبًا، ومن المؤكد أنّهم امتلكوا القدرة على الكتابة ليكتبوا وثائق كهذه، وحتّى يوحنّا ومرقس كانوا غير متعلمين، فالكتبة المحترفين كانوا مُتاحين لهم.

وفي النهاية، أجد أنّه ليس هُناك سبب فعليّ لرفض الاعتقاد الشفهيّ القديم بأنّ أناجيل العهد الجديد متصلة بمتّى، ومرقس، ولوقا، ويوحنّا. معطيًا أدلة متاحة لنا، ولا يمكن لأحد أن يعرف تمامًا من كَتَب هذه الكتب في هذا، إيرمان محق. وتظل أفضل الأدلة هيَ أنّنا نملك آراء تقول بإنّ مصادر الأناجيل الأربعة كانوا: جامع ضرائب يسمى متّى، سمعان بطرس مُتَرجَم بواسطة مرقس، لوقا الطبيب، وصياد يسمى يوحنّا.

هل أنا متأكد من ذلك؟

حسنًا، لا

ولكن، مرة أُخرى. أنا لا أعلم أنّي ولدت. ولكن تظلّ أفضل الأدلة التي أمتلكها تقودني لأن أومن أنّي ولدت. ولذلك، كلّ سنة في السادس عشر من يناير أحتفل بعيد ميلادي بصدق وبضمير صافٍ تمامًا.

الأدلة التاريخيّة تقودني إلى أنّ متّى، ومرقس، ولوقا ويوحنّا هم مصادر هذه الكتب التي تحمل أسمائهم. لذلك، عندما افتح أناجيل العهد الجديد، أقرأ هذه الوثائق بضمير صافٍ ككلمات أربعة شهود. إذا كان بالفعل متّى، مرقس، يوحنّا ولوقا كانوا مصادر هذه الكتب التي تحمل أسمائهم - وأنا اعتقد أنّهم كذلك كلّ إنجيل في العهد الجديد يُقدِّم شهادة عينيّة عن يسوع. ما هو مُسجل في الإنجيل بحسب مرقس أنّه شهادة سمعان بطرس تمّت إعادة صياغتها وحفظها بوساطة مرقس. إنجيل لوقا كُتب وتمّ تجميع مصادره الشفهيّة بواسطة الطبيب الشخصيّ لبولس. الخامات الفريدة للإنجيل بحسب متّى أتت من متّى جامع الضرائب الذي فضَّل أن يتبع يسوع على أن يبقى في وظيفته المربحة. والقصص في الإنجيل بحسب يوحنّا؟ يبدو أنّها ترجع أصولها إلى يوحنّا بن زبدي واحد من تلاميذ يسوع الأوائل وربّما واحد من تلاميذ يوحنّا حسب شهادة معلمه.


عن كتاب: سوء اقتباس الحقيقة، لتيموثي بول جونز، ترجمة أمجد بشارة، 2018

[1] تُعرف هذه الوثيقة بـ “وثيقة مورتياري”. وهي تُشير إلى متّى ومُرقس, لكنّها فقط تُشير في جملة أخيرة إلى بقايا إنجيل مرقس. والإشارة الخاصة في هذه الوثيقة هي التي تتحدث عن موت بيوس، بابا كنيسة روما، من المُحتمل أنّ مصدرها إيطاليّ رومانيّ. وقد أُخِذت الكلمة اللاتينيّة ex opinione كمُكافيء للكلمة اليونانيّة ex akoes والتي تعني: “كما سمعنا”، والتي تُشير إلى التقليد الشفهيّ. للاطلاع على وثيقة موريتاري، انظر:

Bruce M. Metzger, The Canon of the New Testament (Oxford: Clarendon Press, 1987), pp. 5-307, For analysis of the Muratorian Fragment, see Geoffrey Mark Hahneman, The Muratonan Fragment and the Development of the Canon (New York: Oxford University Press, 1992).

[2] في الإنجيل بحسب مرقس –كما أشار ريتشارد باخوم- ينتمي إلى شهادة شاهد عيان وهو سمعان بطرس الذي كان مصدرًا لهذا الإنجيل، لكن هذا الادعاء لم يذكر بوضوح. لكنّه مضمون بالدقة العظيمة للأحداث والإبداع الأدبيّ.

Jesus and the Eyewitnesses: The Gospels as Eyewitness Testimon y [Grand Rapids، Mich.: Eerdmans, 2006], pp. 124-27.

[3] Irenaeus of Lyons Adversus Haereses 3.11.

[4] Justin Martyr, Dialogus cum Tryphone, ed. J.-P. Migne, Patrologiae Cursus Completus, Series Graecae 6 (Paris: Lutetiae Parisiorum, 1857 -1866), 103.8; 106.3.

[5] Tenullian of Carthage Adversus Marcionem 4.2: retrieved October 28, 2006, from <http:// www.tertullian.org>

[6] للمزيد من القراءة عن الأهمّيّة الكبرى لشهود العيان في الكنيسة الأولى، انظر:

Martin Hengel, The Four Gospels and the One Gospel of Jesus Christ, trans. john Bowden (Harrisburg, Penn.: Trinity Press, 2000), pp. 141-68.

[7] Bart Ehrman and William Lane Craig, “Is There Historical Evidence for the Resurrection of jesus? A Debate Between William Lane Craig and Ban Ehrman” (March 28, 2006): retrieved August 1, 2006, from <http:// www.holycross.edu/depanment s/credwebsitelresurrection­debate-transcript.pdf>

[8] أوّل سجل عُرِف وانتشرعن كتابات المسيحيّين الأوائل، والذي يعتبر موثّق هو “وثيقة موريتاري”، وسميَّ بذلك بسبب أنّه تمّ تسجيله على أجزاء تمّ اكتشافها بواسطة رجل يدعى “لوديفيكو موروتوري” حواليّ سنة 174. لا أحد يعرف من دوّنه، لكن يُعتَقَد أنّه تمّت كتابته حواليّ سنة 160 بعد الميلاد. وثيقة موريتاري تحتوي على كلّ كتب العهد الجديد ما عدا العبرانيين، يعقوب، بطرس 1 و2، يوحنّا 2 و3. وحسبما جاء في جزء من الموريتاري أنّ لوقا كتب إنجيله بناء على مقابلات شخصيّة مع شهود العيان، والإنجيل الرابع قدَّم شهادات عينيّة من الرسول يوحنّا.

[9] LC, pp. 19-20. Cf. Craig S. Keener, 1-2 Corinthians [Cambridge: Cambridge University Press, 2005], pp. 4 2-4 3; Martin Hengel, Studies in the Gospel of Mark (Eugene, Ore.: Wipf and Stock, 2003), pp. 1-30; I. Howard Marshall, The Gospel of Luke (Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 1978), pp. 34-35; Leon Morris, The Gospel According to john (Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 1995), pp. 25-30.

[10] Ehrman and Craig, “Is There Historical Evidence for the Resurrection of jesus”?

[11] للمزيد عن هذه النقطة، انظر:

 Bauckham, Jesus and the Eyewitnesses, pp. 8-9.

إن شهود العيان كان يتمّ ذكرهم على أنّهم “السلطة الحية والمصدر للتقاليد التي ورثناها من الموتى” (ص 20)، وبخصوص حياة يسوع فإنّها لم تكن محكومة بالتقاليد الشفهية، وباستخدام مصطلحات كينيث بيالي، فإنّها كانت محكومة بالتاريخ الشفهيّ.

Bauckham, Jesus and the Eyewitnesses, pp. 252-89; cf. Kenneth E. Bailey, “Informal Controlled Oral Tradition and the Synoptic Gospels,” Asia journal of Theology 5 [ 1991], 15- 34.

[12] تعليق آخر من إيرمان ربما يوضّح أهمّيّة شهادة شهود العيان؛ وضع إيرمان نصًا لفيلسوف من القرن الثالث يُدعى بورفيري، الذي كتب: “الإنجيليّين كانوا قصّصيون ولم يكونوا شهود عيان أو مُراقبين لحياة يسوع”(Mj، p. 199). لم يختبر إيرمان هُنا النص الأصليّ اليونانيّ لهذا الاقتباس، بل اعتمد على ترجمة مضللة بشكل كبير اقتبسها عن هوفمان R. J. Hoffmann. في المخطوطة الأصليّة التي وردت فيها هذه الجملة، الكلمات المُترجمة “مراقبين أو شهود عيان”، في اليونانيّة تعني “مؤرخون- historas”، والكلمة المُترجمة “قصصيون” تعني بأكثر دقة “مبتكرين- epheuretas”. ما كان يقصده بورفيري هو: “الإنجيليون كانوا مبتكرين، ولم يكونوا مؤرخين لحياة يسوع”. ولازالت جملة تحمل معنى سلبيّ، لكن، لا علاقة لها بحضور أو غياب شهود العيان.

[13] jApP، p. 45.

من المثير للانتباه أنّ إيرمان في كتاب أقدم اقترح أنّ: “بعض كتابات العهد القديم تعود في شكلها الأصليّ إلى رسل يسوع” (LS، p. 2)، ولم يوضِّح إيرمان أي كتابات يعتقد أنّها كتبت بيد اتباع يسوع الأوائل.

[14] See discussion and references in Ben Witherington III, The Acts of the Apostles: A Socio-Rhetorical Commentary (Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 1998), pp. 195-97.

[15] ربما تعني كلمة “إجراماتوس” أيضًا أنّ شخصًا ما يتقن اللغة الإقليميّة، وقد كانت الآراميّة لا اليونانيّة، وهذا لا يعني جهله التام بها. انظر:

H. C. You tie, “Agr ammateus: An Aspect of Greek Society in Egypt” and “Bradeos graphon: Between Literacy and llliteracy,” in Scriptiunculae, series 2 (Amsterdam: Hakkert, 1973), pp. 61 1-5 1.

[16] في إنجيلي مرقس ولوقا، يُدعى جامع الضرائب هذا بـ “لاويّ”. وكثير من المفسرين يعتقدون أنّ لاوي ومتّى اسمين مختلفين لنفس الشخص، وهذا أمر مستبعد للغاية، انظر: (Bauckham، Jesus and the Eyewitnesses، pp. 109-1 1). اعطتنا النهاية المفتوحة وطبيعة النص نفسه أنّ هذا الشخص ربما هو الذي أعاد النسخة اليونانيّة للإنجيل بحسب متّى، وكان يعلم أنّ متّى، الرسول وشاهد العيان، هو الذي دوَّن تعاليم يسوع المكتوبة في الإنجيل، الذي كان جامع ضرائب، ويتكيّف هذا مع وصف مرقس لدعوة لاوي جامع الضرائب، على وصف متّى الرسول. وكان كما يظهر أخ الرسول المعروف بـ “يعقوب بن حلفا” (مرقس2: 14؛ 3: 18). فلا يوجد سبب يجمع بين متّى ولاوي، اللذان كلاهما جامع ضرائب، وكلاهما تمّت دعوته بذات الطريقة عينها؛ بعد سمعان وأندراوس ويعقوب ويوحنّا اللذين يظهرون في دعوات مختلفة، برغم قرب الطريقة التي تمّت بها (مرقس1: 16- 20).

[17] See, e.g., Epictetus, Encheiridion, in Discourses, Books 3-4. Encheiridion, ed. W A. Oldfather, Loeb Classical Library (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1928), 29.7; Polybius, The Histories, Volume IV, Books 9-15, ed. W R. Paton, Loeb Classical Library (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1992), 12. 13.9.

[18] Josephus, The jewish War, Books 1-2, ed. H. St.-]. Thackeray. Loeb Classical Library (Cambridge, Mass. : Harvard University Press, 1927), 2. 14.287.

[19] A. R. Millard, Reading and Writing in the Time of Jesus (New York: New York University Press, 2000), pp. 28-29.

جادل بعض الدارسين بأنّ الرسل كانوا جُهلاء، وكانوا يحفظون بعض الأقوال الهامّة ليسوع. وهذا يبدو لي، غير منطقيّ، لأنّ أعمال التجارة والتي منها الصيد كانت تُحتم أن يكون أصحابها متعلمين على الأقل قواعد الكتابة، خاصة في الجليل واليهوديّة، للمزيد، انظر:

B. Gerhardsson, The Origins of the Gospel Traditions (London: SCM Press, 1979), pp. 161-68, and S. Lieberman, Hellenism in jewish Palestine (New York: JTS, 1962), p. 203.

[20] توجد وفرة من الوثائق الرومانيّة عن جمع الضرائب، مكتوبة باليونانيّة، توضح بجلاء هذه الحقيقة. فالوثائق المتبقية لدينا لا تضم فقط بعض الصيغ النمطية القصيرة، كمثال انظر:

the numerous pieces of Elephantine and Egyptian ostraca in Ulrich Wilken, Griechische Ostraka aus Aegypten und Nubien (Manchester, N.H.: Ayer, 1979), and in Friedrich Preisigke et aj., Sammelbuch griechischer Urkunden aus Aegypten (Berlin: Walter de Gruyter, 1974), but also more lengthy and complex receipts on papyrus. such as P.Oxy. 51 :3609.

[21] Millard, Reading and Writing, pp. 31, 170. See the taxation documentation from the pre-Christian era and from the first and second centuries A.D. found in the Oxyrhynchus papyri P.Oxy. 149: 346, P.Oxy. 62:4334, P.Oxy. 24:2413, P.Oxy. 45:324 1 and P.Oxy. 66:4527, as well as more extensive contractual agreements such as the third-century P.Oxy. 43:3092.

[22] ApP, p. 45.

[23] “الرومان... اختاروا بحرص القساة والمتوحشين كجامعي ضرائب؛ ثمّ، أمدوهم بالطرق التي ترضي جشعهم. لم يدعوا طريقة قاسية لم يجربوها، رافضين أن يتبعوا أي شكل من أشكال العدل أو العطف... لقد نشروا الحيرة والقلق في كلّ مكان. لقد جمعوا الأموال لا من أملاك الأشخاص فقط، بل أيضًا من أجسادهم بواسطة الإصابات والهجوم العنيف وطرق التعذيب الصادمة”. فيلو السكندريّ

Philo of Alexandria, De Specialibus Legibus, in Volume VIII, ed. E H. Colson, Loeb Classical library (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1939), 2.19.

[24] Vivian Nutton, Ancient Medicine (New York: Routledge, 2004), p. 69.

[25] بالرغم من أنّه لا المهام العسكريّة ولا مُساعدي الأطباء العسكريّين طُلِب منهم أن يكونوا على دراية بالقراءة والكتابة، إلَّا إنّنا نجد أحدهم ويُدعى ديوسكوريدس Dioscurides قد ألَّف كتابًا يشرح من خلاله كيف يتمّ إعداد الدواء (Millard, Reading and Writing, p. 183).

[26] Janet Huskinson, Experiencing Rome: Cultur e, Identit y, and Power in the Roman Empire (London: Routledge, 2000, pp. 179-80; Nutton, Ancient Medicine, pp. 263-64.

من أجل المزيد من الوثائق عن معرفة القراءة والكتابة بين الأطباء، انظر:

P.Mich. 758، P.Oxy. 44:3 195، P.Oxy. 45: 3245، P.Oxy. 54:3729، P.Oxy. 63:4366، P.Oxy. 63:4370, P.Oxy. 64:4441 and P.Oxy. 66: 4529.

وبعد زمن العهد الجديد بقليل, فإنّ هذه الوثائق تُمثِّل بنات المراسلات الطبيّة التي كانت لأطباء القرن الأوّل.

[27] Millard, Reading and Writing, pp. 176-85 ; cf. R. Cribbiore, Writing, Teachers, and Students in Graeco-Roman Egypt (Atlanta: Scholars Press, 1996), pp. 1-5.

[28] يرى إيرمان أن حقيقة عدم كتابة بولس لبعض الرسائل أصبحت مشكلة لهؤلاء الذين يعتبرون أنّ الكتاب المقدّس كتاب إلهيّ (MJ، p. 59)، بالرغم من أنّ هذا لا يمنع أن يكون بولس هو مصدرها، إذ أنّه بكلّ تأكيد يصدّق على هذه الرسائل قبل إرسالها.

[29] إنّه أمر محسوم أنّ القُدماء كانوا معتبرين ككُتَّاب لوثائقهم حتّى وإن استخدموا آخرين لكتابة كلماتها. وقد أوضح بولس ذلك حين كتب “كتبت إليك” (في رو15: 15)، بالرغم من أنّ ترتيوس هو كاتب الرسالة الحقيقيّ (انظر رو16: 22). ففي الثقافة التقليديّة للإمبراطوريّة الرومانيّة، كان الكاتب-الراوي للوثيقة هو كاتبها، حتّى وإن كانت قد صيغت من قِبَل آخر. انظر:

Jocelyn Penny Small, Wax Tablets of the Mind: Cognitive Studies of Memory and Literacy in dassical Antiquit y (New York: Routledge, 1997), pp. 160-20 1; H. Gregory Snyder, Teachers and Texts in the Ancient World: Philosophers, jews and Christians (London: Routledge, 2000), pp. 191, 226-27; Rosalind Thomas, Literacy and Oralit y in Ancient Greece (Cambridge: Cambridge University Press, 1992), pp. 36-40, 124-25.