وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. (يع1: 5)،
لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ
يُفْتَحُ لَهُ. (لو 11: 10).
«قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». (يو12: 40)،
لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ يُشَدِّدَ قُلُوبَهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا إِسْرَائِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ فَيُحَرَّمُوا, فَلاَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ رَأْفَةٌ, بَلْ يُبَادُونَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى. (يش11: 20)،
لِمَاذَا
أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟
ارْجِعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ. (اش63: 17).
فهل الله
يُعطي بسخاء لنعرفه أم يُضلنا؟
ليس معني هذا ان الله يشاء هلاك البشر
و يسر بموتهم، وإنما هذا يعني النتيجة الطبيعية لعناد الإنسان وقسوة قلبه. فالله
هو الكائن الأكثر عظمة والأكثر خيرية وكرماً، وعندما يري أن إنسان لا يُريده فهو
يسمح له بأن يخرج مبتعداً عنه ويسقط من نعمته التي كانت تعطيه استنارة ومعرفة وسط
ظلمة الشر. وكما يقول د/ مورلاند: الله هو الكيان الاكثر كرماً وحباً وروعة
وجاذبية في الكون. لقد خلقنا بإرادة حره وخلقنا لهدف، أن ننتمي إليه وللأخرين بحب.
نحن لسنا اموراً عارضة، ولسنا قروداً مُعدلة، ولسنا أخطاء عشوائية، ولو خبنا
مراراً وتكراراً عن الحياة من اجل الهدف الذي خُلقنا لأجله – الهدف الذي سيسمح لنا
ان ننمو اكثر من ان نحيا بأية طريقة اُخري– فإن الله لن يكون بوسعه علي الإطلاق
إلا أن يمنحنا ما طلبناه طوال حياتنا، وهو الإنفصال عنه[1].
وبترك الإنسان لنعمة الله وسقوطه في
ظلمة الشر تظلم عيناه فلا يقدر أن يُميز بعد الحق من الباطل والخير من الشر، وهكذا
فَيَضل الطريق كالأعمي إذ ترك النور. وهذا ما يدعوه الكتاب المُقدس بتعبيرات مثل
(أسلمهم لذهن مرفوض. رو 1: 28)، (قسي او شدد قلب فرعون. خر10: 20)، فهم الذين
أختاروا ذلك لأنفسهم وليس الرب هو من فعل بهم ذلك، وبالعودة لقصة تشديد قلب فرعون
نري أن الكتاب المُقدس أعلن أيضاً أن فرعون هو صاحب القلب القاسي بطبيعته وليس
الله هو من قساه فيقول الكتاب : (قلب فرعون غليظ. خر7: 14)، ويقول ايضاً أن
فرعون(أغلظ قلبه. خر8: 19). فهذا يُرينا أن الله يترك من يُقسي قلبه ويرغب في
الإبتعاد عنه لإرادته، حيث يسقط من نعمة الله معطية الإستنارة المرشدة في الطريق،
فيضل، لا لأن الله فعل به هذا الضلال –حتي وأن وضع كتبة الكتاب المُقدس مثل هذه
التعبيرات- بل لأنه هو من أراد الحياة في الظلمة (وَهَذِهِ هِيَ
الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ
الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. 20
لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى
النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ.. يو3: 19).
ويقول القديس يوحنا فم الذهب: إن اختار احد ان يغمض أعين عقله ولم يرد ان يستقبل النور
واشعته، ظلمة هذا الإنسان لا تأتي بسبب طبيعة النور، ولكنها تأتي بسبب شره الشخصي
الذي، بإرادته الحرة، يحرمه من هذه النعمة[2]. ويقول ايضاً: كما أن الشمس تبهر العيون الضعيفة ليس
بسبب طبيعتها اللائقة بها، هكذا أيضًا بالنسبة للذين لا يبالون بكلمة الله. هكذا
قيل في حالة فرعون أن (الله) قسى قلبه. هكذا يكون حال من هم مصرون تمامًا على
مقاومة كلمات الله.
هذا هو أسلوب
الكتاب، كما قيل: "أسلمهم إلى فكرٍ مرفوض" (رو ١:٢٨)... فإن الكاتب هنا
لا يقدم الله بكونه هو نفسه يفعل هذه الأمور إنما يظهر أنها تحدث خلال شر الآخرين.
فلكي يرعب السامع لذلك يقول الكاتب: "قسى الله"، "أسلمهم".
ولكي يُظهر أنه
لا يسلمنا ولا يتركنا إلاَّ إذا أردنا نحن ذلك اسمع ما يقوله: "أليست
شروركم قد فصلت بيني وبينكم؟" (إش ٥٩: ٢ LXX). ويقول
هوشع: "أنتم نسيتم ناموس إلهكم، وأنا أيضًا أنساكم" (هو ٤: ٦ LXX). وهو نفسه يقول: "كم مرة
أرد أن أجمع أبناءكم... وأنتم لا تريدون؟" (لو ١٣: ٣٤)...
إذ نعرف هذا
ليتنا نبذل كل الجهد ألا نترك الله، بل نتمسك بالاهتمام بنفوسنا ومحبة بعضنا
البعض. ليتنا لا نبتر أعضاءنا، فإن هذا عمل من هم مجانين، بل كلما رأيناهم في وضع
شرير نترفق بهم بالأكثر[3].
[1] د/ ج. ب. مورلاند، دكتور في الفلسفه من جامعة
كاليفورنيا الجنوبيه واللاهوت من معهد
دالاس وقد أصدر اكثر من 12 كتاباً في قضايا لاهوتيه مختلفه.. عن كتاب القضيه
الايمان. لي استروبل. ترجمة حنا يوسف، إصدار مكتبة دار الكلمه. ص 223.
[2] The faith of the early
fathers , vol II . p 106
[3] Homilies on St. John, 68: 2
– 3.