يُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهاً لِوَجْهٍ كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ. (خر 33: 11)،
ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ 10وَرَأُوا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ الشَّفَّافِ وَكَذَاتِ السَّمَاءِ فِي النَّقَاوَةِ. 11وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَأُوا اللهَ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. (خر 24: 9- 11)،
فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». (تك 3: 9- 10)،
دَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهاً لِوَجْهٍ وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». (تك 32: 30)،
رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ. (أش 6: 1).
النصوص السابقة تُخبرنا أن الله
يُمكن رؤيته وسماعه، بينما هناك نصوص أُخري تؤكد أن الله لا يُمكن رؤيته، مثل:
ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي. وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى». (خر
33: 23)، وَقَالَ: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي لأَنَّ الْإِنْسَانَ لاَ
يَرَانِي وَيَعِيشُ». (خر 33: 20)، وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ
لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ، وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ. (يو 5: 37)،
الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ. (1تي 6:
16)، اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. (يو 1: 18).
تساءل الأب توما الإكويني[1]: هل يمكن
للخلائق العاقلة أن ترى الله في الجوهر؟ بدأ إجابته بالاعتراض، مقتبسًا نصين،
أحدهما للقديس يوحنا الذهبي الفم[2] حيث
يقول فيه إنه لا يقدر أحد أن يرى الله. لا يراه الملائكة ولا كل الطغمات السمائية،
ولا الأنبياء؛ لأنه كيف يُمكن للطبيعة المخلوقة أن ترى الطبيعة غير المخلوقة؟ والنص
الثاني الذي اعتمد عليه الأب توما الأكويني مقتبس من ديوناسيوس الأريوباغي: ]لا يمكن أن يُعرَفَ
بواسطة الحواس، ولا في صورة، ولا بواسطة فكره،
ولا بالفعل، ولا بالمعرفة[3].[
وقد قيل إنه لا يقدر أحد أن يرى الله ويعيش (خر 33: 20-23؛
قض 6: 22؛ 13: 22؛ إش 6: 5؛ 1 مل 9: 13).
وقيل عن الله إنه يسكن في ظلمة (مز 18: 11)، وإنه يسكن في السحاب
(مز 97: 2)، حيث يُعبِّر السحاب عن طبيعة الله غير المُدْرَكة. وقد أكد العهد
الجديد نفس الفكرة (1 تي 6: 16؛ 1 يو 4: 12؛ يو 1: 18؛ 6: 46؛ مت 11: 27؛ لو 10:
22).
فماذا إذاً عن رؤية موسي وشيوخ إسرائيل ويعقوب وأشعياء
ودانيال وحزقيال وغيرهم؟
يجب أن نعرف أن بعض هذه المُشاهدات
هي مجرد رؤي، مثل حالة اشعياء ودانيال فقد
اختبروا رؤي إلهية وليس واقع مادي، ويعقوب ومنوح وزوجته أختبروا ظهور مسياني أو
ظهور إلهي (ثيؤفانيا- theophany) مما يعني ان الله يمكن ان يظهر من خلال
هيئة مرئية[4] لأجل
إيصال رسالة مُعينة أو لتحقيق غرض مهم كما فعل مع شيوخ إسرائيل إذ تُحَّتم أن
يُريُهم ذاته، ولكن ليس في جوهره الإلهي بل في شئ مرئي يتخذه من خليقته حتي تستطيع
الطبيعة البشرية ان تقبله وتتفهمه (عدد 12: 8)، (1كورنثوس 13: 12)، (تث 4: 12،
15)، فالجوهر الإلهي غير مُدرك ولا يُمكن لأعين الجسد أن تراه. ويعلق القس منيس
عبد النور قائلاً: عندما يراه الناس بهذه الكيفيات يكونون صادقين أنهم قد رأوا
الله، مع أنهم لم يروا هذا الروح المبارك الكامل في علمه وحكمته، غير أنهم رأوه
بهيئة خاصة، أو في صورة اتخذها لنفسه وقتياً. ولنضرب مثلاً: إذا رأينا شرارة
تتطاير من سلك كهربائي، أو إذا شهدنا البرق عند المطر نقول: قد رأينا الكهرباء، مع
أننا في الواقع لا يمكن أن نرى الكهرباء، بل كل ما رأيناه هو علامة تثبت وجود هذه
القوة السرية المحيطة بنا. فبمعنى كهذا يرى المؤمنون الله كلما تنازل بإعلان نفسه
في هيئة منظورة. ولكنه لا يمكن أن يُرى في جوهره غير المحدود بصفته روحاً[5].
ويقول العالم نورمان جيسلر: من
الواضح ان ما رآه هؤلاء لم يكن جوهر الله، لكن صورة مرئية تُمثل مجد الله[6].
ويكتب يوسابيوس القيصري: لو فهموا
(النقاد) هذه النصوص بناء علي أن الله الكلمة قد ترآي للأباء بأنواع وطرق كثيرة
(عب 1: 1) لما وجدوا أي تناقض[7]. وذلك لأن هذا
يعني أن الله أستخدم أساليب كثيرة وطرق متنوعة لكي يُظهر ذاته للأباء، ولكن ليس
كما هو في مجده، بل في صورة أحدي مخلوقاته.
ويكتب ثيؤدوريت أسقف قورش: نقول أنهم رآوا، ليس الطبيعة
الإلهية، بل رؤي مُحددة تتناسب علي قدر طاقتهم البشرية[8].
ويري القديس اغسطينوس أن هذه كانت
مجرد ظهورات رؤيوية للإشارة لطبيعة الله الغير منظور[9].
فكما أوضحنا أن هذه كانت مُجرد رؤي، فالله روح، ولا يقدر الجسد على معاينته، لذا تجسد الابن ليهبنا الميلاد الجديد الروحي، فنرى ذاك الذي لا يُرَى (عب ١١: ٢٧)، ونحيا به. هو وحده يفتح الختوم (رؤ ٥: ٩) لنتعرف على أسرار الله[10].
[1]
Summa contra Gentiles, Book 1, Question 12.
[2] In
Joan. hom 15.
[3] De divinis nominibus, ch. 15.
[4] Hard
sayings of the Bible, p. 155.
[5] شبهات وهمية حول الكتاب المُقدس، تك 32 ص 65
[6] When
critics ask. P, 83.
[7] Proof of the
Gospel 5.18.3.
[8] Dialogue 1.
[9] The Trinity
2.15.25.
[10] الاب تادرس
يعقوب ملطي، رؤية الله عند اباء الكنيسة، ص 10.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق