الجمعة، 25 أكتوبر 2024

أبوكريفا العهد الجديد -3- أناجيل القصص والأقوال

 


أناجيل القصص والمعجزات

 

إنجيل مرقص السري

 

في عام 1958، عثر مورتون سميث في دير مار سابا الأرثوذكسي اليوناني الواقع بالقرب من القدس على نسخة مجتزأة لرسالة مجهولة من إكليمندس الإسكندري إلى تيودور. وقد كتبت نسخة مخطوطة رسالة إكليمندس باللغة اليونانية في القرن الثامن عشر على الأغلب، على ظهر نسخة لرسائل أغناطيوس النوراني التي تعود للقرن السابع عشر.

في هذه الرسالة، يُخبر إكليمندس تيودور بإنجيل مرقص “السري”، قائلاً له إنه النسخة “الروحية” الثانية لإنجيل مرقص وإن نفس المبشر هو الذي كتبه. ويقول إكليمندس إن طائفة غنوصية معروفة باسم الكاربوكريتيين كانت قد أساءت تفسير واستخدام هذا الإنجيل، ولتوضيح وجهة نظره، قام إكليمندس باقتباس فقرة واحدة من إنجيل مرقص السري:

ثم جاؤوا إلى بيت عنيا، فحضرت إليه امرأة هناك مات أخوها وسجدت أمامه قائلة: يا ابن داود ارحمني. فانتهرها التلاميذ. ولكن يسوع غضب ومضى معها إلى البستان حيث القبر الذي دُفن فيه. ولدى اقترابه نّدَت من داخل القبر صيحة عظيمة. فدنا يسوع ودحرج الحجر عن مدخل القبر ودخل لفوره إلى حيث الفتى فمدّ ذراعه إليه وأقامه ممسكاً بيده.

لما رآه الفتى أحبّه وتوسّل إليه البقاء معه. وبعد خروجهما من القبر توجهوا إلى بيت الفتى لأنه كن غنياً. وبعد ستة أيام لقّنه يسوع ما يتوجّب عليه فعله. وفي المساء جاء إليه الفتى وهو يرتدي ثوباً من الكتان على جسده العاري وبقيَّ معه في تلك الليلة، لأن يسوع كان يُعلِّمه أسرار ملكوت الله. وعندما قام عاد إلى الجهة الأخرى من الأردن.

(الجزء 2) وجاءوا إلى أريحا. وكانت أخت الفتى الذي أحبه يسوع وأمه وسالومة موجودات هناك، إلَّا أنَّ يسوع لم يستقبلهن.

على الرغم من أن العلماء المستقلين لم يتمكنوا حتى الآن من دراسة هذه الوثيقة، فقد قبلت الدراسات البحثية بالإجماع تقريباً بأصالة هذا الاكتشاف، وقبلت الأغلبية بأن هذه الفقرات هي حقاً من رسالة إكليمندس. ومع ذلك، فإن صحة إنجيل مرقص السري، الذي كُتب بيد المبشر نفسه الذي كتب إنجيل مرقص الكنسي، هي موضع جدل على نطاق واسع.

وقد قال مورتون سميث، ثم تلاه كروسان وكوستر وغيرهم، إن إنجيل مرقص السري كان مصدراً للقصص السردية الواردة في إنجيل مرقص الكنسي. ورغم ذلك، لا يمكن الدفاع عن هذا الموقف لعدة أسباب:

أولاً، على الرغم من الإجماع الحديث، إلا أنه لم يتم استبعاد إمكانية أن تكون الرسالة رسالة مزورة في القرن الثامن عشر.

ثانياً، لا يمكن في أغلب الأوقات التعويل على استخدام إكليمندس للمصادر، حتى لو كانت رسالته أصلية، هذا لا يعني أن كل ما يقوله عن إنجيل مرقص السري صحيحاً.

ثالثاً، ما نملكه من هذه الوثيقة مجرد رسالة مجتزأة.

رابعاً، لا يوجد إجماع بين أولئك الذين يرون في هذه الوثيقة مصدراً لمرقص.

لذلك، فمن المستبعد أن يكون إنجيل مرقص السري، إن وجد أصلاً، مصدراً لإنجيل مرقص الكنسي. إن جهود سميث لإعادة بناء تاريخ المسيحية المبكرة على هذا الأساس غير المؤكد، حيث يقول إن تقاليد الأناجيل الكنسية اللاحقة أعادت تفسير يسوع الساحر والذي يتباهى بقدراته، تعتبرها الغالبية الساحقة من العلماء ضرباً من الخيال.

 

إنجيل إجرتون 2

 

تسهم مخطوطة إجرتون 2 المكتوبة على ورق البردي، التي تسمى أحياناً “إنجيل إجرتون” في دراسة يسوع التاريخي، حيث يعود تاريخها إلى نحو عام 200 م ونشرت لأول مرة في عام 1935، كما أنها غير كاملة وتالفة إلى حد بعيد. وتُبرز القصة السردية الأولى والمجتزأة الواردة في هذه المخطوطة نزاعاً بين يسوع وخصومه بشأن انتهاك يسوع لشريعة موسى. ويروي قسمها الثاني قصة شفاء الأبرص، وجدلاً حول دفع الضرائب. تُختتم بمعجزة ليسوع في نهر الأردن لا تؤكدها الأناجيل الأخرى.

إن قيمة مخطوطة إجرتون 2 المكتوبة على ورق البردي محل نزاع، لكن يخلص معظم الباحثين من طبيعتها المجتزأة ودمج قصصها السردية بين عناصر غنوصية وعناصر خاصة بيوحنا أنها عمل معاد صياغته في وقت لاحق لتقاليدهم. من ناحية أخرى، يقول هيلموت كوستر إن هذه المخطوطة تشهد على المرحلة المبكرة لتقاليد يسوع حيث لا ينفصل التيار الغنوصي والتيار الخاص بيوحنا عن بعضهما بعضاً.

 

الإنجيل بحسب العبرانيين

 

تكلم القديس جيروم في الفصل الثاني من كتابه “مشاهير الرجال” عن يعقوب أخي الرب قائلاً:

”أما الإنجيل المعروف باسم “إنجيل العبرانيين”، والذي قمت بترجمته مؤخراً إلى اللسانين اليوناني واللاتيني، والذي كثيراً ما استخدمه أوريجانوس، فيروي أنه بعد قيامة المخلص “أعطى الرب اللفائف الكتابية لخادم الكاهن، ثم ذهب إلى يعقوب وظهر له – لأن يعقوب كان قد أقسم أنه لن يأكل خبزاً منذ أن شرب كأس الرب حتى يراه قائماً من بين الراقدين”. وبعد ذلك بقليل يقول: “قال الرب: أحضر لي مائدة وخبزاً، ثم أخذ الخبز”، ويضيف الإنجيل بعد ذلك مباشرة: “وبارك وكسر وأعطى يعقوب البار وقال له: يا أخي كل خبزك لأن ابن الإنسان قد قام من بين الراقدين”.

وإنجيل العبرانيين، الذي نقل عنه جيروم هذه الفقرة المثيرة للاهتمام، كان قد كُتب أصلاً باللغة الآرامية ولكن بحروف عبرية. وفي زمن جيروم، كان النص الأصلي الخاص بهذا الإنجيل محفوظاً في مكتبة بمدينة قيصرية في فلسطين. وقد استخدمه كل من “الأبيونيين”[1] والناصريين”،[2] ومنهم حصل جيروم على نسخة منه ليترجمها إلى اليونانية واللاتينية. أما حقيقة كونه مستخدماً من قِبل المسيحيين الفلسطينيين، الذين كانوا يتحدثون العبرانية الآرامية، فتُفسر سبب تسميته بـ “إنجيل العبرانيين”، كما أنها تُفسر أيضاً سبب ظهور يعقوب أخي الرب – الذي كان يُمثل المسيحية اليهودية الصارمة – في قلب رواية القيامة على عكس ما روته الكتابات القانونية. وقد كان معظم الناس، في أيام جيروم، يعتبرون هذا الإنجيل الأبوكريفي بمثابة الأصل العبري لإنجيل متى القانوني، وهو الأمر الذي ذكره بابياس.[3] وفي الحقيقة، تُظهر الشذارات القليلة التي بقيت لدينا منه شبهاً قريباً من إنجيل متى، وهكذا يمكننا أن نستنتج بثقة أن هذا الإنجيل كان في الغالب عبارة عن إعادة صياغة للأصل العبري لإنجيل متى القانوني بتصرف.

وتُظهر الفقرة المقتبسة أعلاه أنه كان يحتوي على أقوال ليسوع لم يوردها أي من الأناجيل القانونية. وقد برهن أناس آخرون غير القديس جيروم على هذه الصفة المميزة لإنجيل العبرانيين، نذكر منهم، على سبيل المثال، يوسابيوس الذي يقول في (Theophany 22):

“إن هذا الإنجيل الذي قد وصل إلينا في حروف عبرية يعطي الويل كما لو لم يكن موجهاً لذاك الذي يخفي وزنته، بل لذاك الذي يحيا حياة مستهترة. لأن – المثل الذي ورد فيه يحكي – عن ثلاثة عبيد؛ واحد منهم أنفق فضة سيده على الزواني والمغنيات، وآخر ربح بها أضعافاً مضاعفة، والأخير أخفى وزنته، وكيف أن أحدهم قد قبله سيده، وآخر لم ينله سوى اللوم، وثالثهم أغلق عليه في السجن.”

ولا بد من أن يكون هذا الإنجيل الأبوكريفي قد كُتب في القرن الثاني الميلادي، لأن كليمندس السكندري قد استخدمه في عمله المعروف باسم “المتفرقات” (Stromata 2: 9: 45)، وقد كان ذلك في الربع الأخير من ذلك القرن.

 

إنجيل المصريين

 

كان كليمندس السكندري هو أيضاً المصدر الرئيس لمعلوماتنا عما يسمى بـ “إنجيل المصريين”، ويدل هذا الاسم على أن هذا الإنجيل كان متداولاً بين مسيحيي مصر؛ وهذا يُفسر سبب اطلاع كل من كليمندس السكندري وأوريجانوس عليه. وينتمي “إنجيل المصريين” إلى هذا النوع من الأبوكريفا التي كُتبت لتدعم هرطقات معينة، ومن المرجح جداً أن يكون ذا أصل غنوسي، أما عناصره العقائدية المميزة فتُظهر بوضوح نزعة طائفية هرطوقية. ولقد احتفظ كليمندس السكندري بعدد ضئيل من كلمات يسوع التي وردت في حديث الرب مع سالومي – الوارد في هذا الإنجيل – تلك التي تعد أفضل دليل على ما يظهره “إنجيل المصريين” من نزعات عقائدية هرطوقية:

“وعندما سألت سالومي: إلى متى سيكون للموت سلطان؟ أجابها الرب – وهو لا يعني أن الحياة شر أو أن الخليقة شريرة – قائلاً: طالما كنتن تحبلن أيتها النساء”. (Stromata 3: 6: 45)

“أما هؤلاء الذين يناصبون خليقة الله العداء من خلال التقشف المخزي فيتذرعون بهذه الكلمات التي وجهها الرب لسالومي والتي ذكرناها أعلاه، وهي مذكورة أيضاً – كما أعتقد – في  إنجيل المصريين، ذلك لأنهم يقولون إن المخلص نفسه قد قال: “لقد أتيت لأدمر أعمال الأنثى”… إن الأنثى هي الشهوة وأعمالها هي الولادة والفساد”. (Stromata 3: 9: 63)

“ولكن لماذا لا يتكلم – هؤلاء الذين يسيرون تائهين بدلاً من أن يتبعوا إنجيل قاعدة الحق – ببقية الكلمات التي تكلم بها الرب لسالومي؟ لأنها لما قالت: “إذاً، لقد فعلت حسناً لأني لم أنجب”، كما لو كانت الأمومة أمراً غير لائق، أجابها الرب قائلاً: “كلي كل عشب، ولكن تلك الأعشاب التي بها مرارة لا تأكلينها”. (Stromata 3: 9: 66)

“لهذا يقول كاسيان: عندما سألت سالومي عن الوقت الذي ستكون فيه هذه الأمور فيما يتعلق بسؤالها، قال الرب: “عندما تدوسين ثوب الخزي، وعندما يصبح الاثنان واحداً، والذكر مع الأنثى؛ فلا يكون هناك لا ذكر ولا أنثى”. (Stromata 3: 13: 92).

 

إنجيل الإبيونيين

 

من المرجح أن يكون “إنجيل الإبيونيين” هو نفسه “إنجيل الرسل الاثني عشر” الذي يذكره أوريجانوس في (Hom. In Lux. 1). فإذا صح هذا الأمر، فإن زمن كتابته سيعود على الأرجح إلى بدايات القرن الثالث الميلادي. غير أنه من الواضح أن جيروم قد أخطأ في قوله بأن هذا الإنجيل هو نفسه “إنجيل العبرانيين”، وبالرغم من ذلك، يدعم (A. Schmidtke) هذا الرأي.

وقد حصلنا على كل ما نعرفه عن “إنجيل الإبيونيين” من إبيفانيوس (Adv. Haer. 30: 13 -16) الذي استشهد بشذرات منه. ويمكننا أن نحكم من خلال هذه الشذرات أنه قد كُتب لصالح فرقة من فرق المسيحيين كانت تُقاوم تقديم الذبائح، وهكذا يظهر يسوع – في هذا الإنجيل – وهو يقول:

“لقد أتيت لأضع حداً للذبائح، وأنه لن يمتنع الغضب عنكم، إلا بأن تتوقفوا عن تقديم الذبائح”. (30: 16).

 

إنجيل نيقوديموس

 

المكانة المرموقة التي كان يشغلها بيلاطس البنطي في الفكر المسيحي المبكر تظهر بشكل أوضح في “إنجيل نيقوديموس”، فلقد اشتمل هذا العمل القصصي على الوثيقة المعروفة باسم “أعمال بيلاطس”، وهي عبارة عن تقرير رسمي يفترض أن الوالي الروماني قد كتبه عن يسوع. ويبدو أن بعض أجزاء “أعمال بيلاطس” كانت معروفة في زمن مبكر كالقرن الثاني الميلادي، فبعد أن ذكر يوستينوس الشهيد – في دفاعه الأول (فصل 35) – كلآ من آلام المسيح وصلبه، قال:

“يمكنكم أن تتحققوا من صحة هذه الأمور التي حدثت مما قد كتب في أعمال بيلاطس البنطي”.

وتوجد أيضاً عبارة مشابهة في الفصل 48 من نفس العمل. كذلك يشير ترتيليانوس مرتين إلى التقرير الذي قدمه بيلاطس إلى – الإمبراطور – طيباريوس؛ فوفقاً لما يقول:

أخبر بيلاطس البنطي الإمبراطور عن حكم الإعدام الظالم الذي صدر ضد شخص بريء وإلهي؛ ولقد تأثر الإمبراطور جداً بهذا التقدير الذي يحكي عن معجزات المسيح وقيامته، حتى إنه عرض أن يقبل المسيح ضمن آلهة روما، لكن مجلس الشيوخ الروماني رفض (Apologeticum 5).

كذلك يذكر ترتليانوس في موضع آخر أن:

“بيلاطس قد أخبر الإمبراطور – الذي كان في ذلك الوقت هو طيباريوس – بقصة المسيح كاملة، لأنه في ذلك الحين كان هو نفسه مسيحياً في قلبه سراً” (Apol. 21. 24)

ويمكننا في هذا العمل أن نرى الرغبة في استخدام الوالي الروماني كشاهد على تاريخ موت المسيح وقيامته.

ولا بد من أن تلك النزعة عينها هي السبب في ظهور تلك الوثيقة المعروفة باسم “أعمال بيلاطس” التي تشكل قوام “إنجيل نيقوديموس”؛ فالجزء الأول منه (الفصول من 1 إلى 11) يقدم إلينا رواية تفصيلية لمحاكمة يسوع وصلبه ودفنه، ولهذا الجزء عنوان خاص به وهو (Acta Pilate) – أعمال بيلاطس – أما الجزء الثاني من العمل (الفصول من 12 إلى 16) فيحكي عن المناظرات التي حدثت في مجمع السنهدرين بشأن قيامة المسيح، وهو بمثابة إضافة إلى “أعمال بيلاطس”. أما الجزء الثالث من العمل (الفصول من 17 إلى 27) فعنوانه هو: “نزول المسيح إلى الجحيم”، وهو يزعم أنه يحكي قصة نزول المسيح إلى الجحيم على لسان شاهدين هما “ابنا شمعون” اللذان قاما من الموت بعد أن شاهدا المسيح في الجحيم.

ولا بد أن “إنجيل نيقوديموس” هذا والوارد في مخطوطة لاتينية متأخرة تحت عنوان (Evagelium Nicodemi) قد كُتب بالكامل في بداية القرن الخامس الميلادي، لكن يبدو أنه لم يكن أكثر أو أقل من مجرد تجميع لمادة تعود إلى عصر أقدم. ويخبرنا يوسابيوس القيصري أنه في أثناء الاضطهاد الذي شنه الإمبراطور “مكسيمينوس دايا” عامي 311 و312م، نشرت الحكومة الرومانية نسخاً وثنية مزيفة من “أعمال بيلاطس” حتى تثير مشاعر الكراهية تجاه المسيحيين:

“لقد زيفوا تقرير بيلاطس ومخلصنا، وجعلوه مليئاً بكل أنواع التجديف ضد المسيح، ثم أرسلوه بموافقة من رئيسهم إلى كل أرجاء الإمبراطورية مع فرمان يفرض بأنه يجب تعليقه علناً ليراه الجميع في كل مكان، في الريف والمدن، وأنه يجب أن يعلمه المدرسون الابتدائيون لتلاميذهم بدلاً من الدروس، ليدرسوه ويحفظوه عن ظهر قلب.” (Hist. eccl. 9: 5; cf. 1: 9: 1; 1: 11: 9; 9: 1).

ومن الممكن أن تكون “أعمال بيلاطس” التي شكلت قوام “إنجيل نيقوديموس” قد كتبت في الأصل لتضاد التأثير السيئ الذي تركته تلك التصرفات الوثنية.

ويبدو أن أقدم قطعة أدبية مسيحية تتكلم عن بيلاطس هي “تقرير بيلاطس إلى الإمبراطور كلوديوس”، والتي أدخلت في نصها اليوناني إلى الكتاب المتأخر “أعمال بطرس وبولس” وألحقت في ترجمة لاتينية بـ “إنجيل نيقوديموس”، ومن المحتمل أن يكون هذا التقرير متطابقاً مع ذاك الذي ذكره ترتليانوس، فإذا كان هذا صحيحاً، لوجب أن يكون تاريخ تأليفه قبل عام 197م، وهو التاريخ الذي ألف فيه ترتليانوس كتابه “Apologeticum”. واعتماداً على النص اليوناني، جاءت الترجمة الإنجليزية التي أنجرها (M. R. James) كالتالي:

“من بيلاطس البنطي إلى كلوديوس قيصر، تحية وسلام. لقد جرت مؤخراً أحداث كنت أنا نفسي شاهداً عليها لأن اليهود بسبب الحسد قد عاقبوا أنفسهم وذريتهم بأحكام مخيفة بسبب خطئهم؛ لأنه لما كان آباؤهم قد وعدوهم – أو بشروهم – أن إلههم سوف يرسل لهم من السماء قدوسه الذي يستحق أن يدعى ملكاً عليهم، ووعدهم أن يرسله إليهم على الأرض من عذراء؛ أتى – أو أتى إله العبرانيين هذا – في الوقت الذي كنت فيه أنا حاكماً لليهودية، ورأوه يفتح عيون العميان، ويطهر البرص، ويشفي المفلوجين، ويطرد الشياطين من الرجال، ويقيم الموتى، وينتهر الرياح، ويمشي فوق أمواج البحر دون أن تبتل قدماه، ويفعل عجائب أخرى كثيرة، وكان كل شعب اليهود يدعونه ابن الله، إلا أن رؤساء الكهنة قد ثاروا ضده في حسد، وأمسكوا به وأرسلوه إليّ واتهموه بتهم ملفقة، واحدة بعد الأخرى، قائلين إنه ساحر وإنه فعل أموراً تخالف ناموسهم لكني – بينما كنت أعتقد ان الأمور هي هكذا – جلدته وسلمته إليهم بحسب إرادتهم فصلبوه، وبعد أن دُفن وضعوا حراساً عليه، لكن بينما كان جنودي يحرسونه، قام في اليوم الثالث. إلا أن خبث اليهود قد اضطرم كثيراً حتى أنهم أعطوا الجنود مالاً قائلين لهم: قولوا إن تلاميذه قد سرقوا جسده، لكن الجنود، بالرغم من أنهم قد أخذوا منهم المال، لم يستطيعوا أن يصمتوا بخصوص هذه الأمور التي قد حدثت، لأنهم أيضاً قد شهدوا أنهم رأوه قائماً وأنهم قد أخذوا مالاً من اليهود. ولقد قمت بإخبار عظمتكم بهذه الأمور، مخافة من أن يكذب عليك شخص ما – في اللاتينية: مخافة من أن يكذب عليك شخص ويخبرك بأمور مختلفة – فتحسب أنك تُحسن صنعاً بتصديق أكاذيب اليهود”.

ونذكر من وثائق بيلاطس الأبوكريفية الأخرى كلا من الأعمال التالية على سبيل المثال لا الحصر: “أنافورا بيلاطس”، “ورسالة بيلاطس إلى الإمبراطور طيباريوس”، و”محاكمة الإمبراطور لبيلاطس”، و”المراسلات المتبادلة بين بيلاطس وهيرودس” والتي يعود زمن كتابتها إلى القرون الوسطى.

ولقد كان لـ “أعمال بيلاطس” الموجودة في “إنجيل نيقوديموس” والمحفوظة في نص يوناني، وترجمات سريانية، وأرمينة، وقبطية، وعربية، ولاتينية – نتائج ملفتة للنظر، فقد كرم المسيحيون في مصر وسوريا بيلاطس باعتباره قديساً، ولقد كان لأعمال بيلاطس في العصور الوسطى تأثير هائل في مجالي الأدب والفن.

 

إنجيل فيلبس

 

لم تُنسب الأناجيل الأبوكريفية إلى بطرس ويعقوب وتوما فقط بل إلى باقي الرسل أيضاً. وقد تكلم إبيفانيوس (Haer. 26: 13) عن الغنوسين المصريين قائلاً:

“لقد زيفوا إنجيلاً باسم فيلبس، التلميذ القديس، وهو يقول فيه: “لقد كشف لي الرب عن الذي يجب أن تقوله النفس بينما تصعد إلى السماء، والكيفية التي يجب بها أن تجيب على كل قوة من القوات العليا – يجب على النفس أن تقول: “لقد عرفت نفسي، وجمعت شتات نفسي من كل مكان، ولم ألد أولاداً للحاكم، ولكني قضيت عليه، وجمعت الأعضاء المشتتين في جميع الاتجاهات. وأنا أعرف من أنت، لأني أحد الذين هم فوق”.

وتكشف هذه الشذرة التي اقتبسها إبيفانيوس من إنجيل فيلبس عن ميل قوي للاتجاه النسكي الغنوسي الذي يزعم أنه يجب على الشرارات الإلهية المبعثرة في العالم أن تتحد وأن تتخلص من تأثير المادة. ويبدو أن الكتاب القبطي المعروف باسم “بيستيس صوفيا” (Pistis Sophia)،[4] كان يشير إلى إنجيل فيلبس عندما ذكر أن فيلبس الرسول قد دون تعاليم سرية علمها الرب لتلاميذه بعد قيامته، ومن هذا يمكننا أن نستنتج أن هذا الإنجيل كان موجوداً في القرن الثالث الميلادي.

 

إنجيل متياس

 

يذكر أوريجينوس – في عظته الأولى على إنجيل لوقا – أن “إنجيل متياس” كان معروفاً في زمانه. ويظن كل من (M. R. James) و(O. Bardenhewer) أن العمل الذي ذكره كليمندس السكندري باسم “تقاليد متياس” ربما يكون هو هذا الإنجيل نفسه، لكن هناك آخرين، مثل (O. Stahlin) و(J. Tixeront)، يشكون في صحة هذا الأمر. أما الفقرات التي كتبها كليمندس – ذاكراً فيها “تقاليد متياس” – فهي التالية:

“إن بداية معرفة الحق هي أن يشك المرء في الأشياء، وذلك كما يقول أفلاطون في محاورة ثياتيتوس (Theaetetus). وها هو متياس ينصحنا قائلاً: “شك في الأشياء التي أمامك، جاعلاً من هذا الأمر الخطوة الأولى نحو معرفة أعمق” (strom 2: 9: 45).

“إن هؤلاء الغنوسيين الملتفين حول باسيليدس يقولون إن متياس قد علمهم قائلاً: “يجب علينا أن نحارب ضد الجسد ونقمعه، لا نسلمه أبداً للمتع الفاحشة، لكن يجب علينا أن نجعل الروح ينمو من خلال الإيمان والمعرفة”. (strom 3: 4: 26).

“يقولون إن متياس الرسول قال في “التقاليد”: “إنه في كل مرة يخطئ جار الإنسان المسيحي، فإن المسيحي أيضاً يكون قد أخطأ، لأنه لو كان المسيحي قد سلك بحسب ما توصي به الكلمة، لكان الجار أيضاً قد شعر بالخجل من أسلوب حياته، وما كان قد أخطأ”. (strom 7: 13: 82).

وسواء كانت هذه الفقرات من “تقاليد متياس” تمثل جزءً من إنجيل متياس أو لم تكن، فلا بد من أن هذا الأخير قد كُتب قبل زمن أوريجينوس.

 

الإنجيل بحسب برنابا

 

لم يبق لدينا أي شيء من هذا الكتاب، لكننا قد عرفناه عن طريق “المرسوم الجلاسياني”، الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي والذي يذكره من ضمن كتب الأبوكريفا؛ كما أنه مذكور أيضاً في “قائمة الستين كتاباً” اليونانية التي تعود إلى القرن السابع أو الثامن. غير أن هناك عملاً مختلفاً تماماً معروف باسم “إنجيل برنابا الإيطالي” نشره كل من (Lonsdale) و(Laura Ragg) عام 1907م، وقد كتب هذا الأخير مسيحي ارتد إلى الإسلام في القرن الرابع عشر الميلادي، وهو يهدف في الأساس إلى اثبات أن محمداً هو المسيا، وأن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح.

 

إنجيل برثلماوس

 

ذكر جيروم هذا الإنجيل في مقدمة تفسيره لإنجيل متى، وقد جاء ذكره أيضاً في “المرسوم الجلاسياني”. وهو نفسه، على الأرجح، العمل المعروف باسم “أسئلة برثلماوس” والذي نعرف أنه قد كُتب أصلاً باللغة اليونانية، وإلى جانب مخطوطتين يونانيتين، الأولى في فيينا والأخرى في أورشليم، لدينا أيضاً شذرات من “أسئلة برثولماوس” في ترجمات سلافية وقبطية ولاتينية. وهو يحتوي – في شكل أجوبة على أسئلة برثلماوس – على إعلانات أعطاها الرب بعد قيامته، وكذلك على إعلانات أعطيت بواسطة مريم العذراء، بل إنه حتى الشيطان نفسه يظهر ويجيب على أسئلة برثلماوس بخصوص الخطية وسقوط الملائكة. كما أن “نزول المسيح إلى الجحيم” موصوف في هذا العمل بالتفصيل.

 

أناجيل أبوكريفية أخرى

 

كان من عادة الهراطقة، وخاصة الغنوسيين، أن يكتبوا أناجيل بهدف تدعيم تعاليمهم الخاصة، لذا كان هناك عدد كبير من هذه الأناجيل الأبوكريفية، معظمها معروف لدينا بالاسم فقط، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

إنجيل أندراوس:

من المرجح أن كاتبه كان ذا أصل غنوسي ويبدو أن القديس أغسطينوس يشير إليه في: (Contra Adversarios Legis et Prophetarum. 1: 20).

إنجيل يهوذا الأسخريوطي:

ذلك الذي كان أعضاء طائفة القايينيين[5] (Cainites) الغنوسية يستعملونه.

إنجيل تداوس:

وهو مذكور في المرسوم الجلاسياني.

إنجيل حواء:

يذكر إبيفانيوس أنه كان متداولاً بين أعضاء طائفة البوربوريين[6] (Borborites)، وهي طائفة أوفيتية غنوسية.[7]

وبعض هذه الأناجيل يحمل أسماء هراطقة مشهورين مثل:

 

الإنجيل بحسب باسيليدس: يقول أوريجانوس إن هذا الهرطوقي قد “بلغ من الوقاحة” حتى إنه كتب إنجيلاً. وقد ذكر هذا العمل كل من أمبروسيوس وجيروم، ومن الممكن أن يكون باسيليدس قد قام بإعادة صياغة للأناجيل القانونية حتى يجعلها مؤيدة للتعاليم الغنوسية.

إنجيل كيرنثوس: ذلك الذي ذكره إبيفانيوس.

إنجيل فالنتينوس: وترتليانوس هو مصدر معلوماتنا عن هذا العمل.

إنجيل أبيلس (Apelles)، الذي أشار إليه كل من جيروم وإبيفانيوس.

والسمة المشتركة بين هذه الأناجيل جميعاً هي أنها تتعامل مع محتوى الأسفار القانونية بأسلوب قاس وملتو؛ فالروايات الإنجيلية القانونية تُستعمل فيها كإطار للاستعلانات الغنوسية؛ تلك التي يعلنها الرب أو مريم في حوارات مع تلاميذ يسوع بعد قيامته. أما فيما يتعلق بالتأملات الكونية التي تحتوي عليها فهذه الأناجيل ذات طابع رؤيوي، ولهذا السبب سُميت بـ “الأناجيل الرؤيوية” (Gospel – Apocalpses).

 



[1] هو اسم معناه الفقراء أو المساكين، وهم جماعة مسيحية ذات نزعة تهودية. وكانوا يستخدمون إنجيل العبرانيين (من كتب الأبوكريفا)، واعتقدوا أن الحفاظ على الختان والناموس أمر ضروري للخلاص. وكانت لهم تعاليم خاطئة عن الرب يسوع.

[2] كانوا متشددين ناموسياً لدرجة شديدة ورفضوا الاعتراف بألوهية الابن قبل تجسده، إلا أنهم آمنوا بولادته من العذراء وبصلبه وقيامته، ورفضوا كل رسائل بولس لأنها لا تعطي أهمية للناموس، ولم يبالوا بكل الأسفار الأخرى واستعملوا فقط ما يسمى بإنجيل العبرانيين والذي يطلق عليه إنجيل الناصريين نظراً لاستخدامهم له. وكانوا يحافظون على السبت وسائر نظم اليهود، وقد تحدث عنهم يوسابيوس في كتابه تاريخ الكنيسة (3: 27).

[3] انظر يوسابيوس القيصري؛ تاريخ الكنيسة 3: 39: 16؛ 6: 25: 4. والقديس إيريناوس (ضد الهرطقات 1: 1).

[4] هو مخطوط غنوسي آخر وجد خارج مجموعة نجع حمادي يرجع تاريخه للقرن الرابع الميلادي، وهو يتضمن مجموعة من الحوارات بين السيد المسيح وتلاميذه من الرجال والنساء.

[5] هم طائفة غنوسية كانت مزدهرة في القرن الثاني الميلادي وخصوصاً في المنطقة الشرقية من الإمبراطورية الرومانية، كانت رؤيتهم ليهوه أنه شرير لأنه صمم العالم على نحو معاذ للخير، حتى يمنع العنصر الإلهي في الإنسان من الاتحاد بالإله الكامل غير المعروف، وكانوا يمجدون الشخصيات الكتابية التي رُفضت في  العهد القديم مثل قايين وعيسو وغيرهم من الذين اعتقدوا بأنهم كانوا يحملون معرفة باطنية مختلفة، ويقولون إن هذه الشخصيات عوقبت بواسطة إله غيور وشرير، ويطلق على القايينيين أحياناً لقب “الغنوسيين المستبيحين”، وذلك لإيمانهم بأن الخلاص والكمال الحقيقي، يأتي فقط عن طريق كسر كل الوصايا الكتابية في فترة حياة واحدة فقط، أي يجب على الغنوسي الذي يريد الخلاص أن يكسر كل الوصايا أثناء حياته.

[6] كان البوبربوريون طائفة غنوسية موغلة في القذارة والشر بشكل غير طبيعي، وكلمة “بوربوري” مأخوذة من الكلمة اليونانية “بوربوروس” والتي تعني “وحل”؛ لذا يمكن أن تترجم كلمة “البوربوريين” إلى “القذرين”. وكانت عقائدهم تتضمن ممارسة الشذوذ الجنسي بالإضافة إلى أمور أخرى غاية في القذارة. وبما أن كل ما نعرفه عن هؤلاء البوربوريين قد أتى من أعدائهم، لذلك لا يمكننا أن نكون متأكدين ما إذا كانت هذه الاتهامات صحيحة أم مبالغاً فيها.

[7] الأوفيتي هو عضو طائفة من ضمن عدة طوائف غنوسية ازدهرت في الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني الميلادي ولعدة قرون لاحقة. اندرج تحت اسم “الأوفيتيين” عدة طوائف غنوسية مثل الناسيين والقايينيين، وقد اختلفت عقائد هذه الطوائف عن بعضها البعض من أوجه كثيرة لكنها جميعاً تمحورت حول نظرية لاهوتية ثنائية وضعت كائناً أعلى ذا طبيعة روحية محضة – وهو مصدر العملية الكونية والخير الأسمى – على طرف النقيض مع عالم مادي فوضوي وشرير. بالنسبة إلى الأوفيتيين، كانت معضلة الإنسان نتيجة كونه خليطاً من هذه العناصر الروحية والمادية فقط المعرفة – المعرفة الباطنية الخير والشر – هي التي تستطيع ان تخلص الإنسان من قيود المادة وتجعله على دراية بهذا الإله غير المعروف المصدر الحقيقي لكل وجود.

ليست هناك تعليقات: