يقول المعترض ان بين : (خر29: 36،
خر39: 18، لا23: 27، لا1: 9). و (ار7: 22، ار6: 20، مز50: 13، اش1: 11- 13). تناقض، إذ يسر يطلب الله الذبائح في النصوص
الاولي ولا يُسر بها في النصوص الآخري، فهل الله يسر بالذبائح ام لا؟
بالطبع الله لم يطلب هذه الذبائح
لأجل نفسه أو عن إحتياج، بل في اللاهوت المسيحي هذه الذبائح كانت فقط إشارة لمجئ
الذبيح الحقيقي المسيا، وأيضاً كانت لتذكير اليهود دائماً بأنهم يعبدون يهوه الله
الواحد ولا يخلطون عبادتهم بعبادة الأمم، فالله في العهد القديم قد أعطي اليهود
شرائع كثيرة فقط لكي يتذكروه ويتذكروا أنهم يعبدوه هو وحده مثل الحلفان بأسمه فقط،
وحفظ السبت والختان والذبائح، وهذه كلها لم تكن لإحتياج الله إليها، بل لإحتياج
الشعب اليهودي لها لكي لا ينسوا إلههم وعبادته. ويعلق علي ذلك ق. يوستينوس بقوله:
الله لم يأمركم أن تقدموا هذه الذبائح لأنه يحتاج إليها، بل بسبب خطايا شعبكم خاصة
عبادة الأصنام[1].
وقد تدهورت هذه المعاني وتحرفت عن
معناها السليم في الفكر اليهودي إذ أصبحت الذبائح بالنسبة إليهم هي:
1- فرائض تأتى
نتائجها من تلقاء ذاتها بمعنى أن الذبيحة تُقدم عُوض النفس وكأنها ضريبة أو كأن
الله محتاج إليها أو أنها كفيلة بإرضائه، مع أن فلسفتها الروحية هى أن الإنسان لا
يقدِّمها لله، بل يتقدم بها إلى الله، فهى واسطة وليست غاية. فإذا قدمها
الإنسان عن نفسه وحسب، فإنه يخرج من أمام الله صفر اليدين، ولكن إن هو تقدم بها
إلى الله، فإنه يدخل مع الله فى دالة ويخرج من لدنه فرحاً مبتهجاً وسعيداً.
2- هكذا انتهى الشعب إلى
فهم أن الذبيحة هى لاسترضاء الله وحسب، مع أنها لا تخص الله بل تخص علاقة الإنسان
بالله.
3- صار فى اعتقاد
الشعب أن دم الذبيحة يغفر الخطية من تلقاء ذاته طالما وُضع على المذبح، مع أن
المنصوص عنه فى لاهوت العهد القديم أنه عندما ينضح رئيس الكهنة دم الذبيحة على
غطاء التابوت يكفَّر عن الخطية. بمعنى تغطيتها فقط أى تغطية الخطية الواحدة
التى اقترفها الخاطىء، تغطيتها من أمام وجه الله. ولكن لا يتعدَّى فعل دم الذبيحة
إلى خطية أخرى لاحقة.
ومن هنا جاءت كثرة الذبائح بلا عدد وهذا راجع لضعف قدرة
الحيوان على رفع الخطية بأى حال: "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع
خطايا" (عبرانيين 10: 4). لهذا فإن نداء المعمدان واصفاً المسيح: "هوذا
حمل الله الذى يرفع خطية العالم"، كان حدثاً جديداً فائق القوة لا يعرف
طقس العهد القديم معناه بعد.
4- وأخيراً فقدت الذبائح قيمتها الإلهية، إذ أصبح الشعب يستهين بها ويتشكك فى معناها وقوتها، وذلك بسبب ابتعاد الكهنة والمعلمين جميعاً عن روح العهد القديم وصدق عبادة الله. وهكذا دخلت الذبائح ومعها التدين كله فى مأزق انتهى بالضياع والبعد عن الله. وصارت الذبائح مخدراً للضمير وبديل البر الحقيقي[2].
(انظر ايضاً: إشعياء 1: 11-15، إرميا 7: 9-11و12 و31: 31-34، هوشع 6: 6و 7، عاموس 5: 21-27، ميخا 6: 7و 8).
ولذلك يقول لهم الرب أنه يبغض
ذبائحهم لأنهم لوثوا مفهومها وكأنها هي التي ترفع خطاياهم لا قلبهم القريب من الرب
ورحمتهم وحياتهم النقية مع الله هي التي تعطيهم توبة حقيقية. فعند قراءة نبوَّة
إشعياء الأصحاح الأول نرى أن الله لا يعترض على تقديم الذبائح، بل على روح الذي
يقدِّمها، فيقول لشعبه إنه قد ملَّ ليس فقط من محرقاتهم، بل من أعيادهم وصلواتهم
أيضاً. فواضح أن عبادتهم كلها كانت مكروهة أمامه. والسبب في هذا أن أيديهم كانت
مملوءة دماً، فكانوا جيلاً شريراً، وأكثروا من الذبائح لينجوا من القصاص الذي
كانوا يستحقونه. وقصدوا في الوقت نفسه أن يتمادوا في خطاياهم، فكانوا يظنون أن
مجرد تأدية الفرائض والطقوس الخارجية يكسبهم رضى الله، ويعطيهم (كما أرادوا) فرصة
التمادي في شرورهم. ولا بد أن الله يرفض الذبائح متى قُدِّمت بهذه الروح.
لما أمر الله بالذبائح المختلفة
المنصوص عنها في شريعة موسى ووعد بأن يبارك مقدِّميها، كان ينتظر أن تكون قلوبهم
خاشعة طاهرة. ولكن في عصر إشعياء انحطت عبادة الشعب لله، وكانت قاصرة على ممارسة
طقوس ظاهرية وفرائض خارجية. وقد أوصى الله شعبه بالصلاة، ولكن إن كانت الصلاة مجرد
نفاق ورياء، فالله يبغضها. فلا تناقض بين إشعياء 1: 11 ولاويين 1: 9 لأن العبادة
إن لم تصدر من قلب نقي فهي ليست عبادة بالمرة، ولا هي مقبولة عنده[3].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق