السبت، 5 يوليو 2025

إعادة النظر في طرق نقد نصوص العهد الجديد James A. Borland

 

 


مش غريب نقول إن الشيطان بيستخدم كل وسيلة يقدر عليها علشان يشكك في مصداقية وكلام ربنا. هو بدأ الهجوم ده من أول جنة عدن مع حواء ولسه مكمل لحد دلوقتي. بس غالبًا طريقته بتكون أذكى من الكذبة الواضحة اللي حواء صدقتها. إحنا عايشين في زمن متطور، حتى في الدراسات الكتابية والنقد النصي، بقينا نسمع عن استخدام الكمبيوتر وأدوات تقنية معقدة. والشيطان مش عنده مانع يواكب التطور ده، خصوصًا لما الأدوات دي بتخلي بعض الناس يقولوا إن نصوص العهد الجديد الأصلية فيها أخطاء، بناءً على قواعد وممارسات نقد النص اللي بقت منتشرة ومقبولة.

الفترة من سنة 1830 لـ 1880 كانت مرحلة جمع معلومات وتجميع مخطوطات أكتر للعهد الجديد، وكمان اقتراح ونقاش نظريات جديدة عن النصوص. في الوقت ده، كان فيه علماء زي غريسباخ، لاخمان، تريجيليس وتيشندورف مسيطرين على المجال. لكن سنة 1880، ويستكوت وهورت قدموا نظرية جديدة عن النصوص، ومع شوية تعديلات بسيطة، المجتمع الأكاديمي تبناها، وبقت هي المرجع الأساسي في المجال لأكتر من قرن.

ببساطة، نظرية ويستكوت وهورت بتفرّق بين عائلات مختلفة من المخطوطات، زي النص الإسكندري، الغربي، البيزنطي، والقيصري. النظرية بتقول إن النص الإسكندري يعتبر من النصوص القديمة، لكن النص البيزنطي ظهر تقريبًا في أول ربع من القرن الرابع الميلادي. كمان النظرية بتدي أهمية كبيرة لأقدم مخطوطتين بالنص الكبير (uncial)، اللي هما ألف (سينائيكوس) وبي (فاتيكانوس)، واللي بيرجعوا لنص القرن الرابع. الاتنين دول اتسموا بـ "النص المحايد"، رغم إن التسمية دي فيها جدل.

باختصار، المبادئ الجديدة اللي ظهرت في نقد نصوص الكتاب المقدس قلبت الطريقة القديمة رأسًا على عقب. لما اعتبروا إن النص البيزنطي (اللي هو الأغلب في المخطوطات) نص متأخر، بدأوا يستبدلوه بالنص اللي بيسموه "محايد" أو "نقي"، واللي بيقولوا إنه أقدم وأدق.

معظم التغييرات دي ما كانتش بتأثر على المعنى بشكل كبير، غالبًا كانت اختلافات بسيطة في ترتيب الكلمات أو في الإملاء. لكن في حالات كتير – وأحيانًا لأسباب منطقية – اتشالت كلمات أو جمل أو حتى آيات كاملة من النص اللي الناس كانت معتادة عليه.

ولو فتحت ترجمات حديثة زي RSV أو NASB أو NEB أو NIV، وبصيت في الهوامش، هتلاقي أمثلة كتير على التغييرات دي، وده يوضح قد إيه المبادئ دي اتطبقت بشكل واسع في عصرنا.

في كلامه عن نظرية ويستكوت وهورت، جورج لاد[1] كتب إننا "وصلنا للنص المتفق عليه." [2] وبيرجع يؤكد إن: "من النادر حد يعارض فكرة إن النقد النصيّ قدر فعليًا يسترجع النص الأصلي للعهد الجديد."[3] وهو شايف إن "في البحث عن نص جيد، الورع والتقوى ما ينفعوش يكونوا بديل عن المعرفة والحُكم العلمي."[4]

إيفرت ف. هاريسون بيلاحظ إن فيه اتجاه لإعادة تقييم النص البيزنطي، لأن بعض البرديات القديمة بتوضح إن فيه قراءات معينة من النص الأغلب (البيزنطي) بتكون أقدم من القراءات اللي في النص المحايد. وده خلّى العلماء يستخدموا طريقة اسمها "الانتقائية" eclectic methodology، يعني بيحاولوا يوزنوا كل العوامل اللي في الصورة.[5]

بس هو بيأكد إن ده معناه إن قراءات النص البيزنطي لازم تتاخد في الاعتبار، مش تتترمي على طول. كمان بيقول إن في الطريقة دي، الأدلة الخارجية غالبًا بتتاخد كأنها أقل أهمية، وده شيء مؤسف.

ج. هارولد جرينلي بيضيف إن تجاهل الأدلة الخارجية والاعتماد الكامل على الأدلة الداخلية ممكن يخلي القرارات تبقى شخصية زيادة عن اللزوم. وعلشان كده لازم يكون فيه توازن بين الأدلة الداخلية والخارجية.[6]

ويستكوت وهورت طوروا طريقة فيها نوع من التفكير الدائري، واللي خلتهم يتجاهلوا بشكل عملي النظر المنطقي في الكمية الكبيرة من المخطوطات اللي بتشكل الأدلة الخارجية. هم كانوا شايفين إن أفضل الأدلة الخارجية موجودة في المخطوطات اللي فيها "أفضل القراءات". وطبعًا "أفضل القراءات" دي كانت في النص اللي هم سموه "النص المحايد".

علشان يحددوا إيه هي القراءات المفضلة، استخدموا فكرتين:

(1) الاحتمال الداخلي، وده بيحاول يحدد أي قراءة من القراءات المختلفة بيعبر عن أسلوب الكاتب نفسه.

(2) الاحتمال النسخي، وده بيحاول يعرف أي قراءة ممكن تكون ظهرت بسبب النُسّاخ.

 

القانون الأول، زي ما ممكن تتخيل، اتعرض لسوء استخدام وتكهنات حتى من العلماء المتقنين والمتدينين، لأنه بيعتمد على تقييم شخصي. أما القانون التاني، فبياخد في اعتباره التغييرات اللي النُسّاخ ممكن يكونوا عملوها سواء عن قصد أو من غير قصد.

النُسّاخ كانوا ساعات بيضيفوا حاجات في النص زي التوضيح أو التفسير أو تكرار بالخطأ أو دمج بين قراءتين مختلفتين. وفي نفس الوقت، ساعات كانوا بيشيلوا حاجات من النص بسبب أخطاء زي إنهم يكتبوا الكلمة مرة واحدة بدل مرتين (haplography)، أو يخلطوا بين سطور نهايتها شبه بعض (homoioteleuton)، أو حتى بسبب تعديل متعمد. وكمان ممكن تكون فيه تغييرات حصلت بسبب خلافات لاهوتية أو تدخل من ناس كانوا ضد الكنيسة أو من الهراطقة.

القواعد الأساسية اللي بيستخدموها علشان يقرروا في حالات الأدلة الداخلية ممكن تتلخص في الآتي: 

(1) يفضلوا القراءة اللي تفسّر ظهور باقي الاختلافات، 

(2) يفضلوا القراءة الأقصر، 

(3) يفضلوا القراءة الأصعب، 

(4) يفضلوا القراءة اللي شكلها أكتر بتعبر عن أسلوب الكاتب.

وطبعًا كل قاعدة من دول بتتطبق بشكل شخصي إلى حد كبير. ولما القرار بيكون صعب في موضوع الأدلة الداخلية، العلماء ساعات بيرجعوا لطريقة التفكير الدائري القديمة اللي بتقول: "في مخطوطات معينة بتدعم النص الأصلي أكتر من غيرها، والمخطوطات دي هي الإسكندرانية القديمة. فلو الأدلة الداخلية مش قادرة تحسم، جوردون فيي بينصح إن أفضل حل هو الاعتماد على أفضل المخطوطات."[7]

وبالتالي، الأدلة الخارجية بتكون آخر حاجة يلجأوا ليها، ولما بيستخدموها، بيكون القرار أصلاً متأثر بفكرة مسبقة عن إيه هي المخطوطات الأفضل.



[1] چيمس بورلاند أستاذ في اللاهوت ودراسات الكتاب المقدس في كلية ليبرتي المعمدانية في لينشبرج، فيرجينيا.

JETS 25:4 (December 1982) p. 500

[2] G. E. Ladd, The New Testament and Criticism (Grand Rapids: Eerdmans, 1967) 77.

لكن ج. د. فيي بيقول إن طريقة هورت الجينية (genealogical method) تم رفضها، وده أدى لظهور طريقة جديدة اسمها modern eclectic method، واللي اتكلم عنها في:

“The Textual Criticism of the New Testament,” Expositor’s Bible Commentary (Grand Rapids: Zondervan, 1979), I. 419–433; “Rigorous or Reasoned Eclecticism—Which?”, Studies in New Testament Language and Text (ed. J. K. Elliott; Leiden: Brill, 1976) 174-197.

[3] Ladd, New Testament and Criticism 80.

فيي بيقول بنفس الجرأة إن "مهمة نقد نصوص العهد الجديد تقريبًا خلصت"؛ في مقاله :

Modern Textual Criticism and the Revival of the Textus Receptus".JETS 21 (1978) 19-33. But note I. A. Moir’s word of caution regarding the UBS text; “Can We Risk Another ‘Textus Receptus’?”JBL 100 (1981) 614-618.

[4] Ladd, New Testament and Criticism 81.

[5] E. F. Harrison, Introduction to the New Testament (Grand Rapids: Eerdmans, 1971) 82.

[6] J. H. Greenlee, Introduction to New Testament Textual Criticism (Grand Rapids: Eerdmans, 1964) 119.

[7] Fee, “Textual Criticism of the New Testament” 431.

[8] G. Salmon, Some Thoughts on the Textual Criticism of the New Testament (London: John Murray, 1897) 26


الجذور العبرانية للمسيحية المبكرة (ملف كامل متجدد)

 



الجذور العبرانيّة للمسيحيّة - 1 - بين إسرائيل بكر الله، والكنيسة!


الجذور العبرانية للمسيحية 2- أورشليم وخيمة الاجتماع والهيكل كرموز للكنيسة


الجذور العبرانية للمسيحية -3- معمودية يسوع


الجذور العبرانية للمسيحية -4- الأدب الرابيني


تاريخ العقيدة في المسيحية المبكرة - العقيدة العامة عن الله (2)

 


العقيدة العامة عن  الله، الجزء الثاني[1]

الفقرة ٥: الثالوث الوثني

بعض أنظمة اللاهوت في العصور الوثنية القديمة كانت فيها إشارات لفكرة التثليث في الكيان الإلهي. كتابات أفلاطون بشكل خاص في الفلسفة الغربية، وبعض الأنظمة الشرقية زي الهندوسية، احتوت على تلميحات للنوع ده من الوجود الإلهي. لكن الثالوث الوثني كان مجرد تجسيد رمزي، مش تمييز داخلي حقيقي في جوهر الله بين ثلاث أشخاص حقيقيين يُمكن التوجه ليهم في الصلاة والعبادة.

الثالوث الوثني غالبًا بيتكوّن بطريقتين: يا إما من خلال تجسيد لثلاث صفات أساسية لله زي الصلاح والعقل والإرادة—ودي طريقة أفلاطون؛ أو من خلال تجسيد لثلاث قوى في الطبيعة زي الخلق، الحفظ، والهدم—وده في نظام "تريمورتي" الهندوسي. في الأنظمة دي، الصفات والوظائف بتحل محل التمييزات الجوهرية الداخلية في طبيعة الله.

وعلشان كده، لما نحلل الفكرة بشكل نهائي، ما بنلاقيش فيها تثليث حقيقي لأشخاص، لكن مجرد تجسيد لثلاث عناصر غير شخصية. وبالتالي، الثالوث الوثني بيكون رمزي واسمي بس.

كودورث CUDWORTH حاول يثبت إن أفلاطون كان بيؤمن بثالوث حقيقي في جوهر الله. أما مورجان (في كتابه "ثالوث أفلاطون وفيلو") فاعترف إن أفلاطون كان عنده فكر توحيدي، لكنه أنكر وجود ثالوث بالمعنى المسيحي أو الجوهري في كتاباته.

في فقرة من كتاب "إيبينوميس"،[2] بيقول:

"كل واحدة من القوى السماوية الثمانية (زي اللي في الشمس والقمر...) بتمر بدورتها وبتكمل النظام (κόσμον) اللي العقل (λόγος)، الإلهي أكتر من الكل، عيّنه علشان يكون مرئي".

مورجان بيرد وبيقول[3] إن أفلاطون بيتكلم هنا عن قانون التناغم في الكون المادي، وكلمة "λόγος" هنا جاية من غير أداة تعريف، وده بيدل إنه بيتكلم عن مبدأ مجرد، مش عن شخص.

في رسالة أفلاطون التانية لـ ديونيسيوس،[4] بيقول:

"بالنسبة لملك الكل، كل حاجة ملكه، وكل حاجة علشانه، وهو سبب كل الأشياء الجميلة. وفيه واحد تاني خاص بالأشياء الثانوية، وثالث للأشياء الترتيبية".

كودورث فسر ده على إنه ثالوث: "الخير"، و"العقل"، و"الروح".[5] وقال إن أول اتنين منهم كانوا غير مخلوقين وأزليين. أما التالت، اللي هو "روح الكون"، ففيه احتمال إنه مش أزلي، لكنه رجّح إن أفلاطون كان بيؤمن بوجود نوعين من النفس: واحدة أرضية مرتبطة بالعالم المادي، والتانية فوق العالم، ودي بتشكل العالم مش بس كصورته، لكنها كصانع له.

كودورث شايف إن الثالوث الأفلاطوني والفيثاغوري كان مبني على وحي إلهي انتقل من العبرانيين للمصريين وباقي الشعوب.[6] وميز بين الثالوث الأفلاطوني الحقيقي، والثالوث الزائف اللي أضافه أتباع أفلاطون بعدين، واللي كانوا بيألهوا عقول فرعية جنب العقل الكوني، وده أدى لأفكار زي: وحدة وجود، وعبادة الكون، وعبادة الكائنات.

ثيودوريت قال[7] إن بلوتينوس ونومينيوس شرحوا أفكار أفلاطون وقالوا إنه بيعلّم إن فيه ثلاث مبادئ: الخير، والعقل، وروح الكل. بلوتينوس وصفهم وقال:

"كأن الخير هو المركز، والعقل دايرة ثابتة حوله، والروح دايرة متحركة وبتتحرك بالشهوة".[8]

بالنسبة للثالوث الهندي، فهو بيتكوّن من ثلاث قوى: الخلق (براهما)، الحفظ (فيشنو)، والهدم (شيفا)، وكلهم طالعين من الكيان الأصلي "برهم".

الديانة الفارسية بتعترف بوجود مبدأين كبار: أورمزد وأهرمان، الاتنين تابعين لميثرا، السبب الأول الكبير، أو الزمن غير المحدود. والثنائية دي بتقول إن القوتين المتعارضتين اتخلقوا أو خرجوا من الكائن الأعلى غير المخلوق.[9]

الفحص ده لفكرة التثليث عند الوثنيين بيرد على كلام سوسينوس اللي قال إن الكنيسة خدت عقيدة الثالوث من كتابات أفلاطون. الاتنين مختلفين تمامًا في الأساس. لكن في نفس الوقت، فيه شبه بسيط بينهم، وده يخلي الكلام منطقي لما نقول إن عقيدة الثالوث في الكتاب المقدس مش بعيدة قوي عن الإدراك الطبيعي للعقل البشري، زي ما معارضيها بيقولوا، لأن أكتر الأنظمة الفلسفية والدينية الوثنية عمقًا حاولت توصل لها، حتى لو ما قدرتش.

رؤية ناقصة أو مش كاملة للحقيقة أحسن من مافيش خالص؛ ورغم إنها مش كافية لا نظريًا ولا عمليًا، لكنها بتأكد جزئيًا صحة العقيدة الكاملة. يعني التقليد والتقليد المزيف هما في الآخر دليل على وجود الأصل الحقيقي.

 



[1] William G. T. Shedd, A History of Christian Doctrine, Vol. 1 (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 1999). 223.

[2] 986. d, Ed. Tauchnitz, VI. 495

[3] Trinity of Plato, p. 6

[4] Opera VIII. 118, Ed. Tauchnitz

[5] Intellectual System, II. 364 sq. Tegg’s Ed.

[6] Intel. Syst. II. 333, 339, 340

[7] De affect. II. 750

[8] PLOTINUS (4 Ennead, iv. 16)

[9] MILMAN: History of Christianity, p. 200, Harper’s Ed.