الأحد، 23 مايو 2021

تعاليم الاباء عن وحدة الكنيسة

 


 و في هذا الموضوع نضع التعاليم الابائية القويمة التي تنادي بالوحدة بين الكنائس و نزع الخلافات لجمع جسد السيد المسيح في واحد كما كانت طلبة قلبه دائماً و التي اظهرها في مناجاته مع الآب : ( أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك.. ليكونوا واحدًا كما نحن ) ( يو 17 : 11 ) , و هكذا عاش تلاميذه : ( وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد، ونفس واحدة.. كان عندهم كل شيء مشتركًا ) ( اع 4 : 32 ) و هذه الدعوة كانت علي قلب جميع الرسل فنري معلمنا بولس يقول : ( مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ.4جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ.5رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ) ( اف 4 : 3 - 5 )و في موضع اخر قائلاً : ( لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟ ) ( 1 كو 3 : 3 ).

فهكذا عاشت الكنيسة الاولي و هذا كان هدف التلاميذ و الرسل و هو وحدة جسد المسيح الواحد و هذا ما تعلمه و عَلَّم به الاباء ..


فيقول القديس امبرسيوس :
و هو ( أي الرب يسوع المسيح ) يؤكد ان الذين يقسمون كنيسة الله , يعملون بروح شيطانية , و هو يضم الهراطقة و المنشقين في كل العصور , و يمنع عنهم الغفران , لأن كل خطية أُخري هي خاصة بأشخاص منفردين , أما الانقسام فهو خطية ضد الجميع . لان الذين يمزقون اعضاء الكنيسة التي تألم الرب يسوع لأجلها و أعطي روحه القدوس , هؤلاء هم وحدهم الذين يريدون ان يبطلوا نعمة المسيح .
أخيراً , لكي نعرف انه يتكلم عن اولئك الذين يحطمون وحدة الكنيسة فإنه مكتوب : ( من ليس معي فهو عليَّ , و من لا يجمع معي فهو يفرق ) ( مت 12 : 30 ) . ] (1)


و يقول القديس اثناسيوس الرسولي :
[ لاننا حين ننشغل بنفس الاشياء , و نفكر فيها , و نرفع نفس الصلوات , الواحد منا لأجل الاخر , فإنه لا يُمكن ان يفصل بيننا أي مكان , بل ان الرب يجمعنا و يوحدنا معاً . لأنه حين يعدنا الرب قائلاً : ( إن اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي , فهناك اكون في وسطهم ) ( مت 18 : 20 ) فإنه من الواضح أنه إذا كان الرب في وسط اولئك الذين يجتمعون معاً في كل مكان , فإنه يوحدهم و يقبل صلواتهم كلهم معاً , و كأنهم قريبون من بعضهم , و ينصت اليهم جميعاً , و هم يصرخون في صوت واحد آمين . ] (2)


و يقول القديس باسيليوس الكبير : لا توجد اخبار تدعو للسعاده لأي مسيحي مثل اخبار السلام ، و لا شئ يفرح الله اكثر من هذا . يكافئك الله علي مجهوداتك الشاقه الدقيقه التي فعلتها في هذا العمل الرائع لصنع السلام . تذكر يا صديقي العزيز اننا لا نكف عن الصلاه ، حتي نري اليوم الذي نكون فيه جميعا واحدا غير منقسمين في الفكر و في المجمع الواحد . حقا سنكون اناس غرباء عن الله اذا كنا نفرح في الانشقاقات و الانقسامات التي تهدد الكنيسه ، و اذا لم نعتبره انجازا عظيما ان نري اطراف المسيح المشتته تتجمع مرة اخري ... القديس باسليوس الكبير .. (3)


و يقول القديس كبريانوس :
الكنيسة لا توجد منقسمة و لا منفصلة و لكن مرتبطة و متحدة بواسطة الاساقفة الذين يكونون معاً باتحادهم الواحد مع الاخر جسماً متماسكاً للكنيسة ] (4)

[و بالرغم من انه توجد كنيسة واحدة فقد قسمها المسيح علي العالم كله الي اعضاء كثيرة , كذلك فبالرغم من وجود اسقفية واحدة هي موزعة بكثرة منسجمة علي اساقفة كثيرين ] (5)

هل يظن ذاك الذي لا يتمسك بوحدة الكنيسة و لا يحفظها انه يتمسك بالايمان و يحفظه ؟ ] (6)

[ فمن هو ذاك الشرير و عديم الايمان ؟ من هذا الذي اصابه جنون الانقسام و الخلاف حتي يظن ان وحدة الله يمكن ان تنقسم ؟ او حتي لديه الجرأة ليمزقها ؟ انها قميص الرب كنيسة المسيح ] (7)


و يقول القديس اغناطيوس الانطاكي :
اينما يكون المسيح تكون الكنيسة الجامعة ] (8)


و يقول القديس كيرلس السكندري :
[ ولذلك، منذ أن وصل إلي الإسكندرية، سيدي المحبوب جدًا من الله وشريكي في الخدمة الكهنوتية وأخي بولس، قد امتلأنا بابتهاج القلب وبكل حق. مثل هذا الرجل يعمل كوسيط ويدخل في أتعاب محادثات تفوق الطاقة، وذلك لكي يهزم بغضة الشيطان، ويوحد ما كان منفصًلا، بأن ينزع العثرات التي تسبب الانقسام كلية من بيننا، ولكي يكلل كنائسنا وكنائسكم بالفكر الواحد وبالسلام. إنه من فضلة القول أن نتحدث عن الأسلوب الذي تُنزع به هذه العثرات. ] (9)


و جاء في الديداخي ( تعاليم الرسل ) :
[ كما أن الخبز المكسور،
كان مرة مبعثرًا على التلال،
وقد جُمع ليصير (خبزًا) واحدًا،
كذلك اجمع كنيستك من أقاصي الأرض، في ملكوتك.] (10)


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
1 - عن التوبة . المركز الارثوذكسي للدراسات الابائية . الكتاب الثاني . الفصل الرابع . فقرة 24

2 - الرسائل الفصحية . المركز الارثوذكسي للدراسات الابائية . الجزء الثاني . ص 8 , 9

3 - Cf. Letter , 156,1

4 - التقليد و اهميته في الايمان المسيحي . الاب متي المسكين . ص 26

5 - التقليد و اهميته في الايمان المسيحي . الاب متي المسكين . ص 27

6 - وحدة الكنيسة . القديس كبريانوس اسقف كرطاجنة . ترجمة الراهب مرقريوس الانبا بيشوي . ص 10

7 - المرجع السابق ص 13

8 - التقليد و اهميته في الايمان المسيحي . الاب متي المسكين . ص 27

9 - رسائل القدديس كيرلس السكندري الي نسطور و يوحنا الانطاكي . المركز الارثوذكسي للدراسات الابائية . ص 29 , 30

10 - الديداخي اي تعليم الرسل . للراهب اثناسيوس المقاري . ص 175

عن الثالوث القدوس .. شرح ابائي مُختصر

 

الله طبيعته روح بسيط ، بسيط بمعني مش مركب ولا مكون من اجزاءلان الله منذ الازل و هو ثالوث لم يتغير و لم يتحول من مفرد الي جمع ، و هو من الاصل ليس جمع بالمفهوم البشري لان الله لا ينطبق عليه العلوم البشريه ، بمعني اني مينفعش اجمع الله او اقول انه واحد بالعدد واحد في الوقت اللي هو فيه كائن في الكل و بيحتوي الكل .. . بيقول القديس يوحنا الدمشقي : [ و نقول ان لكل من الثلاثة اقنومه الكامل , لئلا نوهم بانهم طبيعة واحدة كاملة مركبة من ثلاثة غير كامل , و نقول ايضا ان في الاقانيم الثلاثة الكاملين جوهرا بسيطا واحدا فائق الكمال و قبل الكمال . لان كل مجموعة من غير كاملين تكون حتما مركبة , و لا يمكن ايجاد مركب من ثلاثة اقانيم . لذلك فنحن لا نتكلم عن نوعهم انه من اقانيم بل انه في ثلاثة اقانيم . و قد سميناها ناقصة تلك الاشياء التي لا تحتفظ بنوع الصنع المصنوع منها . فالحجر و الخشب و الحديد كل منها كامل بذاته في طبيعته الخاصة . اما بالنظر الي البيت المصنوع منها فكل منها ناقص . لان كل منها ليس في ذاته بيتا
و عليه اننا نقول بان الاقانيم كاملون لئلا نفكر بتركيب في الطبيعة الالهية . فالتركيب بدء التقسيم . و نقول ايضا ان كلا من الاقانيم الثلاثة هو في الاخر , لئلا نصير الي كثرة و جمهرة من الالهة . لذلك نقر بعدم تركيب الاقانيم الثلاثة و بعدم اختلاطهم , و لذلك ايضا نعترف بتساوي الاقانيم في الجوهر و بأن كل واحد منهم هو في الاخر و بأنها هي هي مشيئتهم و فعلهم و قوتهم و سلطتهم و حركتهم - اذا صح التعبير , و بأنهم اله واحد غير منقسم . فأن الله واحد حقا و هو الله و كلمته و روحه ...](1)

و يستخدم الاباء تعبير الاحتواء المتبادل ، و يعني ان الاقانيم الالهيه هي في احتواء دائم متبادل فيما بينها او بمعني اخر كل اقنوم هو بكامله و كماله ساكن في الاقنوم الاخر و لذلك نري كل اقنوم فيه كل الله و ليس جزء من الله و هذا ما قصده المسيح من قوله انا في الآب و الآب في .. يقول القديس كيرلس السكندري : [ " فالطبيعة الإلهية هي طبيعة بسيطة غير مركبة , ولا مثيل لها , تتسع لخصائص الأقانيم و تمايز الأشخاص و الأسماء , و تُعرف في ثالوث متحد إتحاداً طبيعياً و في تطابق لا يتغير من كل جهة فيها , تجعل الله واحد و هو بالأسم و الفعل هكذا , حتى أنه يكون لكل أقنوم من الأقانيم الثلاثة كمال الطبيعة , مع ما لكل منهم من خصائص , أي لكل منهم أقنومه الخاص . لأن كل أقنوم يظل على ما هو عليه , لكن بوحدته حسب الطبيعة - مع الأقنومين الآخرين يكون له الطبيعة ذاتها . لأن الآب يوجد في الإبن و الإبن في الروح القدس , و بالمثل الإبن و الروح يوجدان في الآب , الواحد في الآخر ....](2) ، و يقول ايضاً القديس يوحنا الدمشقي : [ ان اللاهوت لا يمكن ان ينقسم الي اقسام , و هو علي نحو ما يصير في ثلاثة شموس متواجدة بعضها في بعض و هي لا تنفصل , فيكون مزيج النور واحد و الاضائة واحدة . اذا عندما ننظر الي اللاهوت , علي انه العلة الاولي , و الرئاسة الواحدة , و الواحد , و حركة اللاهوت و مشيئته الواحدة - اذا صح القول - , و قوة الجوهر و فعل سيادته ذاتها , فالذي يتصور في ذهننا هو الواحد . ] (3) .

و ايضاً نؤمن بإن كل عمل يصدر عن احد الاقانيم كتخصيص هو صادر من الله بكامله و كماله ، فيقول القديس العلامه ديديموس الضرير : [ كل من يتصل بالروح القدس، ففي نفس اللحظة هو يتقابل مع الآب والابن. وكل من يشترك في مجد الآب، فأن هذا المجد في الواقع هو ممنوح له من الابن بالروح القدس . ](4) . و يقول ايضاً القديس اثناسيوس الرسولي : [ الثالوث المبارك لا يتجزأ ، وهو واحد في ذاته، لأنه حينما ذ ُكر الآب ذُكر الإبن الكلمة والروح القدس الذي في الإبن ، وإذا ذُكر الإبن فان الآب في الإبن ، والروح القدس ليس خارج الكلمة لأن الآب نعمة واحدة تتم بالإبن في الروح القدس ، وهناك طبيعة إلهية واحدة ](5)

و عن الاسماء التي تطلق علي الاقانيم الآب و الابن فالمقصود منها ليس المقصود بها التعبير عن ما هو الله في ذاته لان الله لا يمكن ان يصفحه اي اسم ، لكن المقصود التعبير عن ما هو الله من نحونا نحن بمعني ما هو الله بحسب التدبير ( التدبير هو مشيئة الله و عمله تجاه البشر ) و لنعرف ان الإبن هو من نفس جوهر الآب لان كل مولود ابن هو من جوهر الذي ولده و لنعرف انه بسببب الإبن سنعطي البنوه لله لانه تجسد و اخذ ما لنا ليعطينا ما له ، و ايضاً لنعرف انهم واحد لان كلمة الابن مرتبطه دائماً بكلمة الآب مثلما ترتبط كلمة المخلوق بالخالق .. يقول القديس كيرلس الكبير : [ فحينما نتكلم عن الآب ، فإننا نثير في أذهان السامعين فكرة الإبن ، أي مجرد فكرة وجود كائن مولود ، والعكس صحيح ، فحينما نذكر الكائن المولود فإننا نجلب إلى الأذهان ذاك الذي يلد ، نفس الشئ ينطبق على الإتجاهات ، فحينما نتكلم عن إتجاه ما ، نتذكر الإتجاه الآخر ، أي حينما نقول اليمين يذهب فكرنا إلى وجود يسار ...] .(6) ، و يقول القديس امبرسيوس : [ من يذكر اسم واحد من الاقانيم فقد ذكر الثالوث , فإذا ذكرت اسم المسيح فأنت ضمناً تشير الي الله الآب الذي به الإبن قد مُسحَ , و الإبن نفسه الذي مُسحَ , و الروح القدس الذي تمت به المسحه ... و إذا تكلمت عن الروح فأنت تذكر الله الآب الذي منه ينبثق الروح , و تذكر ايضاً اإبن لانه روح الإبن ](7) ، و يقول القديس اثناسيوس : [ الابن هو الله بكامله و كماله ] .. و يكمل قائلاً : [ فالآب و الابن و الروح القدس هم واحد بلا انقسام و هم ازلياً في تواجد ( احتواء ) متبادل كل منهم في الآخر بكونهم الثالوث القدوس المبارك و لكنهم لاهوت واحد و رئاسه واحده ] .. ويقول ايضاً : [ فكل اقنوم هو الله بأكمله , و كل اقنوم هو كل ما هو الله منذ الازل ] (8)

فإننا عندما نعبر عن اقانيم اللاهوت بالثالوث هذا لا يعني العدد ثلاثة و لا الحد بالرقم ثلاثة و لكن يعني التمايز بين الاقانيم و انهم ليسوا اقنوماً واحداً بل ثلاثة اقانيم قائمين منذ الازل في وحدة الالوهية
و يقول القديس غريغوريوس النيزنزي : [ ولكن الحكم الواحد الناتج من تساوي الطبيعة وتناسق الإرادة ووحدة العمل والتقارب للالتقاء عند المصدر نتيجة للوحدة، وكل هذا غير ممكن في حالة الطبيعة المخلوقة. والنتيجة أنه رغم وجود تمايز عددي فليس هناك انقسام في الجوهر. ] (9) ، و يقول القديس باسيليوس الكبير : [ أما أولئك الذين يجلبون الدمار على أنفسهم، فيريدون استخدام طريقة العدّ ضد الإيمان. ومع أن الأشياء لا تتغير إذا حسبت عدديًا كلا بعد الآخر في تسلسل عددي لكن يا سادتي الحكماء إن الذي هو فوق الادراك هو فوق الحساب والاعداد أيضًا. وقدر العبرانيون هذا وبحكمة ووقار كتبوا اسم الله الذي لا ينطق بطريقة خاصة وهكذا عملوا على الاعلان عن مجده الفائق فوق كل الكائنات.
إذا شئت أن تستخدم الاعداد فأنت حر، ولكن لا تشوه الإيمان بل احترمه ما هو فوق بالصمت، أو أن شئت أن تقول عددًا صحيحًا فالله واحد هو الآب الواحد والابن الواحد والروح القدس الواحد.
ونحن نعلن عن كل أقنوم على حدة وإن كان يجب علينا استخدام الاعداد فاننا لا نسمح لانفسنا بأن تحملنا قواعد الحساب إلى تعدد الالهة في الوثنية.] (10)

[ لذلك نحن نقول إنه يوجد إله واحد وليس إلهان أو ثلاثة. لأنه من الخطأ القول بوجود ثلاثة آلهة لأن هذا ما وقعت فيه هرطقة الآريوسيين الكفرة، عديمة التقوى، بما فيها من تجاديف، وبهذا فإنها تقسّم ألوهية الثالوث، بينما فى قول الرب: " اذهبوا عمّدوا جميع الأمم باسم الآب والابن والروح القدس" يُوضِّح أن الثالوث هو قوة واحدة. نحن نعترف بالآب والابن والروح، وبذلك نفهم كمال ملء الألوهية وكمال وحدة القوة، فى ثالوث كامل. ] القديس امبرسيوس (11)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - .المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي . ص 70

2 - حوار حول الثالوث , الجزء السادس ( الحوار السابع ), مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية , نصوص آبائية - 169 - , صفحة 28

3 - يوحنا الدمشقي . احد اباء القرن الثامن. المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي . ص 72 - 73

4 - القديس ديديموس الضرير . احد اباء القرن الثالث . كتابه عن الروح القدس فقره 17

5 - القديس اثناسيوس الرسولي . احد اباء القرن الثالث . الرسائل إلى سرابيون 1 : 14

6 - حوار حول الثالوث ج1 – المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية ص 71 ، 72

7 - - الروح القدس - للقديس امبرسيوس اسقف ميلان . 1 : 12 : 14 .. npnf , second series , vol . x . p 99 .. الروح القدس كتابياً و ابائياً للراهب هرمينا البراموسي . ص 28

- الايمان بالثالوث الفكر الاهوتي الكتابي للكنيسه الجامعه في القرون الاولي . توماس . ف . تورانس .. ص 114 , 115

9 - العظات اللاهوتيه . العظة 29 الفقرة 2

10 - 
الروح القدس . ترجمة د / جورج حبيب باباوي . مراجعة و تقديم نيافة الانبا يؤانس اسقف الغربيه المتنيح . اصدار مطرانية الغربيه . الفصل الثامن عشر . ص 135

11 - شرح الايمان المسيحي . ترجمة د / نصحي عبد الشهيد . إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . الكتاب الاول . فقرة 10

قيامة المسيا لإجلنا في فكر الاباء

 


بعد ان عبرنا مع المسيح في مر اسبوع الآلام و حزن الآلام الصليب اتينا معه إلي مجد القيامه , تكملة عمل الفداء و غايته . فقد كان هدف المُخلص ان يمحي الآثر المميت الذي نتج عن خطية ابوينا الاوليين أي الموت الذي ساد علي جنس البشر و الفساد الذي انجذب البشر نحوه بعيداً عن صلاح الله المُحب كما يقول اثناسيوس الرسولي : [ فإن البشر الذين رجعوا إلى الفساد بالمعصية يعيدهم إلى عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد، الذي جعله جسده الخاص، وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم كما تُبيد النار القش. ] (1) و لهذا قد تجسد الرب لكي يكون له جسد بشري قابل للموت هو جسده الخاص , و لاجل الحياة الالهيه التي في ذلك الجسد يموت الموت بهذه الحياه إذ لم يكن ممكناً ان يمسك الموت الحياه ( اع 2 : 24 ) و لا ان تدرك الظلمه النور ( يو 1 : 5 ) و يعلق علي ذلك القديس غريغوريوس النيسي قائلاً : [ المُحتقر صار ممجداً , و الجسد القابل للفساد و الموت قام ممجداً منتصراً علي الموت ... الآن لم يستطع الموت ان يمسك ذاك الذي يمسك كل شئ بكلمته ] (2) و كما يقول اثناسيوس : [ فإن كلمة الله الذي بدون جسد قد لبس الجسد لكى لا يعود الموت والفساد يُرهب الجسد لأنه قد لبس الحياة ثوبا وهكذا أبيد منه الفساد الذي كان فيه. ] (3) و يقول في موضع اخر : [ لذا فإن كلمة الله المحب للبشر لبس ـ بمشيئة الآب ـ الجسد المخلوق لكى يُحيّى بدم نفسه هذا الجسد الذى أماته الإنسان الأول بسبب تعدّيه، كما قال الرسول:" وكرّس لنا طريقًا حيًا حديثًا بالحجاب أى جسده". وهو ما شار إليه فى موضع آخر حينما قال: " إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكلّ قد صار جديدًا" . فإن كان كلّ شئ قد صار خليقة جديدة فمن الضرورى أن يكون هناك شخص هو بكر هذه الخليقة. ولا يمكن أن يكون هو الإنسان الضعيف الترابى .. ] (4) , و في هذا ايضاً يقول كيرلس عمود الدين : [ إن كلمة الله حي إلي الابد , و بحسب طبيعته هو الحياه ذاتها , و لكنه عندما اخلي ذاته , و وضع نفسه ليصير مثلنا , فإنه ذاق الموت , و لكنه برهن علي موت الموت , لإنه قام من الموت ليصير هو الطريق الذي به ليس هو فقط بل نحن ايضاً نعود إلي عدم الفساد . ليت لا احد يبحث عن – هذا الحي إلي الأبد – بين الاموات . ] (5) و يقول ايضاً : [فالموت قد قُهر و الطبيعه البشريه قد خلعت عنها الفساد في شخصه كباكوه ] (6)

