السبت، 5 يوليو 2025

تاريخ العقيدة في المسيحية المبكرة - العقيدة العامة عن وجود الله (1)



العقيدة العامة عن وجود الله[1] 

الفقرة ١: اسم الذات الإلهية

قبل ما ندخل في تاريخ عقيدة الثالوث، هنلقي نظرة سريعة على العقيدة الخاصة بوجود الله بشكل عام. فيه خمس مواضيع هنتكلم عنها في الجزء التمهيدي ده: 

- اسم الذات الإلهية 

- مدى انتشار أفكار وحدة الوجود والازدواجية في تطور العقيدة المسيحية عن الله 

- أنواع الحجج اللي استخدمها اللاهوتيين المسيحيين علشان يثبتوا وجود الله 

- العقيدة الخاصة بصفات الله 

- مفهوم الثالوث الوثني.


بالنسبة لاسم الله، وبالنسبة للتعريفات الخاصة به، الكنيسة المسيحية كانت دايمًا متميزة بحرية في الآراء والتصورات. في العالم الوثني، كان فيه شعور خرافي خلّى الناس يعتقدوا إن في أسماء معينة فيها قوة سحرية، وكانوا متمسكين باسم معين لدرجة كبيرة. لكن المسيحية كانت دايمًا حرة في إنها تستخدم اسم الله المتداول وسط الناس في البلد اللي راحت له، وده بيعبر عن إيمانها إن الاسم مالوش فضيلة خاصة، وكمان مفيش كلمة واحدة تقدر توصف بشكل كامل الوجود اللا نهائي والجمال الكامل اللي موجود في الله.[2] المبشر الجديد زي القديم بياخد كلمات اللغة الجديدة اللي رايح لها، ويخصصها للمعنى الأسمى اللي جاي يوصله.

في نفس الوقت، لازم نلاحظ إن المسيحية، بسبب ارتباطها باليهودية، كانت بتميل دايمًا إنها تستخدم وتفضل المفهوم اللي بيعبر عن وجود الله الضروري والمطلق. اسم "يهوه" العبري اتترجم بطريقتين في النسخة اليونانية من العهد القديم: "هو أون" و"تو أون" ὁ ὤν, and τὸ ὄν. الاتنين كانوا مستخدمين—واحد منهم بشكل شخصي للتعبير عن شخصية الله في مواجهة أفكار وحدة الوجود، والتاني بشكل غير شخصي للتعبير عن كينونة مطلقة وضرورية (أوسيا οὐσία)، في مقابل كينونة مش ثابتة ومعتمدة على حاجات تانية أو منبع خارجي (جينيسيس γένεσις). وبالتالي، الكنيسة لما استخدمت اسم الله اللي موجود في العهد القديم من خلال اللغة اليونانية الإسكندرانية، كانت بتستخدم نفس الفكرة والاسم اللي الله نفسه استخدمه لما أظهر نفسه لشعبه المختار.


الفقرة ٢: وحدة الوجود والازدواجية في الكنيسة


بالنسبة لحجم ونوع أفكار وحدة الوجود اللي ظهرت مع تطور العقيدة المسيحية عن الله، هنلاحظ مجموعة من النقاط.

في أول تمن قرون، الكنيسة ما واجهتش أفكار وحدة وجود منظمة أو متطورة بشكل كبير. بس، فيه شوية تعبيرات استخدمها معلمين أرثوذوكس، ولو كان قالها واحد من اللي بيؤمنوا بوحدة الوجود كان ممكن تتفهم على إنها وحدة وجودية. زي تاتيان، اللي كان متحوّل للمسيحية وتلميذ ليوستينوس الشهيد، وأحد المدافعين الأوائل عن الإيمان، قال إن الله هو ὑπόστασις πάντων "جوهر كل شيء". وهيلاري استخدم تعبير “deus anima mundi” اللي معناها "الله هو روح العالم". كمان بعض ترانيم سينيسيوس فيها نبرة وحدة وجود واضحة.


هيبوليتوس، في اعترافه بالإيمان، بيكلم المسيحي وبيقوله:


"هتكون ليك جسد خالد وروح ما تفناش، وهتنال ملكوت السماوات. بعد ما تعيش على الأرض وتعرف الملك السماوي، هتكون شريك لله، ووارث مع المسيح، ومش هتكون خاضع للشهوات أو الغضب أو المرض. لأنك أصبحت إلهاً (γέγονας γὰρ θεός). وأي تعب كنت بتعانيه وأنت إنسان، كان بسبب إنك كنت إنسان؛ لكن الحاجات اللي تخص الله [παρακολουθεῖ]، الله أعلن إنه هيعطيهالك لما تتأله (ὅταν θεοποίηθῆς)، بعد ما تتولد من جديد كخالد."[3]

 

لكن الكلام ده لازم يتفهم على ضوء إن اللي قالوه دول كانوا مسيحيين مؤمنين بالله الشخصي، وماكانوش بيقصدوا بوحدة الوجود بمعناها النظري، بل غالباً كانت مجرد تعبيرات مش محسوبة في سياق كتابتهم.[4]

عقيدة الطبيعة الإلهية ما اتعرضتش لتغيير كبير ولا فساد بسبب فكرة الازدواجية. ودي تعتبر العكس من وحدة الوجود. أي انحراف عن الفكرة الحقيقية عن الله بيخلص يا إما إلى وحدة بتعتبر إن الله والكون هما حاجة واحدة، يا إما إلى ازدواجية بتفصل الكون عن الله بشكل يخليه يا إما مستقل تمامًا عنه، يا إما في حالة عداء دايم معاه.

لكن الكنيسة القديمة بس هي اللي كان مطلوب منها إنها تواجه النوع ده من الخطأ.[5] في فترة انتشار أفكار المانويين والغنوصيين، كانت أفكار الازدواجية منتشرة، بس بعد ما الأفكار دي اختفت، العقيدة الكتابية عن الله بقت بتواجه بشكل أساسي انحرافات وحدة الوجود.


الفقرة ٣: الأدلة على وجود الله


الكنيسة القديمة كانت بتركّز أكتر على الإيمان لما تيجي تثبت وجود الله، بينما الكنيسة الحديثة بدأت تعتمد على البرهنة والمنطق. وده طبيعي بسبب تطور الفلسفة وزيادة الاهتمام بالعقل. ومع نمو العلم، العقل بقى يميل أكتر للتفكير المنطقي اللي بيعتمد على الحجج المرتبة والمترابطة.

الآباء الأوائل في الكنيسة كانوا بيعتمدوا بشكل أساسي على الوعي الداخلي للإنسان علشان يثبتوا وجود الله. كانوا بيعظموا الأدلة اللي جاية من جوا النفس البشرية. فيه مصطلحات شائعة بيستخدموها علشان يعبروا عن نوع المعرفة اللي الروح بتملكها عن الله، زي كلمة ἔμφυτον اللي استخدمها كليمنضس الإسكندري، وكلمة ingenitum اللي استخدمها أرنوبيوس. وترتليان قال "anima naturaliter sibi conscia Dei" يعني "الروح بطبيعتها واعية بوجود الله".

التأثير بتاع الفلسفة الأفلاطونية كان باين في التصورات دي، لأنها كانت بتشير لفكرة إن فيه أفكار فطرية في الإنسان مرتبطة بالله. كمان، عقيدة اللوغوس اللي اتطورت من إنجيل يوحنا، دعمت الرؤية دي عند الآباء الأوائل. الله كان بيُفهم إنه بيُظهر نفسه مباشرة للحس الأخلاقي، عن طريق الكلمة الإلهية أو العقل، اللي كانوا بيعتبروه الله الظاهر.

