الجمعة، 5 مايو 2023

شرح آية: "مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟" (مرا 3: 37).

 


كتير بتُستخدَم الآية دي على إن الله هو مصدر الشر أو إنه بسماح منه.. لكن:

أولا: قائل العبارة دي إرميا في صلاة مُرَّة للرب بعد ما إسرائيل تذلل جدًا قدام عدوه، وكأنه بيقول له: إنت في إيدك كل حاجة إنت ضابط الكل، اتصرف وانقذنا..

ثانيا: سفر مراثي إرميا له نفس طابع سفر المزامير، ولكنه صلوات مُرَّة فقط.. يتفسر بنفس منهج تفسير سفر المزامير، لما داود بيقول عن الله انه في غضبه دخان خرج من مناخيره (نفث دخانا من انفه) لازم نفهم هو يقصد ايه وان الله مش بيغضب حسب الحالة اللي قدامه وانه ملهوش انف اصلا.. وهكذا.. نفس الموضوع هنا..

ثالثا: إرميا النبي يقصد هنا إن المآسي اللي فيها إسرائيل دي تأديب من الرب، وهي فعلا تأديب من الرب، وللتأديب مفهوم مختلف تماما عن الشر المطلق اللي نتيجته التدمير:
١- التأديب نتيجته التوبة..
٢- التأديب مش مرسل من الله، لكنه نتيجته طبيعية لخروج الانسان الضعيف المائت من المراحم الإلهية، خروجه بارادته الحرة من "عناية الله" واتجاهه عكس الله، خروجه من معية الله وحضنه، اعطيتوني القفا لا الوجه زي ما بيقول إرميا: "وَقَدْ حَوَّلُوا لِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ. وَقَدْ عَلَّمْتُهُمْ مُبَكِّرًا وَمُعَلِّمًا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِيَقْبَلُوا أَدَبًا." (إر 32: 33).

فبيبقى قدام كل عنفوان العالم وشره بكل ضعفه كإنسان.. وطبيعي يتألم ألم يقوده للتوبة.. ودا شيء مختلف تماما..

(نفس التفسير دا لمفهوم التأديب بيقدمه القديس كيرلس الكبير في كتابه السجود والعبادة بالروح والحق، في سياق تفسيره لمفهوم غضب الله).

فلا الشر بأمر الله ولا بسماح منه، الشر مش بيستأذن الله الأول.. الشر ضلمة وغياب للنور، وهو تحت سلطان الله بمعنى إن الله أعلى منه، ووضع له حدًا.. لكنه مش بإذنه..

رابعا: نشوف ابونا تادرس قال ايه:

شرح أن الابن لا يعلم الساعة

 


شرح: «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ." (مر 13: 32).
«وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ." (مت 24: 36).

المسيح قبل النص دا كان بيشرح بالتفصيل ايه اللي هيحصل وقت مجيئه التاني، وقت مجيئه هو المسيح مش حد غيره! وقال انه هيجي في مجد وسط "ملائكته" .. والملائكة هي ملائكة الله مش أي مخلوق آخر، فهنا كان بيعلن بشكل واضح جدًا عن انه هو الله..

وقال بالظبط كل الاحداث اللي هتسبق مجيئه.. وقال كمان لحظة مجيئه هتكون عامله ازاي.. فقال:

«وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ،
25 وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ.
26 وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ،
27 فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ.

ولما لقى التلاميذ بعد كل دا حبوا يعرفوا الوقت والساعة بالظبط اللي هيجي فيهم، فقال لهم :
«لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ" (أع 1: 7).

مش علشان هو ميعرفش، لكن علشان مينفعش يعلن لهم، ميعرفش يبيح بالأمر، ميعرفش يعرفنا شيء يضرنا..

وكمان دا هو المسيح نفسه قال:
"كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ." (يو 16: 15).
كل حاجة عند الاب هي عندي، كل حاجة يعني مفيش اي استثناء للقاعدة دي

كمان اتقال فيه انه عنده كل كنوز العلم والمعرفة:
"الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ." (كو 2: 3).
وفيه كان كل ملء اللاهوت، مش جزء من الله او حاجب معرفته الالهية:

"فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا." (كو 2: 9).
لكنه ميعرفش يعلن لهم، مينفعش يعلن لهم وقت القيامة والمجيء التاني

وخليني اديك مثال:

وانت في الامتحان، لما بتسأل المدرس اللي واقف يراقب، ايه اجابة السؤال دا؟ بيقول لك: معرفش
بس هو يعرف وانت عارف انه يعرف وهو مكدبش بردو..
لانه ميعرفش يقول لك الاجابة! دا امتحان لو اخدت الاجابة باظ الامتحان نفسه..

