السبت، 26 أكتوبر 2024

سلسلة: أدلة وجود الله

 


الأخلاق كدليل على وجود الله


لماذا الموت مستمرٌ بعد الفداء

 


 

يتلخص فكر الآباء عن هذا الموضوع في ثلاث نقاط:

 1 – لأننا لازلنا في صورة العبد التي أخذها المُخلّص ونحيا كما عاش هوَّ، نتألم بألمه ونموت كموته حتّى نستطيع أنّ نحيا ونصعد ونتمجد أيضًا فيه.

2 – يستخدم الله المرض كتجربة أو كإنذار أو كضيقة طبيعية تصيب الإنسان ويتزكى حين يقبلها بشكر.

3 – لم يكتمل فداء الجسد بعد: “نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا” (رومية 8: 23)، ونحن ننتظر تغيير جسد تواضعنا في يوم إعلان مجيئه: “الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أنّ يخضع لنفسه كلّ شيء” (فيلبي 3: 21).


 

إنَّ الإنسان منذ سقوطه قد أُغلق علىه في الجسد الترابي، وصارت نظرته جسدية، وأفكاره محصورة في الأرضيات، وقلبه لا يقدر أنّ يرتفع عن الملموسات والمرئيات. لهذا لم يسمح الله لنا أنّ نبقى هنا في الجسد إلى الأبد، لئلا تتركز أنظارنا في الأرضيات، ولا يرتفع رجاؤنا إلى الأبديات. وإن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس” (1كو15: 9).

لو كان الأمر هو هكذا، أنّ نبقى إلى الأبد في هذا العالم، لارتبط إيماننا بالأرضيات وأحببنا عطايا الله وبركاته الأرضية أكثر منه. وهذه أنانية وليس عبادة وحب وعشق بين الله والإنسان. فالله في محبّته ارتفع إلى السماء حتّى تشخص أنظارنا إلى فوق، وتنتظر اللقاء مع الله، من أجل الله ذاته وبه وفيه، ويكون هو الكل في الكل.

فنحن نحيا في هذه الدنيا على مثال ربنا يسوع المسيح، فإذ صار هو رأسًا جديدًا للبشرية، فإننا نسير ذات الدرب الذي ساره، حتّى نتشبّه به في كلّ شئ، ونحصل على تلك النِعم التي أعطانا إياها بتجسده، فنحن نولد كما وُلِد هو، ونحيا على مثال حياته، ونتألم كما اختبر هو التألُم، ونموت كما مات، حتّى يتسنّى لنا أنّ نقوم أيضًا على مثاله (1يو3: 2)، ونصعد معه ونتمجد معه أيضًا (كو3: 4).

لهذا أعلن لنا الرب، أنه ينبغي لنا أنّ نتألم حاملين الصليب الذي ياتي علينا من شرور العالم، سالكين كغرباء ونزلاء، منتظرين بفرح داخلي وبهجة داخلية التحرر من هذا الجسد الذي لازال يحمل باقي عوامل الفساد لأنه لازال يمرض ويموت.

فأولاد الله الذين عرفوا الرب، وتمتعوا بالشركة معه، يفرحون بالآلام والأتعاب والأمراض، ليس لأنهم لا يحسون، لكن لأن أحاسيسهم انطلقت إلى السماء. فكلما كثرت الآلام والأمراض أحسوا بقرب انطلاق النفس، لذلك يترنمون مع الرسول، قائلين: عالمين أنّ الذي أقام يسوع سيقيمنا نحن أيضًا بيسوع. لذلك لا نفشل، بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدد يومًا فيومًا. لأن خفَّة ضيقتنا الوقتية تنشيء لنا أكثر فأكثر ثقْل مجد أبدي. ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، بل التي لا تُرى. لأن التي تُرى وقتية، أمَّا التي لا ترى فأبدية” (2كو4: 13-18).

كلما تزايدت الأثقال وأحسّسنا بموت الجسد يعمل فينا، ابتهجت نفوسنا بانطلاقها وتجدد إنساننا الداخلي يومًا فيومًا. فكلما ضعف الجسد، لا ييأس الإنسان ولا يتراخى، بل يُسَرّ ويفرح من أجل قرب انطلاقه، قائلًا: مع الرسول ليَ اشتهاء أنّ أنطلق وأكون مع المسيح” (في1: 23).

لقد رأى سمعان الشيخ أنه قد طال زمن بقائه في الجسد، بوعد أخذه أنّ يعاين المخلّص المولود من العذراء، فما أنّ رأى المخلّص وحمله على ذراعيه، حتّى صرخت نفسه فيه إلى الرب: “الآن تطلق عبدك ياسيد حسب قولك بسلام. لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب” (لو2: 29-30).

هذا لا يعني – بالطبع –الإهمال والاستهتار بالجسد، لأنه عطية من الله، وهو عطية صالحة، بدونها لا نعرف كيف نتعبد لله في هذا العالم! حقًا يلزمنا أنّ نسجد لله بالروح والحق، إذ هو روح، لكن هل تستطيع النفس أنّ تتعبد لله بينما يكون الجسد في وادٍ آخر؟! فبدون الجسد لا يستطيع الإنسان - في العالم - أنّ يتعبد لله بالروح.

فالجسد عطية من يد الله، هو رداء النفس، يُعينها في العبادة متى خضع لها وسلك حسب إرشاد الروح القدس، لكن عندما يتثقَّل بالألم أو المرض لا نحزن، إنما نتغنى قائلين: أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف (مت26: 41). ويقول القديس مقاريوس الكبير:

“لو كان جسد الإنسان غير قابل للموت وغير مائل للفساد، لكان أهل العالم كله عندما يرون هذا الأمر الفائق، أي أنّ أجساد المسيحيّين لا تفسد، ينجذبون إلى فعل ما هو خير بالضرورة لا باختيارٍ منهم، ولكن المراد أنّ تظهر الحرية التي منحها الله للإنسان منذ البدء، وتظل ثابتة. لهذا السبب نُظمَت الأمور بتدبير مخصوص وتقرر انحلال الجسد، لكي يميل الإنسان إلى الخير أو الشر بإرادة منه”.[1] الموت الحقيقيّ هو في الداخل، في القلب، وهو مُخْتَفٍ، والإنسان الباطن هو الذي يهلك، ولذلك فإذا انتقل أحد “من الموت إلى الحياة” (يوحنا 5: 24) في ذلك المكان الخفي، فإنّه يحيا حقيقة إلى الأبد ولا يموت أبدًا. ورغم أنّ أجساد مثل هؤلاء الناس تتحلل إلى فترة من الزمن، إلاَّ إنهم يقومون ثانية في مجد، لأنهم مُقدّسون. لهذا السبب نحن نسمى موت المسيحيّين رقادًا وراحةً. فلو أنّ الإنسان كان غير قابل للموت، وجسده محفوظ من التحلّل، فإنّ العالم كله حينئذ حينما يرون هذه الحقيقة الغريبة أنّ أجساد المسيحيّين غير قابلة للفساد، فإنهم يأتون إلى فعل الخير بنوع من الإجبار وليس بحرية الاختيار. فلكي تظهر حرية الإرادة وتظل ثابتة، تلك الحرية التي منحها الله للإنسان منذ البدء، لهذا السبب فإنّ العناية نظمت هذه الأمور، وجعلت تحلل الأجساد (أي الفساد) أمرًا واقعًا حتّى يكون الأمر متروكًا لاختيار الإنسان وتمييزه أنّ يتحول إلى الخير أو إلى الشر. لأنه حتّى الإنسان المتأصل في الشر والمتعمق في الخطية، والذي يجعل نفسه أداة للشيطان ليتسلط عليه تمامًا، فحتى هذا الإنسان ليس مربوطًا بأي اضطرار، بل أنّ له الحرية أنّ يصير “ إناء مختار” (أعمال 9: 15)، إناءً للحياة. وبنفس الطريقة، فمن الناحية الأخرى أولئك الذين يتشربون باللاهوت، ولو كانوا مملوئين بالروح القدس وهم تحت سيادته، فإنهم ليسوا مُقيدين بأي اضطرار، بل لهم حرية الاختيار أنّ يتحولوا ويفعلوا ما يشاءون في العالم الحاضر”.[2]

و يضيف القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة:

“يظن البعض أنه لا يجب أنّ يخضع المسيحيّ للموت، مُعتبرين أنّ المرض يجب ألاَّ يُصيب إلاَّ غير المؤمنين، كما لو كانت غاية الإيمان المسيحيّ هيَ اتقّاء خطر أمراض هذه الحياة، لكي يستمتع المرء بالحياة، وليس أنّ يُجاهد ويتألم على الأرض لكي يُكلل ويفرح فيما بعد. أنّ البعض يتساءل عن سبب خضوعنا للموت كالوثنيين وغير المؤمنين قائلين: فيما إذًا الفرق بيننا وبينهم مادام لا يزال جسدنا خاضعًا للموت مثلهم؟ إننا نشترك مع البشريّة في كلّ ما يخص الجسد مثلنا مثل كلّ البشر تمامًا، طالما نحن في هذا العالم، ولكننا نتميز عنهم في الروح. وحتي يلبس هذا الفاسد عدم فساد، وهذا المائت عدم موت، ويقودنا الروح القدس إلى الآب، فإننا نشترك هنا مع غير المؤمنين في كلّ شيء، فإذا حدث قحط واشتدت المجاعة، ليس هناك فرق بين المؤمن وغير المؤمن، وإذا تعرضت المدينة لغزو، وشمل السبي الجميع بلا تفرقة، وإذا امتنع المطر أصابت المجاعة الكل، وإذا تحطمت سفينه غرق كلّ من على متنها بلا تمييز، وهكذا يعاني الجميع من أمراض العيون والحمى، طالما نحن نحمل هذا الجسد المشترك في هذا العالم”.[3]

 



[1]الحب الالهي. للأب تادرس يعقوب. ص 691: 693.

[2]عظات القديس مقاريوس 15: 39، 40.

[3]مقالة 3: 8، عن الخلود

الجمعة، 25 أكتوبر 2024

أبوكريفا العهد الجديد -6- رسائل الرسل الأبوكريفا

 




رسائل الرسل المنحولة


رسالة الرسل

 

إن “رسالة الرسل” هي أهم الرسائل الأبوكريفية وأقيمها من الناحية التاريخية، وقد نشرت لأول مرة عام 1919م. وكُتبت هذه الرسالة الموجهة إلى “الكنائس شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً” في آسيا الصغرى أو مصر. وبحسب (C. Shmidtيعود تاريخ كتابة هذه الرسالة إلى الفترة ما بين 160-170م، ولكن (A. Ehrhard) يرجعها إلى الفترة ما بين 130-140م، إلا أن الدلائل الموجودة بالنص تشير إلى أنها قد كُتبت في الفترة ما بين 140-160م. ولكن لم يبق لدينا أي شيء من النص اليوناني الأصلي، ولكننا نمتلك جزءًا من ترجمة قبطية اكتشفت عام 1895م في القاهرة، وترجمة إثيوبية كاملة نشرة عام 1913م، ولدينا أيضاً بعض الشذرات من ترجمة لاتينية. ولقد قام (C. Shmidt) عام 1919م بتحرير نسخة نقدية من هذه الرسالة مستخدماً هذه المصادر.

ويتألف الجزء الرئيسي من هذه الرسالة من إعلانات يكشفها الرب لتلاميذه بعد قيامته. وتشتمل المقدمة على اعتراف بالمسيح وملخص لمعجزاته، والخاتمة عبارة عن وصف للصعود. وتقتصر الصيغة الرسائلية على الجزء الأول فقط؛ لهذا يُعتبر العمل بأكمله عملاً رؤيوياً أكثر منه رسالة، إنه نموذج للأدب الديني الشعبي غير الرسمي. ويبني المؤلف أفكاره في الأساس على العهد الجديد، فلغته ومفاهيمه متأثرة بإنجيل القديس يوحنا، كما أن روايته لحادثة القيامة مجمعة من روايات الأناجيل الأربعة القانونية، وإضافة إلى هذه المصادر، استخدم المؤلف “رؤيا بطرس”، و”رؤيا برنابا” و”راعي هرماس”.

ومن جهة الفكر اللاهوتي للرسالة، فالرسالة واضحة جداً في شأن طبيعتي المسيح، فالمسيح فيها يقول عن نفسه:

“أنا غير مولود ولكني ولدت من الجنس البشري، أنا عديم الجسد ولكني ولدت في الجسد”. (فصل 21)

كما أنها تذكر أيضاً عقيدة تجسد الكلمة بكل وضوح:

“نحن نؤمن بالرب الإله ابن الله، وأنه هو الكلمة الذي صار جسداً. ونؤمن أنه أخذ جسداً من العذراء مريم مولوداً من الروح القدس، لا بمشيئة جسد، لكن بمشيئة الله. ونؤمن أنه قد قمط في لفائف بمدينة بيت لحم، وظهر للناس وكبر حتى بلغ سن الرشد”. (فصل 3)

غير أنه، في فقرة أخرى، يأتي ذكر الملاك جبرائيل باعتباره تشخيصاً للوغوس، فالرسالة تقدمه وهو يقول:

“في ذلك اليوم الذي أخذت فيه شكل الملاك جبرائيل، ظهرت لمريم وتكلمت معها. وقد قبلني قلبها، وآمنت، ثم شكلت نفسي ودخلت إلى جسدها، لقد صرت جسداً لأني أنا وحدي كنت خادماً لنفسي في ذلك الأمر الذي استرعى انتباه مريم، عند الظهور في هيئة ملاك”.

ومن ناحية أخرى، تساوي الرسالة بين ألوهية اللوجوس وألوهية الآب:

“فقلنا له: يا رب، هل من الممكن أن تكون هنا وهناك في الوقت نفسه؟ لكنه أجاب قائلاً: أنا كلي في الآب والآب فيّ، لأنني أشبه في الشكل، والقدرة، والملء، والنور، والقياس الكامل، والصوت، أنا هو الكلمة”.

وبالرغم من وجود بعض طرق التفكير الغنوسية بالرسالة، إلَّا أنّ بها ميلاً واضحاً مضاداً للغنوسية، فبداية، تشير الرسالة إلى سيمون (الساحر) وكيرنثوس باعتبارهما

“الرسولين الكاذبين اللذين كُتب عنهما أنه لا ينبغي لإنسان أن يتعلق بهما، لأن بهما يكمن الخداع الذي به يقودان الإنسان إلى التهلكة”.

ويمكننا أن نرى نفس هذا الميل المضاد للغنوسية في تشديد الكاتب على عقيدة قيامة الأجساد. وتطلق الرسالة على القيامة اسم “الولادة الثانية” و”الثوب الذي لن يبلى”. (فصل 21)

كما أنه كلما جاء الحديث عن نهاية العالم، لا تشير الرسالة أدنى إشارة إلى وجهة النظر الألفية (الاعتقاد بالملك الألفي)، وقد ورد في الوصف المعطى فيها ليوم الدينونة أن الجسد سيُدان مع النفس والروح، ثم سينقسم الجنس البشري بعد هذا إلى قسمين

“سينال القسم الأول الراحة في السماء، وسيُعاقب من ينتمون إلى القسم الثاني إلى الأبد إلا أنهم سيبقون أحياء” (فصل 22).

والرسالة مهمة أيضاً بالنسبة لتاريخ الليتورجيا، فهي تحتوي على قانون إيمان قصير الذكر،

إلى جانب الأقانيم الإلهية الثلاثة، كل من الكنيسة المقدسة والمعمودية التي تعطى لمغفرة الخطايا باعتبارهما بندين من بنود الإيمان (فصل 5).

كذلك تُعتبر المعمودية بمثابة شرط لنوال الخلاص، فلا يمكن لأحد أن يكون في غنى منها، لهذا نزل المسيح إلى الجحيم ليعمد الأبرار والأنبياء:

“ثم سكبت عليهم بيدي اليمنى ماء الحياة والغفران والخلاص من كل شر، بالضبط كما فعلت معكم أنتم ومع هؤلاء الذين آمنوا بي”. (فصل 27)

وهنا يظهر الكاتب أنه على معرفة بسفر “راعي هرماس” الذي يحتوي على نفس التفسير لسبب نزول المسيح إلى الجحيم. ومن ناحية أخرى، ليست المعمودية وحدها بكافية للخلاص:

“لكن أي إنسان يؤمن بي ولكنه لا يحفظ وصاياي، فلن ينتفع شيئاً من هذا الرغم من اعترافه باسمي، لكنه يركض في سباق لا طائل منه، لأن مثل هؤلاء سيجدون أنفسهم في خسارة وخراب. (فصل 27).

