الاثنين، 7 يوليو 2025

كتيب: أبوكريفا العهد الجديد - دراسة مختصرة عن الأناجيل والرسائل والرؤى الأبوكريفية (المنحولة) في أول 500 سنة للمسيحية

 


كتيب جديد من سلسلة إيكونوميا: "أبوكريفا العهد الجديد" 🔍 نافذة تاريخية على النصوص المسيحية المنحولة في القرون الأولى


في هذا الكتيب، نقترب من عالم النصوص غير القانونية التي ظهرت في أول ٥٠٠ سنة من المسيحية، ونتساءل: ما هي تلك الأناجيل، والرسائل، والرؤى التي أثارت جدلًا واسعًا بين الكنيسة والمجتمعات المسيحية الناشئة؟


🧠 دراسة علمية مبسطة تكشف:

  • الخلفية التاريخية والثقافية لنشأة هذه النصوص.

  • مقارنة بين رؤيتها اللاهوتية وبين النصوص الكنسية القانونية.

  • سبب استبعادها من التقليد الرسمي، وهل هي مجرد خرافات أم تعكس توجّهات لاهوتية حقيقية عاشت لفترة؟

  • موقف الآباء الأولين منها، وكيف أثّرت بعض الأفكار المنحولة على النقاشات اللاهوتية الكبرى.


✍️ بأسلوب أكاديمي سهل، يخاطب الباحث الجاد كما يخاطب القارئ المهتم، ويضع بين يديه أدوات أوليّة لفهم كيف تم تشكيل قانون العهد الجديد، ولماذا؟

📖 متوفر الآن من خلال مدونة ، ضمن سلسلة الدراسات التاريخية واللاهوتية المبسطة.


كتيب: أبوكريفا العهد الجديد - دراسة مختصرة عن الأناجيل والرسائل والرؤى الأبوكريفية (المنحولة) في أول 500 سنة للمسيحية

حمل مباشرة من هنا:

https://www.mediafire.com/file/34fouzl52jb4p6w/أبوكريفا+العهد+الجديد.pdf/file

الأحد، 6 يوليو 2025

التألُّه والدفاع الآبائيّ عن إلوهيّة الأقانيم

 



التألُّه والدفاع الآبائيّ عن إلوهيّة الأقانيم


لم يستخدم الآباء كلمة التألُّه كما يدّعي البعض بطريقة فلسفية، أو كمُماهاة للفلسفة المعاصرة لهم، بل كان جزءًا صميمًا من العقيدة التي يؤمنون بها، ويدافعون عنها حتّى الدم. فيتحدثون عن إلوهيّة الابن يقولون إن لم يكن الابن إلهًا لما ألَّهنا! والمقصود أنّه صنع مصالحة واتحادًا بين الطبيعة البشريّة والطبيعة الإلهيّة، وهذا الاتحاد هو أعمق تعبير للفظ التألُّه، فالتألُّه كما قلنا هو تلك الوحدة التي أتت من خلال التجسُّد بين طبيعتنا البشريّة ككل، وطبيعة الله.


اللوغوس يؤلِّهنا لأنّه إله حقيقيّ


يتميَّز لاهوت الآباء الأولين، ولا سيّما أثناسيوس الرسوليّ، بأنّه لاهوت مترابط ومتكامل، أي أنّ كلّ موضوع فيه مرتبط ومتراص بجانب الموضوعات العقائديّة الأُخرى، فالإيمان المسيحيّ مثل شبكة كبيرة مترابطة، لا يُمكن أن تبني لاهوتًا سليمًا دون أن تربط بين العقائد المسيحيّة في تناغم تامّ، فلا حديث عن لاهوت المسيح دون الحديث عن سر التدبير الإلهيّ، وهاذان غير منفصلان عن التأله باتحاد الكلمة بطبيعتنا، وهذا كلّه غير مفترق عن عقيدة الثالوث القدوس...وهكذا. وهذا ما نراه مضيئًا كالشمس في كتابات القديس أثناسيوس، والآباء الأولين عامّة، حيث يربطون بين لاهوت المسيح، والخلاص، والتألُّه، أحيانًا في جملة واحدة.. ففي دفاع أثناسيوس حامي الإيمان الرسوليّ عن إلوهيّة الابن، يكتب:

إن كان كلّ الذين دعوا أبناء وآلهة، سواء كانوا على الأرض أو في السموات، قد نالوا التبني وصَاروا متألهين من خلال اللوغوس، وإن كان الابن نفسه هو اللوغوس، فإنّه من الواضِح أنّ الجميع قد صَاروا أبناءً بواسطته، وأنَّه كان دائمًا ابنًا قبل أن يُوجدوا“.[1]

وذات التعبيرات نجدها عند القدّيس غريغوريوس النيصيّ في شرح لاهوت الروح القُدُس![2]

ويكرّر القديس أثناسيوس نفس هذا التعليم بشروحات متعدّدة من خلال كتابته، وهذه بعض الاقتباسات من أقواله عن تألهنا من خلال الابن الذي هو إله بالطبيعة:

ولأنه بواسطة الموت طال عدم الموت الجميع، ولأنه بتأنس الكلمة عُرفت عنايته بكلّ الأشياء، كما عُرف كلمة الله نفسه خالقها وواهبها. لإنّ كلمة الله صار إنسانًا لكي يؤلهنا نحن[3]، وأظهر نفسـه في جسد لكي نحصل على معرفة الآب غير المنظور، واحتمل إهانة البشر لكي نرث نحن عدم الموت[4].[5] 

فالبشريّة تكمَّلت فيه - أي بلغت كمالها - فهي استردت ما كانت عليه في خلقتها منذ البدء، ولكن بنعمة أكبر! لأنّه عندما نقوم من الأموات فلن نخاف الموت في ما بعد، بل سنملك مع المسيح إلى الأبد في السموات.[6] 

وواضح جدًّا من تعبيرات أثناسيوس من جهة التألُّه للطبيعة البشريّة أنّه يعني الاتحاد بالله، الأمر الذي أوضحه القديس بطرس الرسول بمعنى: لتصيروا شركاء الطبيعة الإلهيّة، وهذا يُرجعه أثناسيوس إلى ما أكمله الكلمة الإلهيّ في نفسه بالتجسُّد ليضمن خلاصنا.

الكلمة صار جسدًا لكي يقدِّم جسده من أجل الجميع، ولكي إذا ما نحن اشتركنا في روحه القدوس نصير آلهة (شركاء الطبيعة الإلهيّة).[7] 

كُتبت هذه العبارة عنه بسببنا ولأجلنا. لإنّه كما مات المسيح ثمّ رُفَع كإنسان، فبالمثل قيل عنه إنّه أخذ كإنسان ما كان له دائمًا كإله. وذلك لكي تصل إلينا عطية مثل هذه النعمة، فإنّ اللوغوس لم يحط قدره بإتخاذه جسدًا حتّى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالأحرى فإنّ الجسد الذي لبسه قد تألّه، بل وأكثر من ذلك، فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر، بدرجة أكثر.[8] 

لإنّه كما أن الرب بلبسه الجسد قد صار إنسانًا، هكذا نحن البشر فإنّنا نتألَّه بالكلمة باتحادنا به بواسطة جسده، ولهذا فنحن سنرث الحياة الأبديّة.[9] 

فماذا يكون هذا التقدُّم الذي نتحدّث عنه سوى -كما قلت سابقًا- سوى التألُّه والنعمة المعطاة من الحكمة للبشر وإبطال الخطية والفساد منهم بحسب مشابهتهم وانتسابهم لجسد الكلمة؟[10] 

وفي إحدى النصوص التي تُعدُّ أيقونة لاهوتيّة يتحدث القديس أثناسيوس عن الإله الكلمة الذي بالاتحاد به يتحرّر المخلوق من الخوف، ويتحوَّل إلى صورة الله ومثاله، حيث يعود إلى الأصل الذي لأجله خُلِقَ، فيكتب:

فالشيطان إذ هو مخلوق فإنّه يواصل الحرب دائمًا ضد المخلوق، وحيث إنّ الإنسان موجود في وسط الصراع فهو خاضع للموت، إذ ليس له من بواسطته وعن طريقه يتحد بالله لكي يتحرّر من كلّ خوف. ولذلك فإنّ الحقّ يوضِّح أنّ الكلمة لا ينتمي إلى المخلوقات، بل بالحري هو نفسه خالقهم. ولذلك فقد لبس الجسد البشريّ المخلوق، لكي بعد أن يجدّده كخالق فإنّه يؤلِّه هذا الجسد في ذاته[11] هو نفسه، وهكذا يدخلنا جميعًا إلى ملكوت السموات على مثال صورته. لإنّه ما كان للإنسان أن يتألَّه[12] لو أنه أتحد بمخلوق أو لو أن الابن لم يكن إلهًا حقيقيًا. وما كان للإنسان أن يقف في حضرة الآب لو لم يكن الذي لبس الجسد هو بالطبيعة كلمته الحقيقيّ.[13]

 

الروح القدس يؤلِّهنا لأنّه إله حقيقيّ


في رسائله عن الروح القدس، يناقش العظيم أثناسيوس ذات الفكرة التي ناقشها أعلاه عن الابن، فهو يُدلِّل على إلوهيّة الروح القدس من خلال كونه يؤلِّهنا بسكناه فينا، فيكتب إلى سيرابيون الأسقف:

وإن كنا بالاشتراك في الروح نصير شركاء الطبيعة الإلهيّة فإنه يكون من الجنون أن نقول عن الروح القدس من طبيعة المخلوقات وليس من طبيعة الله. وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه، يتألهون وأنّ كان هو يؤله البشر، فلا يتبقى أنّ يشك في أنّ طبيعته هيَ طبيعة إلهيّة..

فلو كان الروح القدس مخلوقًا، لما كان لنا اشتراك في الله بواسطته، فإن كنا قد اتحدنا بمخلوق فإننا نكون غرباء عن الطبيعة الإلهيّة حيث أنّنا لم نشترك فيها.[14]

من ذا يتحدكم بالله، إن لم يكن لكم روح الله نفسه، بل لكم روح ينتمي للخليقة (كما يدّعي الهراطقة على الروح القدس)؟[15]

فلو كان الروح القدس مخلوقًا، لما صارت لنا شركة الله فيه. ولو كنا حقًا متصلين بمخلوق، لأصبحنا غرباء عن الطبيعة الإلهية لأننا لم نشترك فيه.

ولكن بالنظر إلى هذه الحقيقة ـ وهى أننا دعينا شركاء المسيح وشركاء الله ـ يتبين أن المسحة والختم الذي فينا لا ينتمى إلى طبيعة الأشياء ذات البداية، بل إلى طبيعة الابن الذي يتحدنا بالآب بالروح القدس الذي فيه..

وإن كنا بالاشتراك في الروح القدس نصبح " شركاء الطبيعة الإلهية "، فمن الجنون أن الروح القدس ذو طبيعة مخلوقة لا طبيعة الله. لهذا فالذين فيهم الروح القدس هؤلاء يؤلّهون. وإن كان الروح القدس يؤلّهنا فلا شك في أن طبيعته هى طبيعة الله“.[16]

ومرة أخرى يوضِّح أثناسيوس أنّ الاتحاد بالله يتمّ عن طريق الروح القدس الذي هو إله بالحقيقة:

وفضلًا عن هذا فإننا بالروح القدس نشترك كلنا في الله لأنه يقول: أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم. أنّ كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدَّس الذي أنتم هو (1كو 3: 16و17)، ونظرًا لأننا دُعينا شركاء المسيح - «أمين هو الله الذي به دعيتم إلى شركة ابنه» (1كو 9:1) - وأنّ كنَّا بالاشتراك في الروح القدس نصبح شركاء الطبيعة الإلهيّة فمن الجنون أنّ نقول أنّ الروح القدس له طبيعة مخلوقة أو أنه ليس له طبيعة الله، لأن الذين فيهم الروح القدس، هؤلاء يصيرون آلهة، (أي مشتركون في الطبيعة الإلهيّة) فإن كان الروح القدس يجعل الناس آلهة، فلا شك أنّ طبيعته هيَ طبيعة إلهيّة.

وعلى ذات النهج يتحدث القديس كيرلس الكبير أحد أفضل وأهمّ شُرَّاح اللاهوت السكندريّ، ويكتب:

إن كان الروح يستطيع أنّ يُؤله وأنّ يهب المخلوقات رتبة أسمى من الخليقة فهو أسمى من حيث الطبيعة، والكرامة، فإذا كان يستطيع أنّ يؤله النفس، فكيف يمكن أنّ يكون مخلوقًا وليس إلهًا، طالما أنه يؤله؟

لأنه كما انه بسكنى الله داخلنا، نصبح شركاء الطبيعة الإلهيّة، وليس شركاء الطبيعة المخلوقة، هكذا فإذا سكن داخلنا مخلوق، فلن نكون بعد شركاء الطبيعة الإلهيّة، بل شركاء الطبيعة المخلوقة. إذًا فالروح هو إله، طالما أنّ الله يسكن فينا بالحقيقة من خلاله.[17]

وليدُلّنا هؤلاء عن مَن هو الله، الذي يوجد أيضًا فينا أنّ كان الروح القدس يسكن في الذين تعمدوا؟ وأعتقد أنهم لا يقدرون أنّ يقولوا شيئًا عن الله الآب، غير أنّ كوننا شركاء الطبيعة الإلهيّة[18] هو حقيقة لا يستطيع أحد أنّ يحصل عليها بواسطة روح مخلوق لو أنّ الروح القدس ليس إلهًا من طبيعة الله الآب“.[19]

لأننا نحن أي كلّ الذين آمنا صرنا شركاء الطبيعة الإلهيّة وذلك عن طريق علاقتنا بالابن بواسطة الروح القدس وهذا حدث ليس بطريقه ظاهرية بل بطريقه حقيقيّة، إذ عندما قبلنا هذا الصورة الإلهيّة فقد أعيدّت خلقتنا حسب هذا البهاء الذي يفوق كلّ الخليقة. لان المسيح يتشّكل داخلنا بطريقة لا توصف- ليس كمخلوق داخل (البشر) المخلوقين لكن بكونه هو غير المخلوق وهو الله، داخل طبيعة مخلوقه ومجبوله، مُشكّلًا إياها من جديد حسب صورته بواسطة الروح القدس واضعًا هذه الخليقة أي نحن، في مرتبه أعلى من رتبه كلّ المخلوقات.[20]

بالحقيقة يقول المطوب يوحنا البشير: وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا . والكامل في الحكمة بولس يقول: أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم. إذًا كيف يكون الروح مخلوقًا طالما صرنا بواسطته شركاء مع الآب والابن؟ لأنه لم يكن ممكنًا بواسطة مخلوق، أو واحد من الملائكة القديسين، أنّ نصير شركاء الطبيعة الإلهيّة. وهكذا فإن الله يوجد داخلنا عن طريق الروح الذي هو إله.[21]

ومن أقوال القديسان أثناسيوس وكيرلس هذه يتضح لنا أنّ موضوع اتحاد الإنسان بالله التألُّه هو حقيقة غير منازَع فيها، بل وبالأكثر فإنّه يتخذها أساسًا وبرهانًا على أنّ الروح القدس نفسه له طبيعة الله، مما يوضِّح أنّ موضوع اتحاد الإنسان بالله بواسطة الشركة في المسيح والروح القدس حقيقة أساسيّة في اللاهوت، وتقليد كنسيّ راسخ منذ الآباء الآوائل، الذين اعتبروا الخلاص مستحيلًا وغير مضمون إذا لم يبلغ الإنسان هذا الاتحاد بالله بالروح القدس والكلمة والأسرار.


التألُّه نعمة من الله وليس مجد ذاتي للإنسان


اعتقد أنّ الضرورة تُحتم علينا، بل تجبرنا على وضع هذا المفهوم وشرحه مرارًا وتكرارًا، وعدم التوقف عن إيضاحه في كلّ مرة نذكر لفظ التألُّه، حيث تشوَّهت اللفظة كثيرًا في الفكر والنقد المُعاصرين!

بكلّ تأكيد نحن ولا الآباء الأولين نقصد أن التأله هو أن تصير إلهًا تُعبد أو يُسجد لك أو خالق أو أزلي، أي أنّ التألُّه لا يمنحنا صفاتًا ذاتيتًا خاصّة بالله، بل يعني أنّ النعمة والمراحم الإلهيّة تفتقدنا، فيسكن الله فينا من فضله المحض المُجرَّد، وحين يسكن فينا ويملأنا به نتأله، أي يتصوَّر المسيح فينا، لنحيا على مثاله، ونعيد تجسيد الله للعالم الماديّ الذي ظمأ إلى تقديس من الله. وهذا ما يوضحّه ويؤكد عليه آباء الكنيسة بكلمات لا جدال فيها، فيكتب العظيم أثناسيوس:

ولكن ليس بحسب الطبيعة نكون أبناء الله، بل بسبب الابن الوحيد الذي يكون فينا. وكذلك أيضًا الآب لا يكون أبًا لنا بحسب الطبيعة، بل لأنه أبٌ للكلمة الذي يكون فينا، الذي به وفيه نصرخ يا أبا الآب. وهكذا الآب لا يدعو أبناءً له إلاَّ الذي يرى فيهم ابنه الوحيد.[22] 

إذن، فالروح هو الذي في الله، ولسنا نحن من أنفسنا نكون في الله، ولكن كما أنّنا نصير أبناءً وآلهة بسبب الكلمة الذي يكون فينا، هكذا أيضًا نصير في الابن وفي الآب، ونصير واحدًا معهما بسبب الروح الذي فينا، لأن الروح هو في الكلمة والكلمة نفسه هو بالحقيقة في الآب.[23] 

وبالرغم من أنه لا يوجد إلاَّ ابن واحد لله بالطبيعة، حقيقيّ ووحيد، إلاَّ أنّنا نحن أيضًا صرنا أبناءً... فبالرغم من أنّنا بشر من الأرض، إلاَّ أنّنا نُدعى الآن آلهة... لأن في هذا كانت مسرَّة الله الذي أعطانا هذه النعمة.[24] 

ونحن نُحسب أولاد الله وآلهة، بسبب أنّ الكلمة فينا. فإننا نُحسب أيضًا أنّنا في الابن وفي الآب، لأن الروح القدس فينا.[25] 



[1] النعمة عند القدّيس أثناسيوس (الكتاب الثاني) للدكتور وهيب قزمان، صـ 36.

[2]القدّيس غريغوريوس النيصيّ، الروح القُدُس المُحييّ، ترجمة مركز الدراسات الآبائيَّة، صـ 36.

[3] يعلق د/ جوزيف موريس على هذا النص قائلًا: ”هذه العبارة من العبارات المشهورة عند آباء الكنيسة الكبار مثل القديس ايرينيؤس وأثناسيوس وكيرلس وغريغوريوس النيسّي وغريغوريوس النزينزي. وكثيرًا ما يستخدمها القديس أثناسيوس في كتاباته الأخرى (حواليّ 10 مرات) وهذا التعبير عند الآباء لا يعنى أن الإنسان يصير بطبيعته إلهًا، بل يعنى أنه يشترك في الحياة الإلهية، حياة البر والقداسة“.

[4] بهذه الجملة يعبر القديس أثناسيوس في اختصار عن تعليمه عن الفداء. انظر أيضًا فصل 20، 32 من كتاب تجسد الكلمة، والمقالة الأولى ضد الآريوسيّين فقرة 38، 39.

[5] تجسد الكلمة، 54: 2-3.

[6] ضد الآريوسيّين، 2: 67.

[7] Athanas., De Decr., 14.

[8] ضد الآريوسيّين، 1: 42.

[9] ضد الآريوسيّين 3: 34.

[10]ضد الآريوسيّيّن، 3: 53.

[11] كما نرى، فكثيرًا ما يشدّد القديس أثناسيوس على هذه الحقيقة الخلاصية باستخدام هذا التعبير، وذلك في مقالاته ضد الآريوسيّين 1: 39، 2: 47، 2: 59، 3: 33، وأيضًا تجسد الكلمة 54: 3، وهذا التعبير عند الآباء بصفة عامة لا يعني أن الإنسان يصير بطبيعته إلهًا بل يعني أنّه يشترك في الحياة الإلهيّة، حياة البر والقداسة، التي هيَ شركة حياة الثالوث.

[12] راجع أيضًا رسائل القديس أثناسيوس إلى أدلفيوس 4، وإلى سرابيون عن الروح القدس24:1، والدفاع عن الإيمان14.

[13] ضد الآريوسيّين، 2: 70.

[14] إلى سيرابيون، 24:1.

[15] إلى سرابيون29:1.

[16] إلى سرابيون 24:1.

[17] إلوهية الروح القدس، القديس كيرلس السكندريّ. ص 8.

[18] 2بط4:1.

[19] الحوار. ج2 ح 3 ص 22، 23.

[20] الحوار ج3 ص 51، 52.

[21] إلوهية الروح القدس، القديس كيرلس السكندريّ. ص 19.

[22] ضد الآريوسيّين 2: 29.

 [23]ضد الآريوسيّين 3: 15.

 [24]ضد الآريوسيّين 3: 19.

 [25]ضد الآريوسيّين 3: 25.


أهمّيّة التعليم عن التألُّه

 



أهمّيّة التعليم عن التألُّه


إنَّ التعليم بحسب التقليد الرسوليّ في الكنيسة في ما يخصّ الإنجيل والخلاص والكلمة، كان هو المرجع النهائيّ الثابت غير القابل للنقاش، والمُلزم للمؤمنين، ليس من جهة التصديق العقليّ، بل من جهة الحياة المنبثقة منه، تلك الحياة التي انطبعت في ليتورجيا الكنيسة، وتعاليم آبائها المدونة.

وهذا يوضِّح لنا أنّ المسيحيّة إيمان بالتسليم الحي المنحدر من الكلمة الحي، عَبْر الرسل، أو أنّ الإيمان هو هو الكلمة المحيي المذخر بالتقليد وبالإنجيل في الكنيسة، وليست المسيحيّة موضوع نقاش لاهوتيّ أو صراع فكريّ استقر على صورة ما.

والمسألة في أمر التألُّه، أي الاتحاد بالله، ليست هيِّنة، فهي تختصُّ بالإيمان كلّه وبمنهج العبادة والصلَّاة والاتصال بالله. فلكي نعرف الله لا بد أن نقترب منه، ويستحيل الاقتراب من الله إلاَّ عن طريق الكلمة والروح، وهذا هو - الاتصال - الذي يؤدِّي إلى كشف طرق الحكمة الإلهيّة والذي عليه يبني الإنسان فكره وسلوكه، وهو الاتحاد بالله المعتبر هبة الكمال التي أُهِّلت لها طبيعة الإنسان بواسطة الكلمة، لما قَبِل أنّ يتحد بجسد إنسان أي يتأنَّس، فتأنُّس الله أعطى فرصة لتألُّه الإنسان، حيث إنّ التألُّه لا يُخرج الإنسان عن إنسانيّته ولا يستنفذ كلّ ما لله، حيث ما يتحصَّل عليه الإنسان من الاتحاد بالله لا يوصِّله إلاَّ إلى كمال صورة الله الذي خلقه عليها ليبلغها في النهاية، والتي لا يمكن أنّ تتمّ إلاَّ بالاشتراك في الحياة الأبديّة.

لقد صلّى السيد المسيح ليلة آلامه قائلًا: ليكون الجميع واحدًا كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا (يو21:17). فكما أنّ أقانيم الثالوث الثلاثة كلّ منهم كائن في الآخر، هكذا الإنسان الذي جُعل على صورة الثالوث، مدعو للثبات في الله الثالوث. فالذين يثبتون في الله بالمحبة ويمتلئون من حضوره فيهم بالروح هؤلاء يعبّرون عن المحبة التي هيَ الثالوث الله محبة.

هذه الحقيقة عن اتحاد الإنسان بالله والثبات فيه، وعن كون الله ساكنًا فينا ونحن فيه، هيَ موضوع إنجيل القديس يوحنا، وتظهر أيضًا كثيرًا في رسائل بولس الرسول الذي ينظر إلى الحياة المسيحيّة على أنّها، قبل كلّ شيء حياة في المسيح، إذ يقول على سبيل المثال: أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ (غلا20:2).

ونعثر على الفكرة عينها في النص الشهير لرسالة بطرس الثانية: قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهيّة (2بط4:1).

وصوَّر القديس باسيليوس الكبير الإنسان على أنه مخلوق أُمِرَ بأن يصبح إلهًا[1]. أمَّا القديس أثناسيوس فقال: إنّ كلمة الله صار إنسانًا لكي يؤلِّهنا نحن[2]. ويؤلِّهنا تعني تقديسنا، والقدَّاسة وفقًا لتعاليم الكنيسة الأرثوذكسيّة، هيَ الهدف النهائيّ الذي يجب أن يتطّلع إليه كلّ مسيحيّ، أي أن يصبح بالنعمة على مثال الله في القداسة. وباستطاعتنا أن نعرف الله ونحيا في شركة معه كما يقول القديس غريغوريوس النزينزيّ في تفسيره للتطويبات:

لم يُطوِّب الرّب مَن يعرف شيئًا عن الله، بل من يكون الله حاضرًا فيه.

والقداسة ليست عملية إنزوائية، بل لها علاقة بالآخر، فنحن نصل إلى حالة القداسة بإتباع الوصايا، والسيد المسيح لخّص لنا الوصايا كلّها في وصيتين هما: محبّة الله ومحبّة القريب. هاتان الوصيتان لا تنفصلان، فالإنسان لا يستطيع أن يحب قريبه محبّته لنفسه ما لم يحب الله فوق الجميع، كما لا يستطيع الإنسان أنّ يحبّ الله مالم يحبّ إخوته البشر (انظر 1يو12:4). يقول ق. يوحنا ذهبي الفم:

ليس شيء يجعل الإنسان مثل المسيح كاهتمامه بالآخرين. ليس شيئًا تافهًا مثل مسيحيّ لا يهتم بخلاص الآخرين. إن قلت إنّك مسيحيّ ولا تقدر أن تفعل شيئًا للآخرين يكون في قولك هذا تناقضًا، وذلك كالقول أنّ الشمس لا تقدر أنّ تعطي نورًا [3].

هذه النعمة الجزيلة التي من فوق هيَ التي تميِّز المسيحيّة عن سابقتها أي اليهوديّة والتي أعلنت - قبل مجيء المسيح - وتنبَّأت عن هذه النعمة على فم المرتِّل: «أنا قلتُ إنكم آلهة وبنو العليِّ كلُّكم» (مز 82: 6)، وقد ذكرها المسيح حينما تعجَّب اليهود أنّ المسيح كان يتكلَّم وكأنَّه إله: «وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا»، فأجابهم يسوع بنفس كلمات المزمور مُقدِّمًا لها بهذه الكلمات: «أليس مكتوبًا في ناموسكم إنّكم آلهة»، وختمها بقوله الذي أصبح هو أساس التعليم بعقيدة الثيئوسيس: «إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أنّ يُنقض المكتوب. فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تُجدِّف لأني قلتُ إني ابن الله» (يو 10: 34-36).



[1] انظر: الكنيسة الأرثوذكسيّة إيمان وعقيدة، تيموثي وير، منشورات النور ـ لبنان 1982.

[2] تجسد الكلمة (3:54) ترجمة د. جوزيف موريس فلتس ـ إصدار مركز دراسات الآباء ـ القاهرة 2002.

[3] القديس يوحنا ذهبي الفم، القمص تادرس يعقوب ملطي، إصدار كنيسة مار جرجس سبورتنج ـ الأسكندرية 1980، ص199ـ200.