بالنسبة للكنيسة الغربية بشكل خاص، كانت بتؤكد على فكرة إن الله يثبت وجوده من خلال حضوره المباشر للعقل. أوغسطينوس في "الاعترافات" لمح إن الله بيُظهر صفاته ووجوده من خلال تأثير مباشر على النفس العاقلة للإنسان. واحدة من تعبيراته كانت "Perculisti cor, verbo tuo" يعني "أصبت قلبي بكلمتك".[6]

لما كانت فيه محاولات لعمل إثبات منطقي رسمي لوجود الله في فترة الآباء، كانوا بيعتمدوا على الطريقة اللي بتيجي بعد الملاحظة (a posteriori). الحجة الفيزيائية-لاهوتية، اللي مبنية على التناغم اللي واضح في أعمال الخليقة، استخدمها إيريناوس علشان يثبت عقيدة وحدة وبساطة طبيعة الله، في مواجهة الوثنية اللي كانت بتؤمن بكذا إله، والغنوصية اللي كانت بتؤمن بوجود عدد كبير من الأيونات. كمان الحجة الغائية، اللي بتعتمد على وجود هدف أو تصميم عام في الخلق، كانت مستخدمة في اللاهوت عند الآباء.

الحجة الوجودية، اللي قوتها جاية من تعريف الكائن الكامل بشكل مطلق، ما اتكوّنتش واتصاغت بشكل واضح إلا في عصر المدرسيين. أنسلم هو اللي صاغها وعرضها في كتابه "مونولوجيوم"، وبشكل أعمق في "بروسولوجيوم"، واللي ماحدش قدر يتجاوزهم من وقتها. ومش تقليل من قوة الحجج العقلية اللي بتميز اللاهوت البروتستانتي الحديث، بس الحجة المبنية على طبيعة الله الضرورية، أنسلم شرحها في الكتابين دول بتأمل عميق، وذكاء فلسفي دقيق، يخليهم من أفضل الكتابات التأملية في الفكر المسيحي.

يمكن العثور على جوهر الحجة الأنسلمية في المواقف التالية المتخذة في Proslogion[7]

العقل البشري فيه فكرة عن الكائن الكامل لأقصى درجة ممكنة. والكائن ده لازم يكون موجود بالضرورة، لأن الكائن اللي وجوده مش أكيد، واللي ممكن يكون موجود أو لأ، ما ينفعش يكون أكمل كائن نتخيله. لكن الكائن اللي وجوده ضروري هو اللي ما نقدرش نتخيله غير إنه موجود، وبالتالي هو كائن موجود فعلاً. الوجود الضروري يعني وجود فعلي. فالعقل لما بيتخيل كائن أكمل من كل الكائنات، هو في الحقيقة بيتخيل كائن حقيقي، مش وهمي؛ زي ما العقل لما بيتخيل شكل له ثلاث أضلاع، بيكون بيتخيل شكل له ثلاث زوايا برضه.

القوة في الحجة دي بتعتمد بشكل كامل على فكرة "ضرورة الوجود".[8] دي جزء أساسي من فكرة الكائن الأكمل، ومش بتدخل في تصور أي كائن تاني. كل الكائنات التانية ممكن تكون موجودة وممكن لأ، علشان ما هياش الأكمل اللي ممكن العقل يتخيله. وجودها مش ضروري؛ لكن الكائن الكامل الأول وجوده ضروري.

ومن هنا، فكرة الله تعتبر فكرة فريدة تمامًا، وممكن يبني عليها حُجة ما ينفعش تتبني على أي فكرة عن كائن تاني. ومن مميزاتها إنها لازم يكون ليها واقع فعلي يناسبها. وده مش موجود في أي فكرة تانية. يعني، لما العقل يتخيل إنسان، أو ملاك، أو شجرة، أو أي شيء مش هو الله أو الكائن الأكمل، مفيش ضمان إن الشيء ده موجود فعلًا. ممكن تكون فكرة ذاتية بس؛ مجرد تصور في العقل، من غير حاجة في الطبيعة تنطبق عليه. وده لأن فكرة الإنسان أو الملاك أو الشجرة ما بتحتويش على عنصر "ضرورة الوجود".

لكن في حالة فكرة الله اللي هي الوحيدة والفريدة من نوعها، العقل لوحده كافي علشان يثبت إن الكائن ده موجود فعلًا، لأنه فيه عنصر الوجود الضروري. فلو العقل، زي ما أنسلم بيقول، عنده فكرة عن الكائن الأكمل الممكن تصوره، وكمان بنعترف إن الكمال المطلق بيستلزم الوجود الضروري، وبعدين نتعامل مع الفكرة دي زي أي فكرة تانية ممكن تكون موجودة أو لأ، يبقى إحنا بنناقض نفسنا.


أنسلم بيقول:

"أكيد، الكائن اللي لا يمكن تخيّل ما هو أعظم منه، ما ينفعش يكون موجود في العقل بس. لأن لو افترضنا إنه موجود بس في الذهن، ومش موجود في الواقع، يبقى نقدر نتخيل كائن أعظم—واحد موجود في الواقع، وده أعظم من مجرد وجود ذهني. فلو الكائن اللي لا يمكن تخيّل ما هو أعظم منه موجود بس في التصور، ومش موجود في الحقيقة، يبقى الكائن ده في الحقيقة شيء ممكن نتخيل ما هو أعظم منه—وده تناقض في نفسه. وبالتالي، فيه كائن موجود بدون شك، في العقل وفي الواقع، لا يمكن تصور ما هو أعظم منه."[9]

 

أنسلم بياخد خطوة أبعد، وبيقول إن العقل ما يقدرش يتخيل إن الله مش موجود من غير ما يدخل في تناقض منطقي.[10] وده بيأكد الفرق بين فكرة الكائن الأسمى، وبين باقي الكائنات. مفيش أي تناقض لو افترضنا إن الإنسان أو الملائكة أو الشجر أو المادة كلها مش موجودة، لأن تعريفهم ما بيستلزمش إنهم لازم يكونوا موجودين. لكن لو افترضنا إن كائن وجوده ضروري بطبيعته مش موجود، يبقى ده شيء غير منطقي.

يعني إحنا نقدر نتخيل إن الخليقة مش موجودة، لكن ما نقدرش حتى في خيالنا نلغي وجود الخالق. في الفصل الرابع من كتاب بروسولوجيوم، أنسلم بيشرح الفكرة دي بالطريقة دي:

"الشيء ممكن نتصوره بطريقتين: الأولى لما نتخيل الكلمات اللي بتدل عليه؛ والتانية لما نفهم طبيعة الشيء نفسه. في الطريقة الأولى، ممكن نتخيل إن الله مش موجود؛ لكن في الطريقة التانية، ما نقدرش نتصور كده. زي ما ماحدش يقدر يتصور إن النار هي الماء، لو كان فاهم يعني إيه نار ويعني إيه ماء، رغم إنه ممكن يتخيل كده لو بيفكر في الكلمات بس. بنفس الشكل، اللي فاهم يعني إيه الله، وفاهم إنه كائن لازم يكون موجود، ما يقدرش يتخيل إن الله مش موجود—حتى لو، زي الجاهل اللي اتكلم عنه المزمور، قال في قلبه "لا يوجد إله."

