العقيدة العامة عن وجود الله
الفقرة ١: اسم الذات الإلهية
قبل
ما ندخل في تاريخ عقيدة الثالوث، هنلقي نظرة سريعة على العقيدة الخاصة بوجود الله
بشكل عام. فيه خمس مواضيع هنتكلم عنها في الجزء التمهيدي ده:
-
اسم الذات الإلهية
-
مدى انتشار أفكار وحدة الوجود والازدواجية في تطور العقيدة المسيحية عن الله
-
أنواع الحجج اللي استخدمها اللاهوتيين المسيحيين علشان يثبتوا وجود الله
-
العقيدة الخاصة بصفات الله
-
مفهوم الثالوث الوثني.
بالنسبة
لاسم الله، وبالنسبة للتعريفات الخاصة به، الكنيسة المسيحية كانت دايمًا متميزة
بحرية في الآراء والتصورات. في العالم الوثني، كان فيه شعور خرافي خلّى الناس
يعتقدوا إن في أسماء معينة فيها قوة سحرية، وكانوا متمسكين باسم معين لدرجة كبيرة.
لكن المسيحية كانت دايمًا حرة في إنها تستخدم اسم الله المتداول وسط الناس في
البلد اللي راحت له، وده بيعبر عن إيمانها إن الاسم مالوش فضيلة خاصة، وكمان مفيش
كلمة واحدة تقدر توصف بشكل كامل الوجود اللا نهائي والجمال الكامل اللي موجود في
الله.
المبشر الجديد زي القديم بياخد كلمات اللغة الجديدة اللي رايح لها، ويخصصها للمعنى
الأسمى اللي جاي يوصله.
في
نفس الوقت، لازم نلاحظ إن المسيحية، بسبب ارتباطها باليهودية، كانت بتميل دايمًا
إنها تستخدم وتفضل المفهوم اللي بيعبر عن وجود الله الضروري والمطلق. اسم
"يهوه" العبري اتترجم بطريقتين في النسخة اليونانية من العهد القديم:
"هو أون" و"تو أون"
ὁ ὤν, and τὸ ὄν. الاتنين كانوا مستخدمين—واحد منهم بشكل
شخصي للتعبير عن شخصية الله في مواجهة أفكار وحدة الوجود، والتاني بشكل غير شخصي
للتعبير عن كينونة مطلقة وضرورية (أوسيا οὐσία)، في مقابل كينونة مش ثابتة
ومعتمدة على حاجات تانية أو منبع خارجي (جينيسيس γένεσις). وبالتالي، الكنيسة لما
استخدمت اسم الله اللي موجود في العهد القديم من خلال اللغة اليونانية
الإسكندرانية، كانت بتستخدم نفس الفكرة والاسم اللي الله نفسه استخدمه لما أظهر
نفسه لشعبه المختار.
الفقرة ٢: وحدة الوجود والازدواجية
في الكنيسة
بالنسبة
لحجم ونوع أفكار وحدة الوجود اللي ظهرت مع تطور العقيدة المسيحية عن الله، هنلاحظ
مجموعة من النقاط.
في
أول تمن قرون، الكنيسة ما واجهتش أفكار وحدة وجود منظمة أو متطورة بشكل كبير. بس،
فيه شوية تعبيرات استخدمها معلمين أرثوذوكس، ولو كان قالها واحد من اللي بيؤمنوا
بوحدة الوجود كان ممكن تتفهم على إنها وحدة وجودية. زي تاتيان، اللي كان متحوّل
للمسيحية وتلميذ ليوستينوس الشهيد، وأحد المدافعين الأوائل عن الإيمان، قال إن
الله هو ὑπόστασις πάντων "جوهر كل شيء".
وهيلاري استخدم تعبير “deus anima mundi” اللي معناها "الله هو
روح العالم". كمان بعض ترانيم سينيسيوس فيها نبرة وحدة وجود واضحة.
هيبوليتوس،
في اعترافه بالإيمان، بيكلم المسيحي وبيقوله:
"هتكون ليك جسد
خالد وروح ما تفناش، وهتنال ملكوت السماوات. بعد ما تعيش على الأرض وتعرف الملك
السماوي، هتكون شريك لله، ووارث مع المسيح، ومش هتكون خاضع للشهوات أو الغضب أو
المرض. لأنك أصبحت إلهاً (γέγονας γὰρ θεός). وأي تعب كنت بتعانيه وأنت إنسان، كان بسبب إنك كنت إنسان؛ لكن
الحاجات اللي تخص الله [παρακολουθεῖ]، الله أعلن إنه هيعطيهالك لما تتأله (ὅταν θεοποίηθῆς)، بعد ما تتولد من جديد كخالد."
لكن
الكلام ده لازم يتفهم على ضوء إن اللي قالوه دول كانوا مسيحيين مؤمنين بالله
الشخصي، وماكانوش بيقصدوا بوحدة الوجود بمعناها النظري، بل غالباً كانت مجرد
تعبيرات مش محسوبة في سياق كتابتهم.
عقيدة
الطبيعة الإلهية ما اتعرضتش لتغيير كبير ولا فساد بسبب فكرة الازدواجية. ودي تعتبر
العكس من وحدة الوجود. أي انحراف عن الفكرة الحقيقية عن الله بيخلص يا إما إلى
وحدة بتعتبر إن الله والكون هما حاجة واحدة، يا إما إلى ازدواجية بتفصل الكون عن
الله بشكل يخليه يا إما مستقل تمامًا عنه، يا إما في حالة عداء دايم معاه.
لكن
الكنيسة القديمة بس هي اللي كان مطلوب منها إنها تواجه النوع ده من الخطأ.
في فترة انتشار أفكار المانويين والغنوصيين، كانت أفكار الازدواجية منتشرة، بس بعد
ما الأفكار دي اختفت، العقيدة الكتابية عن الله بقت بتواجه بشكل أساسي انحرافات
وحدة الوجود.
الفقرة ٣: الأدلة على وجود الله
الكنيسة
القديمة كانت بتركّز أكتر على الإيمان لما تيجي تثبت وجود الله، بينما الكنيسة
الحديثة بدأت تعتمد على البرهنة والمنطق. وده طبيعي بسبب تطور الفلسفة وزيادة
الاهتمام بالعقل. ومع نمو العلم، العقل بقى يميل أكتر للتفكير المنطقي اللي بيعتمد
على الحجج المرتبة والمترابطة.
الآباء
الأوائل في الكنيسة كانوا بيعتمدوا بشكل أساسي على الوعي الداخلي للإنسان علشان
يثبتوا وجود الله. كانوا بيعظموا الأدلة اللي جاية من جوا النفس البشرية. فيه
مصطلحات شائعة بيستخدموها علشان يعبروا عن نوع المعرفة اللي الروح بتملكها عن
الله، زي كلمة ἔμφυτον اللي
استخدمها كليمنضس الإسكندري، وكلمة ingenitum اللي استخدمها أرنوبيوس.
وترتليان قال "anima naturaliter sibi
conscia Dei"
يعني "الروح بطبيعتها واعية بوجود الله".
التأثير
بتاع الفلسفة الأفلاطونية كان باين في التصورات دي، لأنها كانت بتشير لفكرة إن فيه
أفكار فطرية في الإنسان مرتبطة بالله. كمان، عقيدة اللوغوس اللي اتطورت من إنجيل
يوحنا، دعمت الرؤية دي عند الآباء الأوائل. الله كان بيُفهم إنه بيُظهر نفسه
مباشرة للحس الأخلاقي، عن طريق الكلمة الإلهية أو العقل، اللي كانوا بيعتبروه الله
الظاهر.
بالنسبة
للكنيسة الغربية بشكل خاص، كانت بتؤكد على فكرة إن الله يثبت وجوده من خلال حضوره
المباشر للعقل. أوغسطينوس في "الاعترافات" لمح إن الله بيُظهر صفاته
ووجوده من خلال تأثير مباشر على النفس العاقلة للإنسان. واحدة من تعبيراته كانت
"Perculisti cor, verbo tuo" يعني "أصبت قلبي
بكلمتك".
لما
كانت فيه محاولات لعمل إثبات منطقي رسمي لوجود الله في فترة الآباء، كانوا
بيعتمدوا على الطريقة اللي بتيجي بعد الملاحظة (a
posteriori). الحجة
الفيزيائية-لاهوتية، اللي مبنية على التناغم اللي واضح في أعمال الخليقة، استخدمها
إيريناوس علشان يثبت عقيدة وحدة وبساطة طبيعة الله، في مواجهة الوثنية اللي كانت
بتؤمن بكذا إله، والغنوصية اللي كانت بتؤمن بوجود عدد كبير من الأيونات. كمان
الحجة الغائية، اللي بتعتمد على وجود هدف أو تصميم عام في الخلق، كانت مستخدمة في
اللاهوت عند الآباء.
الحجة
الوجودية، اللي قوتها جاية من تعريف الكائن الكامل بشكل مطلق، ما اتكوّنتش واتصاغت
بشكل واضح إلا في عصر المدرسيين. أنسلم هو اللي صاغها وعرضها في كتابه
"مونولوجيوم"، وبشكل أعمق في "بروسولوجيوم"، واللي ماحدش قدر
يتجاوزهم من وقتها. ومش تقليل من قوة الحجج العقلية اللي بتميز اللاهوت البروتستانتي
الحديث، بس الحجة المبنية على طبيعة الله الضرورية، أنسلم شرحها في الكتابين دول
بتأمل عميق، وذكاء فلسفي دقيق، يخليهم من أفضل الكتابات التأملية في الفكر
المسيحي.
يمكن
العثور على جوهر الحجة الأنسلمية في المواقف التالية المتخذة في Proslogion
العقل البشري فيه فكرة
عن الكائن الكامل لأقصى درجة ممكنة. والكائن ده لازم يكون موجود بالضرورة، لأن
الكائن اللي وجوده مش أكيد، واللي ممكن يكون موجود أو لأ، ما ينفعش يكون أكمل كائن
نتخيله. لكن الكائن اللي وجوده ضروري هو اللي ما نقدرش نتخيله غير إنه موجود،
وبالتالي هو كائن موجود فعلاً. الوجود الضروري يعني وجود فعلي. فالعقل لما بيتخيل
كائن أكمل من كل الكائنات، هو في الحقيقة بيتخيل كائن حقيقي، مش وهمي؛ زي ما العقل
لما بيتخيل شكل له ثلاث أضلاع، بيكون بيتخيل شكل له ثلاث زوايا برضه.
القوة
في الحجة دي بتعتمد بشكل كامل على فكرة "ضرورة الوجود".
دي جزء أساسي من فكرة الكائن الأكمل، ومش بتدخل في تصور أي كائن تاني. كل الكائنات
التانية ممكن تكون موجودة وممكن لأ، علشان ما هياش الأكمل اللي ممكن العقل يتخيله.
وجودها مش ضروري؛ لكن الكائن الكامل الأول وجوده ضروري.
ومن
هنا، فكرة الله تعتبر فكرة فريدة تمامًا، وممكن يبني عليها حُجة ما ينفعش تتبني
على أي فكرة عن كائن تاني. ومن مميزاتها إنها لازم يكون ليها واقع فعلي يناسبها.
وده مش موجود في أي فكرة تانية. يعني، لما العقل يتخيل إنسان، أو ملاك، أو شجرة،
أو أي شيء مش هو الله أو الكائن الأكمل، مفيش ضمان إن الشيء ده موجود فعلًا. ممكن
تكون فكرة ذاتية بس؛ مجرد تصور في العقل، من غير حاجة في الطبيعة تنطبق عليه. وده
لأن فكرة الإنسان أو الملاك أو الشجرة ما بتحتويش على عنصر "ضرورة
الوجود".
لكن
في حالة فكرة الله اللي هي الوحيدة والفريدة من نوعها، العقل لوحده كافي علشان
يثبت إن الكائن ده موجود فعلًا، لأنه فيه عنصر الوجود الضروري. فلو العقل، زي ما
أنسلم بيقول، عنده فكرة عن الكائن الأكمل الممكن تصوره، وكمان بنعترف إن الكمال
المطلق بيستلزم الوجود الضروري، وبعدين نتعامل مع الفكرة دي زي أي فكرة تانية ممكن
تكون موجودة أو لأ، يبقى إحنا بنناقض نفسنا.
أنسلم
بيقول:
"أكيد، الكائن
اللي لا يمكن تخيّل ما هو أعظم منه، ما ينفعش يكون موجود في العقل بس. لأن لو
افترضنا إنه موجود بس في الذهن، ومش موجود في الواقع، يبقى نقدر نتخيل كائن
أعظم—واحد موجود في الواقع، وده أعظم من مجرد وجود ذهني. فلو الكائن اللي لا يمكن
تخيّل ما هو أعظم منه موجود بس في التصور، ومش موجود في الحقيقة، يبقى الكائن ده
في الحقيقة شيء ممكن نتخيل ما هو أعظم منه—وده تناقض في نفسه. وبالتالي، فيه كائن
موجود بدون شك، في العقل وفي الواقع، لا يمكن تصور ما هو أعظم منه."
أنسلم
بياخد خطوة أبعد، وبيقول إن العقل ما يقدرش يتخيل إن الله مش موجود من غير ما يدخل
في تناقض منطقي. وده
بيأكد الفرق بين فكرة الكائن الأسمى، وبين باقي الكائنات. مفيش أي تناقض لو
افترضنا إن الإنسان أو الملائكة أو الشجر أو المادة كلها مش موجودة، لأن تعريفهم
ما بيستلزمش إنهم لازم يكونوا موجودين. لكن لو افترضنا إن كائن وجوده ضروري
بطبيعته مش موجود، يبقى ده شيء غير منطقي.
يعني
إحنا نقدر نتخيل إن الخليقة مش موجودة، لكن ما نقدرش حتى في خيالنا نلغي وجود
الخالق. في الفصل الرابع من كتاب بروسولوجيوم، أنسلم بيشرح الفكرة دي بالطريقة دي:
"الشيء ممكن
نتصوره بطريقتين: الأولى لما نتخيل الكلمات اللي بتدل عليه؛ والتانية لما نفهم
طبيعة الشيء نفسه. في الطريقة الأولى، ممكن نتخيل إن الله مش موجود؛ لكن في
الطريقة التانية، ما نقدرش نتصور كده. زي ما ماحدش يقدر يتصور إن النار هي الماء،
لو كان فاهم يعني إيه نار ويعني إيه ماء، رغم إنه ممكن يتخيل كده لو بيفكر في
الكلمات بس. بنفس الشكل، اللي فاهم يعني إيه الله، وفاهم إنه كائن لازم يكون
موجود، ما يقدرش يتخيل إن الله مش موجود—حتى لو، زي الجاهل اللي اتكلم عنه
المزمور، قال في قلبه "لا يوجد إله."
لأن الله هو الكائن
اللي ما نقدرش نتخيل حاجة أعظم منه. واللي فاهم ده فعلاً، فاهم إن الكائن ده موجود
بطريقة تخليه ما ينفعش حتى نتخيله وهو مش موجود. علشان كده، اللي فاهم إن الله هو
الكائن الأكمل، ما يقدرش يتخيله كشيء غير موجود.
الحمد لك يا رب، الحمد
لك، لأن اللي كنت مؤمن بيه من الأول بسبب نعمتك، دلوقتي فهمته بنورك؛ وحتى لو مش
عايز أؤمن إنك موجود، ماقدرش أكون جاهل بوجودك.
الراهب
جاونيلو هاجم حجة أنسلم في كتاب صغير اسمه *Liber pro insipiente* (دفاعًا عن الجاهل)، وده كان
بيشير لجملة أنسلم اللي اقتبسها من المزامير: "قال الجاهل في قلبه: لا يوجد
إله". جاونيلو اعترض بشكل أساسي على إن مجرد وجود فكرة عن شيء في العقل ما
يثبتش إن الشيء ده موجود فعلاً. وقال: "افترض إن عندنا فكرة عن جزيرة أكمل من
أي مكان تاني على الأرض؛ مش معناها إن الجزيرة دي موجودة في الواقع لمجرد إننا
تخيلناها".
