السبت، 14 أكتوبر 2023

هل فَهِم الرابيون اليهود إعلان الثالوث الوارد في نصوص العهد القديم؟

  


نأتي الآن إلى سؤال هام، وهو كثيرًا ما يُطرح. بناء على ما سبق من آيات العهد القديم، هل فهم الرابيون وعلماء وحكماء اليهود أنّ الله في طبيعته ثالوث؟ أو عرفوا شيئًا عن ابن الله أو روح الله؟

اليهود لم يفهموا إعلان الثالوث بشكل كامل، لأنّه -كما رأينا- غير واضح من خلال نصوص العهد القديم، ونحن فقط نفهمه من خلال العهد الجديد الذي فيه أعلن يسوع وجه الله المُحتجب في نصوص الناموس والأنبياء، واعطانا نعمة استنارة الروح القدس الذي يُعلِّمنا كلّ شيء.

لكنّ، اليهود كانوا مشتتين بعض الشيء بالنسبة للتعاليم السابق ذِكرها، فوجدوا أنّ الله له ابن وله روح، وواضح أنّهم ليسوا منفصلين عنه، وليسوا أدنى منه، وعلى عدم المعرفة هذا أسّسوا تعاليمهم بأنّ الله له ابن وله روح، وأنّ طبيعته ليست مفردة بالمعنى الصنميّ..

فبين الأدب اليهوديّ هُناك كتاب يُسمى الزوهار يتجِّه نحو حقيقة الثالوث في شرحه للحروف الأربعة للاسم (يهوه)، فيقول:

”تعال وانظر السرّ العظيم لكلمة يهوه، توجد ثلاث درجات كلّ واحدة قائمة بذاتها،[1] ومع ذلك هم واحد، ومُتحدين لدرجة لا يمكن فصل الواحدة عن الأُخرى. القدّوس قديم الأيام، يظهر وكأنّ له ثلاث رؤوس، ومتحدة في واحد، والرأس الواحدة لها نفس مجد الثلاث. قديم الأيام يوصف وكأنّه ثلاث، لأنّ النور المُنبثق منه يشمل الثلاثة. لكن، كيف أنّ الثلاثة يكونون واحدًا! لا يُمكن أن يُعرفَ هذا“.[2]

ويُسجِّل التلمود أقوالًا تدل على لاهوت المسيح ومساواته للآب مثل: 

إنّ كلّ الأنبياء تنبأوا عن المسيح فقط“،[3] بل وقالوا: ”إنّ العالم لم يُخلق إلَّا لأجل المسيح“.[4]

حتّى أنّ اسمه ”يهوه“، الذي هو الاسم الخاص بالله وحده، ففي مدراش تهليم عن المزامير في تفسير (مزمور21: 1)، مكتوب: 

”الله يدعو الملك المسيّا باسمه هو. لكنّ ما هو اسمه؟ الإجابة: الرّبّ (يهوه) رجل الحرب“ (خروج 15: 3).[5] 

وفي مصدر يهوديّ آخر، ”إيكاراباتي- المراثي في شرح التوراة واللفائف الخمس“، يقول في تعليق على (مراثي1: 16): 

”ما هو اسم المسيّا؟ يقول أبا بن كاهانا: اسمه يهوه كما نقرأ في إرميا (23: 6): ”وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرّبّ (يهوه)“.[6]

وعن علاقة الابن بالروح القدس، ولاهوت الروح القدس يقول ترجوم إشعياء على (11: 1- 4):

”ويخرج ملك من نسل يسَّى، مسيح من ذريته يقوم. وعليه يستقر روح الرّب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرّب. ويقوده الرّبّ في مخافته. فلا يحكم بحسب نظر عينيه ولا يقضي بحسب سمع أذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين وينصف المعوزين بين الناس“.[7]

كما جاء في التلمود البابليّ:

”كما هو مكتوب سيحلّ روح الرّبّ على المسيّا، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرّب. وهكذا يصير سرّيّع الفهم في مخافة الرّب“.[8]

 وقد فسّر علماء اليهود بقيّة الأصحاح على المسيح المُنتظر وقالوا:

”إنّ الله جعل لموسى أن يرى كلّ أرواح حكام وأنبياء إسرائيل حتّى يوم القيامة. وقيل له إنّ هؤلاء لهم معرفة واحدة وروح واحدة لكنّ المسيّا له روح واحدة تساوي كلّ الآخرين معًا بحسب (إش11: 1)“.[9]

الفيلسوف اليهوديّ فيلو يتحدث عن ميلاد الابن، أو اللوجوس من الله، فيكتب:

”إنّ الله وأب الكون قد بَثَق ابنه الأول، والذي يُدّعى أيضًا المولود الأول“.[10]

وكلمة الله يساوي مجد الله، أو هو الشاكيناه، ذلك المُصطلح العبريّ الذي يُستخدم للحديث عن حضور الله في العالم. هذا ما يخبرنا به ترجوم أونكيلوس حين يستبدل مجد الله، بكلمة الله أو ”ميمرا يهوه“.[11] بل أنّ الأمر يتعدّى مُجرّد استبدال مجد الرّبّ أو حضوره بالميمرا، بل أنّ ميمرا يهوه أو كلمة الرّبّ هذا هو الله، كما يضع الترجوم ذلك على لسان يعقوب.[12] وترجوم أورشليم يجعل إبراهيم يصلي إلى كلمة الرّب.[13] وترجوم يوناثان يتحدث عن الميمرا كديّان، فهو الذي دان شعب سدوم وعمورة.[14]


عن كتاب: الثالوث القدوس قبل نيقية، أمجد بشارة، 2017


[1] الثلاث درجات، بحسب تعاليم الرابيين، هيَ الأسماء الإلهيّة الثلاثة: ”يهوه- أهيه- أدوناي”. انظر:

Gerald Sigal, Trinity Doctrine Error, A Jewish Analysis (USA: Xlibris Corpoation, 2006), 134.

[2] Zoha, vol. III, 288 / vol. II, 43.

[3] Sanhedrin 99a.

[4] Sanhedrin 98b.

[5] Laetsch, BCJ, 193.

[6] Lartsch, BCJ, 193.

[7] Stenning, T1, 40.

[8] Nezikin, BT, 626, 627.

[9] Alfred Edersheim. quoted The Midrashim. verse 1 in Bereshith R. 85 on Gen. xxxviii. 18, where also Ps. cx. 2 is quoted, and in Ber. R. 99, ed. Warsh., p, 178 b. In Yalkut (vol. I. p. 247 d, near the top).

[10] Philo of Alexandria and Charles Duke Yonge, The Works of Philo: Complete and Unabridged (Peabody, MA: Hendrickson, 1995), 240.

[11] Targum Onkelos Gen. 17:7.

[12] Targum Onkelos on Gen. 28:20-21.

[13] Jerusalem Targum Gen. 22:14.

[14] Targum Jonathan on Gen. 19:24.

ليست هناك تعليقات: