حين نتحدّث عن العذراء مريم، نتحدّث عن أسمى نساء
العالم. وعظمة مريم ارتبطت بالانجيل، ارتبطت بابنها يسوع الذي رفع من قيمة المرأة
في محيط يهودي صارت فيه المرأة سلعة تباع وتشرى. إلى وضع المرأة اليهودية سنتعرّف
فنرى كيف قلبَ المسيح مفاهيم معروفة في تعامله مع نساء عصره.
إن البشرى التي جاء المسيح يعلنها للعالم هي في
جوهرها بشرى تحرير أساسيّ. فهي تأخذ الانسان في أعمق أعماقه لتجعله يحقّق ذاته ملء
التحقيق. وهي تؤكّد له أن ديناميّة الله تعمل في العالم مثل خمير يحرّك العجين
البشريّ. وكل هذا يهدف إلى جعل البشرية كلها تتوحّد في شعب الله حيث يتمتّع كل
كائن بشريّ بالحقوق نفسها والكرامة عينها.
وهذا الخلاص المحرّر يتحقّق عبر التاريخ البشريّ
الذي ليس بغريب عن نموّ ملكوت الله. لا شك في أن التعليم المسيحيّ يصبو إلى تحوّل
أساسيّ، إلى تبدّل في القلوب والضمائر، فيفتحنا كلنا على حبّ الله وحبّ سائر الناس
لأننا كلنا أبناء الله. ولكن هذا الحبّ الذي لا يعرف الحدود، هو الذي يحرّك كل
مجهوداتنا و"حروبنا" من أجل عدالة أكثر، من أجل إلغاء التمييزات
والظلامات من أي نوع كانت. وهذا التعليم يتوجّه إلى كل جيل، وهو يرغب أن يتجسّد في
الواقع مع كل تأثيره الثوري.
في الواقع، نحن أمام ثورة: ثورة الحبّ والعدالة.
هذا ما تعنيه التطويبات التي نقرأها في عظة الانجيل حسب القديس متى (5: 1- 12)
والقديس لوقا (6: 20- 23):
طوبى للفقراء، طوبى للباكين، طوبى للودعاء، طوبى
لفاعلي السلام... فهذه التطويبات قلبت القيم رأساً على عقب، ودلّ الحكم على يسوع
بالموت، على طابعها الثوري، كما استشفّه الرؤساء في ذلك الزمان. ومن قال ثورة قال
رفضاً ومعارضة لواقع يراه جائراً وغير مقبول. وبما اننا أمام موضوع المرأة،
فالطابع الثوريّ للتعليم الانجيليّ لا يظهر إلاّ إذا تذكّرنا وضع المرأة اليهودية
في زمن المسيح. فتجاه وضعها الاجتماعي والديني يبرز موقف يسوع الثوري. وطبيعة هذا
الوضع تتيح لنا أن نفهم الحدود التي جابهت يسوع في التحقيق الملموس وتعليمه في
العالم اليهودي في عصره.
المرأة اليهودية في زمن المسيح
كان وضع المرأة اليهودية في العالم اليهودي في
ذاك الوقت، وجهةً من وضع عام اعترض عليه يسوع ورفضه. لهذا، سنذكر ميزاته فنكتشف
بُعد تعليم يسوع وما حمله من جديد.
قد تعود بنا النصوص إلى الأزمنة القديمة،
وتذكّرنا بدور لعبته بعض النساء في تاريخ شعب اسرائيل: استير، يهوديت، راعوت. أو
بصورة جميلة مثل زواج رفقة واسحق (تك 24: 15- 67) أو سارة وطوبيا (طو 9). أو
بقصيدة حلوة تتضمّن النضارة والطراوة مثل نشيد الأناشيد. ولكن هذه الأزمنة ولّت
ومضت. فقال مثلاً ابن سيراخ (25: 17- 21) في المرأة: "كل جرح ولا جرح القلب،
وكل خبث ولا خبث المرأة. لا سمّ شر من سمّ الحية، ولا غضب شّر من غضب المرأة. لا
تؤخذ بجمال امرأة ولا تشته امرأة".
أجل، في زمن المسيح انحطّ وضع المرأة فلم تنعم
بأي احترام، فأبعدت عن الحياة الاجتماعيّة والدينيّة. ارتبط هذا التطوّر بزوال
حضارة ريفيّة حيث كانت المرأة تعمل في الحقول وتتمتّع ببعض الحرية. أما الآن وقد
نمت "المدينة" فصارت المرأة سجينة خدرها. إنها حريم الرجل. يُحرم عليها
أن ترى أحداً أو يراها أحد، فوجب حجزها والاغلاق عليها. وزاد هذا الوضع الاجتماعي
قساوة في بني اسرائيل بسبب بواعث دينية، فكان التمييز الفادح بين الرجل والمرأة في
مختلف مجالات الحياة.
الحياة الدينيّة مهمّة جداً لليهودي. ومع ذلك
أبعدت النساء عنها، فلم يطلب منهن أن يحفظن كل الوصايا بعد أن صرن في المثلّث
المحتقر: النساء، العبيد، الأولاد. يُعفين من بعض الصلوات، ولا يتقبّلن أي تعليم
ديني لأنه يتعدّى فهمهنّ. إن نذرت المرأة نذراً يلغيه أبوها أو زوجها. والمرأة
المتزوّجة تعتبر حاجزاً يعيق الزوج عن الصلاة. قالت وصية نفتالي: "هناك وقت
تكون مع امرأتك ووقت تنفصل فيه عنها للصلاة". في الهيكل لا تقيم المرأة إلاّ
في رواق خارجى. الرجال وحدهم يقرأون الشريعة والأنبياء، وحتى الصبيان القاصرون، لا
المرأة. والاحتفال بالصلاة في المجمع (أو: الكنيس) يفرض وجود عشرة رجال على الأقل
(لا تحسب النساء).
ونحن نفهم احتقار المجتمع للمرأة حين نقرأ عند
أحد الرابانيين (المعلمين) صلاة شكر يتلوها كل يوم ثلاث مرات: "أحمدك يا رب
لأنك لم تجعلني وثنياً. أحمدك يا رب لأنك لم تجعلني امرأة. أحمدك يا ربّ، لأنّك لم
تجعلني جاهلاً". هنا نشير إلى ان اللغة العبريّة لم تعرف مؤنت الصفات
التالية: تقي، بار، قديس. فالمرأة لا تقدر أن تكون تقية، بارة، أو قديسة.
أخرجت المرأة من الحياة الدينيّة التي تكوّن
الحياةَ اليوميّة كلها. وهذا ما حرّم عليها أموراً كثيرة، وشدّد على وضعها وعجزها
في المجال الاجتماعي. لا تستطيع المرأة أن تتكلم في المجمع. إذن، لا يحق لها أن
تدلي بشهادتها أمام المحكمة. بل ذهب الرابانيون إلى تحريم حديث الرجل مع المرأة
إلاّ في وقت الضرورة. وهكذا يحرّم عن المرأة أن تشارك في الطعام مع الضيوف. بل
تمنع من الخدمة لئلاّ تتأثّر بما تسمعه من أحاديث. إنها أقل من قاصرة. فلتبقَ داخل
خدرها ولا سيما إذا كانت لا تزال فتاة غير متزوجة.
ولا يفلت من هذا الوضع المؤلم إلاّ أم الأولاد.
فالانجاب أمر مهمّ، وإكرام الوالدين يطيل عمر الأولاد (خر 20: 12). لم يكن للمرأة
أي احترام. فتعدّد الزوجات أمر شرعيّ، وهذا ما يحطّ من قدر المرأة. وفي أي حال،
الزوج هو السيّد المطلق، هو بعل (كأنه إله) امرأته وهي ملكه فتطيعه طاعة تامّة. في
عقد الزواج تُحسب الفتاة سلعة، فلا يهتمّ أحد بسعادتها، بل بالفائدة التي يمكن أن
تنتج عن هذا الزواج. فشريعة السلفية (بكسر السين) تفرض على المرأة أن تتزوج سلفها
(أي أخ زوجها) لتؤمّن للميت نسلاً يذكره (مت 22: 24- 27). هذا هو شرقنا القديم
والحديث الذي يعتبر المرأة عبدة الرجل أو شيئاً يستطيع أن يبيعه. هنا نتذكّر مثل
المدين الذي أجبر على بيع امرأته ليدفع دينه (مت 18: 25).
وحين نتحدّث عن الطلاق، يبرز احتقار المجتمع
للمرأة. وحده الرجل يتّخذ المبادرة ويطلّق امرأته. يقوم بإجراء قانوني بسيط: يكتب
لها كتاب طلاق. ولماذا يطلق الرجل امرأته؟ قال سفر التثنية (24: 1): "وجد
فيها شيئاً غير لائق". كانت مدرسة شمعي لا تسمح بالطلاق إلاّ في حالة الزنى.