لأن الله هو الكائن اللي ما نقدرش نتخيل حاجة أعظم منه. واللي فاهم ده فعلاً، فاهم إن الكائن ده موجود بطريقة تخليه ما ينفعش حتى نتخيله وهو مش موجود. علشان كده، اللي فاهم إن الله هو الكائن الأكمل، ما يقدرش يتخيله كشيء غير موجود.


الحمد لك يا رب، الحمد لك، لأن اللي كنت مؤمن بيه من الأول بسبب نعمتك، دلوقتي فهمته بنورك؛ وحتى لو مش عايز أؤمن إنك موجود، ماقدرش أكون جاهل بوجودك.


الراهب جاونيلو هاجم حجة أنسلم في كتاب صغير اسمه *Liber pro insipiente* (دفاعًا عن الجاهل)، وده كان بيشير لجملة أنسلم اللي اقتبسها من المزامير: "قال الجاهل في قلبه: لا يوجد إله". جاونيلو اعترض بشكل أساسي على إن مجرد وجود فكرة عن شيء في العقل ما يثبتش إن الشيء ده موجود فعلاً. وقال: "افترض إن عندنا فكرة عن جزيرة أكمل من أي مكان تاني على الأرض؛ مش معناها إن الجزيرة دي موجودة في الواقع لمجرد إننا تخيلناها".[11]


الاعتراض ده اتكرر كتير بعد جاونيلو. الناس قالت إن فكرة الغريفين أو الكيميرا (كائنات خيالية) في العقل ما تعنيش إنهم موجودين فعلًا. لكن الاعتراض ده ما ينفعش يبطل حجة أنسلم، لأن مفيش توازي منطقي بين النوعين من الأفكار. المعترض بيغفل إن فكرة الله فريدة ومش شبه أي فكرة تانية. زي ما أنسلم رد عليه وقال: لو كانت الجزيرة دي فعلاً أكمل شيء ممكن تخيله، ساعتها مجرد وجودها في العقل فعلاً يكون دليل على وجودها في الواقع.[12]


لكن فكرة الجزيرة، أو الغريفين، أو الكيميرا، أو أي وجود متخيل أو مش أكيد، ما فيهاش عناصر الكمال المطلق ولا الوجود الضروري. فكرة الإنسان أو الملاك مثلًا، مبيعنوش إنهم لازم يكونوا موجودين، وإن غيابهم غير قابل للتخيل. لكن فكرة الله، لأنه كائن غير كل الكائنات المخلوقة والمؤقتة، فيها خاصية الوجود الضروري. علشان كده، الاعتراض اللي قدمه جاونيلو واللي جاي من نوع الكائنات اللي وجودها مش أكيد، ماينفعش ينطبق على فكرة الله.


ده مثال على اللي أرسطو سماه "μετάβασις εἰς ἄλλω γένος" — يعني نقل صفات نوع معين لكائن من نوع تاني مختلف تمامًا. زي اللي يفترض إن لو المكعب الصلب ممكن يتقاس ويتوزن، يبقى روح الإنسان غير المرئية ينفع نقيسها بنفس الطريقة. بحسب أنسلم، فكرة الله فريدة تمامًا، مفيش فكرة تانية زيها. علشان كده، مفيش حجة من المقارنات دي تنفع، لأن كل فكرة عن أي كائن تاني فيها عنصر الوجود المتغير، وده ما يقدرش يكون أساس منطقي لمعارضة برهان وجود الله المبني على فكرة الوجود الضروري.[13]


طريقة الإثبات العقلي المباشر لوجود الله كانت المفضلة في العصر المدرسي للاهوت، لسببين. أولًا، لأنها كانت متوافقة جدًا مع التوجهات الفلسفية اللي كانت سائدة وقتها، وبتدي مجال أوسع للتفكير العميق والمنطق الدقيق. وثانيًا، بسبب ضعف مستوى العلوم الطبيعية، وقلة معرفة الناس وقتها بالكون المخلوق، ماكانش عندهم مواد كفاية علشان يبنوا عليها حجج من النوع اللي بيعتمد على الملاحظة والتجربة.


الحجج اللي بتتكلم عن النظام والتناسق والهدف في الكون، ما ينفعش تتبني إلا لو كانت العلامات دي واضحة في الواقع. لكن ده ماكانش ممكن في العصر اللي كانت فيه الفلك البطلمي هو النظام المقبول—اللي بيعتبر إن الأرض هي مركز النظام الشمسي، وإن السماوات المرصعة بالنجوم، زي ما وصفها ميلتون،...


"مع خطوط مركزية ولامركزية، دورة ودائرة دائرية، كرة داخل كرة."


الحجة الأخلاقية لإثبات وجود الله ظهرت بأبسط صورها من أول فترات الكنيسة. الله بيتعرف من خلال المحبة؛ فالمحبة، أو حالة القلب السليمة، بتدل على وجود حقيقي لله، وبتكون دليل ما يقدرش الشخص اللي بيحب ينكره. الشكل المعقّد من الحجة دي ما ظهرش غير في وقت كانط، اللي رفعها في نظامه الفلسفي لمكانة عالية.

في اللاهوت البروتستانتي الحديث، تم استخدام الطريقتين لإثبات وجود الله: العقلية المباشرة (a priori) والمعتمدة على الملاحظة (a posteriori). لكن التطور الحقيقي كان أغلبه في الحجج المعتمدة على الملاحظة. تطور العلوم الطبيعية وتقدمها وفّر مواد وأفكار جديدة لدعم الأدلة اللي بتتكلم عن التصميم، والنظام، والتناسق في الخليقة. أما التقدم في الحجة العقلية المباشرة، فبيعتمد بشكل كبير على الذكاء الفلسفي المجرد، ولأن فيه حدود قليلة لطريقة عرضها وتركيبها، فالحجة الوجودية تقريبًا فضلت زي ما كانت وقت أنسلم.


الفقرة ٤: عقيدة الصفات


الكنيسة من زمان فرّقت بين جوهر الله وصفاته. الجوهر لوحده كان بيُعتبر حاجة العقل البشري المحدود ما يقدرش يعرفها. اللاهوتيين في أول قرنين كانوا أحيانًا يميزوا بين الله المعلن والله غير المعلن. غير المعلن كان يقصدوا بيه جوهر الله البسيط من غير الصفات، وده ما يقدروش يثبتوا عليه حاجة، وكان بعيد تمامًا عن إدراك الإنسان.


هما كانوا عايزين يبعدوا عن الفكرة الغامضة بتاعة الكائن المجرد اللي مالوش صفات، اللي ظهرت في أنظمة الغنوصيين باسم "Βυθός" أو "الهاوية"، واللي ظهرت تاني في فلسفة شلينج وهيجل بأسماء زي "Urgrund" و"Das Nichts"، لكنهم ماكانوش دايمًا بيقدروا ينجحوا في ده. هدفهم كان كويس، إنهم يوضحوا إن طبيعة الله فيها سر مش ممكن العقل البشري يستوعبه كله. لكن بعضهم أحيانًا وصلوا لفكرة خطيرة، إن الله فوق الجوهر، أو ملهوش جوهر (ὕπερούσιος و ἄνούσιος).


ومع تقدم علم اللاهوت، اتفهم إننا ما نقدرش نفصل جوهر الله عن صفاته. الجوهر موجود في الصفات، والصفات موجودة في الجوهر، وبالتالي العلم المسيحي لازم يمسك الفكرتين مع بعض. وده اللي خلى الصفات الإلهية تتشرح على إنها صفات حقيقية وأبدية لله.

ما نقدرش نتابع تطور التفكير في صفات الله بالتفصيل، لأن ده يتطلب دراسة كل صفة لوحدها واستعراض تاريخها عبر الفترات المختلفة. بس نقدر نقول حاجة واحدة هنا: كل ما كانت الصفات مرتبطة بجوهر الله، كل ما كانت العقيدة عن الله بعيدة عن أفكار وحدة الوجود. وكل ما التفكير ركّز على الجوهر لوحده وتجاهل أو ما اعترفش بالصفات اللي بيظهر فيها الجوهر، كل ما الفكر اقترب من وحدة الوجود.

العقل البشري ما يقدرش يعرف الله بشكل مجرد بعيد عن صفاته. ممكن يكتب على الورق كيان مجهول زي الـ x في الجبر، اللي ما نقدرش نقول عليه أي حاجة، ويعتقد إنه كده فهم الله المطلق. لكن ما فيش كيان مظلم من غير صفات؛ ما فيش هاوية غنوصية كده. طبيعة الله موجودة في صفاته، والصفات عميقة ومطلقة زي الجوهر بالضبط. الجوهر والصفات في نفس مستوى الوجود، ولا واحد أقدم من التاني، الاتنين أزليين وأساسيين بنفس الدرجة.

علشان كده، العلم المسيحي عمره ما فصلهم عن بعض. هو بيميز بينهم علشان يقدر يفهمهم ويوصفهم، بس دايمًا بيأكد إن صفات الله ليها واقع حقيقي وعميق زي جوهر الله تمامًا. عمره ما اعترف بوجود جوهر إلهي من غير صفات، ولا صفات من غير جوهر.

أما المفكر الغنوصي أو المؤمن بوحدة الوجود، فما ركّزش كتير على الصفات الشخصية لله. كان بيميل يناقش الجوهر الخالي من الصفات—يعني τὸ ὄν مش ὁ ὤν.[14] صفات زي الشخصية، والوحدة، والثبات، وكمان الصفات الأخلاقية زي القداسة، والعدل، والحق، والرحمة، ما كانش ليها مكان أو تأثير في أفكار الغنوصيين القدامى أو المؤمنين بوحدة الوجود في العصر الحديث. لكن الصفات دي هي جوهر الألوهية نفسها؛ علشان كده المفكر المسيحي دايمًا بيخليها محور تفكيره وتأمله الأول والمستمر. ولأن الصفات دي صفات شخصية، فبيبان بسهولة إن الإيمان بإله شخصي مرتبط ارتباط طبيعي وأساسي بعقيدة صفات الله. 



[1] William G. T. Shedd, A History of Christian Doctrine, Vol. 1 (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 1999). 223.

[2] الاسم الإلهي عند اليونانيين والرومان، أو اللي بيتسمى بالاسم الكلاسيكي، جاي من صفة طبيعية؛ زي كلمة "ثيوس" باليوناني أو "ديوس" باللاتيني، اللي أصلها من فعل "تيثيمي" يعني يرتب أو ينظّم. أما الاسم اللي في اللغة القوطية، فجاي من صفة أخلاقية؛ كلمة "God" معناها الطيب أو الخير.

[3] BUNSEN: Hippolytus, I. 184.

باين من كلام هيبوليتوس نفسه إنه ماكانش يقصد ينشر فكرة وحدة الوجود بالتعبيرات الجريئة دي، لأنه بيقول إن المسيحي هيكون عنده "جسد وروح ما تفناش". والمؤمن المتدين كوبر بيقول: "... فيه روح بتعيش وتشتغل في كل حاجة، والروح دي هي الله." — من كتاب "المهمة"، الجزء السادس The Task, Book vi.

[4] بعض الآباء وجّهوا تهمة وحدة الوجود لعقيدة سابيليوس في الثالوث، لأنها كانت بتلغي التمايز بين الأقانيم وبتعتبرهم مجرد مظاهر لله الواحد. ومن اللافت إن في الكنيسة الحديثة، رفض فكرة التمايز الحقيقي بين الأقانيم (الثالوث الأقنومي) واعتماد نموذج الثالوث الشكلي (modal) ساعات بييجي مصاحب لميول وحدة وجود. مثال على كده هو طريقة شلايرماخر Schleiermacher في فهم الثالوث.

[5] قارن بين اللي قاله أثناسيوس في "خطابه ضد الأمم" من الفقرة ١ لحد ٩، كمثال على التفكير القوي ضد فكرة الازدواجية في تفسير الشر.

أثناسيوس بيعرض حُجج قوية بتوضح إن الشر مش قوة مستقلة ولا كيان منفصل بيعارض الله، لكن نتيجة لابتعاد الإنسان عن الله، اللي هو مصدر الخير. ومن خلال مناقشته، بيركّز على إن الله واحد، والشر ماينفعش يكون له وجود مستقل، لأن لو كان كده يبقى فيه إلهين، وده يناقض الإيمان المسيحي بالله الواحد المطلق.

[6] Confessions, X. vi. See NEANDER’S Denkwürdigkeiten, I. 276–280, for a sketch of the method of the Early Fathers in handling the innate idea of the deity.

[7] Cap. 2, and 4.—The Proslogion, and the objections of Gaunilo with Anselm’s reply, have been translated by MAGINNIS, in the Bibliotheca Sacra, 1851. Both the Monologium and Proslogion have been translated into French by BOUCHETTÉ. Compare RITTER’S Geschichte der Christlichen Philosophie, Th. III, 334 sq., and BAUR’S Dreieinigkeitslehre, II. 374 sq., for a critique of Anselm’s argument.

[8] أنا مش مستبعد إني كنت ممكن أختار طريقة تانية، زي ما عمل ناس كبار قبلي؛ وبما إننا ما نقدرش نكوّن فكرة حقيقية أو واضحة عن الله من غير ما يكون فيها عنصر "ضرورة الوجود"، كان ممكن أختصر الطريق وأثبت وجود الله مباشرة من الفكرة نفسها. وأنا مش شايف أي مانع—لو مشيت على نفس الخطوات الحذرة اللي مشي عليها الدكتور كدوورث في كتابه "النظام العقلي"—إن الحجة دي فعلاً ممكن تتقدّم بطريقة واضحة ومُقنعة، حتى لو فيه اعتراضات. HOWE: Living Temple, Pt. I. Ch. ii, § 8

[9] Proslogion, Cap. 2.

[10] أنسلم بيقول إن أي كائن ممكن العقل يتصوره على إنه غير موجود، ده في حد ذاته دليل إنه مش أكمل كائن ممكن تصوره. “Et quod incipit a non esse, et potest cogitari non esse.… id non est proprie et absolute.” يعني: اللي بدايته من العدم، واللي ممكن يتخيله العقل على إنه مش موجود… ما يعتبرش كائن كامل أو مطلق فعلاً. Proslogion, c. 22.

[11] Liber pro insipiente, in ANSELMI Opera, Ed. Migne, I. 246.

[12] Fidens loquor; quia si quis invenerit mihi aliquid aut reipsa, ant sola cogitatione existens, praeter quo majus cogitari non possit, cui aptare valeat connexionem hujus meae argumentationis, inveniam, et dabo illi perditam insulam amplius non perdendam.” ANSELMI Opera, Ed. Migne, I. 252.

[13] طبيعة الحجة اللي قدمها أنسلم ممكن نفهمها لو عرضناها في شكل حوار:

أنسلم: أنا عندي فكرة عن أكمل كائن ممكن يتخيله العقل. 

جاونيلو: صح، بس دي مجرد فكرة، ومفيش كائن فعلي بينطبق عليها. 

أنسلم: بس لو مفيش كائن حقيقي بينطبق على فكرتي، يبقى فكرتي عن أكمل كائن ممكن هي مجرد خيال؛ والخيال مش هو أكمل شيء ممكن أتصوره. الكائن اللي ينطبق على فكرتي لازم يكون كائن حقيقي. فلو وافقت إن عندي فكرة عن أكمل كائن ممكن، يبقى بتوافق ضمنيًا على وجود كائن فعلي بينطبق على الفكرة دي.

ممكن كمان نكوّن حجة عقلية تانية على طريقة أنسلم، بس باستخدام "الوجود الفعلي" بدل "الوجود الضروري" كعنصر في فكرة الكائن الأكمل. يعني:

"أنا عندي فكرة عن أكمل كائن ممكن يتصوره العقل؛ والكائن الأكمل ما ينفعش يكون خيالي. فكرة الكائن الكامل بشكل مطلق بتستلزم وجود فعلي، زي ما فكرة شكل له ثلاث خطوط مستقيمة بتستلزم إنه يكون له ثلاث زوايا. يعني لو اتفقنا إن فيه فكرة عن كائن كامل، يبقى لازم نعترف بوجود كائن فعلي، لأن الكمال الحقيقي معناه إنه لازم يكون موجود."

فيه اعتراضين مهمين اتقالوا من نقاد حديثين، مش من خصوم أنسلم وقتها:

١. أول اعتراض بيقول إن الحجة دي بتعامل "الوجود" كأنه مجرد صفة للكائن الأكمل، في حين إنه المفروض يكون جوهره. لكن ده مش دقيق، لأن أنسلم ما اعتمدش على الوجود كصفة عادية، لكنه اعتمد على "الوجود الضروري"، ودي فعلاً صفة مميزة زي ما "الوجود المشروط" صفة مميزة للكائنات الأخرى.

٢. الاعتراض التاني بيقول إن حجة أنسلم في الآخر بتقول مجرد عبارة افتراضية: "لو فيه كائن وجوده ضروري، يبقى أكيد هو كائن موجود فعليًا". لكن بما إن الكائن الأكمل ما ينفعش يتصور إنه وجوده مش أكيد، يبقى غلط منطقي إننا نتكلم عنه بصيغة الافتراض أو نقول ممكن ما يكونش موجود؛ زي ما بيكون غير منطقي إننا نقول بشكل افتراضي إن ٢ زائد ٢ ممكن ما تساويش ٤.

[14] استخدام كلمة "المطلق" في نظام هيجل الفلسفي هو مثال على التجريد الخالي من الصفات.

السبت، 14 يونيو 2025

الامبراطور قسطنطين

 


الامبراطور قسطنطين[1]
 
الإمبراطور قسطنطين الأول، المعروف باسم قسطنطين العظيم، حكم الإمبراطورية الرومانية من سنة 306م لحد 337م. قبلها، كان الإمبراطور دقلديانوس (284-305م) شايف إن الإمبراطورية كبيرة جدًا على إن شخص واحد يحكمها بكفاءة، فقرر يقسمها لنصفين ويديرها بنظام اسمه "التتراركية tetrachy" أو حكم الأربعة. دقلديانوس كان بيحكم الشرق من نيقوميديا كـ"أوغسطس"، ومعاه غاليريوس كـ"قيصر"، بينما الغرب كان بيحكمه ماكسيميان وقسطنطيوس كلوروس، اللي هو والد قسطنطين.

قسطنطين، ابن قسطنطيوس، دخل في صراعات كتير ضد المنافسين على العرش، لحد ما قدر يهزمهم كلهم ويوحد الإمبراطورية تاني. وبعد ما نجح في السيطرة، قرر ينقل العاصمة من روما القديمة ويبني عاصمة جديدة في الشرق، اللي بعد كده سُمِّيت باسمه: القسطنطينية.

بدايات حياة قسطنطين

المصادر بتختلف في تحديد سنة ميلاد قسطنطين (جايوس فلافيوس فاليريوس قسطنطينوس Gaius Flavis Valerius Constantinus)، لكن الأرجح إنه اتولد في نايسوس اللي هي في صربيا حالياً، ما بين سنة 272م و285م. والده ماكنش مجرد قائد عسكري، لكنه كان قيصر الغرب، وده خلا قسطنطين يعيش طفولته وشبابه في البلاط الإمبراطوري، لحد ما بقى ضابط كبير في جيش الإمبراطور دقلديانوس.

من وهو صغير، اللي حواليه كانوا شايفينه شخص مليان طاقة ونشاط بلا حدود. اتعلم تحت إشراف الإمبراطور إن دور الحاكم مش بس حماية الإمبراطورية من أي تهديد خارجي، لكن كمان إنه ينشئ مجتمع عادل ومنظم—مبدأ طبقه فعلاً لما مسك الحكم بنفسه.

في مايو سنة 305م، تنازل الإمبراطوران دقلديانوس وماكسيميان عن العرش، فانتقل الحكم في الشرق لجاليريوس ومعاه مكسيمينوس دايا كـ"قيصر"، وفي الغرب لقسطنطيوس ومعاه فلافيوس فاليريوس سيرفيوس كـ"قيصر". المشكلة إن التعيينات دي ماعجبتش ناس كتير، خصوصًا ماكسينتيوس ابن ماكسيميان، وقسطنطين، لأن كل واحد فيهم كان شايف إنه الأحق بلقب "قيصر".

الإحساس بالخيانة ده ماكنش مجرد غضب مؤقت، لكنه كان بداية لسلسلة من الصراعات الطويلة على حكم الإمبراطورية كلها. وبعد تنازل دقلديانوس، حاول جاليريوس يرضي قسطنطين وسمح له يرجع للغرب سنة 306م عشان يخدم تحت قيادة والده. وقبل ما والده يموت بسبب **لوكيميا- سرطان الدم** (وده سبب لقبه "الشاحب") في يوليو 306م بمدينة يورك، قسطنطين شارك في حملات عسكرية مع والده في بريطانيا ضد البيكتس. في الحملة دي، قدر يكسب لقب **"بريتانكوس ماكسيموس"** للمرة التانية.[2]

بعد وفاة والده، استمر قسطنطين في بناء سمعته كقائد سريع وحاسم، وفي سنة 307م شن هجومًا على **الفرنجة**. في المعركة دي، أظهر قسوته لما رمى **اتنين من ملوك الفرنجة** للوحوش في المدرج بمدينة **ترير**، لكن في نفس الوقت كان عنده جانب متسامح، زي لما أمر بإرجاع أملاك الكنيسة اللي كانت مصادرة قبل كده.

بالتدريج، كسب احترام الجيش وأثبت لجنوده، حتى الكبار والأكثر خبرة، إنهم يقدروا يعتمدوا عليه كقائد قوي وحكيم.

بعد وفاة قسطنطيوس والانتصارات اللي حققها في بريطانيا، الناس كانت متوقعة إن قسطنطين يكون الإمبراطور الجديد للغرب، لكن اللي حصل إن **سيفيروس** (القيصر وصديق جاليريوس المقرب) هو اللي اتعين في المنصب، رغم إن فيه كلام إن قسطنطيوس قبل وفاته كان سمّى ابنه "أوغسطس". بغض النظر عن القرار الرسمي، جيش قسطنطين أعلنوه **أوغسطس** بنفسهم، لكن **جاليريوس رفض يعترف بيه** وقرر يعين نفسه قيصر بدلًا منه.

في نفس الوقت، ماكسينتيوس، اللي كان أصلاً مستبعد سنة 305م، تجاهل جاليريوس وقسطنطين وأعلن نفسه أوغسطس في أكتوبر 307م، ومع دعم شعب روما والحرس الإمبراطوري، سيطر على صقلية، كورسيكا، سردينيا، وأجزاء من شمال إفريقيا. بعد فترة، بقى فيه ستة أشخاص بيطالبوا بحكم الغرب!

بسبب علاقته القوية بجاليريوس، سيفيروس ماكنش محل ثقة عند لا قسطنطين ولا ماكسينتيوس، فقرروا يتحدوا ضده بمساعدة ماكسيميان (الإمبراطور السابق)، وتحالفوا مع بعض لمواجهته. لكن سوء حظ سيفيروس إنه كان مكلف بوقف ماكسينتيوس، فجيشه خانه وتركه بعدما ماكسينتيوس رشاهم بالفلوس! فاضطر يهرب لمدينة رافينا، لكن تم القبض عليه وقتله خارج روما.

وفاته دفعت جاليريوس يحاول يغزو الغرب بجيش، لكنه فشل. وبعدها، في سنة 308م، تشكّلت تتراركية جديدة بنصيحة دقلديانوس، وتم تعيين ليسينيوس (ضابط إيليري وصديق جاليريوس) كأوغسطس جديد، بينما احتفظ قسطنطين بمكانه كقيصر. ولزيادة الفوضى، ماكسيميان، اللي كان مستقر في بلاط قسطنطين كمستشار، خرج من التقاعد سنة 310م وأعلن نفسه أوغسطس، وادعى إن قسطنطين مات!

لكن الحقيقة إن قسطنطين كان مشغول بيحارب الفرنجة assistance،[3] ولما عرف بأمر ماكسيميان، طارده لحد مارسيليا، لكن أهل المدينة رفضوا مساعدته، فاضطر ينتحر ويشنق نفسه بعد ما فقد الأمل.

في الوقت ده، كان حكم ماكسينتيوس في روما بدأ ينهار. شعبيته تراجعت بسبب الضرائب الثقيلة اللي فرضها على أهل المدينة عشان يبني كنيسة جديدة وتمثال ضخم لنفسه. استهتاره بالشعب تسبب في سلسلة من الثورات، انتهت بمذبحة راح ضحيتها آلاف الرومان.

قسطنطين كان بيراقب كل ده بهدوء، مستني الفرصة المناسبة، ولما شاف إن الإمبراطورية في الغرب بدأت تنهار من نفسها، جمع جيش قوامه 40 ألف جندي، وعبر جبال الألب، وبدأ غزو إيطاليا.

قسطنطين يصبح إمبراطورًا

بسبب قلة الدعم اللي عنده في روما، ماكسينتيوس خرج لمواجهة قسطنطين في معركة حاسمة عند جسر ميلفيان سنة 312م. في الليلة اللي سبقت المعركة، قسطنطين شاف صليب من نور في السماء، وتحته كانت مكتوبة عبارة باللاتينية: *In Hoc Signo Vinces*، اللي معناها "بهذا الرمز انتصر". 

في نفس الليلة، شاف حلم ظهر له فيه المسيح، وقال له إنه لازم يحمل رمز الصليب في المعركة. تاني يوم، استبدل الرايات القديمة برايات جديدة تحمل الرمز المسيحي. 

رغم إنه كان جيشه أقل عددًا، قدر قسطنطين ينتصر بسهولة على ماكسينتيوس، اللي حاول يهرب راجعًا لروما، لكنه سقط في النهر وغرق قبل ما يوصل، وتم العثور على جثته اليوم التالي وسط آلاف القتلى. 

إيمان قسطنطين بالمسيحية كان نقطة تحول تاريخية، حيث أصبح لأول مرة فيه ارتباط واضح بين الكنيسة والدولة. بعدها، استلم السيطرة الكاملة على الغرب، وأول حاجة عملها بعد دخوله روما كانت إصدار مرسوم ميلان، اللي كان بمثابة إعلان التسامح الديني لكل الأديان، وشارك في توقيعه لاحقًا ليسينيوس. 

أما في الشرق، فكان جاليريوس هو الإمبراطور ومعاه مكسيمينوس دايا كقيصر. لكن جاليريوس مات بسبب السرطان، وبعد موته، مكسيمينوس وليسينيوس بدأوا الصراع للسيطرة على الشرق، واتفقوا في البداية على تقسيم المنطقة بينهم، فحصل ليسينيوس على البلقان، بينما مكسيمينوس سيطر على آسيا الصغرى والمقاطعات الشرقية. 

لكن الاتفاق ده ماستمرش، وسنة 313م تقابلوا في سهل "تراقيا" في معركة قوية. زي ما عمل قسطنطين في جسر ميلفيان، ليسينيوس حارب تحت راية الصليب، لكن مش بسبب إيمانه، بل فقط لكسب دعم المسيحيين، لأنه كان بيواجه مكسيمينوس اللي وعد بالقضاء على المسيحيين تمامًا! 

رغم قلة عدد جيش ليسينيوس، إلا إنه انتصر، وبعدها انتحر مكسيمينوس، فاستولى ليسينيوس بالكامل على الشرق. 

وبعد ما ثبت حكمه، أعدم أبناء جاليريوس وسيفيروس، وكمان عائلة مكسيمينوس وحتى ابنة دقلديانوس، عشان يضمن إنه مفيش حد ينافسه على العرش!

كان فيه هدنة غير مستقرة بين ليسينيوس وقسطنطين، وده جزئيًا بسبب زواج ليسينيوس من كونستانتيا، أخت قسطنطين غير الشقيقة. في أول مواجهة بينهم في أكتوبر 316م، قسطنطين انتصر عليه في معركة سيبالا، وبعدها حصلت معركة تانية جنب هادريانوبوليس، اللي انتهت بتنازل ليسينيوس عن أراضٍ في البلقان لصالح قسطنطين.

لكن خلال السنوات اللي بعد كده، ليسینيوس بدأ يغير موقفه تجاه المسيحيين، وبدأ في إعدام بعضهم وتدمير عدد من الكنائس، وده خلّى قسطنطين يجهز جيشه من جديد لمواجهته، وانتهت المعركة التانية عند هادريانوبوليس بانتصار قسطنطين مرة أخرى، لكن ليسينيوس قدر يهرب من أرض المعركة باتجاه مضيق البوسفور.

في سبتمبر 324م، حصلت المعركة الحاسمة عند كريسوبوليس، ودي كانت النهاية لليسینيوس، اللي استسلم لقسطنطين. حاول يطلب العفو ويعيش حياته كمواطن عادي، وبالفعل قسطنطين وافق مبدئيًا، لكنه رجع في كلامه بعد فترة، وأمر بإعدام ليسينيوس سنة 325م، وحتى ابنه اللي كان عمره تسع سنين اتقتل.

بانتصار قسطنطين، اتوحدت الإمبراطورية الرومانية بالكامل من جديد.

قسطنطين والمسيحية 

خلال سنوات حروبه في الغرب، كان دايمًا بيظهر تسامح ديني مع الوثنيين والمسيحيين معًا، وكان بيقول إنه بقى مسيحي من سنة 312م. والدته هيلينا كانت مسيحية متدينة، وبعد ما أصبح إمبراطور، بعتها في رحلة حج للأراضي المقدسة، وهناك بنت كنيسة المهد في بيت لحم. رغم إنه كان بيعبد إله الشمس في شبابه، وبعض المصادر بتقول إنه مات قبل ما يتعمد، إلا إنه كان بيظهر بشكل واضح إنه مسيحي ملتزم. بعض المؤرخين بينسبوا له إنه جعل المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية، رغم إن فيه مؤرخين تانيين بينسبوا الفضل للإمبراطور ثيودوسيوس، خصوصًا إن عملاته كانت عليها رموز وثنية زي سول إنفيكتوس والمريخ. لكنه في نفس الوقت فرض قيود على بعض الطقوس الوثنية، زي منع الذبائح الوثنية، مصادرة كنوز المعابد، إلغاء مسابقات المصارعة، منع الصلب، وتشريع قوانين ضد الفساد الأخلاقي والبغاء الطقسي. 
في سنة 325م، دعا قسطنطين رجال الدين من كل أنحاء الإمبراطورية لحضور مجمع نيقية، وطلب منهم توحيد الصفوف. المجمع انتهى بإدانة تعاليم أريوس وخرج منه قانون الإيمان النيقاوي، اللي حدّد تعريف المسيحية بشكل رسمي. 

بعدها بسنة، في 326م، تعرض قسطنطين لاختبار صعب في إيمانه، لما أمر بإعدام ابنه كريسبوس من زوجته الأولى مينرفينا بعد اتهامه ظلمًا بالزنا. حسب بعض المصادر، زوجته الثانية فاوستا كانت السبب في الاتهامات، لأنها كانت بتحب كريسبوس لكنه رفضها، فقررت تتهمه زورًا. ولما اتضح إنه بريء، فاوستا انتحرت، وقسطنطين ندم على اللي حصل باقي حياته.
 



[2] لقب Britannicus Maximus كان يُمنح للإمبراطور الروماني الذي حقق انتصارات كبيرة في بريطانيا. كلمة Britannicus تعني "منتصر في بريطانيا"، بينما Maximus تعني "الأعظم"، مما يجعل المعنى الكامل هو "أعظم المنتصرين في بريطانيا". هذا اللقب كان يُستخدم لتكريم القادة الذين قادوا حملات ناجحة ضد القبائل البريطانية

[3] الفرنجة كانوا مجموعة قبائل جرمانية غربية شكلت تحالفًا قويًا في العصور القديمة. ظهروا لأول مرة في التاريخ حوالي 260م عندما غزوا مناطق الإمبراطورية الرومانية عبر نهر الراين.

كان التحالف مكوّنًا من عدة قبائل، منها الساليون، السيكامبريون، التشامافيون، التشاتيون، البروكتريون، واليوسيبيتس. استقروا في شمال بلاد الغال (اللي هي فرنسا حاليًا وأجزاء من غرب ألمانيا)، وأسسوا إمارة شبه مستقلة هناك. لاحقًا، أصبحوا القوة المسيطرة في المنطقة، وأدى ذلك إلى ظهور السلالة الميروفنجية في القرن الخامس الميلادي، اللي كانت بداية لتأسيس مملكة الفرنجة، اللي تطورت لاحقًا إلى الإمبراطورية الكارولنجية تحت حكم شارلمان.

اسم فرنسا الحديثة مأخوذ من هذه القبائل، لأنهم كانوا القوة الأساسية اللي شكلت هويتها السياسية والتاريخية.


الخميس، 12 يونيو 2025

مجمع نيقية الاول (3)- قوانين مجمع نيقية

 



قوانين مجمع نيقية الأول:
 
1.    إذا كان أحد المرضى قد خضع لعملية جراحية على يد الأطباء أو تعرض للخصي على يد البرابرة، فليظل ضمن الإكليروس. أما إذا كان أحد الأصحاء قد خصى نفسه، فإذا كان منضمًا للإكليروس فليتم إيقافه، ولا يجوز ترقية مثل هذا الشخص مستقبلاً. ومع ذلك، فإن من تعرض للخصي بغير إرادته—سواء على يد البرابرة أو أسيادهم—وكان مستحقًا، يجوز قبوله ضمن الإكليروس.


2.    نظرًا لتكرار الانتهاكات للقوانين الكنسية، حيث تم قبول رجال قادمون حديثًا من الوثنية إلى الإيمان بعد فترة قصيرة من التعليم المسيحي، وتعميدهم فورًا بل وترقيتهم إلى درجة الأسقفية أو الكهنوت، فقد تقرر أنه لا يجوز حدوث ذلك مستقبلاً. فالموعوظ يحتاج إلى فترة اختبار بعد المعمودية، كما هو واضح من كلمات الرسول: "ليس حديث الإيمان، لئلا يتضخم ويسقط في الدينونة وفخ إبليس." وإذا تم اكتشاف خطية أخلاقية بعد فترة من الزمن وثبتت بشهادة اثنين أو ثلاثة شهود، فإنه يتم إيقاف الشخص عن الخدمة الكهنوتية. ومن يخالف هذه القوانين يكون معرضًا لفقدان رتبته الكهنوتية.


3.    يحظر المجمع منعًا باتًا على الأساقفة أو الكهنة أو الشمامسة أو أي فرد من الإكليروس أن يحتفظ بامرأة للسكن معه، إلا إذا كانت أمه أو أخته أو عمته أو أي امرأة ليست محل شك.


4.    من الأفضل أن يتم تعيين الأسقف من قِبل جميع أساقفة الإقليم، ولكن إذا كان ذلك صعبًا بسبب الحاجة الملحة أو بعد المسافة، فليجتمع على الأقل ثلاثة أساقفة لإتمام السيامة، بشرط أن يكون للأساقفة الغائبين حق التصويت بالمراسلة والموافقة الكتابية. لكن يبقى للمطران حق التصديق النهائي على الإجراءات داخل كل إقليم.


5.    بالنسبة لمن تم حرمانهم كنسيًا—سواء من الإكليروس أو العلمانيين—يجب احترام العقوبة المفروضة عليهم وفقًا للقوانين الكنسية، ولا يجوز لأسقف أن يقبل شخصًا تم طرده من قبل أسقف آخر. ومع ذلك، ينبغي التحقيق للتأكد مما إذا كان الشخص قد تعرض للحرمان بسبب نزاعات أو تعسف الأسقف. لذا يُوصَى بعقد مجامع إقليمية مرتين سنويًا، قبل الصوم الكبير وبعد موسم الخريف، ليجتمع جميع الأساقفة ويقرروا ما إذا كان الحرمان مستحقًا أو ينبغي تخفيفه.


6.    يُحافَظ على العادات القديمة الخاصة بمصر وليبيا والبنتابوليس، حيث يبقى للأسقف السكندري السلطة الكنسية على هذه المناطق، كما هو الحال بالنسبة لأسقف روما. وكذلك في أنطاكية وبقية الأقاليم تُحفظ امتيازات الكنائس. ويقرر المجمع أنه إذا تم تعيين أسقف بدون موافقة المطران، فلا يُعتَبر أسقفًا شرعيًا. أما إذا اعترض اثنان أو ثلاثة بدافع منافسة شخصية على تعيين تم بأغلبية الأصوات ووفقًا للقانون الكنسي، فيجب أن يُؤخذ برأي الأغلبية.


7.    يُحترم التقليد القديم الذي يمنح أسقف إيليا التكريم اللائق، ويُسمَح له بالاحتفاظ بامتيازاته، مع حفظ كرامة المطرانية.


8.    أما بالنسبة لمن يُدعون "الطاهرين" الذين انضموا علنًا للكنيسة الكاثوليكية الرسولية، فقد قرر المجمع أنهم يمكن أن يظلوا ضمن الإكليروس بعد وضع اليد عليهم، بشرط أن يقدموا تعهدًا كتابيًا بقبول قرارات الكنيسة، بما في ذلك الشركة مع الذين تزوجوا ثانية، ومع الذين ارتدوا في زمن الاضطهاد وخضعوا لفترة توبة محددة. وإذا وجد الإكليروس في قرى أو مدن من أفراد هذه الفئة فقط، فليظلوا في رتبتهم الكهنوتية، ولكن في المدن التي تضم أسقفًا كاثوليكيًا، يجب أن يكون للأسقف الكاثوليكي مكانته، بينما يُمنَح الأسقف السابق لقب كاهن إلا إذا رأى الأسقف أنه يستحق الاحتفاظ بلقب الأسقف.


9.    إذا رُسِم أحد الكهنة دون فحص، ثم تبين بعد التحقيق اعترافه بخطايا جسيمة، وتم وضع اليد عليه رغم ذلك ضد القانون، فلا يجوز قبوله ضمن الإكليروس لأن الكنيسة لا تعترف إلا بمن هم بلا عيب.


10.   أما من نال السيامة عن جهل من قبل رعاته أو بتواطؤ منهم، فهذا لا يُبطِل القوانين الكنسية، فإذا ثبت الأمر يُعزل الشخص من منصبه.


11.  من انتهكوا القوانين دون حاجة، كما حدث تحت اضطهاد ليسينيوس، فلا يستحقون الرحمة، ولكن المجمع قرر معاملتهم برأفة. فمن تاب منهم يقضي ثلاث سنوات بين السامعين، ثم سبع سنوات في وضع الساجدين، وأخيرًا سنتين في المشاركة في الصلاة مع الشعب دون الاشتراك في الذبيحة.


12.  الذين ارتدّوا عن الإيمان بعد التخلي عن الجندية، ثم عادوا إليها ودفعوا رشاوى لاستعادة رتبهم العسكرية، يقضون ثلاث سنوات سامعين، ثم عشر سنوات ساجدين، مع ضرورة فحص توبتهم للتأكد من صدقها قبل السماح لهم بالمشاركة في الصلاة.


13.  يُحتفظ بالقانون القديم القاضي بعدم حرمان المغادرين للحياة من آخر زاد لهم، أي الشركة المقدسة. أما إذا استرد أحد صحته بعد مناولته، فليشارك فقط في الصلاة دون الذبيحة حتى يُكمِل مدة التوبة التي حددها المجمع.


14.  بالنسبة للموعوظين الذين سقطوا، يجب أن يقضوا ثلاث سنوات في رتبة السامعين فقط، ثم يُسمَح لهم بعدها بالمشاركة في الصلاة مع بقية الموعوظين.


15. نظرًا للاضطرابات التي تسببها انتقالات رجال الإكليروس بين المدن، فقد قرر المجمع منع ذلك تمامًا. فبعد هذا القرار، أي شخص يحاول فعل ذلك يُلغى تعيينه ويُعاد إلى الكنيسة التي رسم فيها.


16.  أي كاهن أو شماس أو فرد من الإكليروس يغادر كنيسته دون سبب، لا يجوز استقباله في كنيسة أخرى، بل يجب إعادته إلى أبرشيته أو حرمانه إذا رفض. أما إذا قام أسقف بسيامة شخص من إكليروس كنيسة أخرى دون موافقة أسقفه الأصلي، تكون السيامة لاغية.


17.  نظرًا لأن بعض المندرجين ضمن الإكليروس قد انجرفوا وراء الطمع والجشع، متناسين النص المقدس "الذي لا يُعطي فضته بالربا"، وبدأوا في فرض الفوائد على القروض بمقدار واحد في المئة شهريًا، فقد قرر هذا المجمع المقدس والعظيم أنه إذا ثبت أن أحدًا بعد هذا القرار يتلقى فوائد عن طريق عقد أو يتاجر بها بأي وسيلة أخرى أو يفرض نسبة ثابتة من الفائدة أو يُدبر أي حيلة أخرى بهدف الربح غير الشريف، فإنه يُعزل من الإكليروس ويُشطب اسمه من سجلاته.


18.   لقد تبيّن لهذا المجمع المقدس والعظيم أنه في بعض المدن والمواضع، صار الشمامسة يقدمون المناولة للكهنة، رغم أن الشريعة الكنسية والعرف لا يسمحان بذلك، إذ لا يجوز لمن ليس له سلطان على التقديس أن يُعطي جسد المسيح لمن له هذا السلطان. كما أصبح معروفًا أن بعض الشمامسة صاروا يتناولون الإفخارستيا قبل الأساقفة، وهذه الممارسات يجب أن تُمنع تمامًا. على الشمامسة أن يحفظوا مكانتهم، مدركين أنهم خدام الأسقف وتابعون للكهنة. وعليهم أن يتناولوا الإفخارستيا بحسب ترتيبهم بعد الكهنة من يد الأسقف أو الكاهن، كما لا يجوز أن يُسمح لهم بالجلوس بين الكهنة، لأن ذلك يخالف النظام الكنسي والرتب. ومن يرفض الامتثال لهذه الأوامر يُوقف عن خدمته الشماسية.


19.   بالنسبة إلى البوليانيين السابقين الذين يلجؤون إلى الكنيسة الكاثوليكية، فقد قرر المجمع أنهم يجب أن يُعاد تعميدهم بلا قيد أو شرط. أما من كانوا سابقًا في رتب الإكليروس، فإن ثبت أنهم بلا لوم ولا عيب، فليُعمدوا ويُساموا من قِبل أسقف الكنيسة الكاثوليكية، وإن ظهر بعد الفحص أنهم غير لائقين، فليُعزلوا. ينطبق هذا أيضًا على الشماسات وجميع من دُوّنت أسماؤهم في قوائم الإكليروس. ونؤكد هنا أن الشماسات اللواتي منحهن هذا اللقب لم يكن يتم وضع اليد عليهن، ولذلك فإنهن يُحسبن بالكامل ضمن صفوف العلمانيين.


20.  نظرًا لأن البعض يُصلّون وهم جاثون يوم الأحد وخلال فترة عيد العنصرة، فقد قرر هذا المجمع المقدس والعظيم أنه، من أجل الحفاظ على نفس الممارسات في جميع الأبرشيات، ينبغي أن يقدم الجميع صلواتهم واقفين أمام الرب.