الاعتراض
ده اتكرر كتير بعد جاونيلو. الناس قالت إن فكرة الغريفين أو الكيميرا (كائنات
خيالية) في العقل ما تعنيش إنهم موجودين فعلًا. لكن الاعتراض ده ما ينفعش يبطل حجة
أنسلم، لأن مفيش توازي منطقي بين النوعين من الأفكار. المعترض بيغفل إن فكرة الله
فريدة ومش شبه أي فكرة تانية. زي ما أنسلم رد عليه وقال: لو كانت الجزيرة دي فعلاً
أكمل شيء ممكن تخيله، ساعتها مجرد وجودها في العقل فعلاً يكون دليل على وجودها في
الواقع.
لكن
فكرة الجزيرة، أو الغريفين، أو الكيميرا، أو أي وجود متخيل أو مش أكيد، ما فيهاش
عناصر الكمال المطلق ولا الوجود الضروري. فكرة الإنسان أو الملاك مثلًا، مبيعنوش
إنهم لازم يكونوا موجودين، وإن غيابهم غير قابل للتخيل. لكن فكرة الله، لأنه كائن
غير كل الكائنات المخلوقة والمؤقتة، فيها خاصية الوجود الضروري. علشان كده،
الاعتراض اللي قدمه جاونيلو واللي جاي من نوع الكائنات اللي وجودها مش أكيد،
ماينفعش ينطبق على فكرة الله.
ده
مثال على اللي أرسطو سماه "μετάβασις εἰς ἄλλω γένος" — يعني نقل صفات نوع معين لكائن من
نوع تاني مختلف تمامًا. زي اللي يفترض إن لو المكعب الصلب ممكن يتقاس ويتوزن، يبقى
روح الإنسان غير المرئية ينفع نقيسها بنفس الطريقة. بحسب أنسلم، فكرة الله فريدة
تمامًا، مفيش فكرة تانية زيها. علشان كده، مفيش حجة من المقارنات دي تنفع، لأن كل
فكرة عن أي كائن تاني فيها عنصر الوجود المتغير، وده ما يقدرش يكون أساس منطقي
لمعارضة برهان وجود الله المبني على فكرة الوجود الضروري.
طريقة
الإثبات العقلي المباشر لوجود الله كانت المفضلة في العصر المدرسي للاهوت، لسببين.
أولًا، لأنها كانت متوافقة جدًا مع التوجهات الفلسفية اللي كانت سائدة وقتها،
وبتدي مجال أوسع للتفكير العميق والمنطق الدقيق. وثانيًا، بسبب ضعف مستوى العلوم
الطبيعية، وقلة معرفة الناس وقتها بالكون المخلوق، ماكانش عندهم مواد كفاية علشان
يبنوا عليها حجج من النوع اللي بيعتمد على الملاحظة والتجربة.
الحجج
اللي بتتكلم عن النظام والتناسق والهدف في الكون، ما ينفعش تتبني إلا لو كانت
العلامات دي واضحة في الواقع. لكن ده ماكانش ممكن في العصر اللي كانت فيه الفلك
البطلمي هو النظام المقبول—اللي بيعتبر إن الأرض هي مركز النظام الشمسي، وإن
السماوات المرصعة بالنجوم، زي ما وصفها ميلتون،...
"مع
خطوط مركزية ولامركزية، دورة ودائرة دائرية، كرة داخل كرة."
الحجة الأخلاقية لإثبات
وجود الله ظهرت بأبسط صورها من أول فترات الكنيسة. الله بيتعرف من خلال المحبة؛
فالمحبة، أو حالة القلب السليمة، بتدل على وجود حقيقي لله، وبتكون دليل ما يقدرش
الشخص اللي بيحب ينكره. الشكل المعقّد من الحجة دي ما ظهرش غير في وقت كانط، اللي
رفعها في نظامه الفلسفي لمكانة عالية.
في اللاهوت البروتستانتي
الحديث، تم استخدام الطريقتين لإثبات وجود الله: العقلية المباشرة (a priori) والمعتمدة على الملاحظة (a posteriori). لكن التطور الحقيقي كان أغلبه في الحجج المعتمدة على الملاحظة.
تطور العلوم الطبيعية وتقدمها وفّر مواد وأفكار جديدة لدعم الأدلة اللي بتتكلم عن
التصميم، والنظام، والتناسق في الخليقة. أما التقدم في الحجة العقلية المباشرة،
فبيعتمد بشكل كبير على الذكاء الفلسفي المجرد، ولأن فيه حدود قليلة لطريقة عرضها
وتركيبها، فالحجة الوجودية تقريبًا فضلت زي ما كانت وقت أنسلم.
الفقرة ٤: عقيدة الصفات
الكنيسة من زمان فرّقت
بين جوهر الله وصفاته. الجوهر لوحده كان بيُعتبر حاجة العقل البشري المحدود ما
يقدرش يعرفها. اللاهوتيين في أول قرنين كانوا أحيانًا يميزوا بين الله المعلن
والله غير المعلن. غير المعلن كان يقصدوا بيه جوهر الله البسيط من غير الصفات، وده
ما يقدروش يثبتوا عليه حاجة، وكان بعيد تمامًا عن إدراك الإنسان.
هما كانوا عايزين يبعدوا
عن الفكرة الغامضة بتاعة الكائن المجرد اللي مالوش صفات، اللي ظهرت في أنظمة
الغنوصيين باسم "Βυθός" أو
"الهاوية"، واللي ظهرت تاني في فلسفة شلينج وهيجل بأسماء زي "Urgrund" و"Das Nichts"، لكنهم ماكانوش دايمًا بيقدروا ينجحوا في ده. هدفهم كان
كويس، إنهم يوضحوا إن طبيعة الله فيها سر مش ممكن العقل البشري يستوعبه كله. لكن
بعضهم أحيانًا وصلوا لفكرة خطيرة، إن الله فوق الجوهر، أو ملهوش جوهر (ὕπερούσιος و ἄνούσιος).
ومع تقدم علم اللاهوت،
اتفهم إننا ما نقدرش نفصل جوهر الله عن صفاته. الجوهر موجود في الصفات، والصفات
موجودة في الجوهر، وبالتالي العلم المسيحي لازم يمسك الفكرتين مع بعض. وده اللي
خلى الصفات الإلهية تتشرح على إنها صفات حقيقية وأبدية لله.
ما نقدرش نتابع تطور
التفكير في صفات الله بالتفصيل، لأن ده يتطلب دراسة كل صفة لوحدها واستعراض
تاريخها عبر الفترات المختلفة. بس نقدر نقول حاجة واحدة هنا: كل ما كانت الصفات
مرتبطة بجوهر الله، كل ما كانت العقيدة عن الله بعيدة عن أفكار وحدة الوجود. وكل
ما التفكير ركّز على الجوهر لوحده وتجاهل أو ما اعترفش بالصفات اللي بيظهر فيها
الجوهر، كل ما الفكر اقترب من وحدة الوجود.
العقل البشري ما يقدرش
يعرف الله بشكل مجرد بعيد عن صفاته. ممكن يكتب على الورق كيان مجهول زي الـ x في الجبر، اللي ما نقدرش نقول عليه أي حاجة، ويعتقد إنه كده فهم الله
المطلق. لكن ما فيش كيان مظلم من غير صفات؛ ما فيش هاوية غنوصية كده. طبيعة الله
موجودة في صفاته، والصفات عميقة ومطلقة زي الجوهر بالضبط. الجوهر والصفات في نفس
مستوى الوجود، ولا واحد أقدم من التاني، الاتنين أزليين وأساسيين بنفس الدرجة.
علشان كده، العلم المسيحي
عمره ما فصلهم عن بعض. هو بيميز بينهم علشان يقدر يفهمهم ويوصفهم، بس دايمًا بيأكد
إن صفات الله ليها واقع حقيقي وعميق زي جوهر الله تمامًا. عمره ما اعترف بوجود
جوهر إلهي من غير صفات، ولا صفات من غير جوهر.
أما المفكر الغنوصي أو
المؤمن بوحدة الوجود، فما ركّزش كتير على الصفات الشخصية لله. كان بيميل يناقش
الجوهر الخالي من الصفات—يعني τὸ ὄν مش ὁ ὤν. صفات زي
الشخصية، والوحدة، والثبات، وكمان الصفات الأخلاقية زي القداسة، والعدل، والحق،
والرحمة، ما كانش ليها مكان أو تأثير في أفكار الغنوصيين القدامى أو المؤمنين بوحدة
الوجود في العصر الحديث. لكن الصفات دي هي جوهر الألوهية نفسها؛ علشان كده المفكر
المسيحي دايمًا بيخليها محور تفكيره وتأمله الأول والمستمر. ولأن الصفات دي صفات
شخصية، فبيبان بسهولة إن الإيمان بإله شخصي مرتبط ارتباط طبيعي وأساسي بعقيدة صفات
الله.
William G. T. Shedd, A History of
Christian Doctrine, Vol. 1 (Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers, 1999). 223.
الاسم الإلهي عند اليونانيين
والرومان، أو اللي بيتسمى بالاسم الكلاسيكي، جاي من صفة طبيعية؛ زي كلمة
"ثيوس" باليوناني أو "ديوس" باللاتيني، اللي أصلها من فعل
"تيثيمي" يعني يرتب أو ينظّم. أما الاسم اللي في اللغة القوطية، فجاي من
صفة أخلاقية؛ كلمة "God" معناها الطيب أو الخير.
BUNSEN: Hippolytus, I. 184.
باين من كلام هيبوليتوس نفسه إنه ماكانش يقصد
ينشر فكرة وحدة الوجود بالتعبيرات الجريئة دي، لأنه بيقول إن المسيحي هيكون عنده
"جسد وروح ما تفناش". والمؤمن المتدين كوبر بيقول: "... فيه روح
بتعيش وتشتغل في كل حاجة، والروح دي هي الله." — من كتاب "المهمة"،
الجزء السادس The Task,
Book vi.
بعض الآباء وجّهوا تهمة وحدة
الوجود لعقيدة سابيليوس في الثالوث، لأنها كانت بتلغي التمايز بين الأقانيم
وبتعتبرهم مجرد مظاهر لله الواحد. ومن اللافت إن في الكنيسة الحديثة، رفض فكرة
التمايز الحقيقي بين الأقانيم (الثالوث الأقنومي) واعتماد نموذج الثالوث الشكلي (modal) ساعات بييجي مصاحب
لميول وحدة وجود. مثال على كده هو طريقة شلايرماخر Schleiermacher في فهم الثالوث.
قارن بين اللي قاله أثناسيوس في "خطابه ضد
الأمم" من الفقرة ١ لحد ٩، كمثال على التفكير القوي ضد فكرة الازدواجية في
تفسير الشر.
أثناسيوس بيعرض حُجج قوية بتوضح إن الشر مش قوة مستقلة ولا كيان منفصل
بيعارض الله، لكن نتيجة لابتعاد الإنسان عن الله، اللي هو مصدر الخير. ومن خلال
مناقشته، بيركّز على إن الله واحد، والشر ماينفعش يكون له وجود مستقل، لأن لو كان
كده يبقى فيه إلهين، وده يناقض الإيمان المسيحي بالله الواحد المطلق.
Confessions, X. vi. See NEANDER’S
Denkwürdigkeiten, I. 276–280, for a sketch of the method of the Early Fathers
in handling the innate idea of the deity.
Cap. 2, and 4.—The Proslogion, and the
objections of Gaunilo with Anselm’s reply, have been translated by MAGINNIS, in
the Bibliotheca Sacra, 1851. Both the Monologium and Proslogion have been
translated into French by BOUCHETTÉ. Compare RITTER’S Geschichte der
Christlichen Philosophie, Th. III, 334 sq., and BAUR’S Dreieinigkeitslehre, II.
374 sq., for a critique of Anselm’s argument.
أنا مش مستبعد إني كنت ممكن
أختار طريقة تانية، زي ما عمل ناس كبار قبلي؛ وبما إننا ما نقدرش نكوّن فكرة
حقيقية أو واضحة عن الله من غير ما يكون فيها عنصر "ضرورة الوجود"، كان
ممكن أختصر الطريق وأثبت وجود الله مباشرة من الفكرة نفسها. وأنا مش شايف أي
مانع—لو مشيت على نفس الخطوات الحذرة اللي مشي عليها الدكتور كدوورث في كتابه
"النظام العقلي"—إن الحجة دي فعلاً ممكن تتقدّم بطريقة واضحة ومُقنعة،
حتى لو فيه اعتراضات. HOWE: Living Temple, Pt. I. Ch.
ii, § 8
أنسلم بيقول إن أي كائن ممكن
العقل يتصوره على إنه غير موجود، ده في حد ذاته دليل إنه مش أكمل كائن ممكن تصوره.
“Et quod incipit a non esse, et potest cogitari non
esse.… id non est proprie et absolute.” يعني: اللي بدايته من العدم، واللي ممكن يتخيله العقل على إنه
مش موجود… ما يعتبرش كائن كامل أو مطلق فعلاً. Proslogion,
c. 22.
Liber pro insipiente, in ANSELMI
Opera, Ed. Migne, I. 246.
“Fidens loquor; quia si quis invenerit mihi aliquid aut
reipsa, ant sola cogitatione existens, praeter quo majus cogitari non possit,
cui aptare valeat connexionem hujus meae argumentationis, inveniam, et dabo
illi perditam insulam amplius non perdendam.” ANSELMI Opera, Ed. Migne, I. 252.
طبيعة الحجة اللي قدمها أنسلم ممكن نفهمها لو
عرضناها في شكل حوار:
أنسلم: أنا عندي فكرة عن أكمل كائن ممكن يتخيله العقل.
جاونيلو: صح، بس دي مجرد فكرة، ومفيش كائن فعلي بينطبق عليها.
أنسلم: بس لو مفيش كائن حقيقي بينطبق على فكرتي، يبقى فكرتي عن أكمل
كائن ممكن هي مجرد خيال؛ والخيال مش هو أكمل شيء ممكن أتصوره. الكائن اللي ينطبق
على فكرتي لازم يكون كائن حقيقي. فلو وافقت إن عندي فكرة عن أكمل كائن ممكن، يبقى
بتوافق ضمنيًا على وجود كائن فعلي بينطبق على الفكرة دي.
ممكن كمان نكوّن حجة عقلية تانية على طريقة أنسلم، بس باستخدام
"الوجود الفعلي" بدل "الوجود الضروري" كعنصر في فكرة الكائن
الأكمل. يعني:
"أنا عندي فكرة عن أكمل كائن ممكن يتصوره العقل؛ والكائن الأكمل
ما ينفعش يكون خيالي. فكرة الكائن الكامل بشكل مطلق بتستلزم وجود فعلي، زي ما فكرة
شكل له ثلاث خطوط مستقيمة بتستلزم إنه يكون له ثلاث زوايا. يعني لو اتفقنا إن فيه
فكرة عن كائن كامل، يبقى لازم نعترف بوجود كائن فعلي، لأن الكمال الحقيقي معناه
إنه لازم يكون موجود."
فيه اعتراضين مهمين اتقالوا من نقاد حديثين، مش من خصوم أنسلم وقتها:
١. أول اعتراض بيقول إن الحجة دي بتعامل "الوجود" كأنه مجرد
صفة للكائن الأكمل، في حين إنه المفروض يكون جوهره. لكن ده مش دقيق، لأن أنسلم ما
اعتمدش على الوجود كصفة عادية، لكنه اعتمد على "الوجود الضروري"، ودي
فعلاً صفة مميزة زي ما "الوجود المشروط" صفة مميزة للكائنات الأخرى.
٢. الاعتراض التاني بيقول إن حجة أنسلم في الآخر بتقول مجرد عبارة
افتراضية: "لو فيه كائن وجوده ضروري، يبقى أكيد هو كائن موجود فعليًا".
لكن بما إن الكائن الأكمل ما ينفعش يتصور إنه وجوده مش أكيد، يبقى غلط منطقي إننا
نتكلم عنه بصيغة الافتراض أو نقول ممكن ما يكونش موجود؛ زي ما بيكون غير منطقي
إننا نقول بشكل افتراضي إن ٢ زائد ٢ ممكن ما تساويش ٤.
استخدام كلمة
"المطلق" في نظام هيجل الفلسفي هو مثال على التجريد الخالي من الصفات.