أما مدرسة هلال فتحدثت عن أي شيء يُزعج خاطر الرجل: أحرقت له حساءه. لم يعد يراها
جميلة. "إن لم تخضع حتى لإشارة من أصبعك، فانفصل عنها" (سي 25: 25).
ولا نتكلّم عن فرائض الطهارة بحسب الشريعة. إن
"نجاسة" المرأة تمنعها من الاختلاط بالناس في أوقات محدّدة، وتحرمها من
الصلاة وسائر شعائر العبادة. لا نجاسة مثل هذه في الرجل. إذن جوهره غير جوهر
المرأة وهو أقرب إلى الألوهة. وعادت النصوص الى حواء وإلى ضعف المرأة أمام التجربة
وإلى دور المجرّبة الذي يمكن أن تلعبه تجاه الرجل. لهذا يجب على الرجل أن يحذرها
ويحدّ من حريتها ويجعلها تحت سلطة الذكر. إنها قاصرة طوال أيام حياتها.
المسيح والنساء
لا ننسى وضع المرأة المنحط في زمن المسيح حين
نتحدّث عن تعليم يسوع وموقفه تجاه المرأة. مثل هذه المقابلة تفهمنا أننا نقدر أن
نتكلّم عن ثورة في الضمائر على مستوى المرأة كما على مستويات أخرى مثل الفقر
والعنف والتواضع.
حين أعلن يسوع إنجيل الخلاص، ومجيء ملكوت الله في
الروح والحق، حقّق هذا الاعلان وأتمّ المواعيد التي وعد بها ابراهيم. والمسيرة
البطيئة والطويلة التي سارتها التربية الدينيّة لدى الشعب اليهودي على مرّ العهد
القديم، لم يكن لها إلاّ معنى واحد وهو: جعل كل الشعور والأمم، جعل كل البشر
ينعمون بالعهد وبوعد الخلاص اللذين نعم بهما شعب اسرائيل. هي نظرة شاملة ونظرة
باطنيّة إلى عمل الله المحبّ الذي يدعو جميع البشر من دون تمييز ليشاركوا في فرح
وملء الملكوت الذي أنبأ به المسيح وحقّقه. وحين نعرف أي سر جعله الرؤساء الروحيون
بين هذه المواعيد وبنية أمّة احتلّها الرومان فتطلّعت إلى مسيح يحرّرها على
المستوى المادي والمستوى الروحي، حين نعرف هذا نفهم عجزهم عن فهم البعد الحقيقي
لتعليم المسيح الذي كان في بعض وجوهه امتداداً لتعليم الأنبياء.
نحن مع المسيح أمام انقلاب للقيم، انقلاب ضروري
ولكنه انقلاب قاس وشرس: فملكوت الله الذي انتظروه لم يكن ملكوت القدرة والسلطة
الزمنيّة، ولا ملكوت الثقة المفرطة بالنجاح والانتصار. وقد هدف هذا الملكوت في
جوهره إلى تحويل كل إنسان تحويلاً عميقاً بجعل علاقته مع الله علاقة حميمة في
الصلاة وبتتميم مشيئته.
هذه المشيئة هي في جوهرها المحبّة الأخويّة.
وهكذا عارض يسوع معارضة جذريّة التعلّق المفرط بشعائر العبادة على طريقة الكهنة
والحفاظ على الشريعة كما يفعل الرابانيون، فيدلون على أهمية هذه الممارسات في
العالم اليهودي.
ملكوت الله داخلي، باطني، ولكن عليه أن يكون
متنبهاً إلى رغبات الانسان في العدالة والسعادة. وهكذا حين أعلن يسوع هذا الملكوت،
تضمّن إعلانه بُعداً سياسياً واجتماعياً أدركه كل الادراك الرؤساء اليهود في ذلك
الوقت، فاستشفّوا خطره.
فالسامعون المميّزون الذين أعلن إليهم يسوع أولاً
تعليمه كانوا أشخاصاً لا مكانة لهم في المجتمع، كانوا الهامشيين والمغضوب عليهم
والفقراء والذين يتألّمون من ظلم الناس وجور المجتمع. هذا لا يعني ان يسوع لم
يعتبر أن هذا الظلم وعدم المساواة ليسا شقاء لا بد من الحرب عليه وإلغائه. ولكن
ضحايا هذه الشرور والظلامات كانوا مستعدّين ومهيّأين لفهم هذا التعليم عن العدالة
والمحبّة. فإعلان كرامة كل إنسان، واعتبار كل إنسان مساوياً لأخيه ومدعواً إلى
الدعوة عينها، مع كل ما في هذا الموقف من التراخي، حدّد النظرات العرقيّة وكل
تمييز عرفته فلسطين في ذلك الوقت. ولهذا يقبل المتألمون من هذا الجور وهذا التمييز
مثل هذا التعليم المحرّر بأمل كبير ورجاء لا حدود له. ومن هؤلاء المتألمين كانت
المرأة التي أحضرنا إلى وضعها في أيام المسيح.
انحنى يسوع بمحبة على الفقراء، ولم يتردّد في
التصدي لكل محرّمات الشريعة، ليوجّه تعليمه إلى الناس، حتى شككهم فاعتبروا أن عمله
ينافي الاخلاق. ففي وقت من الاوقات تقدّم تلاميذه وقالوا له: "أتعرف ان
الفريسيين استاؤوا عندما سمعوا كلامك هذا" (مت 15: 62)؟ ولماذا استاؤوا
وتشككوا؟ لأن يسوع عارض الطهارة الخارجية بحسب الشريعة وقال: "ما يخرج من
الفم هو الذي ينجّس الانسان" (مت 15: 11).
ويروي القديس مرقس دعوة لاوي ثم يتابع:
"وكان يسوع يأكل في بيت لاوي، فجلس معه ومع تلاميذه كثيرون من الذين تبعوه من
جباة الضرائب (العشارين) والخاطئين. فلما رأى بعض معلمي الشريعة من الفريسيين أنه
يأكل مع جباة الضرائب قالوا لتلاميذه: ما باله يأكل ويشرب مع جباة الضرائب
والخاطئين؟ فسمع يسوع كلامهم فقال لهم: لا يحتاج الاصحّاء إلى طبيب، بل المرضى. ما
جئت لادعو الصالحين، بل الخاطئين" (مت 2: 15- 17).
عارض يسوع موقف الرابانيين، فلمس يد حماة بطرس
المريضة، سلّم عليها، أمسك بيدها (مت 1: 31). وحين جاءت نازفة الدم (وهي تُعتبر
نجسة بحسب الشريعة) ولمست طرف ثوبه، لم يوبّخها ولم يطردها، بل كلّمها بحنان
ومحبّة: "ثقي، تشجّعي، يا ابنتي، إيمانك شفاك" (مت 9: 20- 22).
لم يكن يحقّ لليهودي أن يعلّم المرأة الشريعة أو
يتحدّث معها أو يتركها تخدمه. ولكن يسوع دلّ بموقفه على الطريقة التي بها تصرّف مع
مرتا ومريم (لو 10: 38). لم يكن من المعقول أن ينزل رجل ضيفاً على امرأتين تعيشان
وحدهما. لقد قلب يسوع كل هذه الافكار المسبقة وهذه المحرّمات، فدهش منه تلاميذه
أنفسهم. يمكننا أن نتخيّلهم ينظرون إليه وهو جالس مع تلك السامريّة (يو 4: 27).
يقول يوحنا: "وعند ذلك رجع تلاميذه، فتعجّبوا حين وجدوه يحادث امرأة. ولكن لا
أحد منهم قال: ماذا تريد منها؟ أو لماذا تحادثها؟" لنذكر أيضاً موقف يسوع
الذي شكك الفريسيين الذين جاؤوا بأمرأة أمسكت في زنى وذكّروه بواجب رجمها (يو 8: 4-
5). أما يسوع فقال لها: "اذهبي ولا تخطأي بعد الآن" (يو 8: 11).
وتلك الخاطئة التي يحدّثنا عنها لوقا (7: 36-
51). كيف سمح لها أن تقبّل قدميه، أن تبكي على هاتين القدمين وتمسحهما بشعرها
وتدهنهما بالطيب؟ قال سمعان: "لو كان هذا الرجل نبياً، لعرف من هي هذه المرأة
التي تلمسه وما حالها، فهي خاطئة". ولكن يسوع سيجعل الفريي يقول إن يسوع أحبّ
هذه الخاطئة أكثر منه لأنه أعفاها من الأكثر.