ويطلق على الاحتفال بالإفخارستيا في تلك الرسالة اسم “البصخة”، وهو يرد هنا باعتباره تذكاراً لموت المسيح. كما أنه لا تزال وليمة الأغابي والإفخارستيا تقامان معاً، وها هو نص هذه الفقرة القيمة (فصل 15):

“لكنكم تتذكرون موتي. والآن عندما تحل البصخة، سوف يُلقى واحد منكم في السجن لأجل اسمي، وسوف يكون في حزن وضيق لأنكم تقيمون البصخة بينما هو في السجن منفصل عنكم…. وسوف أرسل قوتي في هيئة ملاكي جبرائيل وستنفتح أبواب السجن، وسيخرج منه ويسهر الليل معكم حتى يصيح الديك. وعندما تُكملون التذكار الذي تصنعون لي، ومائدة الأغابي، سوف يُطرح مرة أخرى في السجن ليشهد لي وذلك إلى أن يحين الوقت ليخرج من هناك ويكرز بما قد سلمته إليكم. فقلنا له: يا رب، هل سيلزم حينئذ أن نأخذ الكأس ونشرب منه؟ فقال لنا: نعم، إنه أمر لازم حتى يأتي اليوم الذي سآتي فيه ثانية مع هؤلاء الذين قتلوا لأجلي”.

 

2 – رسائل بولس الأبوكريفية

 

جاء في رسائل القديس بولس القانونية ذكر عدة رسائل لم ترد في قائمة أسفار العهد الجديد القانونية، ربما هذه الرسائل قد فُقِدت أو أنّها نفس الرسائل التي معنا حاليًّا ولكن كان لها اسم آخر، لذا ظهرت الرسائل الأبوكريفية المنسوبة إلى القديس بولس لتحل محلها.

يشير القديس بولس في رسالته إلى أهل كولوسي (4: 16) إلى رسالة كتبها إلى اللاودكيين، وهذه الإشارة قد أتاحت الفرصة لتظهر “الرسالة إلى اللاودكيين الأبوكريفية”.

ويقلد محتوى هذه الرسالة رسائل القديس بولس الأصلية وينتحل أسلوبها، خاصة الرسالة إلى أهل فيلبي، فبعد أن يعرب الكاتب عن فرحه بإيمان اللاودكيين وفضائلهم، يحذرهم من الهراطقة، ويحضهم على أن يظلوا مخلصين للعقيدة المسيحية والمفهوم المسيحي للحياة كما علمهم الرسول. وتزعم الرسالة أنها قد كُتبت من السجن، ولا يمكننا أن نحدد تاريخ كتابتها من محتواها.

وصحيح أن الوثيقة الموراتورية تذكر رسالة إلى اللاودكيين باعتبارها رسالة منحولة قد زيفت لتدعم هرطقة ماركيون، لكن رأي هرناك القائل بأن هذه هي نفسها “الرسالة إلى اللاودكيين الأبوكريفية” التي بين أيدينا اليوم لم يلق قبولاً من الدارسين. وبالرغم من أن هناك احتمالاً أن تكون هذا الرسالة قد كتبت باليونانية، إلا أنه ليس لدينا لها حتى الآن إلا نص لاتيني، أما أقدم مخطوطة لها في حوزتنا فهي مخطوطة (Codex fuldensis) المملوكة للأسقف فيكتور أسقف “كابوا” (Capua)، والتي كُتبت عام 546م. ولا يعود زمن كتابة هذه الرسالة إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي، لأن الكتاب الكنسيين بدأوا يذكرونها منذ ذاك الوقت فصاعداً. ولقد اعتمد كل ما في حوزتنا من ترجمات لهذه الرسالة على النص اللاتيني، كما أنها قد أُدخلت في عدد من الكتب المقدسة المكتوبة في إنجلترا.

تذكر الوثيقة الموارتية إلى جانب “الرسالة إلى اللاودكيين” رسالة ماركيونية بعنوان “الرسالة إلى السكندريين” وقد فُقدت.