ونفس الشيء عمله المسيح هنا، قال لهم محدش يعرف، محدش ينفع يعرف الوقت، لان لو عرفت الوقت هتيجي قبل الوقت مش هتعيش حياة صح وسليمة تليق باولاد الله..

وهو قال لهم كدا لما سألوه تاني، قال لهم ليس لكم ان تعرفوا الازمنة والاوقات..

- مش بس كدا، دا هو قال لهم كدا بالظبط، وفي نفس الاصحاح وبعد الاية دي مباشرة، قال مينفعش تعرفوا.. طب ليه؟

كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ.
35 اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا.
36 لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا!
37 وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا».

ونفس التعليم كرره مرة اخرى في انجيل لوقا:
«لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً،
36 وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ.
37 طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ.
38 وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هكَذَا، فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ.
39 وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ.
40 فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ».

وحتى تلاميذه فهموا دا كويس اوي، فتلاقي بطرس الرسول في رسالته بيقول:
"وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا." (2 بط 3: 10).

وبولس الرسول كرر نفس الشيء:
"لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ." (1 تس 5: 2).

* الخلاصة:

- المسيح هو حكمة الله وله كل ما للآب ويعرف كل شيء.

- التلاميذ مينفعش يعرفوا الساعة اصلا.

- المسيح قال لهم مينفعش هما يعرفوا ليه، وقال لهم محدش يقدر يعلن عن الساعة، محدش يعرف يعلن عن الساعة دي، لانه ميعرفش يقول لنا شيء هيضرنا، وكلامه كان واضح جدا من نفس الأصحاح لما اعطاهم مثل العبيد اللي سافر سيدهم.

شرح: "وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ." (يو 17: 3)


"وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ." (يو 17: 3)

في ٤ نقط اساسية في النص دا:

1- النص دا بينفي هرطقة سابليوس، اللي كان بيعتقد ان الله بيخضع للعدد واحد، وانه شخص واحد مفرد.. ودا خطأ لان الله غير خاضع للارقام، الله واحد مش علشان الرقم واحد لكن لان مفيش زيه تاني، ملهوش مثيل..

2- وحدك هنا مش بينفي فيها المسيح اللاهوت عن نفسه، لكن عن الالهة الوثنية، ومش بس الاوثان بالمعنى الضيق للكلمة، لكن كمان كل حاجة بنعبدها ونمشي وراها ونتكل عليها ونسيب الله، زي المال والنسب والاشخاص وغيره.. فالله هو الاله الحقيقي وحده، مفيش اله تاني جنبه ولا معاه.. ودا ايماننا كمسيحيين ان الله واحد ملهوش مثيل..

3- الابن ذاته دعي في نصوص العهد الجديد بالاله الوحيد، مثلا:
وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (1 يو 5: 20).
"«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ." (رؤ 1: 18).

وبحسب النصوص النقدية للعهد الجديد زي UBS 5 بخصوص (يو١: ١٨) فالابن بيتقال عنه: "الاله الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر".

4- المسيح قال: "كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي"
ومش كدا وبس، دا في نفس الاصحاح بعدها بكام اية بس بيقول: (كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ... وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي)، يعني هو بيقول اهو ببساطة انه واحد مع الاله الحقيقي دا، لان كل اللي يتقال عن الاب يتقال عن الابن، وكل ما لله، كل ما ليه، هو للابن، وكل هنا يعني مفيش اي استثناء.. فالمسيح مش منفصل عن الله، لانه كلمته والكلمة لا يمكن ينفصل عن الشخص، فانا وكلمتي واحد نفس ذات الكائن.. وهكذا الله وكلمته واحد، نفس ذات الكيان الالهي والطبيعة الالهية الواحدة.