السبت، 11 نوفمبر 2023

هل الله يسكن في النور أم في الظلام؟



(الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ. 1 تي 6: 16)

في الأية السابقة نجد ان الله يسكن في النور، لكن في ايات أُخري نجده يسكن في الضباب والظلمة، مثل: (حِينَئِذٍ تَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ: «قَالَ الرَّبُّ إِنَّهُ يَسْكُنُ فِي الضَّبَابِ. 1مل 8: 12)، (جَعَلَ الظُّلْمَةَ سِتْرَهُ. حَوْلَهُ مَظَلَّتَهُ ضَبَابَ الْمِيَاهِ وَظَلاَمَ الْغَمَامِ. مز 18: 11)، (السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ. الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ. مز 97: 2)

 

في الإيمان المسيحي الله غير محدود بمكان حتي يسكن في بيت أو ضباب أو نور أو أيٍ من خليقته (أش 6: 3، أر 23: 24)، ويُعلق ذهبي الفم علي النص قائلاً: "لم يقل بولس ذلك لكي تتخيل أن هُناك منزل أو مكان مُحيط بالله. بل بالحري هو يتمني أن يكون لك معرفة أعمق وأعلي عن الإلهيات حتي تعرف أن الله لا يُمكن إدراكه[1]".

  ولذلك يقول العالم نورمان جيسلر: 

"يجب أن نتذكر  قبل كل شئ، أن الكلمات (نور) و(ظلمة) هي إسلوب رمزي في الحديث عن إله لا يسبر غوره أو لا يُمكن إدراكه (رو 11: 33)"[2].

فكلا المعنيين ليس المقصود منهما وصف حالة سُكني الله أو المكان الذي يسكن فيه، بل الهدف من هذه النصوص التعريف بأن الله غير مُدرك ولا يُمكن لأحد أن يراه كما هو في ذاته أو يتحدث عنه وكأنه يملك كل المعرفة عن الله، كما لا يُمكن أن ينظر أحد إلي نور الشمس، أو أن يري في الظلام. وقد أوضح النص ذلك بقوله: (الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ)[3]. وهذا المفهوم عن الضوء الذي يحجب الرؤية نراه في اليهودية أيضاً مُنعكساً علي تفسير نص (خروج 24: 17) عند كل من الفيلسوف اليهودي فيلو[4] والمؤرخ اليهودي يوسيفوس[5] والرابيين[6]. ولهذا ايضاً يكتب القديس ثيئوفيلوس الانطاكي قائلاً: "إن كان لا أحد يستطيع أن ينظر إلي الشمس، والتي هي جزء صغير من الخليقة، بسبب قوة حرارتها وضوءها، فكيف يمكن لإنسان مائت أن يُحدق في المجد الغير موصوف لله![7]". ويقول أغسطينوس: "الله لم يره أحد ولا يُمكن لأحد أن يراه، لأنه يسكن في نور لا يُدني منهُ، وطبيعته غير منظورة[8]".

 



[1] On the Incomprehensible Nature of God 3.2

[2] When critics ask. P.  501.

[3]  راجع ايضاً: مز 104: 2، 1يو 1: 5، خر 33: 20، يو 1: 18، كلوسي 1: 15، عب 11: 27، 1يو 4: 12، 1كو 13: 12.

[4] Philo Mos. 2.70 [3.2, in the account of Moses on Sinai]

[5] Josephus Ant. 3.5.1 §76

[6] Str-B 3:656

[7] Critical and explanatory commentary. (1 Ti 6:16). Theophylact, To Autolycus

[8] Letters 147.15.37.

ليست هناك تعليقات: