السبت، 11 نوفمبر 2023

هل الله يريد هلاك الانسان أم يترآف عليه؟

 


وَأُحَطِّمُهُمُ الْوَاحِدَ عَلَى أَخِيهِ الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ مَعاً يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَتَرَأَّفُ وَلاَ أَرْحَمُ مِنْ إِهْلاَكِهِمْ». (أر13: 14)، 

وَتَأْكُلُ كُل الشُّعُوبِ الذِينَ الرَّبُّ إِلهُكَ يَدْفَعُ إِليْكَ. لا تُشْفِقْ عَيْنَاكَ عَليْهِمْ وَلا تَعْبُدْ آلِهَتَهُمْ لأَنَّ ذَلِكَ شَرَكٌ لكَ. (تث7: 16)، 

ضَرَبَ أَهْلَ بَيْتَشَمْسَ لأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ الرَّبِّ. وَضَرَبَ مِنَ الشَّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً. فَنَاحَ الشَّعْبُ لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً. (1صم6: 19).

 

لأَنَّهُ لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي الإِنْسَانِ. (مراثي3: 33)، 

الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ. (مز145: 9)، 

لأَنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. فَارْجِعُوا وَاحْيُوا». (حز18: 32)، 

هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ. (يع5: 11)، 

الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. (1تي2: 4)، 

وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. (1يو4: 16).

 

فهل الله يريد هلاك الإنسان أم يرحمه ويترائف عليه؟

 

1 - وَأُحَطِّمُهُمُ الْوَاحِدَ عَلَى أَخِيهِ الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ مَعاً يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَتَرَأَّفُ وَلاَ أَرْحَمُ مِنْ إِهْلاَكِهِمْ». (أر13: 14)، وَتَأْكُلُ كُل الشُّعُوبِ الذِينَ الرَّبُّ إِلهُكَ يَدْفَعُ إِليْكَ. لا تُشْفِقْ عَيْنَاكَ عَليْهِمْ وَلا تَعْبُدْ آلِهَتَهُمْ لأَنَّ ذَلِكَ شَرَكٌ لكَ. (تث7: 16)

 

أمر الله بني إسرائيل أن يبيدوا أعداءهم الوثنيين. مع أن الله محب ورحيم، إلا أنه عادل أيضا. وكانت هذه الأمم المعادية جزءا من خليقة الله، كما كان بنو إسرائيل، ولكن الله لا يسمح باستمرار الشر دون أن يكبح، فقد استبعد الله كل من أخطأ عن دخول أرض الموعد (٩: ٤-٦). وكان الأمر بإبادة هؤلاء الأمم دينونة لهم وتأمينا لبني إسرائيل. فمن ناحية، كان ذلك عقابا للشعب الساكن في الأرض من أجل خطيتهم، وكان بنو إسرائيل أداة الله لتنفيذ هذا الحكم، كما استخدم الله يوما ما الأمم الآخرين لعقاب بني إسرائيل من أجل خطيتهم (٢أخ ٣٦: ١٧ ؛ إش ١٠: ١٢). ومن الناحية الأخرى كان أمر الله يهدف إلى حماية بني إسرائيل من أن تكون أوثان هؤلاء الأعداء وفجورهم، سببا في هلاك بني إسرائيل. والظن بأن الله ألطف من أن يدين الخطية هو ظن خاطيء[1].

ويجيب العلامة أوريجينوس معلنًا عن أهمية التأديب حتى وإن بدى قاسيًا: إننى آخذ هنا مثلاً للقاضي الذي لا يشغل فكره إلا الصالح العام، وبالتالي يطبق القانون دون اشفاق على المخطىء، يعاقبه حتى يحمى باقى المجتمع. يمكننى بهذا المثال أن أوضح بطريقة مقنعة، أن اللَّه في اشفاقه على البشرية كلها يرفض أن يشفق على عضوٍ واحدٍ من أعضاء الجسد في سبيل اشفاقه على الجسد كله.

نفترض أن قاضيًا حدد لنفسه مهمة إقرار السلام للشعب الخاضع لقضائه وأن يحافظ على مصالحهم؛ حضر أمامه في المحكمة قاتل حسن المظهر وملامحه جذابة، وجاءت والدة هذا القاتل إلى القاضي تستعطفه وتسأله أن يشفق على ابنها ويرحم شيخوختها، وطلبت زوجة القاتل أيضًا الرحمة، كذلك أبناؤه التفوا كلهم حول القاضي يترجوه من أجل أبيهم... ما هو النافع للصالح العام؟ هل يرحمه القاضي أم لا؟ أجيب أنه إذا رحمه القاضي سيعود إلى خطئه؛ أما إذا لم يرحمه فإن القاتل يموت ويصبح المجتمع في حالة أفضل. نفس الشيء يقال بالنسبة للَّه: فإنه لو أشفق على الخاطئ ورحمه وذهب في إشفاقه هذا إلى درجة عدم معاقبته على خطئه، فمن من الناس لا يندفع في طريق الشر؟! مَن مِن الخطاة لن يزيد في شره ويتحول إلى الأسوأ؟

أنظر أيضًا إلى الطبيب ولاحظ كيف إنه لو أشفق على المريض ولم يستخدم معه المشرط في الوقت المناسب، لو أشفق عليه ولم يعالجه بأنواع الأدوية الكاوية حتى يُجَنّبِه الآلام المصاحبة لهذه الأنواع من العلاج، كيف يتفاقم المرض وتزيد خطورته عن ذى قبل. أما إذا تقدم الطبيب في جرأة ولجأ إلى الاستئصال أو إلى الكي، ففي هذه الحالة يمنح المريض الشفاء، رغم أن المظهر الخارجى يوحي بأنه يرفض أن يشفق وأن يرحم المريض بتعرضه لكل هذه الآلام.

كذلك اللَّه، فإنه لا يمارس سلطة لمصلحة إنسانٍ واحدٍ، وإنما لصالح العالم أجمع. يدير ما في السموات وما على الأرض وما في كل مكان. يعمل لمصلحة كل العالم وجميع الكائنات؛ ويعتني أيضًا بمصلحة الفرد بشرط ألا تتعارض وألا تكون على حساب مصلحة الجماعة.

إذا أردت أن أذكر لك مثالاً من الكتاب المقدس يشهد أن معاقبة الخطاة من أجل نفع الآخرين وتعليمهم، حتى ولو كنا يائسين من شفاء هؤلاء الخطاة أنفسهم، فإليك ما يقوله سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "اضرب المستهزئ فيتذكى الأحمق" (أم25:19). لم يقل أن الذي يُضرَب هو الذي يتذكى ويعود إلى عقله بسبب الضربات، إنما الأحمق بسبب الضربات الواقعة على المستهزئ يكف عن التمادي في حماقته ويصير عاقلاً. يتغير حينما يرى عقاب الآخرين. وكما أن سقوط إسرائيل كان فيه خلاص الأمم، كذلك أيضًا فإن عقاب البعض يكون فيه خلاص الآخرين. من أجل ذلك يقول اللَّه في صلاحه: "لا أشفق ولا أترأف ولا أرحم من إهلاكهم[2].

 

2 - ضَرَبَ أَهْلَ بَيْتَشَمْسَ لأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ الرَّبِّ. وَضَرَبَ مِنَ الشَّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً. فَنَاحَ الشَّعْبُ لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً. (1صم6: 19).

 

اولاً: لقد أستهان أهل بيتشمس بتابوت الرب الذي يمثل حضوره وسط الشعب، وأستهانوا بوصايا الناموس التي تُشدد علي أن لا يُمس التابوت إلا من قبل الكهنة ومن يخالف ذلك فجزاءه الموت (أنظر: خر33: 20 ، عدد4: 5- 6 ، عدد4: 15 ، عدد4: 19- 20)، فكان الموت نتيجة مُخالفتهم الوصية فقط. وهذا لا يؤثر علي خلاصهم الأبدي أو حياتهم الأخري، فقد فعلوا خطية نتيجتها الموت فماتوا. وكان هذا أمرٌ حتمي، فلو تركوا بهذه الفعلة دون تحقيق العجزاء المنصوص عليه في الناموس لما كانوا أحترموا أيٍ من الوصايا أو حتي أعطوا أي إحتراماً لتابوت عهد الرب. ويقول د/ وليم مارش: لكن النظر إلى التابوت المشار إليه هنا هو نظر آخر وكان خطيئة عظيمة. ولعلهم مسوه ورفعوا الغطاء وعاملوه دون الاحترام الواجب. كان التابوت في خيمة الاجتماع أولاً ثم في الهيكل في قدس الأقداس ولم يدخل إليه أحد إلا رئيس الكهنة مرة في السنة (عبرانيين ٩: ٧) وعند ارتحال المحلة كان هارون وبنوه ينزلون حجاب السجف ويغطون به التابوت ويأتي بعد ذلك بنو قهات للحمل ولكن لا يسمون القدس ولا يدخلونه ليروه لئلا يموتوا (عدد ٤: ٥ - ٢٠). وأمات الرب عزّة لأنه مد يده إلى التابوت (٢صموئيل ٦: ٧) فعلم الرب شعبه أن يدنو منه بكل احترام مقدس وهيبة. ولولا هذه العِبر المخيفة كان التابوت لبني إسرائيل صندوق خشب فقط والرب القدير القدوس كأحد آلهة الوثنيين[3].


ثانياً: الرقم 50,070 هو رقم كبير جداً علي قرية صغيرة مثل بيتشمس. فمنطقياً لا يُمكن أن يحدث ذلك. ولهذا فإن العلماء يرون أن نساخ النص الماسوري أخطأوا في نقل هذا الرقم والقراءة المُرجحة والقياسية هي: سبعون رجلاً من خمسة الاف رجل، أي 70 رجلاً فقط، وذلك بحسب قرائة المؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس[4] والترجمة السبعينية[5] وتعليقات ترجمات ESV, NET BIBLE[6]  ,[7]NAB, NIV, NRSV, NLT والتي شارك فيها علماء في النقد النصي مثل دانيال والاس.

 



[1] التفسير التطبيقى للكتاب، تث ٧ : ٢

[2] In Jerem. 12:5,6.  

[3] السنن القويم في تفسير العهد القديم، 1صم7

[4] ant 6: 16: But now it was that the wrath of God overtook them, and struck seventy persons of the village of Bethshemesh dead, who, not being priests, and so not worthy to touch the ark, had approached to it.

[5] The Septuagint, Greek translation of the OT

[6]Biblical Studies Press. (2006; 2006). The NET Bible First Edition Notes (1 Sa 6:19). Biblical Studies Press.

[7] NAB The New American Bible

NIV The New International Version

NRSV New Revised Standard Version (1989)

NLT New Living Translation

هل الله يسر بالذبائح أم لا؟

 


يقول المعترض ان بين : (خر29: 36، خر39: 18، لا23: 27، لا1: 9). و (ار7: 22، ار6: 20، مز50: 13، اش1: 11- 13).  تناقض، إذ يسر يطلب الله الذبائح في النصوص الاولي ولا يُسر بها في النصوص الآخري، فهل الله يسر بالذبائح ام لا؟

 

بالطبع الله لم يطلب هذه الذبائح لأجل نفسه أو عن إحتياج، بل في اللاهوت المسيحي هذه الذبائح كانت فقط إشارة لمجئ الذبيح الحقيقي المسيا، وأيضاً كانت لتذكير اليهود دائماً بأنهم يعبدون يهوه الله الواحد ولا يخلطون عبادتهم بعبادة الأمم، فالله في العهد القديم قد أعطي اليهود شرائع كثيرة فقط لكي يتذكروه ويتذكروا أنهم يعبدوه هو وحده مثل الحلفان بأسمه فقط، وحفظ السبت والختان والذبائح، وهذه كلها لم تكن لإحتياج الله إليها، بل لإحتياج الشعب اليهودي لها لكي لا ينسوا إلههم وعبادته. ويعلق علي ذلك ق. يوستينوس بقوله: الله لم يأمركم أن تقدموا هذه الذبائح لأنه يحتاج إليها، بل بسبب خطايا شعبكم خاصة عبادة الأصنام[1].

 

وقد تدهورت هذه المعاني وتحرفت عن معناها السليم في الفكر اليهودي إذ أصبحت الذبائح بالنسبة إليهم هي:

1-  فرائض تأتى نتائجها من تلقاء ذاتها بمعنى أن الذبيحة تُقدم عُوض النفس وكأنها ضريبة أو كأن الله محتاج إليها أو أنها كفيلة بإرضائه، مع أن فلسفتها الروحية هى أن الإنسان لا يقدِّمها لله، بل يتقدم بها إلى الله، فهى واسطة وليست غاية. فإذا قدمها الإنسان عن نفسه وحسب، فإنه يخرج من أمام الله صفر اليدين، ولكن إن هو تقدم بها إلى الله، فإنه يدخل مع الله فى دالة ويخرج من لدنه فرحاً مبتهجاً وسعيداً.

2-  هكذا انتهى الشعب إلى فهم أن الذبيحة هى لاسترضاء الله وحسب، مع أنها لا تخص الله بل تخص علاقة الإنسان بالله.

3-  صار فى اعتقاد الشعب أن دم الذبيحة يغفر الخطية من تلقاء ذاته طالما وُضع على المذبح، مع أن المنصوص عنه فى لاهوت العهد القديم أنه عندما ينضح رئيس الكهنة دم الذبيحة على غطاء التابوت يكفَّر عن الخطية. بمعنى تغطيتها فقط أى تغطية الخطية الواحدة التى اقترفها الخاطىء، تغطيتها من أمام وجه الله. ولكن لا يتعدَّى فعل دم الذبيحة إلى خطية أخرى لاحقة.

ومن هنا جاءت كثرة الذبائح بلا عدد وهذا راجع لضعف قدرة الحيوان على رفع الخطية بأى حال: "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا" (عبرانيين 10: 4). لهذا فإن نداء المعمدان واصفاً المسيح: "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم"، كان حدثاً جديداً فائق القوة لا يعرف طقس العهد القديم معناه بعد.

4- وأخيراً فقدت الذبائح قيمتها الإلهية، إذ أصبح الشعب يستهين بها ويتشكك فى معناها وقوتها، وذلك بسبب ابتعاد الكهنة والمعلمين جميعاً عن روح العهد القديم وصدق عبادة الله. وهكذا دخلت الذبائح ومعها التدين كله فى مأزق انتهى بالضياع والبعد عن الله. وصارت الذبائح مخدراً للضمير وبديل البر الحقيقي[2].

(انظر ايضاً: إشعياء 1: 11-15، إرميا 7: 9-11و12 و31: 31-34، هوشع 6: 6و 7، عاموس 5: 21-27، ميخا 6: 7و 8).

ولذلك يقول لهم الرب أنه يبغض ذبائحهم لأنهم لوثوا مفهومها وكأنها هي التي ترفع خطاياهم لا قلبهم القريب من الرب ورحمتهم وحياتهم النقية مع الله هي التي تعطيهم توبة حقيقية. فعند قراءة نبوَّة إشعياء الأصحاح الأول نرى أن الله لا يعترض على تقديم الذبائح، بل على روح الذي يقدِّمها، فيقول لشعبه إنه قد ملَّ ليس فقط من محرقاتهم، بل من أعيادهم وصلواتهم أيضاً. فواضح أن عبادتهم كلها كانت مكروهة أمامه. والسبب في هذا أن أيديهم كانت مملوءة دماً، فكانوا جيلاً شريراً، وأكثروا من الذبائح لينجوا من القصاص الذي كانوا يستحقونه. وقصدوا في الوقت نفسه أن يتمادوا في خطاياهم، فكانوا يظنون أن مجرد تأدية الفرائض والطقوس الخارجية يكسبهم رضى الله، ويعطيهم (كما أرادوا) فرصة التمادي في شرورهم. ولا بد أن الله يرفض الذبائح متى قُدِّمت بهذه الروح.

لما أمر الله بالذبائح المختلفة المنصوص عنها في شريعة موسى ووعد بأن يبارك مقدِّميها، كان ينتظر أن تكون قلوبهم خاشعة طاهرة. ولكن في عصر إشعياء انحطت عبادة الشعب لله، وكانت قاصرة على ممارسة طقوس ظاهرية وفرائض خارجية. وقد أوصى الله شعبه بالصلاة، ولكن إن كانت الصلاة مجرد نفاق ورياء، فالله يبغضها. فلا تناقض بين إشعياء 1: 11 ولاويين 1: 9 لأن العبادة إن لم تصدر من قلب نقي فهي ليست عبادة بالمرة، ولا هي مقبولة عنده[3].

  



[1]  الحوار مع تريفون، فصل 22.

[2]  الذبائح، سلسلة دراسات في العهد القديم، للاب مرقريوس الانبا بيشوي، ص 33: 35.

[3]  ق. منيس عبد النور، شبهات وهمية، لا1: 9

هل الله يسكن في النور أم في الظلام؟



(الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ. 1 تي 6: 16)

في الأية السابقة نجد ان الله يسكن في النور، لكن في ايات أُخري نجده يسكن في الضباب والظلمة، مثل: (حِينَئِذٍ تَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ: «قَالَ الرَّبُّ إِنَّهُ يَسْكُنُ فِي الضَّبَابِ. 1مل 8: 12)، (جَعَلَ الظُّلْمَةَ سِتْرَهُ. حَوْلَهُ مَظَلَّتَهُ ضَبَابَ الْمِيَاهِ وَظَلاَمَ الْغَمَامِ. مز 18: 11)، (السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ. الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ. مز 97: 2)

 

في الإيمان المسيحي الله غير محدود بمكان حتي يسكن في بيت أو ضباب أو نور أو أيٍ من خليقته (أش 6: 3، أر 23: 24)، ويُعلق ذهبي الفم علي النص قائلاً: "لم يقل بولس ذلك لكي تتخيل أن هُناك منزل أو مكان مُحيط بالله. بل بالحري هو يتمني أن يكون لك معرفة أعمق وأعلي عن الإلهيات حتي تعرف أن الله لا يُمكن إدراكه[1]".

  ولذلك يقول العالم نورمان جيسلر: 

"يجب أن نتذكر  قبل كل شئ، أن الكلمات (نور) و(ظلمة) هي إسلوب رمزي في الحديث عن إله لا يسبر غوره أو لا يُمكن إدراكه (رو 11: 33)"[2].

فكلا المعنيين ليس المقصود منهما وصف حالة سُكني الله أو المكان الذي يسكن فيه، بل الهدف من هذه النصوص التعريف بأن الله غير مُدرك ولا يُمكن لأحد أن يراه كما هو في ذاته أو يتحدث عنه وكأنه يملك كل المعرفة عن الله، كما لا يُمكن أن ينظر أحد إلي نور الشمس، أو أن يري في الظلام. وقد أوضح النص ذلك بقوله: (الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ)[3]. وهذا المفهوم عن الضوء الذي يحجب الرؤية نراه في اليهودية أيضاً مُنعكساً علي تفسير نص (خروج 24: 17) عند كل من الفيلسوف اليهودي فيلو[4] والمؤرخ اليهودي يوسيفوس[5] والرابيين[6]. ولهذا ايضاً يكتب القديس ثيئوفيلوس الانطاكي قائلاً: "إن كان لا أحد يستطيع أن ينظر إلي الشمس، والتي هي جزء صغير من الخليقة، بسبب قوة حرارتها وضوءها، فكيف يمكن لإنسان مائت أن يُحدق في المجد الغير موصوف لله![7]". ويقول أغسطينوس: "الله لم يره أحد ولا يُمكن لأحد أن يراه، لأنه يسكن في نور لا يُدني منهُ، وطبيعته غير منظورة[8]".

 



[1] On the Incomprehensible Nature of God 3.2

[2] When critics ask. P.  501.

[3]  راجع ايضاً: مز 104: 2، 1يو 1: 5، خر 33: 20، يو 1: 18، كلوسي 1: 15، عب 11: 27، 1يو 4: 12، 1كو 13: 12.

[4] Philo Mos. 2.70 [3.2, in the account of Moses on Sinai]

[5] Josephus Ant. 3.5.1 §76

[6] Str-B 3:656

[7] Critical and explanatory commentary. (1 Ti 6:16). Theophylact, To Autolycus

[8] Letters 147.15.37.