فأصبح الله الكلمه بتجسده بكر وسط الخليقه او بحسب تعبير كتابي آخر هو آدم الجديد و المقصود من كلا التعبيريين انه اصبح رأس جديد للخليقه فقد زرع ادم في الخليقه التوجه نحو الفساد و الشر و معرفة طريق البعد عن الله و الإنجذاب نحوه , بينما جاء المسيح كرأس آخر او بدايه جديده لجنس البشر به نبتعد عن الفساد و لو جزئياً بقبول عمل و سُكني الروح و المسيح فينا كهيكل إلهي و كأبناء الله نشتاق إليه و ننظر نحوه فلا نري غيره و لا يشبعنا بعد اي شهوة في الخطيه بل يشبعنا فقط الملء من روحه و سكناه داخلنا , هذه العطيه التي كان المفتاح لها هو مجد القيامه و مدخلها الصعود العظيم و تحققت في علية اورشليم و انسكبت من خلالها بالمعموديه المقدسه إلي باقي الجنس البشري .

و لقب الإبن البكر لا يشير إلي ان الابن مخلوق بل قد قيل كما قلنا لاجل انه تجسد ليصبح رأساً جديداً لجنس البشر بدل الرأس الاول آدم و في ذلك يقول القديس اثناسيوس الرسولي : [ أما لفظ "البكر" فيشير إلى التنازل إلى الخليقة، لأنه بسببها سُمى بكرًا... لأنه لو كان "بكرًا" لما كان "وحيدًا" لأنه غير ممكن أن يكون هو نفسه "وحيدًا" و "بكرًا" إلا إذا كان يشير إلى أمرين مختلفين. فهو "الابن الوحيد " بسبب الولادة من الآب، ولكنه يسمى "بكرًا" لسبب التنازل إلى الخليقة وجعله الكثيرين أخوة له. .. إذن فهو لم يُدعَ "بكرًا" بسبب كونه من الآب، بل بسبب أن الخليقة قد صارت به. وكما كان الابن نفسه كائنًا قبل الخليقة وهو الذى به قد صارت الخليقة، هكذا أيضًا فإنه قبل أن يُسمى "بكر كل الخليقة" كان هو الكلمة ذاته عند الله. ] (7)


و قد حدثت القيامه بقدرة ابن الله الالهيه لانه هو الله الغير محدود و الغير محوي اتحد بجسده الخاص منذ اللحظه الاولي للميلاد البتولي و منذ ذلك الوقت لم ينفصل الله الكلمه عن هذا الجسد البشري ( الإنسان ) المكون من نفس و جسد , حتي في وقت موت المسيح بالجسد فقد ظل الله لانه غير محدود ( لا يخلو منه مكان ) و قادرعلي كل شئ متصلاً بالجسد الراقد في القبر و النفس التي نزلت بمشيئة الله الي الجحيم لتبشر الذين رقدوا علي رجاء مجئ المُخلص . و لان انفصالاً بين الجسد و النفس عن الله لم يحدث فقد أعاد الله النفس إلي الجسد مرةَ اُخري بدون صلاه و لا دعاء و لا شفاعة من آخر كما قام كل الآخرين الذين ذكرهم الكتاب في العهدين . ذلك كما يُعلمنا القديس غريغوريوس النيسي قائلاً : [ بعدما أعاد الله بقوته صياغة الإنسان كله في شخصه، وجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لم ينفصل في وقت الآلام بحسب التدبير عن هذا العنصر الآخر (أى الجسد) الذي اتحد به مرة واحدة، لأن هبات الله ودعوته هى بلا ندامة (رو29:11). فإن كانت الألوهية بإرادتها فصلت النفس عن الجسد، إلاّ أنها أوضحت أنها هى ذاتها بقيت في النفس والجسد. في الجسد الذي يعتريه الفساد بالموت كما جاء بالمزمور " لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادًا" (أع27:2)، وهكذا أبطل ذاك الذي له سلطان الموت (عب14:1)؛ بينما بالنفس فتح الطريق للص للدخول إلى الفردوس. وهذا الأمران تحققا في آن واحد. أى أن الألوهية تُحقق الصلاح للاثنين، فقد تحقق بطلان الموت بعدم فساد الجسد، وبعودة النفس إلى موضعها، يُفتح الطريق لعودة البشر مرة اخرى إلى الفردوس. ] (8) و يقول القديس يوحنا الدمشقي : [ و إذا كانت النفس قد انفصلت عن الجسد إنفصالاً مكانياً , فقد ظلت مُتحدة به إتحاداً إقنومياً بواسطة الكلمه ] (9)

و هكذا فكل ما عمله و علمه الرب منذ ان اتخذ جسداً حسب التدبير الالهي هو لاجلنا نحن فتجسده وميلاده و عماده و صلبه و موته و قيامته و صعوده جميعها لاجل ان نأخذ نحن العتق من الفساد و يحيا فينا المسيح و يسكن فينا الروح و نأخذ برهان القيامه و الصعود الي يمين الآب و التمتع بإشراق و مجد اللاهوت الذي لا تشبع منه النفس . و يقول القديس مقاريوس [ لأن مجئ الرب كان كله لأجل الإنسان ـ الإنسان الذى كان مطروحًا ميتًا فى قبر الظلمة والخطية والروح النجس والقوات الشريرة ـ لكى يقيم الإنسان ويحييه فى هذه الحياة الحاضرة ويطهره من كل سواد وظلمة، وينيره بنوره الخاص، ويُلبسه ثوبه الخاص، أى الثوب السماوى الذى هو ثوب اللاهوت. ] (10)

فبالمسيح كبكر مقام لاجلنا من الاموات ينكشف لنا ايضاً سر احد الاعياد اليهوديه و هو عيد الباكورات و يقام هذا العيد في السادس عشر من شهر نيسان , اي بعد عيدي الفصح و الفطير (11) . و هذا العيد جاء ذكره في العهد القديم كرمز لقيامة المسيح كالأتي : [ وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 10«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَتَى جِئْتُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ وَحَصَدْتُمْ حَصِيدَهَا، تَأْتُونَ بِحُزْمَةِ أَوَّلِ حَصِيدِكُمْ إِلَى الْكَاهِنِ. 11فَيُرَدِّدُ الْحُزْمَةَ أَمَامَ الرَّبِّ لِلرِّضَا عَنْكُمْ. فِي غَدِ السَّبْتِ يُرَدِّدُهَا الْكَاهِنُ. 12وَتَعْمَلُونَ يَوْمَ تَرْدِيدِكُمُ الْحُزْمَةَ خَرُوفًا صَحِيحًا حَوْلِيًّا مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ. 13وَتَقْدِمَتَهُ عُشْرَيْنِ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ، وَقُودًا لِلرَّبِّ رَائِحَةَ سَرُورٍ، وَسَكِيبَهُ رُبْعَ الْهِينِ مِنْ خَمْرٍ. 14وَخُبْزًا وَفَرِيكًا وَسَوِيقًا لاَ تَأْكُلُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ عَيْنِهِ، إِلَى أَنْ تَأْتُوا بِقُرْبَانِ إِلهِكُمْ، فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ. ] ( لا 23 : 9 – 11 ) . و المعني انه يقدم كل شخص باكورة او اول ما يحصده من غلة و يقدمه للرب و طالما قبله الرب فهذا ضمان له ان بقية حصاده سيأتي ببركة و مضمون ايضاً , و هذا ما حدث في قيامة المسيح إذ هو كباكورة قام من الاموات و قبل الله ان يقام جسده البشري الخاص فاعطانا ضماناً بأننا ايضاً كمثل الباكورة سيقبلنا الرب لنقوم مثله .


و هذه هي القيامه التي بها آخذنا القدره و البرهان علي قيامتنا في المسيح في اليوم الاخير لحياة جديده معه كما يقول القديس مقاريوس : [ فهكذا ستتمجد أجساد القديسين وتضىء مثل البرق. فالمجد الذى كان فى داخل المسيح فاض على جسده وأضاء، وبنفس هذه الطريقة ما يحدث فى القديسين، فإن قوة المسيح التى فى داخلهم ستنسكب فى ذلك اليوم على أجسادهم من الخارج. فإنهم منذ الآن يشتركون فى جوهره وطبيعته فى عقولهم، لأنه مكتوب " الذى يقدس والذين يتقدسون جميعهم من واحد" (عب11:2). وأيضا " وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى" (يو22:17). وكما أن مصابيحًا كثيرة توقد من نار واحدة هكذا أجساد القديسين إذ هى أعضاء المسيح فإنها بالضرورة تصير مثل المسيح نفسه وليس شيئًا آخر. ] (12) . و يقول اثناسيوس : [ والآن إذ قد مات مخلّص الجميع نيابة عنا فإننا نحن الذين نؤمن بالمسيح لن نموت (بحكم) الموت الذى كان سابقًا حسب وعيد الناموس لأن هذا الحكم قد أُبطل؛ وبما أن الفساد قد بَطُل وأُبيدَ بنعمة القيامة فإننا من ذلك الوقت وبحسب طبيعة أجسادنا المائتة ننحل فى الوقت الذى حدده الله لكل واحد، حتى يمكن أن ننال قيامة أفضل . ] (13) و يقول ايضاً : [ وهناك اعتبارات أخرى تجعل المرء يدرك لماذا كان يليق بجسد الرب أن يتمّم هذه الغاية. لأن الرب كان مهتمًا بصفة خاصة بقيامة الجسد التى كان مزمعًا أن يتممها، إذ أنها دليل أمام الجميع على انتصاره على الموت، ولكى يؤكد للكل أنه أزال الفساد، وأنه منح أجسادهم عدم الفساد من ذلك الحين فصاعدًا. وكضمان وبرهان على القيامة المُعَدّة للجميع فقد حفظ جسده بغير فساد. ] (14)

كل هذا المجد قد صنعه لنا المُخلص و اعده من أجلنا , فلنستمع إذا لوصية القديس مقاريوس : [ فلنطلب إذن من الله ونتوسل إليه أن يلبسنا لباس الخلاص وهو الرب يسوع المسيح، النور الفائق الوصف الذى إذا لبسته النفوس لا تخلعه قط، بل تتمجد أجسادهم أيضا فى القيامة بمجد ذلك النور الذى تلبسه النفوس الأمينة الفاضلة منذ الآن حسب قول الرسول " إن ذلك الذى أقام المسيح من بين الأموات سيحيى أجسادهم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم" (رو11:8). فالمجد لمراحمه المتعطفة ولرأفته التى تفوق كل وصف وكل تعبير. ] (15)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
1 - تجسد الكلمه 8 : 4 .. ترجمة د / جوزيف موريس فلتس . ص 23

2 - قيامة المسيح و إشراق النور الالهي للقديس غريغوريوس
النيسي . ترجمة عن اليونانيه . د / سعيد حكيم يعقوب .. ص 19

3 - تجسد الكلمه . ترجمة د / جوزيف موريس فلتس . اصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه 44 : 8 . ص 141

4 - ضد الاريوسيين . ترجمة أ/ صموئيل كامل , د/ نصحي عبد الشهيد . مراجعة د/ جوزيف موريس فلتس . 2 , 21: 65 .. المقاله الثانيه . ص 122

5 - تفسير انجيل لوقا للقديس كيرلس السكندري . ترجمة د/ نصحي عبد الشهيد . اصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه ص 754

6 - مرجع سابق ص 759

7 - ضد الاريوسيين . ترجمة أ/ صموئيل كامل , د/ نصحي عبد الشهيد . مراجعة د/ جوزيف موريس فلتس . 2 , 21: 62 , 63 .. المقاله الثانيه . ص 117 , 118

8 - و قام في اليوم الثالث . للقديس غريغوريوس النيسي . ترجمة د / سعيد حكيم يعقوب . ص 22 , 23

9 - المائة مقاله في الإيمان الارثوذكسي . للقديس يوحنا الدمشقي . ص 208

10 - عظه 34 : 2 . عظات القديس مقاريوس . ص 298

11 - و هو الوقت الذي قام فيه المسيح من الاموات حيث قدم نفسه في الفصح و كان جسده في القبر في عيد الفطير و قام من الاموات في عيد الباكورات , بل ان كل الاعياد التي اعطاها الرب فريضة لبني إسرائيل هي إشاره لمجئ المسيح و عمله الخلاصي و قبول الروح القدس في حياة الكنيسه . لقراءة المزيد في هذا الامر راجع المسيح في الاعياد اليهوديه للراهب القمص رافائيل البرموسي
12 - عظات القديس مقاريوس .. عظه 15 : 38 , ترجمة د/ نصحي عبد الشهيد . ص 158

13 - تجسد الكلمه . ترجمة د / جوزيف موريس فلتس . اصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه 21 : 1 . ص 64

14 - تجسد الكلمه . ترجمة د / جوزيف موريس فلتس . اصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه 22 : 4 . ص 69

15 - عظات القديس مقاريوس . مرجع سابق .. عظه 20 : 3 . ص 204