وحين ضرب يسوع الأمثال، جعل أشخاصه، نساء وأفقر
النساء. في مت 13: 33 "يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة..". في
لو 15: 8- 10: "أية امرأة لها عشرة دراهم، فأضاعت درهماً واحداً...".
وفي لو 18: 1- 8: "كان في تلك المدينة أرملة، تتردّد على قاضي ظالم وتقول له:
أنصفني من خصمي".
أجل، اهتم يسوع اهتماماً خاصاً بهذه النسوة، أكنّ
خاطئات أم لا. غير أن مجتمعهنّ جعلهنّ على هامش الحياة الاجتماعيّة والدينيّة
العامة. عرف يسوع أن يكلمهن ببساطة. وتجاوب مع انتظارهن العميق، مع عطشهن إلى حياة
دينية عميقة. في هذا المجال نقول إن يسوع حمل إلى نساء عصره تحريراً جوهرياً هو
تحرير القلب والضمير.
تجاه هذ الموقف، سنرى عدداً من النسوة يتصدّين
للحياء البشري ومحرمات الشريعة ليتبعن يسوع. قال لو 8: 32: "ورافقه بعض
النساء... وغيرهن ممن كنّ يساعدنه بأموالهن". وعند الصليب "كانت جماعة
من النساء... وهن اللواتي تبعن يسوع (كما تبعه الرسل والتلاميذ) وخدموه (الخدمة
الكنسيّة) عندما كان في الجليل، (مت 15: 40- 421). وهناك بعض منهن قد تعرضن للخطر
حين تبعن يسوع. مثلاً، يونة زوجة خازن هيرودوس، التي قد تكون تركت بيتها وسارت مع
يسوع (لو 8: 3).
ذكر لوقا هؤلاء النسوة حالاً بعد الرسل الاثني
عشر (لو 9: 1- 6) وقبل التلاميذ (لو 10: 1- 12)، فدل على شجاعتهنّ في اتباع يسوع
حتى الجلجلة، وفي الحضور إلى القبر قبل طلوع الصباح. كل هذا يدلّ على عمق الرباط
الذي يربطهن بالمسيح، وقوة الايمان التي تدفعهن لأن يشهدن للمسيح. نحن مع هؤلاء
النسوة أمام شهادة لإيمان شجاع في خدمة الانجيل على مثال شهادة الرسل.
والبرهان الأكبر على رفع يسوع لقيمة المرأة نجده
في الدور الذي لعبته مريم أم المسيح في أمرّ الأوقات في حياة ابنها. سنراها مع
يوحنا أمام أول معجزة يجترحها يسوع (يو 2: 10- 12). كما سنراها عند الصليب واقفة
بجانب ابنها تتقبل منه في يوحنا الحبيب باكورة أبناء عديدين: هذه امك يا يوحنا.
هذا ابنك يا مريم (يو 19: 25- 27)
خاتمة
إن تعليم يسوع وتصرّفه تجاه المرأة قد شكّلا
تجديداً جذرياً بالنسبة إلى المحيط اليهودي في عصره. وهكذا بدأ الاعلان عن مساواة
الرجل بالمرأة، على ما سيقول بولس في رسائله: "لا فرق الآن بين يهودي وغير
يهودي، بين عبد وحر، بين رجل وامرأة. فانتم كلكم واحد (متساوون) في المسيح
يسوع" (غل 3: 28). ألغي كل تمييز وكل تفرقة على مستوى الجنس فلم يعد يتصرف
الرجل بالمرأة كما يشاء. "فان كان لا سلطة للمرأة على جسدها، لأنه لزوجها،
فلا سلطة للزوج على جسده، لأنه لامرأته" (1 كور 7: 4). وحين يحدّثنا يسوع عن
البتولية، ستكون أمّه مريم أول البتولات وسيتبعها عدد من الرجال والنساء فيدلون
على أن الزواج ليس الطريق الوحيدة للعطاء. فالبتوليّة هي أيضاً شكل آخر من العطاء،
يتعدّى الزواج، لأنه لا ينحصر في عائلة وأولاد، بل ينفتح على عائلة الله كلّها.
وضع يسوع بذار ثورة في المجتمع. يبقى على
المسيحيين أن يقدموا أرضاً طيّبة تعطي الثمر الذي يطلبه الربّ. حين زرع الزارع
زرعه، أعطى بعضه مئة (لو 8: 8) في شخص مريم المباركة بين النساء (لو 8: 19- 21)،
ونحن ننتظر أن يثمر كذلك فينا حين "نسمع كلام الله ونعمل به".