وردت في السفر المعروف بـ “أعمال بولس الأبوكريفية” رسالة بعنوان “الرسالة الثالثة إلى أهل كورنثوس”. ومن المفترض أن تلك الرسالة قد كُتبت كرد على رسالة أرسلها أهل كورنثوس إلى بولس يبلغونه فيها بأمر شخصين هرطوقيين، هما سيمون وكليوبيس، هذان اللذان يحاولان أن “يقلبا الأيمان” بالتعاليم التالية:

“إنهما يقولان أنه ينبغي علينا ألا نستخدم – كتابات – الأنبياء، وإن الله ليس بقدير، وإنه لا توجد قيامة للجسد، وإن الله لم يخلق الإنسان، وإن المسيح لم يأت في الجسد، وإنه لم يولد من مريم، وإن العالم ليس من الله بل من الملائكة”.

إذاً، سيكون محتوى إجابة بولس على هذه الأسئلة على قدر كبير من الأهمية، لأنها تتناول مواضيع مثل خلق العالم والجنس البشري، وخالقهما، والتجسد، وقيامة الأجساد. ولقد وجدت كل من الرسالة التي أرسلها أهل كورنثوس إلى بولس، والرسالة التي رد فيها بولس عليهم من سجنه في فيلبي، مكاناً في المجموعة السريانية للرسائل البولسية، كما أنه كان هناك زمن اعتبرت فيه هاتان الرسالتان موضعاً للثقة وذلك في الكنسية الأرمينية والكنيسة السريانية. كما يوجد أيضاً ترجمة لاتينية لهما تعود إلى فترة مبكرة كالقرن الثالث الميلادي.

المراسلات بين بولس وسينيكا: هي مجموعة مكونة من ثماني رسائل أرسلها الفيلسوف الروماني “سينيكا” إلى القديس بولس بالإضافة إلى ستة ردود قصيرة من الرسول عليها، ولقد كُتبت باللاتينية ليس بعد القرن الثالث الميلادي. وشهد القديس جيروم، في (de vir. Illus. 12)، أن تلك الرسائل كان “الكثيرون يقرأونها”.

ويكتب سينيكا إلى الرسول ليخبره أن محتوى رسائله قد أثرت فيه كثيراً:

“لأن الروح القدس، الذي فيك والذي يعلوك، هو الذي ينطق بهذه الأفكار السامية والمثيرة للإعجاب.”

لكن الفيلسوف لا يعجبه الأسلوب الأدبي الرديء الذي كتب به بولس رسائله، لذا نصحه قائلاً:

“لذلك، سوف ألفت انتباهك إلى بعض النقاط الأخرى، حتى لا تفقد عظمة الأفكار إلى براعة الأسلوب الأدبي”. (Ep. 7).

ومن الواضح أن هذه المراسلات قد لُفقت بهدف معين، فالكاتب كان يريد أن تُقرأ رسائل بولس الأصلية في الدوائر الاجتماعية الرومانية بغض النظر عن عيوبها الأدبية،

“لأن الآلهة دائماً ما تتكلم بأفواه البسطاء، لا بأفواه هؤلاء الذين يحاولون بخداع أن يعرضوا علينا ما يمكنهم أن يفعلوه مستخدمين معرفتهم”.

3 – الرسائل الأبوكريفية المنسوبة لتلاميذ بولس

 

رسالة برنابا


النص المعروف بـ “Epistola titi Discipuli Pauli, de Despositione Sanctimonii”، ولقد نشر (De Bruyne) هذا النص الأبوكريفي اللاتيني لأول مرة عام 1925، وهو ليس برسالة لكنه عبارة عن خطبة عن البتولية موجهة إلى النساك من الجنسين. وهي تُقاوم مساوئ الحياة المُشتركة بين النساك من الجنسين تحت سقف واحد. ولهذه الخطبة علاقة قريبة بالكتاب المنحول المنسوب إلى كبريانوس والمعنون بـ “de singularitate clericorum”، والذي استخدمه الكاتب. ولقد نشأ هذا النص، على الأرجح، في دوائر البريسكيليانيين بإسبانيا، ويبدو أن لغته الأصلية كان اليونانية.